الصديقتان والصدفة الغريبة
في الصباح التقت الصديقتان في الجامعة وتبادلتا القفشات الضاحكة، وفي المساء التقيتا مرة أخرى، ولكن هذه المرة كان اللقاء مختلفاً كثيراً وعامراً بالمفاجآت المؤلمة التي تحمل بداخلها الإثارة، لأن اللقاء جاء في الزنزانة. كل منهما كانت متهمة بجريمة، لكن المفاجأة الكبرى وقعت حينما جاء أحد جنود الحراسة لينادي على كل منهما باسم الأخرى، فكلتاهما كانت تنتحل شخصية صديقتها، حتى تهرب من الجريمة وتلصقها بالأخرى، وتتوالى المفاجآت...
كان يجمعهما حب المغامرة والتمرد على الأسرة والثورة على كل القواعد والقيم. وفي كلية التجارة التقت يارا وريهام، ونشأت بينهما صداقة منذ أول أيام الدراسة، ومع مرور الأيام ازدادت صداقتهما قوةً، ولم يكن يمضي يوم دون لقاء بينهما تتبادلان فيه الأحاديث.
لم يكن أحد من زملائهما يتوقع أن تنتهي صداقة يارا وريهام بجريمة أرادت كل واحدة أن تورط صديقتها فيها، لكن القانون في مصر ساهم في حدوث هذه الجريمة، فلا يوجد ما يُلزم المرأة بحمل بطاقة لتقديمها عند اشتباه الشرطة فيها، ولهذا السبب تقدم كثير من المتهمات في قضايا مختلفة أسماء وهمية الى جهات التحقيق بعد القبض عليهن!
هذا ما فعلته يارا وريهام بعد القبض على كل منهما على حدة، لكنهما لم تخترعا أسمين وهميين، بل أرادت كل واحدة أن تنجو من العقاب على حساب صديقتها، فكانت الصدفة التي كشفتهما في الليلة نفسها.
حقيبة الكيف!
بداية اليوم المشؤوم كانت حين أنهت الصديقتان حضور محاضراتهما، وتبادلتا الحديث أثناء مغادرتهما مبنى الجامعة. لم تنس يارا أن تُذكّر صديقتها بضرورة تبادل الاتصال ليلاً، وغادرت كل منهما المكان في طريقها إلى منزلها، لم يخطر ببالهما أن اللقاء سيكون ليلاً في مكان «مختلف».
عقارب الساعة تجاوزت السابعة مساءً، كانت يارا في طريق عودتها إلى منزلها، فجأة أوقف رجال الشرطة السيارة الأجرة التي تستقلها، وطلب الضابط من السائق رخصتي القيادة والسيارة. ظهر الارتباك الشديد على وجه يارا التي راحت تنظر حولها يميناً ويساراً، وفجأة ألقت بحقيبة جلدية صغيرة كانت تحتفظ بها. لكن هذا المشهد لفت أنظار رجال الشرطة، وتحرك أحدهم بهدوء والتقط الحقيبة وهو ينظر بتمعن إلى يارا التي ازداد وجهها احتقاناً.
وبالهدوء نفسه بدأ ضابط المباحث تفتيش الحقيبة الصغيرة، وفي هذه الأثناء حاولت يارا أن تتسلل خارج السيارة الأجرة لتهرب من هذا الموقف، لكن الضابط أشار إلى أحد معاونيه للتحفظ على الشابة قبل هروبها. الحقيبة كانت تحتوي على كمية من الحشيش على هيئة لفافات مجهزة للبيع، فنظر رئيس المباحث إلى يارا وسألها:
ما هذا؟!
يارا: لا أعرف عنها شيئاً يا حضرة الضابط!
التفت رئيس المباحث إلى ركاب السيارة الأجرة الذين أجمعوا على أنها ألقت هذه الحقيبة أمامهم، ولم تجد يارا مفراً من الحديث، فالشهود جميعاً أدانوها، وقالت: «أرجوك سامحني لقد أخطأت، لكن أسرتي ستقتلني إذا عرفت ما حدث. كنت في حاجة ماسة إلى المال وأنزلقت قدماي في طريق الوحل... تعرفت على أحد تجار المخدرات، وطلب مني أن أبيع المخدرات لزملائي في الجامعة مقابل نسبة كبيرة من إجمالي المبيعات. كنت خائفة في البداية من هذه التجربة، لكنني نجحت في ترويج الحشيش بين زملائي وربحت الكثير، ولم تكن أسرتي تعلم أي شيئاً عن نشاطي الجديد!
ابتسم رئيس المباحث وهو يصطحب يارا متجهاً إلى قسم الشرطة لاستكمال المحضر، ولم تتوقف الطالبة عن البكاء. كانت ترسم في خيالها السيناريو المؤلم للساعات المقبلة، وتُفكر في وسيلة تنقذها من هذه الورطة، ولكن السُبل كانت مسدودة أمامها.
وقبل أن يحرر ضابط الشرطة المحضر هبطت على عقلها فكرة شيطانية قررت أن تُنفذها فوراً، سألها الضابط ما اسمك؟ وأين بطاقتك الشخصية؟!
يارا: لا أحمل بطاقة شخصية، واسمي ريهام حسني.
ابتسمت يارا وهي تشاهد الضابط يدوّن اسم صديقتها الحميمة بعدما انتحلته، وانتهى اليوم بإحالة يارا على النيابة التي قررت حبسها بتهمة الاتجار بالمخدرات، لكن الفتاة كانت متأكدة من أنها ستنجو من العقاب وتلصق التهمة بصديقتها.
ربما كان هناك مغزى للمثل القديم «من حفر حفرة لأخيه وقع فيها». وهذا ما حدث ليارا التي أرادت أن تورط صديقتها في جريمة عقوبتها السجن. ففي هذه الأثناء توقفت إحدى السيارات الملاكي في منطقة المقطم، واندمج شاب وفتاة في حوار عاطفي ساخن، مستغلين الظلام الذي عم المنطقة.
توقف أحد أفراد الأمن بجوار السيارة، ولم يشعر به الشاب والفتاة وهو يقترب منهما، ويطرق زجاج السيارة المغلق ليقطع عليهما خلوتهما، انتفضت الفتاة ذُعراً بعد أن شاهدت الضابط الذي أشار إليها وصديقها! لم تكن الفتاة سوى ريهام التي تواعدت مع خطيبها في هذا المكان، لكن القانون لا يعرف التساهل لأنها ارتكبت جريمة فعل خادش للحياء في الطريق العام... حاولت ريهام أن تدافع عن نفسها حتى يتركها الضابط، لكنه أصر على تحرير محضر واصطحبها إلى قسم الشرطة!
سألها عن بطاقتها الشخصية، ترددت ريهام قليلاً قبل أن تؤكد أنها فقدت بطاقتها، وأهداها الشيطان فكرة اعتقدت أنها ستنجيها من هذا الموقف المحرج للغاية، فزعمت أن اسمها هو يارا شوقي، وهو اسم صديقتها الحميمة.
ابتسمت ريهام حينما صدقها الضابط، ولكنها لم تكن تعلم أنها ستجد مفاجأة بانتظارها في الحجز.
أسقط في يدها حين شاهدت يارا، التي تغيرت ملامح وجهها هي الأخرى، وما لبثت كل واحدة أن استردت شجاعتها وتبادلتا الأحاديث، لكن أي منهما لم تجرؤ على البوح بالحقيقة للأخرى!
في الصباح نادى حارس السجن على كل واحدة منهما باسم الأخرى، وتبادلت يارا وريهام نظرات يغلفها الذهول من هول المفاجأة التي كشفت خدعتهما، وتحولت النظرات الذاهلة إلى قمة الغضب وتعاركتا بالأيدي لأن كل واحدة أرادت توريط الأخرى!
وأمام رئيس النيابة اعترفتا بجريمتيهما، وواجهما المحقق بتهمة جديدة وهي التزوير في أوراق رسمية وانتحال اسم وهمي للهروب من العدالة، وقررت النيابة حبس يارا وريهام، وضاعت أحلامهما الوردية وراء القضبان الحديدية.
شاركالأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024
شؤون الأسرة
اقتراحات تمييزية للتشويش على حق الأمهات اللبنانيات بإعطاء الجنسية لأطفالهن
شؤون الأسرة
عائلة حسام ورولا تنقل تفاصيل دقيقة عن الحياة في هولندا بكل صعوباتها وإيجابياتها
شؤون الأسرة