رنا شميطلي وحكاية 'المهندس الصغير'
عندما لاحظت رنا شميطلي الأم مهندسة الميكانيك والأستاذة في الجامعة الأميركية في بيروت كيف يمضي أبناؤها الثلاثة أوقات فراغهم أمام التلفزيون أو الشبكة العنكبوتية، وكيف أن بعض طلابها في سنة أولى هندسة يتركون الهندسة لأنهم اكتشفوا أنها ليست الاختصاص الجامعي الذي يرغبون في دراسته، فكّرت في مشروع يوفر للأطفال من هم في سن أبنائها نشاطًا علميًا مسليًا يطوّر مهاراتهم في الابتكار والاختراعات الهندسية، ويساعد المراهقين الذين يستعدون لدخول الجامعة في بلورة أفكارهم وميولهم الجامعية. فكانت فكرة إنشاء مركز «المهندس الصغير» الذي نالت عليه شميطلي جائزة مسابقة أفضل خطة عمل في العالم العربي التي تنظمها الـ MIT.
- كيف ولدت فكرة إنشاء مركز المهندس الصغيرThe little ingeneer؟
أنا متخصصة بالهندسة الميكانيكية وأدرّس في الجامعة الأميركية في بيروت مادة روبوتك لطلاب السنة الأولى. عندما طلبوا مني تعليم هذه الحصّة. قمت ببحث على الإنترنت لأعرف آخر النظريات الحديثة في هذا المجال، وأثناء بحثي اكتشفت وجود أطفال يعملون في مجال الابتكار. وقررت أن أطوّر هذه الفكرة في لبنان من خلال إنشاء مركز نعلّم فيه الأطفال والمراهقين الذين لديهم شغف الهندسة كيف يطبّقون النظريات الهندسية عمليًا. وفي الوقت نفسه بما أنني مهندسة ميكانيك وأهتم بالطاقة وبالمحافظة على البيئة و أم لثلاثة أبناء لا أحب أن يجلسوا إلى التلفزيون كثيرًا أو يمضوا وقت فراغهم أمام شاشة الإنترنت، خصوصًا أنهم لا يزالون في سن صغيرة واحتمال تعرضهم للأذى كبير جدًا، فكرت في افتتاح مركز يسلّي الأطفال بطريقة مفيدة.
- ما هو هدف مركز المهندس الصغير؟
تعليم التلامذة العلوم والرياضيات والهندسة من دون ورقة وقلم. أي أنهم يطبقوّن النظريات العلمية بأيديهم. مثلا يأتي الطفل إلى المركز ونطلب منه أن يركّب رجلا آلياً، نعطيه الكاتالوغ ونطلب منه تطبيق التعليمات الواردة فيه إلى أن يصل إلى مرحلة يتعلّم فيها كيفية برمجة الروبوت، أي كيف يرجع الروبوت إلى الخلف أو يسيّره إلى الأمام يمينًا ويسارًا... وكل أسبوع نصعّب المهمة على التلميذ. فنطلب منه مثلاً أن يحرّك الروبوت 20 سنتيمترًا شمالاً وسوى ذلك، أي أنه يصبح في استطاعته تقدير المسافات بالنظر. ما أريد قوله إننا نعلّم التلميذ كيف يطبق النظريات الفيزيائية والرياضية والهندسية من دون أن يشعر بالملل. وهدفنا أن يكون الطفل مستعدًا للعلوم التي يتعلّمها في المدرسة فيطبق كل النظريات المتعلّقة بالهندسة. فهو يتعلّم كل ما يتعلّمه طلاب الهندسة ولكن طبعًا بما هو ملائم لسنه ومستواه المدرسي. كما أضفنا إلى المركز صف اختصاص ديكور وتعليم المونتاج والفوتوشوب ومهارات التواصل، فمن المهم أن نعلم الطفل أيضًا كيف يعرض مشروعه. أريد الطفل أن يكون جريئًا، وهذه الحصة أتت نتيجة ملاحظتي الخجل عند بعض الأطفال الذين رغم ذكائهم لا يعرفون كيف يعرضون فكرتهم.
- من أي سن تستقبلون التلامذة؟
من الرابعة إلى السادسة عشرة، ولكن لكل فئة عمرية دروس مناسبة لها. فتلامذة الأربع سنوات لديهم درس واحد هو حصة الابتكار Creativity يتعلمون فيها بناء الجسور والمباني ويستعملون مواد الخشب والآجر. وهناك مواد أخرى تعلم الطفل كيف يصنع مجسمات. بينما التلامذة في سن أكبر يتعلّمون أمورًا مختلفة. أما تلامذة الثانوي فيستفيدون في تحديد اختياراتهم الجامعية، فمن لديهم ميل لمتابعة تخصص الهندسة في الجامعة فإنه من خلال انتسابه إلى المركز يتحضّر لهذا الاختصاص ويكوّن فكرة عملية عما سيدرسه في الجامعة، مما يسهل عليه الكثير من الأمور.
- كيف يمكن التعامل مع فوضى الأطفال الصغار؟
لدينا أشخاص مؤهلون يعرفون كيف يتعاملون مع الأطفال الصغار.
- كم صفًا لديكم في المركز؟
لدينا ثلاثة صفوف. كل صف يحتوي على 12 تلميذًا، ولا أزيد العدد كي تصل المعلومة إليهم جميعًا وأتمكن من متابعة طريقة تنفيذهم للاختراعات التي يقومون بها . يعملون في محيط طريف كي يتعلموا بطريقة مسلية ويتعلموا أيضًا ماذا يعني العمل ضمن فريق، فكل واحد من هؤلاء التلامذة أتى من مدرسة مختلفة، يجتمعون ويتبادلون الأفكار ليخترعوا رجلا آليًا أو نظام طاقة شمسية... ، كل اختراع يحتاج إلى خمسة صفوف في الصيف وثمانية في الشتاء حتى ينتهي المشروع.
- كيف تختارون فكرة الاختراع؟
في كل دورة هناك موضوع اختراع أطلب من التلامذة تنفيذه، وأحيانًا نعيد فكرة الاختراع إذا لقي استحسانًا عند التلامذة. و في نهاية الدورة يعرضون اختراعاتهم وتُجرى مسابقة بين الروبوتات و أي اختراع قام به التلامذة.
- من يعطي الدروس؟
هناك أساتذة اختصاصيون خضعوا لتدريب على البرنامج، وهناك مساعدون للأساتذة يساعدون الأطفال حين يواجهون صعوبة في مكان ما. فلكل أربعة تلامذة أستاذ، وبعد ثلاثة أسابيع من التدريب يتابع أستاذ واحد ستة تلامذة. بعد نهاية الدورة يحصل التلميذ على شهادة ويمكن أن يترفع إلى الصف الأعلى والأكثر صعوبة في المركز. دائمًا هناك صفوف متطورة لنجاري التكنولوجيا والمعلومات التي يكتسبها الطفل.
- ما الفائدة التي يجنيها التلميذ من الشهادة؟
هي ليست للمدرسة أو الجامعة، فالهدف من المركز تحضيره لدراسته الجامعية أو جعله يربط بين النظري والتطبيقي في المدرسة فتصبح المواد الرياضية واضحة بالنسبة إليه ويفهمها أكثر. فالشهادة لتشجيع التلميذ على تطوير ميوله الهندسية.
- هل تفتحون أبوابكم خلال العام المدرسي؟
نعم بعد الدوام المدرسي الأربعاء والجمعة والسبت. ثمانية أسابيع في الشتاء وخمسة أسابيع في الصيف. من العاشرة إلى الواحدة، ومن الرابعة بعد الظهر إلى السابعة مساءً. تتخللها فترة استراحة، وكل فئة عمرية تكون مع بعضها.
- يختلف تعليم المواد العلمية من مرحلة إلى أخرى كيف تعملون على ذلك؟
لكل فئة عمرية صف كما سبق أن ذكرت، لذا فإن مستوى تعليم التلامذة يختلف باختلاف المرحلة التي هم فيها، فالفيزياء مثلا تعطى بطريقة مختلفة بحسب المستوى الأكاديمي للتلامذة. نحن نطلع على البرنامج ونعطي الدروس بناء على البرنامج المدرسي.
- إذا كان التلميذ يواجه صعوبة في المواد العلمية كالرياضيات والفيزياء، هل يمكن الأهل أن يرسلوا أبناءهم إلى مركزكم عوضًا عن تعيين أستاذ خصوصي لهذه المواد؟
نحن لا نحل محل الأستاذ الخصوصي لأن التلميذ يتعلم أكاديميًا، ولكن نجعله يحب هذه المواد ويعرف قيمتها وارتباطها بالحياة العملية التطبيقية. نحن نحببه بالطريقة التي تطرح. مثلا إذا أتت والدة وقالت لي ابني عنده صعوبة في فهم نظرية الكهرباء الفيزيائية، نشتغل معه على درس الكهرباء لنعلمه ما هي الكهرباء حتى يصير الدرس عنده متعة، ولا يعود مجرد درس نظري لأنه رأى بعينيه تطبيق النظرية. هذا هو الفرق بين المدرسة وما نعلمه في المركز.
- ما صفات التلميذ الذي ينتسب إلى مركز المهندس الصغير؟
مركز المهندس الصغير ليس لكل الأطفال. لا أريد أحد أن يرسل ابنه غيرة من صديقة بل هناك الكثير من الأطفال الذين لديهم شغف بالهندسة والذين ليس لديهم مكان يمارسون فيه هذا الشغف. ولكن هذا لا يعني أن المركز فقط للمميزين بل للذي يحب. هناك من يأتي ويبدأ ويكمل وهناك من يكتفي بصف واحد ولا يعود إلى المركز لأن ليس لديه شغف. فهدف المركز ألا يصل التلميذ الذي يرغب في دراسة الهندسة إلى الجامعة وهو غير مؤهل لهذا الاختصاص. أنا أستاذة وأعرف الكثير من الطلاب الذين يدرسون السنة الأولى هندسة ثم يتركون لأنهم وجدوا أنفسهم لا يحبون الهندسة، وحاولوا دراستها نزولاً عند رغبة الأهل. إذًا نحن نشجع الأطفال والمراهقين ليختاروا اختصاصهم الجامعي بطريقة سليمة ولا يضيعوا وقتهم.
- هل تستقبلون الأطفال الذين لديهم صعوبات تعلّمية أو ذوي الاحتياجات الخاصة؟
يأتينا إلى المركز تلامذة يعانون صعوبات تعلمية ومن ذوي الاحتياجات الخاصة، ونحن لدينا صفوف خاصة لهؤلاء التلامذة يشرف عليها اختصاصيون في هذا المجال. ونعطي الدروس نفسها والفرق أن لكل تلميذ أستاذًا خاصًا.
- مبروك الجائزة. على أي أساس نلتم جائزة افضل خطة عمل في العالم العربي؟
ربحنا جائزة أفضل خطة عمل في العالم العربي. وهي مسابقة نظمتها جامعة أم. أي. تي. MIT للذين لديهم أفكار إبداعية وتشجيعهم بجائزة 75 ألف دولار أميركي توزع على الفائزين في المراتب الأولى والثانية والثالثة. كنا 1848 إلى أن بقي تسعة. تدربنا على عرض المشروع ودعينا إلى مصر وقدمنا مشروعنا لثلاثة حكّام. كانت المنافسة قوية ورست الجائزة علينا. فقد وجدوا في مركز المهندس الصغير إضافة إلى الفائدة المادية، فوائد اجتماعية، أولاها إبعاد الأطفال عن الإنترنت والكمبيوتر والتلفزيون وتوفير مركز يبلورون فيه مستواهم الإبداعي، وفي الوقت نفسه يوفر فرص عمل لطلاب الجامعات والسيدات اللواتي لا يعملن وفي حاجة إلى مورد رزق.
- ماهي المؤهلات المطلوبة للعمل في المركز خصوصًا إذا لم تكن طالبة العمل خريجة هندسة؟
المهم أن تكون متقنة للغة أجنبية، وإذا لا فعليها تعلم لغة ثم تأتي إلينا فنخضعها لدورة تدريب لتقوم بدور مساعد للأستاذ الذي يعطي الدروس.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024