تحرش بها فشوّهته بماء النار!
لم تكن شيماء تتخيل يوماً أن جمالها سيكون نقمةً عليها ويقودها إلى ارتكاب جريمة تصل عقوبتها إلى الأشغال الشاقة المؤبدة. تهمتها التخطيط لتشويه مواطن بإلقاء ماء النار على وجهه، ونفذت خريجة كلية الألسن الحسناء جريمتها بالفعل، وابتسمت بسعادة حينما شاهدت غريمها يتلوى من الألم منقولاً الى المستشفى في حالة حرجة وهو ينازع الموت. المثير أنها المرة الأولى التي تستخدم فيها فتاة ماء النار لتشويه غريمها، فقد كان ماء النار هو سلاح الرجل ضد المرأة دائماً، أما المفاجأة التي كشفتها التحقيقات في هذه القضية فهي أن شيماء كانت ضحية للمجني عليه قبل أن تكون متهمةً، حتى إن بعض من حضروا التحقيقات معها قالوا لها: «أنتِ محقة فيما فعلتِه!». فما هي حكايتها؟
رغم بشاعة جريمتها حازت تعاطف جميع المحيطين بها، كانت شديدة التماسك أثناء التحقيق معها في سراي النيابة، إلا أنها لم تستطع أن توقف دموعها وهي تسرد حكايتها. تهمتها تشويه وجه مواطن بماء النار، وهي الجريمة التي يتعامل معها القانون بصرامة، وساهمت العقوبات التي تم تطبيقها أخيراً في انحسار هذه الجريمة من الشارع المصري بعد انتشارها في فترة من الفترات.
اندهش رئيس النيابة عندما شاهد المتهمة، التحريات كانت تؤكد أن شيماء ارتكبت هذه الجريمة مع سبق الإصرار والترصد، وبقصد وتخطيط منها ولم تكن وليدة المصادفة، والذي أدهش رئيس النيابة أن المتهمة حسناء، أنيقة، لبقة.
وازدادت دهشة المحقق عندما تحدثت المتهمة قائلة: «لست نادمةً على ما حدث، ولو أتيحت لي الفرصة لفعلتها مرات ومرات. هذا الرجل لا يستحق القتل لكنه يستحق أن يعيش مشوهاً. صدقني يا سيادة المحقق لو سمعت حكايتي لتعاطفت معي مثل المئات من أهالي المنطقة الذين لم يخفوا سعادتهم بما حدث».
وواصلت المتهمة الجامعية شيماء اعترافاتها التي تحكي قصتها المثيرة مع بلطجي أحد الأحياء الشعبية الذي فشل الرجال في التصدي له وتصدت له امرأة.
بلطجي المنطقة
حكاية شيماء مع سيد بلطجي المنطقة بدأت قبل عام. قبل ظهوره في حياتها كانت خريجة الألسن تمارس نشاطها بشكل طبيعي، فهي إنسانة مرحة، محبوبة في المنطقة التي تسكنها، ولهذه المؤهلات الشخصية طرق بابها العديد من الشباب يطلبونها للزواج.
كانت أسرة شيماء تعتذر لهم بناءً على رأيها، فهي تريد أن تكمل دراستها العليا في كلية الألسن التي تخرجت فيها قبل شهور، وأرادت أن تتفرغ للعلم بعض الوقت، وترى أنه لا يوجد ما يدعو للتعجل في موضوع الزواج. لكن أمها أبدت قلقها مثل باقي الأمهات اللواتي يرغبن في تزويج بناتهن بسرعة.
كانت شيماء تثق بنفسها بشدة، لأنها تدربت على مواجهة واقعها والتعامل مع أي مشكلة، وهذا سر تفوقها في كليتها واكتسابها العديد من الصداقات. لكن حياة الحسناء الشابة بدأت تنقلب رأساً على عقب عندما شاهدها سيد للمرة الأولى.
كان الرجل قد خرج من السجن قبل أيام بعد تمضية خمسة أعوام فيه مداناً بجريمة الضرب المفضي إلى عاهة. خفق قلب والدي شيماء حينما شاهدا ابنتهما وهي عائدة من عملها ووراءها يسير البلطجي المرعب بخطى سريعة. لم تتنبه شيماء لما يحدث وراء ظهرها، ولم يجرؤ أحد من سكان الشارع على أن يلفت نظرها إلى نية سيد التحرش بها.
كانوا يعرفون أن غضبته قد تعني الدمار لكل الموجودين في المنطقة، فهو لا يتورع عن تحطيم أي سيارة أو يُصيب أي مواطن بجروح بالغة، أو يسرق أي شخص بالإكراه دون أن يجرؤ أحدهم على إبلاغ الشرطة ضده، لأن النتيجة معروفة سلفاً.
كان البلطجي ينتقم ببشاعة من أي شخص يُبلغ الشرطة ضده، ويتمكن في الوقت نفسه من إحضار عشرات من شهود النفي الذين يؤيدون موقفه. ولهذا صمت الجميع أمام ما يحدث لشيماء التي فوجئت بسيد وهو يحاول أن يتحرش بها نهاراً أمام الجميع. صرخت مستنجدة بالجيران لكن أحداً لم يجرؤ على التحرك من مكانه.
قاومت الحسناء بشراسة لكن سيد أسقطها على الأرض، وتوالت صرخاتها التي أزعجت البلطجي فأضطر لتركها، ولكنه أكد لها أنها ليست الجولة الأخيرة... عادت شيماء إلى منزلها والانهيار الشديد واضح على ملامح وجهها، تبكي بحرقة وهي تنعى الرجولة، فالعشرات شاهدوا ما يحدث لكنهم جميعاً كانوا ضحايا للخوف.
بكى والدها وهو يعتذر لها، فالسن قد تقدمت به ولم يعد قادراً على مواجهة سيد، ظهر الغضب على وجه شيماء التي همت بإبلاغ الشرطة لكن والدها منعها، وأخبرها بأنه لا جدوى من هذه الخطوة التي ستفشل بسبب عدم وجود شهود، ولن تجني من ورائها إلا المزيد من ثورة البلطجي.
التزمت شيماء الصمت لكنها لم تنم ليلتها وهي تحاول أن تنسى ما حدث، وتمنت أن تمحو من ذاكرتها ما تبقى من آثار هذا الكابوس، لكنها لم تكن تعلم أن سيد لم ينسَها، لأنها لم تحقق له ما أراد، وعقد العزم على محاصرتها في كل مكان.
لقاء في الظلام
استمرت مشاهد الجحيم في كل مرة كانت تغادر شيماء منزلها وتجد البلطجي في طريقها، توالت مرات تحرشه بها، وكاد يظفر بها في إحدى المرات لولا أنه شاهد شرطياً فسارع الى الهرب!
فكرت شيماء أن تشتري مطواة وتقتله بها ثم تراجعت عن هذه الخطوة. لكن الأمور تطورت بشكل أكثر خطورةً، فالبلطجي لم ترضِه الهزيمة، وقصد الجامعة التي تُحضّر فيها شيماء الدراسات العليا وبدأ يشوه سمعتها!
جن جنون الحسناء عندما وجدت أن زميلاتها يتناولن حكاية سيد البلطجي الذي كان يسرد من الخيال قصة غرامه بخريجة الألسن. لم تصدق شيماء نفسها، حاولت أن تُفسر لأساتذتها وزميلاتها حقيقة الأمر، لكنها لمحت نظرات الشك في عيونهم...
مرت ثلاثة أشهر والموت هو الشيء الذي تفكر فيه شيماء دائماً، لأن البلطجي دمر حياتها وشوه سمعتها. فكرت في قتله لكنها تراجعت، وفضّلت أن يعيش بقية حياته مشوهاً وجاءتها الفكرة، وقررت أن تُلقن سيد درساً لن ينساه، ولن ينساه البلطجية جميعاً!
قررت شراء ماء نار وقذف وجه البلطجي بهذا السائل، وبالفعل راحت تتحين ساعة الصفر التي ستنفذ فيها جريمتها، قررت أن تتجاوب مع سيد، وتتظاهر بأنها تتفاوض معه!
كانت لحظة شديدة السعادة لسيد حينما وجد شيماء تتحدث إليه، وتطلب منه أن يتجه معها إلى مكان بعيد عن زحام هذه المنطقة، وحددت له الموعد بعد منتصف الليل. ارتدى البلطجي أفضل ملابسه، غير مدرك أنه يتزين للعذاب القادم من الفتاة الحسناء!
وقف سيد في الظلام وهو ينتظر شيماء التي اقتربت منه والابتسامة على وجهها. وفي لحظة أخرجت ماء النار من حقيبتها وقذفت به وجه البلطجي الذي صرخ بذعر، وسقط على الأرض وراح يستنجد بالمارة، ولم تبتعد شيماء بل وقفت تشاهد هذه اللحظات بشغف...
وصلت الشرطة وألقت القبض على شيماء التي اعترفت بجريمتها، ونقل سيد إلى المستشفى في حالة يُرثى لها، وقررت النيابة حبس خريجة الألسن وإحالتها على محاكمة عاجلة.
شاركالأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1078 | تشرين الأول 2024