تحميل المجلة الاكترونية عدد 1078

بحث

أسطورة قرية تسكنها 'العفاريت'!

ما يحدث في قرية أبو شويق بمحافظة الفيوم المصرية لغز يبحث عن حلّ، فهناك نيران غامضة تندلع فجأة لتلتهم المنازل... والسيناريو الذي يؤكده الأهالي يفيد أن مجموعة من الدجالين اقتحموا القرية قبل أسابيع، وبدأوا استحضار الجان بحثاً عن الآثار وفشلوا في صرف كتيبة الجان التي استحضروها، فبدأت الانتقام من القرية وسكانها. حتى أن 10 فتيات من بنات القرية أصابهن «مس». «لها» كانت هناك ورصدت تلك الأحداث المحيّرة واستمعت إلى أقوال الأهالي.
حاول الخبراء أن يجدوا تفسيراً علمياً لتلك الحرائق، ولكن كلامهم لم يكن مقنعاً. أكدوا أن روث الماشية سبب لاندلاع النيران التي انتشرت في القرية، لكن الأهالي أكدوا أن الروث موجود في جميع القرى، فلماذا لم تحدث الحرائق إلا في أبو شويق، تلك القرية الصغيرة التي يعيش سكانها حالة من الرعب بسبب الحرائق، خاصة بعد أن سيطرت عليهم فكرة أن الجان هو السبب
.

الرعب
محمود
من سكان القرية قال: «النيران التهمت تسعة بيوت في 17 يوماً على التوالي، حتى أُصبنا بالرعب والخوف، وقرر معظمنا الاحتماء داخل الزراعات، لأن النيران لم تقترب إليها مطلقاً. ومنذ عرف الناس حكاية القرية التي نعيش فيها، توافد إلينا عدد كبير من المشايخ والدجالين، واستطاع المشايخ تهدئة الأوضاع، لكننا منعنا بعد ذلك الدجالين من دخول القرية، خاصة أن لهم أغراضاً دنيئة وغير معروفة لدينا».
ويضيف: «الحرائق أصبحت شيئاً عادياً، وكلنا متأكدون أن الجان هو السبب الحقيقي وراءها، ومن جهة أخرى يُنكر المسؤولون ما نقوله، ويؤكدون أن روث البهائم هو السبب وراء اشتعال النيران، خاصة أنها تشتعل في جو الصيف مع ارتفاع درجة الحرارة، لكن ما يدعونه غير حقيقي، فقريتنا فقيرة بالنسبة الى القرى الأخرى، وهناك قرى أخرى قريبة منا مليئة بروث البهائم، فلماذا لم تشتعل فيها النيران كما تشتعل عندنا»؟! كما أن أغلب النيران تندلع في بيوت لا تعيش فيها البهائم».
أما الحاج مصطفى، أحد كبار المزارعين في هذه القرية، فروى أن بداية الحرائق كانت منذ ثلاثة أسابيع تقريباً، ونشبت في أحد منازل القرية، وظن الجميع في البداية أن الحريق اندلع بشكل عادي. وبسرعة هرول أهالي القرية إلى هذا البيت وقاموا بإخماد الحريق بمجهودهم الذاتي دون إبلاغ رجال الشرطة أو الإطفاء، وأضاف: «اعتقدنا وقتها أن سبب الحريق هو ماس كهربائي أو عقب سيجارة، ولم نبالِ بالأمر كثيراً. وفي اليوم التالي شب حريق مشابه في بيت آخر، وقمنا بإخماده أيضاً بعد حوالي ساعة ونصف الساعة، وهنا بدأ الناس يرددون أن هناك شيئاً غريباً يحدث داخل القرية. وما ساعد على انتشار هذه الأقاويل هو اندلاع النيران في منزل ثالث في اليوم الثالث على التوالي، عندها تأكدنا أن هناك من يحاول إحداث فتنة في القرية، ويسعى إلى تدمير بيوتنا. ولذلك بدأ مجموعة من العقلاء يبلغون الأهالي أن هناك اجتماعاً بين أهالي البلدة بعد صلاة الجمعة مباشرة، وكان الهدف هو أن يُقسم كل الأهالي أنهم بعيدون كل البعد عن أي مؤامرات أو أحداث تخريبية في القرية، وحدث هذا فعلاً يوم الجمعة، وأقسم الجميع على ذلك. لكن المفاجأة كانت في اندلاع حريق جديد في منزل رابع، فيما كان الناس مجتمعين في مكان واحد، وهنا تأكدنا جميعاً أن هناك شيئاً غريباً يحدث داخل القرية.

الدجالون والجان
ويُكمل مصطفى كلامه قائلاً: «هنا اندلعت الشائعات بسرعة الصاروخ في البلد، والغريب أن الناس صدقوها وبدأوا يرددونها، فمنهم من قال: إن هناك مجموعة من الدجالين اقتحموا القرية بحثاً عن الآثار، واستحضروا الجان، لكنهم عجزوا عن صرفه، ولذلك يحاول الجان الانتقام من أهالي القرية. ومنهم من قال: إن أحد سكان القرية استحضر الجان من أجل غرض ما، لكنه لم يستطع صرفه.
وما زاد من تلك الشائعات هو احتراق بيوت أخرى في أيام متتالية، حتى أن اليوم الواحد كان يشهد أكثر من حريق، وكان يصل عدد الحرائق إلى خمسة أو ستة في يوم واحد».
ويؤكد شعبان عبدالهادي، أحد سكان البيوت التي تعرضت للحريق، أن النيران اندلعت فجأة من أرضية البيت، وبسرعة الصاروخ التهمت كل محتويات الغرفة، وأثناء إخمادها ظهرت النيران في بيت مجاور، واستطاعت خلال لحظات أن تلتهم سقفي البيتين.
ويضيف: «عندما تتصاعد النيران وتشتد قوتها ونعجز عن إطفائها، يرد الأهالي كلمة «الله أكبر» فتهدأ النيران بسرعة، وتختفي فجأة كما تظهر فجأة».

حكاية البنات العشر
ويقول عبد الواحد وهو من سكان القرية: «رأينا في الأيام السابقة ما لم نره طيلة حياتنا، وكأننا نعيش فيلم رعب، أو كابوساً لا ينتهي. فنحن نعيش داخل عزبة تتبع قرية الصالحية، وهذه القرية تحتوي على 36 عزبة، ولم نسمع طيلة حياتنا أن هناك نيراناً تندلع من تلقائها. كما أن النيران التي تندلع غريبة جداً، ولا تهدأ إلا بعد أن نقوم جميعاً بالتكبير، وأكثر ما أصابنا من تلك النيران، هو أن هناك عشر بنات صغيرات مسهن الجان، ينتفضن ويصرخن فجأة وبلا سابق إنذار، ولا يأتين إليك ولا يسمعن الكلام إلا بعد أن نقوم بالتكبير في وجوههن. ومن المواقف الغريبة التي حدثت أيضاً أثناء اشتعال النيران، أننا قمنا باستدعاء سيارة الإطفاء التي تبعد عنا حوالي عشرة كيلو مترات، وأثناء رحلتها انغرست اطاراتها في الرمال، وعجزت عن السير، ولم تستطع السير إلا بعد أن قمنا بالتكبير عليها».
ويقول محمد ناصر صاحب أحد المنازل التي اشتعلت فيها النيران: «النيران اشتعلت فجأة في بيتي دون سبب أو مقدمات. ومع أن النيران كان شكلها غريباً، إلا أننا تعاملنا معها بشكل عادي، حتى قضينا عليها تماماً، واعتقدنا أنه حادث عادي، لكن بعد ذلك علمت أن النيران اندلعت في بيوت أخرى من القرية بالشكل نفسه، وهو ما أصابنا بالرعب».
ويضيف: «جاء الدورعلى منزل شقيقتي التي تسكن بجواري، لكن منذ أربعة أيام انتهت النيران، ولم تعاود الظهور. وفي البداية كان الشك مسيطراً على الأهالي أن يكون من بينهم من يفعل هذا لغرض ما، لكن بعد ذلك تلاشت هذه الفكرة، خاصة مع تكرار الحرائق وعدم وجود غرباء في البلدة، فكل السكان في القرية عائلة واحدة وأشقاء، ولا يُعقل أن يكون هناك من يريد الإضرار بأحد من أقاربه أو أشقائه».
انتهى كلام الأهالي لكن الحكاية لم تنته، فالسكان يرفضون الاقتناع بأن سبب تلك الحرائق انتشار روث البهائم والإهمال، ويصرون على أن هناك فاعلاً غامضاً، ويشيرون بأصابع الاتهام إلى الجان، ويتوقعون بين لحظة وأخرى نشوب مزيد من الحرائق.

رأي الدين
يرى المفكر الإسلامي الدكتور عبد الصبور شاهين، الأستاذ في جامعة القاهرة، أن «ما يتردد على ألسنة العامة ما هو إلا خرافات، وما حصل من حرائق يتحدث عنها أهل تلك القرية إنما هو بفعل فاعل ولابد للشرطة من البحث الجاد عن الجاني الحقيقي والأسباب الحقيقية التي قد تكون انتقامية أو ثأرية، خاصة إذا علمنا أن محافظة الفيوم هي إحدى محافظات الوجه القبلي في مصر، الذي يُشتهر أهله بالعصبية والثأر، وقد سبق أن حصلت حوادث كهذه في السابق، وتم الترويج لخرافات وخوارق مماثلة ثم كشفت الشرطة المجرمين الحقيقيين من الإنس وحده، والذين تفوقوا في حيلهم على الجن الحقيقي الذي أراه بريئاً من تلك الاتهامات».
ويرفض شاهين ما يردده البعض ويؤمنون به من التعاون بين السحرة والجن في ارتكاب الحرائق أو الأفعال غير العقلانية، والقيام بالخوارق التي يفتخر بها السحرة. ويؤكد الإسلام أنه لا يمكن لأحد تسخير الجن بعد نبي الله سليمان عليه السلام لقوله تعالى: «وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ . وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ». (الآيتان 102- 103 سورة البقرة ).
وقال: «من يتأمل نصوص القرآن سيجد أن الجن مأمورون ومنهيون كالإنس، وقد بعث الله إليهم الرسل من الإنس وأمرهم بطاعتهم في دعوتهم لعبادة الله، وهذا ما نص عليه القرآن في قوله تعالى: «يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَـذَا قَالُواْ شَهِدْنَا عَلَى أَنفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ ». ( آية 130 سورة الأنعام) . ولاعلاقة لهم بالحرائق المجهولة المصدر أو القدرة على لبس أجساد الإنس في ما يعرف باللبس أو المس، وذلك لاختلاف الطبيعة بينهم، وبالتالي فإن ما يردده أهل القرية عن إصابتهم بالمس من الجن إنما هو افتراء وكذب».
وأنهى شاهين كلامه بالسخرية من القول بأن الجن يمنع سيارات الإطفاء من الوصول إلى أماكن الحرائق، «ولو كانوا يضرون وينفعون لمنعوا عن أنفسهم العذاب مع من يدعون أنهم يتعاونون معه من الإنس، وهذا ما أكده القرآن الكريم في قوله تعالى: «ويَوْمَ يِحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُم مِّنَ الإِنسِ وَقَالَ أَوْلِيَآؤُهُم مِّنَ الإِنسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِيَ أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَليمٌ». (آية 128 سورة الأنعام).

جهل
وأوضح الدكتور عبد المعطي بيومي، عضو مجمع البحوث الإسلامية، أن الإنس المؤمن هو أقوى ما في الكون، وكذلك فإن للجن قدرات مختلفة عن الإنسان لأنه من الغيبيات التي يجب الإيمان بما جاء بشأنها في القرآن أو السنة، ويحاول البعض تأويل بعضها لتأكيد تأثير الجن في حياة البشر من خلال الحرائق أو غيرها من الكوارث التي تنسب للجن مثل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الشيطان ليجري من ابن آدم مجرى الدم».
وأضاف: «يتسبب انتشار الجهل بوقوع الإنسان ضحية لأعمال الشعوذة والسحر. وقد حذرنا القرآن من تصديق ادعاء الإنس القدرة على تسخير الجن مع أنه إذا تم سيكون في غير مصلحتهم لقوله تعالى: «وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً». (آية 6 سورة الجن) . ثم أوضح لنا القرآن جزاء المؤمنين والكافرين من الجن فقال على لسانهم: «وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آمَنَّا بِهِ فَمَن يُؤْمِن بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْساً وَلَا رَهَقاً . وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُوْلَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً . وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً». (الآيات من 13 - 15 سورة الجن).
وتعجب من الترويج لمثل هذه الخرافات الملتصقة بالجن «في عالمنا العربي والإسلامي فقط، وكأن الجن لا عمل له إلا عندنا فقط، من خلال الحرائق ومنع سيارات الإطفاء بكل الوسائل، ومس أهل القرية حتى لا يمنعوه من إشعال الحرائق. فهذه الأمور التي يتم ربطها بالغيبيات يرفضها الشرع والعقل، ولهذا لا نصدق مثل هذه القصص التي يرتكب الجرائم الحقيقية فيها البشر الذين تفننوا في نسبة هذه الأمور الى الجن للهروب من طائلة القانون وصرف النظر عن مخططاتهم الإجرامية».

المجلة الالكترونية

العدد 1078  |  تشرين الأول 2024

المجلة الالكترونية العدد 1078