تحميل المجلة الاكترونية عدد 1079

بحث

20 في المئة من المدخنين حول العالم نساء

عندما تدخل أحد المقاهي في مدينة جدة يستقبلك دخان كثيف ينبعث من السجائر ومن الشيشة، لترى بعدها الفتيات والشبان وحتى العائلات يجلسون بصحبة الاصدقاء والصديقات مستمتعين بالاجواء، متناسين الاضرار السلبية التي تنتج عن التدخين. وفيما تتزايد أعداد المدخنين من الجنسين وخاصة المراهقين، هناك أرقام تشير إلى ارتفاع نسبة المدخنين من فئة صغار السن التي تبدأ من سن 9 سنوات! وأخرى تتحدث عن نسبة كبيرة بين فئة عمرية تتراوح بين 14 و20 سنة، وهم من الاشخاص الذي يجربون السيجارة مرة لتسير السنوات بهم ولا يستطيعون الاقلاع عنها. في 31 من شهر أيار/مايو كل عام تحتفل منظمة الصحة العالمية باليوم العالمي لمكافحة التدخين الذي كشفت فيه هذا العام  ان نسبة المدخنات من النساء وصلت إلى 20 في المئة حول العالم.

«لها» وقفت على الجهود التي تبذلها وزارة الصحة السعودية لمكافحة التدخين. وتحدثت الى منسقة مكافحة التدخين في الرعاية الصحية الاولية في وزارة الصحة في جدة الدكتورة منال شمس التي أخبرتنا عن أكبر حملة اُعدت في هذا اليوم تحت شعار «دمّر الرجال.. ويستهدف النساء»، بغرض تسليط الضوء على الاخطار الصحية الناجمة عن تعاطي التدخين والتبغ الذي يُعد ثاني سبب للوفاة في العالم. كما تحدثنا مع المهندس قسورة الخطيب الذي أعد حملة ضخمة يستعد بها لدخول موسوعة غينيس  للارقام القياسية، من خلال إطفاء أكبر عدد ممكن من السجائر في اكبر منفضة في العالم في وقتٍ واحد. وأخذنا بالرأي النفسي الذي يوضح دوافع لجوء المراهقين من الجنسين الى التدخين وادمانه.

شمس: نسبة التدخين لدى النساء أكبر منها لدى الرجال والعدد في ازدياد
 قالت الدكتورة منال شمس إن الحملة التي أطلقتها وزارة الصحة السعودية تُعد من أقوى الحملات وأكبرها لأنها تتحدث عن زيادة نسبة المدخنات من النساء وتزايد أعدداهن في الفترة الاخيرة. وأضافت: «شارك في هذه الحملة طلاب من جامعة الملك عبدالعزيز كمتطوعين، وهناك طلاب من قسم التمريض ايضاً من بين المشاركين. بدأت الحملة الاثنين 31 أيار/مايو، وهو اليوم العالمي لمكافحة التدخين واستمرت أربعة أيام تم التركيز فيها على شرائح مختلفة من الناس، خاصة الموجودين في الأسواق والمجمعات التجارية. وكانت تحمل عنوان «دمّر الرجال... ويستهدف النساء». وكان الغرض منها تسليط الضوء على الأخطار الصحية الناجمة عن تعاطي التبغ والدعوة إلى وضع سياسات فعالة كفيلة بالحد من إستهلاكه، لا سيما أن تعاطي التبغ يمثل ثاني اسباب الوفاة على المستوى العالمي بعد ارتفاع ضغط الدم. وهو مسؤول عن وفاة 1 من 10 بالغين،أي ما مجموعه 5 ملايين شخص يموتون سنويا منهم حوالي 1.5 مليون امرأة».
وتابعت شمس: «بيّن تقرير صدر عن مركز معلومات الاعلام والتوعية في وزارة الصحة أن اليوم العالمي ركّز هذا العام على مسألة تسويق التبغ للنساء خاصة أن نسبة النساء تُشكل نحو 20 في المئة من المدخنين في العالم مع العلم بأن معدل التدخين لدى الاناث آخذ في الارتفاع، ففي عام 2005 كانت نسبة المدخنات من النساء 2.8 % أما اليوم فالنسبة وصلت الى 20%».
وقالت ان مشاركة الطلاب والطالبات من الجامعة «أتت بنتائج ايجابية خاصة أنهم الفئة العمرية الاكثر استهدافاً في مثل هذه الحملات بهدف تغيير سلوكيات منسوبي الجامعة والطلاب وتوفير سبل العلاج خلال فترة الحملة وتطبيق لوائح منع التدخين في الجامعة، إضافة إلى توفير دورات تأهيلية واستشارات نفسية واجتماعية وعيادات متكاملة لمساعدة الراغبين في الاقلاع عن التدخين. مضيفة : «لقد اشارت احصاءات وزارة الصحة إلى أن نسبة انتشار التدخين بين طلاب الجامعات تصل إلى 37 في المئة، ويأتي انتشارها الاكبر بين الطلبة الذكور بما نسبته 26 في المئة، وتبلغ أيضاً نسبة المدخنات من الطالبات على مستوى التعليم العالي 11 في المئة وهذا الرقم قابل للازدياد».
وأوضحت ان الحملة «كانت عبارة عن كشف مجاني عن مستوى السكر والضغط ومن ثم تعبئة الاستمارات الخاصة بحسب الدليل الارشادي الذي تضمن أسئلة عن بداية التدخين وكمية السجائر التي يدخنها الشخص المعني وغيرهما من الاسئلة، لنكتشف من خلال هذه الاستمارات أن الاشخاص الذين بدأوا التدخين مبكراً تراوحت أعمارهم بين التاسعة والعاشرة! وكان أبرز أسبابهم التقليد. ومن ثم يتم قياس أول أوكسيد الكربون، وتعطي استشارات من أطباء الأسرة بمدة بسيطة لا تتجاوز 15 دقيقة، وهذا هو الفرق بين هذه الحملة وغيرها. وبعد ذلك يتم تحويلهم إلى عيادات مكافحة التدخين التابعة لوزارة الصحة، وهناك أيضاً عيادات في المستشفيات الخاصة». 
وأشارت إلى أن تقرير وزارة الصحة العالمية أثبت أن التدخين يتسبب باصابة المرأة بسرطان الثدي، علماً أن المدخنات في سن المراهقة أكثر عرضة للاصابة بسرطان الثدي بنسبة 70 في المئة من غير المدخنات، كما يُقلص التدخين أعمار النساء المدخنات بأكثر من 10 سنوات مما يقلّصه التدخين من أعمار الرجال. كما يؤثر التدخين في جمال المرأة وحيويتها فيضر بصحة الجلد والشعر والفم والاسنان والعينين. والمدخنات من النساء أكثر عرضة لاضطرابات الدورة الشهرية والوصول المبكر الى سن اليأس والاصابة بهشاشة العظام وأمراض القلب».

الخطيب: نسعى الى دخول  موسوعة غينيس للأرقام القياسية في اكبر منفضة للسجائر في العالم
يظهر شاب يدخن وصديقه ينظر اليه وكأنه خائف، فيقول له الأول تناول السيجارة لتصبح رجلاً، ليأتي هذا السؤال على لسان الشاب الآخر قائلاً وهل الرجولة في التدخين؟!  مشهد مدته لا تزيد عن الدقيقة الواحدة تحت عنوان «استرجل.. ولا تُدخن».
وفي مشهدٍ  مختلف تماماً مدته لا تزيد عن 47 دقيقة  تحت عنوان «تدخني .. من جد شكلك وحش»، تظهر مجموعة من الفتيات يبتسمن ويتحدثن مع بعضهن لتبدأ واحدة منهن اشعال سيجارة وتدعو صديقاتها الى التدخين مستغربة رفضهن قائلة إن شكلها جميل وهي تدخن. وما أن تناديها والدتها حتى تبدأ صديقاتها بالضحك واخبارها بأن شكلها لم يعد جميلاً أمام والدتها. «رسائل بسيطة بأسلوب يحاكي المراهقين ويستهدفهم بالدرجة الاولى»، هذا ما ذكره خبير الاعلانات السعودي ورئيس مجلس ادارة شركة (full stop) المهندس قسورة الخطيب الذي تحدث عن موضوع التدخين وخطره على الجيل الصاعد. وأضاف: «موضوع التدخين شائك جداً وكبير، وهناك أبحاث تقارير تؤكد زيادة نسبة المدخنين حول العالم سنة تلو الأخرى. حملتنا تستهدف الجيل الصاعد من سن 14 إلى 20 سنة، وهم المبتدئون في التدخين، ذلك لأني صُعقت بأن معدل الطلاب المدخنين داخل الفصل الواحد يبلغ 12 الى 15 طالباً، أما كبار السن فهم من اختاروا هذا الطريق ومن الصعب علينا ان نقنعهم بالاقلاع عنه.
ومن خلال إجراء بعض الأبحاث وجدت أن الاعلانات التي تحاكي المجتمع السعودي بأسلوب مبسط ولغة سلسة  وواقعية تساعدهم في الاقلاع عن التدخين بطريقة أسهل، خاصة لمن بدأ التدخين حديثاً».
واستطرد قائلاً: «صورنا 7 إعلانات جميعها تصب في الحملة ضد التدخين وضرورة الاقلاع عنه، بدءاً من السيجارة الاولى وإستناداً الى المبدأ الذي يقول (كل شيء له اول مرة) ويتم التركيز في كل إعلان أو في كل مجموعة من الاعلانات على شيء معين. وهذا الاعلان يركز على فئة الشباب والفتيات الذين بدأوا التدخين للمرة الأولى رغبة في التقليد، أو انه أمر يدعو للتسلية (cool). وهناك إعلان يتحدث عن التجربة، أي انه هناك امور في حياتنا لا يصلح أن نجربها للمرة الاولى ومن ضمنها التدخين، وهناك إعلان سيُركز على الرائحة، وآخر عن الصحة. ولن ننسى دور الأهل في التدخين، فهناك حملات موجهة برسائل قد تحدث صدمة للأهل».
وأردف الخطيب قائلاً: «هدفنا الأساسي هو إجراء أكبر حملة عن التدخين على مستوى السعودية، والاعلانات التلفزيونية عنصر صغير جداً في الحملة التي ستتضمن حملات مطبوعة وحملات الكترونية، إضافة إلى وجودنا في فعاليات داخل الاسواق والمجمعات التجارية ليتكاتف الشباب جميعهم مع الحملة لإنجاحها. وأحد الفعاليات التي نرغب من خلالها دخول مجموعة غينيس للارقام القياسية هو دخول أكبر عدد من  الاشخاص قرروا وقف التدخين في لحظة واحدة من خلال صنع منفضة سجائر كبيرة الحجم لرمي كل السجائر التي في حوزتهم داخلها، ومن ثم توقيع تعهد بعدم العودة الى التدخين».
وأشار الخطيب إلى أنه سيتم التعاون مع المستشفيات وعيادات مكافحة التدخين التابعة لوزارة الصحة وإجراء الكشف وإعطاء العلاج مجاناً للمقلعين عن التدخين ومساعدتهم على ذلك بكافة الوسائل والطرق التي تخدم مصلحتهم وصحتهم.

درّاج : التقليد سبب رئيسي للتدخين في صفوف الجنسين
حول هذا الموضوع وعن سبب زيادة أعداد المدخنين والمدخنات من الجنسين في السعودية، ذكرت الاختصاصية النفسية سميرة درّاج أن الزيادة تعود إلى الفراغ الذي يعيشه كلا الجنسين في السعودية، سواء كان هذا الفراغ دينياً أو نفسياً أو اجتماعياً، وتقول: «العمر هو ما يحدد مبدأ التقليد الذي يعتبر العامل الرئيسي في اللجوء الى التدخين فنجد أن المراهقين من سن 14 سنة يبدأون بتجربة السجائر رغبة في تقليد من يكبرونهم  في السن، دون النظر إلى سلبيات الفكرة أو حتى أبعادها الخطيرة على الصحة، ناهيك بدور الأسرة. ومن ثم نأتي الى دور رفقاء السوء الذين يؤثرون بطريقة كبيرة جداً على بعضهم البعض ويجذبون الآخرين إلى تجربة التدخين. كما أن غياب البديل يعتبر من المحركات الرئيسية للتعوّد على العادات السيئة».
وأضافت: «من ضمن الاسباب أيضاً الهروب من الواقع الذي بات يزخر بالكثير من المنغصات سواء اقتصادياً أو اجتماعياً، ونجد بعض الفتيات خاصة ممن يعانين الفراغ العاطفي فيلجأن إلى السجائر. وهناك من يرى في التدخين وسيلة لتحقيق الذات والتمرّد على النفس والمجتمع بعاداته وتقاليده. وقد يشعرون بالإحباط وعدم القدرة على مواجهة الواقع. وأنا اعارض من يقول إن غياب البديل في السعودية سبب للجوء للتدخين، والدليل أن هناك نسبة كبيرة من الناس لم يلجأوا الى التدخين. وقد يكون التدخين لدى المراهقين هو التعويض عن الخجل وتخفيف وطأة الاضطرابات النفسية أو وسيلة للتنفيس بعد التعرض لصدمات عاطفية، خاصة لدى الفتيات».
وشددت درّاج على دور عيادات مكافحة التدخين باعتبار أنها الطريقة الوحيدة للتخلص من السموم والتبغ في جسم الانسان. ويجب أن تُفعل هذه العيادات في كل مؤسسة ومقرات حكومية وتعليمية وحتى اجتماعية للوصول إلى شريحة كبيرة من الاشخاص الراغبين في حياة صحية وسليمة وخالية من التدخين.

المجلة الالكترونية

العدد 1079  |  تشرين الثاني 2024

المجلة الالكترونية العدد 1079