تحميل المجلة الاكترونية عدد 1080

بحث

سهام تويني… أربعينية للتو، الخيل والليل والقلم تعرفها

للأسف لا تزال بعض الصحافة تصر على إحباط  القارئة الأربعينية بمصطلح «سن اليأس» مما يولّد لديها أزمة نفسية رغم أن الهدف «محفوف بالنوايا الحسنة». لا شك أن النظرة إلى «إمرأة الأربعين» في ما مضى لم تتساوَ مع بزوغ نجم «رجل الأربعين» في البيئة العربية، فهذه السن هي «ذروة الرجل وشرارة الشباب الأنثوي الأخيرة». ولكن هل هذا هو الواقع اليوم ؟ هل سن الأربعين هي هاجس المرأة اليوم ؟ قد تجتمع الإجابة بواقع المرأة التي ترفض تجاوز الثلاثين، كما هو حال أيقونات الجمال تحت الأضواء، فيما هالي بيري وسلمى حايك ومونيكا بيلوتشي وديمي مور ينصفن على الملء أوان الزمن. وقد تكون الإجابة رهن ما يختلج في المرأة من قلق ونقاط ضعف وقوة وواقع عائلي... وتبقى هذه التوقعات إحتمالات حين نرصد ما مرّ في حياة السيدة اللبنانية سهام العسيلي تويني من معاناة وإنكسارات وموت وإستئنافات وخيبات... وقع الأربعين في حياة إمرأة حالفها الحظ والحزن، تؤكد أن الأربعين ليست نهاية العطاء بل بلوغ منتهاه. مقولة أيقونة الموضة كوكو شانيل تُحكِم الفحوى، «لا يمكن الإحتفاظ بالشباب عقب الأربعين، لكن بإستطاعة المرء أن يكون جذاباً في أي مرحلة عمرية».

- (تشعل سيجارة)تدخنين كثيراً؟
نعم، عند المساء خصوصاً حين أطيل السهر رغم أنني أكره التدخين.
لقد أمسكت بالسيجارة لأول مرة حين تمّ طلاقي في سن الثالثة والعشرين خصوصاً أن زوجي الأول كان ضد الفكرة، فتعلّقت بالسيجارة. تزوجت باكراً في عمر التاسعة عشرة من كريم كاراغولا، وأنجبت إبني شريف في سنة الزواج الأولى.

- هل أكملت دراستك؟
لا، حتى لم أتم السنة الثانوية الأخيرة رغم تشجيع زوجي. كانت تتركز حياتي على ركوب الخيل في بيت مري، المنطقة التي درست وأقمت فيها مع أهلي وخلال زواجي الأول والثاني. لم تسعفني الأوضاع آنذاك خصوصاً حملي السريع والوضع الأمني  (حرب الإلغاء) الذي يكبل المرء في منطقته.

- لم تزوجت باكرا؟
في الفترة التي تزوجت فيها كانت الحياة اللبنانية داخل الجدران. كنا صغيرين، كان يهتم بي جيداً لكننا لم نتفاهم في ما بعد، ففضلنا الإنفصال. كان وقع الأمر قاسياً على إبني شريف خصوصاً نزاع الحضانة وثرثرة المحيط وموقف والدي من الطلاق. لقد خاصمني والدي عاماً كاملاً.

- كيف كانت حياتك إثر الطلاق؟
كان عنوان حياتي الفروسية. فالخيل شكل منذ الصغر محوراً يومياً خصوصاً أن أمي دنماركية وتهوى ركوب الخيل كما والدي، وكانت هذه الرياضة سبباً في تعارفهما. شاركت في بطولات في الشام واللاذقية ولبنان وأحرزت ألقاباً. أمست الفروسية التحدي الأكبر في حياتي. لم أكن بمعزل عن كوني أنثى في حاجة إلى رجل. لقد قابلت رجلين. أحدهما الرياضي روني صيقلي لكنه كان مقيماً في الولايات المتحدة الأميركية، مما شكّل عائقاً أمام إستمرار العلاقة خصوصاً أنني أم. أما العلاقة الجدّية الثانية التي إستمرت أربع سنوات فكان تتويجها بالزواج شبه محال وسيتسبب بالمشاكل. لم أكترث يوماً بخطوات الزمن كأم وحيدة. تعرفت على جبران بعدها بأربعة أشهر.

- كيف تمّ التعارف بينك وبين الشهيد جبران تويني؟
كنا قد تعارفنا نهاية التسعينات حين فزت ببطولة فقرا للفروسية بحضور الأميرة هيا. وكصحافي في جريدة «النهار» كان عليه أن يكتب عن الحدث، فاستدعاني على مضض. لم يرقه كوني أمارس الفروسية مع شخصيات سورية، وقد حاول إهانتي بكياسة وطلب مني الإنصراف كمن يجب أن أحفظ له معروف الكتابة عني.
وبعد مرور عامين، أفاجأ بإتصاله يقول لي أنه أبصرني في منامه. لم ألبِّ دعواته الأولى إلى الغداء.  كنت حينها في حالة ذهول خصوصاً أننا متناقضان، هو رجل رزين ومحافظ وأنا إمرأة تحب السهر. لكن حب الخيل والبحر جمعنا. إلتقينا وطرح عليّ سؤالاً: «هل ستبددين حياتك سهراً، ألاّ تفكرين في الزواج مجددا؟». جلب جبران الطمأنينة إلى حياتي مذ إصطحبني معه إلى لوس إنجليس لحضور حدث إقتصادي، كان يريدني أن أخالط أجواء جديدة. لم يتركني يوماً مذ ذاك التاريخ. طلب الزواج مني بعد أربعة أشهر وتزوجنا بعد ستة. لكن الوضع الأمني كان بالمرصاد.

- كيف تعايشت مع الأوضاع آنذاك؟
كنت شديدة الخوف عليه خصوصاً إثر ترشّحه للإنتخابات ومن ثم تردّده المستمر إلى باريس وعودته غير الآمنة. لم يكن حريصاً على حياته، من ناحية الخروج في التوقيت نفسه وسلوك الطريق نفسها. كنت أسأله في السنة الأخيرة ما قبل إغتياله: «لم تزوجنا؟» كان مؤمناً بأن لبنان أهم مني ومن العائلة، وبأنني أقوى على العيش دونه. لكني اليوم أشعر بالضيق حين تقول لي إبنتي دامعة : «إشتري لي والداً !» Buy Me A Dad. لقد سمت طفلتاي إبني شريف كالرجل الأفضل حين طلب منهما ذلك في المدرسة.

- هل تقتصر حياتك اليوم على إدارة مجلة «نون» والإهتمام بأطفالك؟
لقد فرضت عليّ هذه الحياة رغم أنني أؤمن بثنائية الحياة وأشعر بالوحدة. أتساءل من هو الرجل الذي قد يدخل حياتي مجددا؟ رغم ما قاله لي عمي غسان تويني أنني لا أزال صغيرة لإعادة بناء حياة جديدة لكن المقارنة ستحضر دوماً من قبل المحيط ومن قبلي خصوصاً أنني تزوجت من رجل منحني الحب الكبير والثقة بعد أن حملّني مسؤولية مجلة، كان مؤمناً بذكائي.

- ما الحافز اليوم؟
الخيل. لقد سافرت إلى هولندا لشراء فرسين. كان لا بد من عامل يشغلني عن واقعي. الخيل والمجلة أنقذاني من محنتي. كما أنني لطالما كنت مهووسة بالطهو، وأطلب من أي مقهى أرتاده وصفات الأطباق التي أتذوّقها. وقد إفتتحت أخيراً مطعماً في قمة مبنى في وسط مدينة بيروت.

- يعتبر فولتير السعادة مسألة أخلاقية، Il est poli d'être gai.  ماذا تقولين لمن يعارض بلوغك الأربعين شابة تضج حياة رغم المأساة التي واجهتك؟
منذ خمسة أشهر كنت أعاني ضغطاً نفسياً رهيباً وبت سريعة البكاء. وقد خرجت من هذه الحالة في عيد ميلادي الأربعين فور عودتي من دبي. أقمت حفلة كبيرة ودعوت مئتي شخص من بينهم المصمم العالمي إيلي صعب الذي أهداني فستاناً. شعرت بإشتياق للحياة والأصدقاء. وصلت إلى مرحلة نفسية حرجة، كنت أشاهد المسلسلين التركيين «عاصي» و«دموع الورد» وأبكي، كذلك حين أشاهد الأفلام المؤثرة كفيلم Hachiko: A Dog's Story. لقد زرت طبيباً نفسياً.

- تخافين من التقدّم في السن؟
أتمنى أن أكون في الستين لكي أطمئن إلى طفلتيّ. عمري مرتبط بهمّ وحيد هو مستقبل نادية وغابرييلا.

- لكن العمر العربي هاجس أنثوي؟
لقد عشت مراحل عديدة في حياتي تشعرني بأنني أكبر سناً. عرفت الشغف والحب وتعلّمت عدم إنتظار أي تحوّل. مظهراً، لن الجأ إلى التجميل ولا أخفي أنني ألجأ إلى البوتوكس حين تقسو نظراتي. هاجسي هو عدم إهمال مظهري لكنني لا أكترث بتراكم السنوات. كما أنني إتخذت قراراً بعدم الإنزواء، أمارس الرياضة أخيراً بشكل منتظم بعدما كسبت وزناً إضافياً جراء تناول المقالي والمعجنات. سن الأربعين هي إنطلاقة جديدة لسهام العسيلي خصوصاً أنني أبحث في تقديم برنامج تلفزيوني يتطرّق إلى ملفات تطرحها مجلة «نون».

- هل أنت متصالحة مع المرآة بعكس سيدات صفحات المجتمع المخيفات في المجلات العربية؟
نعم جراء التجميل والتشقير والحقن. أربط العمر بالعناية والإهتمام لا التجميل. لن أصبح «طبلة» يوماً مثلاً، ومقتنعة بمسألة النسبية في ما يتعلق بالجمال ومتصالحة مع الزمن وسلوكي غير مرتبط بسني بل بطبعي، فأنا أعشق البحر والخيل والتزلج.

- أخيراً من هي سهام العسيلي اليوم؟
إمرأة أربعينية واجهت الموت والحب وولدت بأمل جديد. باتت تقدّر اليوم اللحظات الجميلة أكثر وتقتنصها بشكل أكبر. تملك إصراراً على الحياة، لن أقف عند عائق العمر فالحياة كلّها مسألة وقت.

المجلة الالكترونية

العدد 1080  |  كانون الأول 2024

المجلة الالكترونية العدد 1080