تحميل المجلة الاكترونية عدد 1077

بحث

بريء يدّعي أنه مجرم ليحصل على 'الكنز'

«يا ما في الحبس مظاليم». عبارة  تتردد حول العالم معبرة بشكل درامي عن مئات بل وآلاف القصص والحكايات الواقعية لجرائم كان المتهم فيها بريئاً، وبعضها يتم فك ألغازه بعد فوات الأوان وإعدام المتهم. في واحدة من الجرائم التي نادراً ما تحدث في العالم، وقع العكس تماماً في دبي: رجل آسيوي يعترف مؤكداً أنه القاتل، وأن ضميره قد صحا بعد أدائه صلاة العشاء في باحة أحد المساجد القريبة من موقع الجريمة. ويؤكد أمام رجال مباحث دبي أنه يخشى إغضاب ربه، ولهذا يعترف بأنه مرتكب جريمة قتل. وبإحالته على النيابة العامة اعترف بالجريمة كاملة، وتكررت اعترافاته أثناء جلسات المحاكمة. لكن المفاجأة التي أذهلت الجميع كانت ظهور القاتل الحقيقي بعد سبعة أشهر من النظر في القضية، وبعدها اضطر القاتل البرئ للكشف عن هدفه الحقيقي من اعترافاته المزيفة!

الواقعة كما ترويها ملفات القضايا المنظورة أمام محاكم دبي هي واحدة من الجرائم التي تدخل ضمن الطرائف التي تواجه رجال التحريات والبحث الجنائي أثناء عملهم. فقد جاء في ملف القضية ان بلاغاً ورد الى غرفة العمليات في شرطة دبي  يفيد في مقتل تاجر بمنطقة نايف القديمة بوسط دبي داخل مقر شركته، وعلى الفور انتقل إلى مقر البلاغ  فريق متكامل من رجال البحث الجنائي والأدلة الجنائية، فوجد المجني عليه غارقاً في دمائه وقد فارق الحياة. وأثناء استجواب عدد من العاملين في الشركة غادر أحدهم، وهو من جنسية آسيوية، مكان التحقيق إلى مسجد مجاور لموقع الجريمة لتأدية صلاة العشاء. وأسرع فردان من رجال التحريات إلى المسجد وأديا الصلاة الى جانبه، وبعد الانتهاء من الصلاة طلبا منه العودة مجدداً إلى مقر الشركة لاستجوابه... وإذا بالمشتبه به يفاجئ جميع المصلين وهو يبكي بحرقة ويرفع يده إلى السماء مستغفراً ربه، ويؤكد بصوت عالٍ بأنه سيقول الحقيقة كاملة، لأنه لا يريد إغضاب ربه، بل ويريد أن يكفر عن ذنوبه وما اقترفته يده بالاعتراف بارتكابه جريمة القتل. وقال وهو يجهش بالبكاء: «أنا رجل أعرف الله وأخافه ولذلك سوف أعترف بكل ما حدث، ووجودي الآن في المسجد يدفعني الى قول الحقيقة». ثم وسط ذهول الجميع بدأ يسرد تفاصيل ارتكابه الجريمة كاملة.

لم يكن أمام رجال المباحث سوى إحالة المتهم على النيابة العامة، وهناك كرر اعترافاته تفصيلياً بارتكاب الجريمة مع تمثيلها أيضاً، ثم بدأت جلسات محاكمته أمام محكمة الجنايات في دبي، ومن جديد وأمام هيئة المحكمة لم يتراجع أو ينكر، بل أوغل في شرح تفاصيل طريقة ارتكابه للجريمة.

 طرف الخيط بطاقة ائتمان
وبعد أشهر من تداول القضية فوجئ رجال التحريات  باتصال من أحد البنوك يفيد بأن بطاقة الائتمان الخاصة بالتاجر القتيل قد سُحبت مبالغ مالية منها في اليوم نفسه من قبل شخص آسيوي.

ورجح رجال التحريات أن يكون للمتهم شريك في الجريمة. وبسرعة تم الانتقال إلى مقر البنك ومراقبة الرجل الذي يستخدم بطاقة الائتمان في سحب تلك المبالغ بعد الحصول على معلومات كاملة عنه من واقع بياناته. وألقي القبض عليه، فأعترف تفصيليا بأنه القاتل الفعلي وليس الشخص المقبوض عليه، بل وأرشد المحققين الى مكان سلاح الجريمة الذي استخدمه.

ومع مثول القاتل أمام النيابة العامة استدعي المتهم الأول ليواجه القاتل الحقيقي. وبسؤاله عن أسباب اعترافه بجريمة لم يرتكبها كانت المفاجأة باعتراف جديد وحقيقي ولكنه الأكثر غرابة!

فقد أكد القاتل البريء أنه كان لصيقا بالمجني عليه، ويعلم بكل تفاصيل عمله وما يملكه من أموال، كما كان يعلم بأن الضحية يحتفظ بمبلغ 300 ألف درهم مدفونة تحت  بلاطة أسفل مكتبه، ولم يكن يحتفظ بالمبالغ الكبيرة في البنوك  إلا نادراً. ولذلك وعندما علم بمقتله أراد أن يفوز بتلك الغنيمة التي لا يعرف عنها أحد، وهي المبلغ المدفون تحت البلاطة. وهداه تفكيره إلى الاعتراف بأنه القاتل، وذلك على أمل أن يتصل بأحد أقربائه بعد انتهاء الضجة حول الجريمة، ليقوم هذا القريب بنزع البلاطة أسفل المكتب والاستحواذ على المبلغ، ومن ثم يغادر به دبي إلى أهله، فيكون بذلك قد استطاع أن يؤمن مستقبل أسرته، متوقعاً ألا يحكم عليه بالإعدام أو بمدة سجن طويلة، خاصة أن أداة الجريمة غير موجودة. وكان يحلم بأنه وبعد خروجه من السجن يمكنه وعائلته الاستمتاع بهذا المبلغ !

وأمام النيابة أكد القاتل البريء أنه لو ظل يعمل عشرات السنين لن يتمكن من توفير ربع هذا المبلغ، كما أن تفكيره الساذج هداه إلى أن يؤمن مأكله ومشربه لسنوات داخل السجن، ومن بعدها يخرج إلى مستقبل آخر جديد وثري في موطنه. وهنا أصدرت المحكمة حكمها باخلاء سبيله وبدأت من جديد محاكمة المتهم الأصلي.

المجلة الالكترونية

العدد 1077  |  آب 2024

المجلة الالكترونية العدد 1077