تحميل المجلة الاكترونية عدد 1080

بحث

خاطبات السعودية يتنازلن عن أعمالهن الحكومية

تلجأ  إليهن فتيات من مختلف الطبقات، ومن كل الأعمار. وهن خيار مفضل لسيدات فقدن أزواجهن، أو لم تكتمل حياتهن وانتهت بالإنفصال. ولزواج المسيار أولوية مطلقة في عملهن، ومع ذلك هن لا يحددن بل يتركن ذلك للشاب أو الفتاة. إنها الخاطبة التي تردّد اسمها في العصر القديم حين كانت هي مصدر تزويج ابن الحسب والنسب، لابنة العائلة المتوسطة الحال. أو توفق رأسين في الحلال بناء على طلب الأم. لم تختلف كثيراً صورتها الحالية عن وجهها في الزمن الماضي، إلا أنها أصبحت تنافس مواقع الكترونية مجتذبة بقدر المستطاع البساط من تحت أقدام مواقع التعارف والدردشة، مع فارق أنها تقدم خدماتها بمقابل مادي.

في السعودية تحديداً، تجد الخاطبة موقعاً مميز في الوقت الراهن مع ارتفاع نسبة أعداد الفتيات داخل جدران مغلقة، وفي زمن قلت فيه رغبة الرجل في الاقتران بالزوجة، إلا أنه لا يمانع زواج المسيار لأسباب عدة. أكثر من خاطبة تحدثت إلى «لها» عن مواقف عجيبة غريبة صادفتهن في المهنة، ومنهن من كانت صاحبة وظيفة جيدة إلا أن مهنة توفيق رأسين بالحلال أخذت وقتها كله بمقابل مادي أفضل من راتب الحكومة، ومنهن توفر هذه المهنة لهن دخلاً إضافياً ولهن مجتمعهن الطبقي الذي يترددن عليه لضمان الحصول على المقابل المادي المطلوب.

رغم أن الخاطبة أخذت عزها وشهرتها بعدما كانت من أهم الشخصيات التي مثلتها الفنانة نيللي في فوازير رمضان وتغنت بمهنتها، فقد غابت فترة عن المجتمعات العربية حين قررت الفتيات والشباب اختيار طريقة الاقتران والتعرف على الطرف الأخر. ولكن منذ خمس سنوات تقريباً بدأت الخاطبة تلوح بوجهها المشرق مرة أخرى، خصوصاً أن سن الزواج في ارتفاع مستمر، لأن الرجل بات يفضل البقاء بلا ارتباط بسبب العامل الإقتصادي بالدرجة الأولى.

«أم الخير» دخلت المهنة بالصدفة ومارستها ست سنوات
هكذا أحبت أن تلقب نفسها من باب أن مهنتها مهنة الخير. «أم الخير» سيدة شابة في مقتبل العمر، وليست كما كانت في القديم هي السيدة المسنة والمحنّكة التي تعرف بيوت الحارة من مشرقها إلى مغربها. بل على عكس هذه الصورة تماماً كانت «أم الخير» متعلمة، وحاصلة على شهادتها المتقدمة في الدراسة، لها وجه بشوش وضاحك، وسيدة قررت خوض المهنة بعدما تعاملت مع إحدى الخاطبات وكانت الوسيط بين الخاطبة والفتاة من صديقاتها، إلا أنها بعد فترة قررت أن تعمل لحسابها الخاص.

«أم الخير» قالت: «أمارس المهنة منذ ست سنوات، وكنت في البداية وسيطاً بين إحدى الخاطبات وبين صديقاتي اللواتي اعرفهن ويرغبن في الزواج. وبالفعل بت أتحدث مع صديقاتي ومن ثم صديقاتهن وهكذا، حتى أصبحت أعرف عدداً كبيراً من الفتيات كنت أبعث بهن الى الخاطبة وكنت أتقاضى على الزيجة  الناجحة التي يتم فيها نصيب بين الفتاة والشاب. ولكن بعد فترة قررت العمل في مهنة الخاطبة لحسابي الشخصي».

 أضافت: «من خلال المعارف  التي كونتها عندما كنت وسيطاً، بدأت أتلقى طلبات الزواج من الفتيات أو أمهاتهن أو لصديقاتهن. والصديقة تخبر صديقة أخرى، وهكذا كوّنت قاعدة من الفتيات الراغبات في الزواج، أو السيدات اللواتي لم ينجحن في زيجات سابقة، أو الأرامل. وبالنسبة الى الشباب هناك من لديها أخ أو ابن عم أو ابن خالة وخلافه تعطيني مواصفاته، ومواصفات الفتاة التي يرغب في الاقتران بها. وهكذا أبحث في الملفات لدي عن الشريكة المناسبة. وكنت أتقاضى على كل طلب مبلغاً من المال يتراوح بين الألف والخمسة آلاف ريال».

وأوضحت «أم الخير» أن عمل الخاطبة يحتاج من المرأة الى أن تكون أمينة جداً في نقل مواصفات العروس والعريس لكلا الطرفين، مضيفة: «لم أكن أتدخل في السؤال عن الطباع والأخلاق، ولكن كانت الخطبة تتم عن طريق المواصفات الخارجية فقط. وبعد أن يتقدم الشاب للخطبة بشكل رسمي يبدأ الأهل السؤال عن كل طرف، وإذا تم النصيب يتم الاتصال بي لإخباري أنه تم، ومن ثم كنت أتقاضى ما يمكن أن يدفع، هذا غير المبلغ الأساسي الذي أخذته مسبقا".
أما اذا  لم تكتمل الخطبة فيعود الشاب أو الفتاة إليها لمعاودة البحث عن الشخص المطلوب حتى يتم النصيب.

مواقع الانترنت لم تسحب البساط  من الخاطبة
رغم انتشار مواقع الخطبة والتعارف على الانترنت، فإن الخاطبة أم ياسر تؤكد أن هذه المواقع لا تزال محل شك وريبة من الرجال مما يجعلهم يلجأون الى الخاطبة، قائلة: «كثير من الشباب ذكروا لنا أنهم تعرّفوا على فتيات عبر مواقع الانترنت، إلا أن الفتيات لا يكن صادقات في الارتباط الجدي مما يجعل الشباب يلجأ الى الخاطبة رغماً عنه خصوصاً أنها مصدر ثقة من قبله، وأنها على علم بالفتاة وعائلتها التي ترشحها له».
أم ياسر تعمل في المهنة منذ ما يقارب ستة عشر عاماً، وتجد أنها مهنة جداً مريحة للمرأة لأنها تمارسها من البيت ولا تضطر لعناء التنقّل. 

وعن عملها في المهنة قالت: «في البداية مارست مهنة الخاطبة ضمن مجموعة من المشاريع الخيرية مثل مشاريع الزواج الجماعي، أو مبادرات أصحاب الخير. وكان العمل مجانياً لوجه الله ولا نتقاضى عليه أي أجر، ولكن بعد فترة قررت أن أعمل منفردة ويكون هذا العمل مصدر دخل لي. وحالياً أزوج مقابل مبلغ مالي».

وتوضح أم ياسر أن ثمة خاطبات يتملكهن الطمع فيطالبن بمبالغ مالية طائلة، إلا أنها تؤكد انها تراعي في الأساس مبدأ جمع الطرفين بالحلال والتيسير على النساء والرجال الاجتماع في الحلال، مضيفة: «أتقاضى مبلغاً  عند كتابة العقد وليس قبل ذلك حتى لو كنت للشخص نفسه أكثر من مرة، فأنا لا آخذ المال منه إلا عند كتابة العقد على العروس المطلوبة. وأراعي أيضاً الوضع المالي للعريس، فإذا كان الرجل يتقاضى راتب ١٠٬٠٠٠ ريال وأكثر يكون المبلغ ما بين ٢٠٠٠ إلى ٣٠٠٠ ريال، أما اذا كان الراتب لا يتجاوز الأربعة أو الى الستة آلاف ريال فلا أطلب بأكثر من ١٥٠٠ ريال». وفي حال الزواج المسيار يكون الوضع مختلفاً. «زواج المسيار أكثر من يقبل عليه السيدات المطلقات والأرامل وتكون المرأة قد تجاوزت في العمر الثلاثين  أو الخمسة والثلاثين والأربعين. فيما يطالب به الرجل أكثر من المرأة خصوصاً إذا كان لديه زوجة ويريد التعدد دون أن تعلم زوجته. وزواج المسيار مقدمه ٥٠٠ ريال، ومن ثم نأخذ المبلغ المتبقي عند كتابة العقد».

فتيات الخاطبة بين القسمة والنصيب
ومن خاطبة إلى أخرى تختلف المواقف المحرجة، ومنها السعيدة، ومنها ما ينتهي بالفشل... على هذا أجمعت الخاطبات اللواتي حللن على صفحات «لها». وقالت أم نواف: «كثيراً ما تنتهي الخطبة بالفشل لعدم تناغم الطرفين، وهذا يجعل المجهود مضاعفاً لأن العريس (أو العروس) يكون له شروط معينة ومواصفات دقيقة. ومن أبرز ما جاءني في موضوع الخطبة مواصفات يطلبها العريس تتطابق مع واحدة من المطربات خصوصاً هيفاء وهبي، أو بعض الممثلات مثل مي عز الدين، وهناك من يميل إلى الممثلات الخليجيات».أما أول ما تطلبه الفتيات في العريس فهو أن يكون وسيم الشكل، طويل القامة، قادراً على فتح بيت الزوجية دون الاعتماد على الزوجة.

وتقول أم ياسر «كثيرة هي مطالب الفتيات والشباب من ناحية المواصفات، ولكن عندما تبدأ الفتاة أو الرجل بفرض الشروط تقوم الحماسة داخلي لأن الزواج ليس مواصفات بل تكوين عائلة وألفة ومودة».
وذكرت أنها في واحدة من خطباتها انتفضت غضباً من العريس حينما أخبرها أن العروس لا تشبه واحدة من المطربات، فما كان منها إلا أن اعتذرت عن عدم استكمال السعي لهذا الشاب.

١٠٠٠ ريال قبل البحث و٣٠٠٠ ريال بعد الموافقة
من جانبها،أفادت أم نواف أن لديها وظيفة ثابتة تؤمن لها دخلاً شهرياً، إلا أن مهنة الخاطبة توفر لها المزيد طيلة أيام السنة (...). «أعمل في مهنة الخاطبة منذ زمن طويل، وبات لي زبائن يلجأون إلي لأزوج أحداً من عائلتهم أو أصدقائهم، ومع ذلك لا أزال على رأس عملي في وظيفتي لأنه الضمان الشهري لي، إضافة إلى أني كوّنت من خلال وظيفتي عدداً لا بأس به من العميلات والعملاء مما يجعل لمهنتي الثانية استمرارية».

وتشير أم نواف وهي أم لثلاثة أبناء وفتاتين، إلى أن هذه المهنة ليست فقط مصدر رزق، بل هي من المهن التي تدخل الفرح الى جميع البيوت سواء المستورة منها أو المنتمية الى الطبقة المخملية... «دخلت مهنة الخاطبة عن طريق زميلتي في العمل التي كانت تمتلك الجمال، وعلى مقدار كبير جداً من الأخلاق. وفي يوم كنا في اجتماع بين الزميلات وما كان منها وعلى سبيل المزاح إلا أن قالت: «أم نواف إذا وجدت لي عريساً مناسباً سيكون لك هدية قيمة جداً. وبالفعل بدأت أبحث لها عن شريك الحياة ووجدت صديق زوجي الذي كان يبحث عن زوجة لها تقريباً المواصفات التي لدى صديقتي. وتم النصيب وبعد زواجها بأيام وجدتها مرسلة لي ٥٠٠٠ ريال في ظرف. ومن هنا بدأت الفكرة تراودني. ثم استشرت زوجي وكانت الموافقة».

وتوضح أم نواف أنها باتت تتلق من الفتاة ١٠٠٠ ريال مقدماً وبعد إتمام النصيب يدفع العريس ٢٠٠٠ ريال والعروس ١٠٠٠ ليكون المجموع في المتوسط ٤٠٠٠ ريال قابلة للزيادة أو النقصان وفق عوامل عدة منها العامل الإقتصادي، إضافة الى ما إذا  كان الطلب في موسم تكثر فيه الأفراح والليالي الملاح.

وعن أبرز المشاكل التي تواجه أم نواف في مهنتها قالت: «تتطلب مهنة الخاطبة شخصية جداً قوية وقدرة على الإقناع لتبرز محاسن كل طرف للآخر، والفتيات خصوصاً أنه في كثير من الحالات لا يتم النصيب من أول مرة أو ثاني مرة ولا حتى الثالثة».

وأضافت: «مؤخراً باتت الأمهات أيضاً يتواصلن معي لتزويج أولادهن أو بناتهن، وفي هذه الحالة يكون الاتفاق مع الأم التي تكرمني بالفعل إذا تم النصيب، وترسل لي دعوة لحضور الزفاف».

تجربتان
لبنى عزيز
أشارت عليها صديقتها في العمل أن تلجأ إلى الخاطبة بعدما تجاوزت الثلاثين. ومع أن الفكرة لم تجد استحساناً  لديها فقد خاضتها. «أعمل في مجال التدريس ولي صديقة تعرفت إلى خاطبة بعد أن كانت لها تجربة سابقة مع بناتها اللواتي زوجتهن عن طريق الخاطبة. حينها وفي حديث عابر قالت لي أن آخذ رقمها وأهاتفها. في البداية لم تكن الفكرة محبذة لديّ، ولكن بعد حوالي الشهر اتصلت بالخاطبة وأعطيتها مواصفاتي ومواصفات العريس المطلوب، والكثير من التفاصيل المهمة. وبالفعل راحت تجلب لي الخطاب من كل حدب وصوب، إلا أن النصيب حتى اللحظة لم يطرق بابي».

من جانبها، كانت لمي المهدي تجربة مماثلة في التعامل مع الخاطبة، إلا أن موضوعها اقتصر على أول اتصال... «كنت قد تعاملت مع المواقع الالكترونية التي تعمل على تعريف الشباب على الفتيات، إلا أن هذه المواقع أثبتت فشلها معي مع أن صديقتي تزوجت عن طريق واحد من تلك المواقع. والحمد الله كان زوجها ولا يزال رجلاً طيب الأخلاق والصفات. هذه التجربة دفعت بي إلى الاتصال بخاطبة علّها تجد لي فارس أحلامي، ولكن صُدمت عندما طلبت مني الخاطبة مبلغ ١٠٠٠ ريال كفتح ملف، وعند إتمام الموضوع تتقاضى ٥٠٠٠ ريال. حينها قررت أن انتظر النصيب من الله، لأن الخاطبة على ما يبدو أصابتها حمى الغلاء».

المجلة الالكترونية

العدد 1080  |  كانون الأول 2024

المجلة الالكترونية العدد 1080