تحميل المجلة الاكترونية عدد 1079

بحث

الشيخ جمال قطب رئيس لجنة الفتوى في الأزهر

الأسئلة المتعلقة بحياتنا في الشهر الكريم كثيرة لا تنتهي، وكلها تبحث عن إجابات صريحة من أجل الوصول إلى صيام صحيح. ولهذا تواصل «لها» طرح كل الأسئلة الرمضانية. وفي هذا العدد يجيبنا عنها الشيخ جمال قطب، رئيس لجنة الفتوى في الأزهر، الذي يتحدث عن بعض المغالطات المتعلقة بالصيام، وحكم الدين في المايوه الشرعي، والخلافات الزوجية التي تحدث أحياناً بسبب «الستة البيض»، وإجبار الأهل لأبنائهم على الإفطار بسبب الامتحانات، وغيرها من الفتاوى التي تهم الصائمين.

- يأتي رمضان هذا العام في فصل الصيف ويتم الترويج لما يسمى «المايوه الشرعي»، فهل يجوز للمرأة النزول إلى البحر به وهي صائمة؟
عبارة «المايوه الشرعي» لا تعني في الأحكام الشرعية شيئاً، لأن الملبس له مواصفات معينة إذا توافرت كان الزي شرعياً كأن يكون فضفاضاً، ولا يصف ولا يشف، ولا يبرز مفاتن المرأة أو عوراتها أمام الرجال، ومن ثم فإن الزي الذي يطلق عليه «مايوه شرعي» يكون حلالاً إذا توافرت فيه المواصفات السابقة، ويشترط في التي ترتديه أن تنزل به البحر في أماكن خاصة بالنساء حتى لا يراها الرجال، خاصة أن هذا الملبس قد يلتصق بالجسد بسبب المياه، وتنتفي عنه صفة الشرعية إذا تم ارتداؤه أمام الرجال، أما إذا نزلت به البحر بعيداً عن أعين الرجال وبين بنات جنسها فلا حرمة فيه.

- وسط هذا الجو الرمضاني الصيفي هل يجوز بقاء النهار كله في حمام السباحة أو البحر كنوع من الترطيب الذي يخفف من عناء الصيام في الحر الشديد؟
البقاء فترة طويلة في حمام السباحة لا يُفطر مادام الماء لم يصل إلى الجوف، ولكنني أدعو الصائمين والصائمات لعدم تفريغ الصيام من حكمته بالتحايل، لأن الإحساس بمعاناة الفقراء واحتساب المشقة عند الله، والعمل الجاد لكسب الرزق رغم الحر هذا ثوابه أكثر بلا شك ممن أمضى النهار كله في حمام السباحة أو البحر.

الصيام والرياضة
- أفتى بعض العلماء بأن ممارسة الرياضة - سواء كانت نسائية أو رجالية - في نهار رمضان يبيح الفطر سواء كانت الممارسة تدريباً أو مباريات؟
هذه الفتوى غير مقبولة شكلاً ولا موضوعاً ولا يجوز الافتاء بها، فهذا نوع من التساهل في أمور الدين، لأنه لا يجوز إعطاء رخصة الفطر إلا لمن نصت عليهم الأحكام الشرعية كالمريض والمسافر والنفساء والحامل إذا خشيت على نفسها أو جنينها، وما شابه ذلك من الأعذار التي اتفق عليها الفقهاء ورأوا فيها مشقة تجلب التيسير، ولا يجوز القول: إن ممارسة الرياضة تقاس بالأعمال الشاقة، ولهذا أطالب المسؤولين عن الرياضة بالسير وفق أحكام الشرع، وليس البحث عن مبررات لعدم صوم الفريضة.

- ولكن من أفتوا بذلك أكدوا أن لاعبي المنتخبات الوطنية فقط وليس الفرق المحلية لهم حق الفطر، فهل هذا صحيح؟
إذا كانت هناك رخصة للفطر فهي للفريق الذي يسافر مسافة أطول من مسافة قصر الصلاة، أما القول بأن هذا مباح للمنتخب الوطني وغير جائز للفريق المحلي فهذا محض افتراء، لأنني أرى أنه لا يجوز الفطر للاعبين غير المسافرين، ولو كانوا يمثلون الأمة الإسلامية كلها، وليس دولة واحدة.

التدخين
- ما رأيكم في ما يقال إن تدخين السجائر في رمضان مباح ولا يُفطر؟
هذه ليست فتوى بل تخريف لا يصدر إلا عن جاهل بأحكام الدين أو في نفسه مرض، ويريد أن يزين للناس سوء عملهم، حتى أنه جعل السجائر التي هي محرّمة أصلاً في غير رمضان حلالاً في نهار رمضان ولا تُفطر. وقد حذرنا الرسول من أمثال هؤلاء فقال صلى الله عليه وسلم: «إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يُبق عالماً اتخذ الناس رؤساء جهّالاً فسئُلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا».

- لكن الفضائيات تروّج لهذا الإفتاء وتظهره على أنه من صحيح الدين الذي يتوافق مع العقل، فهل يجوز أن نطبق قاعدة المسؤولية على من أفتى أو اختلاف الفقهاء رحمة؟
هذا ليس اختلافاً في اجتهاد فقهي يستند إلى أسس شرعية، كما أن هناك شروطاً لابد من توافرها في المجتهد حتى يدخل في دائرة الاجتهاد المعترف به شرعاً حتى وإن اختلف مع بعض المجتهدين الآخرين، وأهمها أن يكون لكلامه أصل أو سند شرعي من مصادر التشريع الإسلامي.

الامتحانات
- تُجبر بعض الأسر أبناءها على الإفطار أثناء الامتحانات خاصة قبل المواد الصعبة، فهل هذا جائز شرعاً؟
الامتحانات ليست مبرراً للإفطار، ولا يجوز التهاون في ذلك حتى لا تضيع الفريضة. وعلى الأهالي عدم إجبار أبنائهم على ذلك وإلا أصبحوا آثمين شرعاً. بل عليهم جعل الأبناء يتحلون بالصبر والإرادة القوية، وقبل هذا كله الاستعانة بالله الذي يعين الصائمين والصائمات على التفوق. والحالة الوحيدة التي يجوز فيها الفطر في هذه القضية أن يؤدي الصيام إلى تأثير سلبي كبير على الصائم، وهنا يكون الإفطار للإعياء الشديد جداً، الذي يأخذ حكم المرض وليس بسبب الامتحانات.

- تستهتر بعض النساء في أداء الفريضة لسنوات ثم يعترفن بتقصيرهن ويردن التوبة، إلا أن البعض يُخيفهن من عدم قبول توبتهن، فماذا تقول؟
من رحمة الله بعباده أنه لم يغلق باب التوبة للبشر مهما أذنبوا أو قصروا في العبادة بشرط أن تكون التوبة صادقة، ولهذا أقول لمن قصرّت في حق الله في صلاة وصيام أو أداء العبادات: استغفري الله وتوبي إليه عسى الله أن يتوب عليك ويغفر لك ما فرط منك واستجيبي لنداء ربك: «وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون» (آية31 سورة النور). وقوله «وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدى» (آية 82 سورة طه) وعليك الاجتهاد في أداء العبادات من صلاة وصيام لتعويض ما فاتك ما استطعت إلى ذلك سبيلاً.

مسؤولية الوالدين
- بسبب الجهل بأمور الدين يتأخر كثير من الأبناء في بدء الصوم، فمن المسؤول عن ذلك أمام الله؟
هذه مسؤولية الآباء والأمهات في تعويد أبنائهم على الصيام منذ الصغر، وقبل سن التكليف الشرعي، لأنه يجب عليهم أداء كل العبادات وليس الصيام فقط، ويكفي أن يعرف الآباء مسؤوليتهم من خلال الحديث النبوي الذي يقول فيه الرسول صلى الله عليه وسلم: «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته»، ولعظم المسؤولية عن حسن تربية الأبناء والبنات على أداء الفروض الدينية، ومنها الصوم قال صلى الله عليه وسلم: «كفى بالمرء إثماً أن يضيّع من يعول».

- يعتقد البعض أن قبول الصيام وثوابه يرتبط بمقدار ما يفعله من الخيرات، فهل هذا صحيح خاصة أن غالبية الصائمين من الفقراء؟
رغم أن هناك كثيراً من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تحث على المسارعة إلى الخيرات، ولكنها لا تجبر فاعليها على المداومة عليها لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أحب العمل إلى الله ما دام عليه صاحبه وإن قل». ولهذا فإن الفقراء يمكنهم فعل الخير ولو بشق تمرة أو حتى كلمة طيبة أو صلة القربى أو الصلح بين المتخاصمين، وبالتالي ليس الخير في إنفاق المال أو إطعام الفقراء فقط. ومن عظمة الإسلام أن أوجه الخير فيه بلا حدود، حتى أن البسمة صدقة يُثاب فاعلها.

الستة البيض
- تحرص كثير من الزوجات على صيام ستة أيام من شوال أو ما يطلق عليه العامة «الستة البيض»، فما هو ثواب صيام تلك الأيام؟
صيام ستة أيام من شوال سُنة وليست فريضة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر». لا حرج في صيامها متتابعة أو متفرقة.

- لا يفهم كثيرون معنى الحديث النبوي «من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر»، فما المقصود به؟
هذا دليل على أنه لابد من إكمال صيام رمضان، الذي هو الفرض، ثم يضيف إليه ستة أيام من شوال نفلاً لتكون كصيام الدهر، وفي حديث آخر: «صيام رمضان بعشرة أشهر وستة أيام من شوال بشهرين». أي أن الحسنة بعشرة أمثالها، وعلى هذا فمن صام بعض رمضان وأفطر بعضه لمرض أو سفر أو حيض أو نفاس فعليه إتمام ما أفطره بقضائه من شوال أو غيره مقدماً على كل نفل من صيام الستة أو غيرها، فإذا أكمل قضاء ما أفطره شرع له صيام الستة من شوال ليحصل له الأجر المذكور.

رعاية المريض
- هل يحق للزوج المريض المفطر إجبار زوجته على الإفطار لرعايته؟
إفطار الزوج المريض جائز شرعاً، ولكن لا يجوز لك إجبار زوجتك على الإفطار، ولهذا فإنك آثم شرعاً وزوجتك آثمة إن أطاعتك لأن القاعدة الشرعية تقول: «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق»، وإذا كان الزوج عذره المرض، فالزوجة ليست مريضة وعليها أن تقضي هذه الأيام التي أفطرتها في أسرع وقت.

- وماذا عليها إن تأخرت حتى دخل رمضان المقبل ولم تقض ما عليها من أيام؟
إذا أتى عليها رمضان آخر قبل قضائها من غير عذر فإن عليها القضاء مع إطعام مسكين عن كل يوم.

المجلة الالكترونية

العدد 1079  |  تشرين الثاني 2024

المجلة الالكترونية العدد 1079