تحميل المجلة الاكترونية عدد 1078

بحث

الزواج المبكِّر عدوان على الطفولة

لا تزال قضية زواج الفتيات المبكر تمثل هاجساً حقيقياً لكثير من المجتمعات العربية خصوصا بعدما كشفت وسائل الإعلام أخيراً عدداً من القضايا التي درستها الجهات الحقوقية، والقانونية من حيث مشروعية هذا الزواج وقدرة الفتاة على تحمّل أعباء تكوين أسرة.  ومع كل التوصيات بتحديد سن الزواج الصادرة في الفترة الأخيرة في الدول العربية، فإن التطبيق لا يزال قيد الدرس، بالرغم مما يحمله زواج القاصرات من خطر أكيد على الصحة الجسدية والصحة النفسية، وعلى أفراد العائلة المتحدرين من هذا الزواج لجهة النمو السليم. «لها» تابعت القضية بعد الجدل الواسع التي أحدثته أكثر من واقعة زواج من هذا القبيل.

بكاء في حفل الزفاف
السيدة «أم عايدة»
من سورية تتحدث عن سبب زواج ابنتها في هذه السن الصغيرة، وما رافق العرس من مشكلات، فتقول:
«فوجئ المدعوون والمدعوات الى حفلة زفاف ابنتي  وهم في صالة الأفراح بتأخر العروس في دخول الصالة مع أنها كانت موجودة لكنها في نوبة بكاء هستيرية، رافضة حضور زفافها بسبب عدم رضاها عن العريس كونه يكبرها خمسة عشر عاماً. وبعد محاولات وتدخلات مني ومن والدها، اقتنعت أخيراً بالدخول. إلا أن مكياجها كان لا يتناسب مع تلك الليلة التي كنت أحلم أن أرى ابنتي فيها أجمل فتاة وأجمل عروس. واكتشفنا أن ذيل الفستان غير موجود، وهذا زاد العروس حزناً وثورة.
وحينها أذكر أني تضامنت مع ابنتي وبكيت أيضاً مطالبة بإلغاء الحفلة. ولم تكن ابنتي حينها موافقة ولكن بصراحة والدها أجبرها بحجة أنه يعمل عند أهل العريس في محل تجاري وقد يقطع رزقنا اذا لم يتم الزواج». وعن علاقتها بزوجها وأهله، أضافت أم عايدة: «في البداية لم تكن جيدة، إلا أن زوجها كان يعاملها أحسن معاملة رغم أنه يكبرها بسنوات. وبعدما أنجبت المولود الأول تحسنت إلى حد ما معاملة أهله لها، وهي في المقابل تحترمهم وتجلهم، والأمور الآن مستقرة والحمد لله».

زوجوني وأنا لا أعلم شيئاً عن الزواج
ومن سورية أيضاً تقول سهير ١٥ عاماً: «زوجوني قبل عامين، ولم أكن يومها أعلم شيئاً لا عن الزواج ولا عن مسؤولياته، لكني  فرحت بالملابس الجديدة الملونة. وفي الليلة الأولى أقنعني زوجي بأنه سيأخذني على حصان أبيض وأحلام لا ترى في الخيال من سفر وأشياء! وكما يقول المثل «عمل من البحر طحينة» ليستمر هذا الخيال فقط  ستة أشهر، وبعدها منعني من إكمال تعليمي مع أنني كنت متفقة معه أثناء الخطوبة على متابعة دراستي وكان حينها مرحباً ومساعداً وداعماً. بعدها رفض الفكرة من أساسها، كما حدد لي موعد زيارتي لأهلي كل أسبوعين مرة واحدة فقط، كما حدد لي وقت الخروج والعودة وولدّ هذا الشيء عندي نوعاً من الإحباط».

وتابعت سهير تقول: أنا حالياً ضد الزواج المبكر، كما أنني ضد الزواج المتأخر لأن أضراره لا تقل عن أضرار الزواج المبكر صحياً ونفسياً. وأرى أن السن المثالية لزواج الفتاة هي ابتداء من ٢٥ سنة حتى ٣٥، لأني أعتقد أنها سن النضج التام والوصول إلى المرحلة التي تستطيع الفتاة فيها تحمل مسؤولية المنزل وتربية الأطفال وتكون قد أخذت حقوقها كاملة في التعليم والعمل إن رغبت في ذلك. وتكون أيضاً قد عرفت تماماً ما تريده من نفسها أولاً ومن الرجل الذي تريده شريكاً لحياتها. كما أن الاختيار في سن مبكرة يكون بحسب الشكل والوضع المادي أو تكون عواطف مراهقة سرعان ما تنتهي وينهار هذا الزواج».
سألنا سهير عن حفلة العرس وزوجها ومعاملته فأجابت: «حفلة العرس لن تنسى إطلاقاً، فقد تحولت إلى حلبة ملاكمة طرفاها أهلي وأهله. وبدلاً من قبلة أتلقاها من العريس في الحفلة تلقيت لكمات على وجهي، وهو كذلك بسبب شجار نشب بين أهل العريس وأهلي.

ما حصل قطع الطريق على فرحتي، بعدما حصل عراك وتشابك بالأيدي وتبادل رمي الكراسي بين الحضور لم يسلم منه العريس الذي أصيب بكدمات في وجهه، وأدى العراك إلى سقوط ٥ جرحى من الطرفين وتدخلت الشرطة حينها».
وأضافت: «في تلك الليلة ذهبت الى بيت أهلي وبقيت يومين حتى جاء أحد أقرباء زوجي وأقنع والدي بعودتي الى بيت زوجي مع أنني كنت غير مقتنعة وغير راضية. ومنذ ذلك الحين علاقتي بأهل زوجي غير جيدة ولا أذهب الى بيتهم إلا في المناسبات والأعياد مع أنهم يهددونني دائما بالطلاق، لكن علاقتي مع زوجي حالياً ولله الحمد سمن على عسل».

بين قسوة الأب وسخرية الزميلات
لم تتجاوز الثانية عشرة، إلا أن والدها أعدّ عدّته لتزويجها من خاطب تقدّم لها يتجاوز الثلاثين. والدتها اعترضت بشدّة، وهدّدت بالإنفصال عن الأب إذا تمّ هذا الزواج. تفاصيل القضية كتبتها الزميلة «الحياة» عندما عرضت على صفحاتها قضية الطفلة في الدمام (المنطقة الشرقية) عل الأب يتراجع عن موقفه. وبحسب ما ذكر في الصحيفة قالت الأم: «لم تتعدّ ابنتي الثالثة عشرة مما يجعلها تعد طفلة أو قاصراً لا تقوى على تحمّل مسؤوليات الزواج الكثيرة. ولا أعرف كيف قوي والدها على الموافقة على ربطها بشخص أكبر منها بعدد من السنوات، وعندما علمت ابنتي بالموضوع وجدتها تتوسل إليّ بعدم إرغامها على الارتباط بهذا الخاطب الذي يبلغ من العمر أربعة وثلاثين عاماً».
وأكدت أن طفلتها تودّ أن تكمل أعوامها الدراسية كسائر قريناتها، وحاولت إقناع الأب بالعدول عن فكرة تزويج الفتاة.
وبحسب ما ورد على لسان الطفلة أنها أكدت عدم رغبتها في الزواج خصوصاً أن حواراً دار بينها وبين صديقاتها عن موضوع زواجها مما جعلها محط أنظارهن، وضحكاتهن عندما علمن برغبة والدها في تزويجها في سن مبكرة بمن يتجاوز عمره الثلاثين.
وأكدت والدة الطفلة أنها ستطالب بالإنفصال عن الأب إذا أصرّ على تزويج ابنته من الخاطب.

ذهبت الى الحفلة من دون أن أعلم انها حفلة زواجي!
روت الطفلة (ن. م. ١٣ سنة) من المغرب تجربتها مع الزواج المبكر فقالت: أنا كبرى إخوتي. كنت أعيش في القرية مع أسرتي وأتلقى تعليمي في المدرسة، أحلم بالحصول على شهادات والحصول على عمل في المدينة، والزواج من فارس الأحلام وتربية أطفالي ورعايتهم...

ذات يوم فاجأني والدي بمنعي من الذهاب إلى المدرسة من دون أن يقدم لي أسباب اتخاذه لذلك القرار. كان أهلي يحضرون شيئا ما، وكانوا ينتظرون زيارة خاصة...
كل ما كنت أعرفه هو أن حفلة ستقام في بيتنا، وأننا سنستقبل الأهل والجيران.
مازلت أذكر تلك اللحظة التي طلبت مني فيها والدتي اصطحاب إحدى قريباتي إلى الحمام وطلاء الحنة استعدادا لليلة الدخلة.
كان الزوج أحد أقربائي، يبلغ عمره ٣٥ سنة ويعمل مهندساً. وكنت مرتاحة إلى فكرة إقامة الحفلة، لكني لم أكن على علم بما كان ينتظرني.
اصطحبتني والدتي إلى الطبيب لتحرير شهادة طبية تثبت عذريتي. وكباقي الأسر المغربية كان أبي هو وليي، وتزوجت بإذن القاضي.
كنت أفكر في الإنتحار باستمرار؛ حيث اختلطت علي كل المشاعر والأحاسيس. وأمام استمرار رفضي أخذني زوجي إلى بيت جدتي وبعث إلى أبي يخبره بفقداني لبكارتي وبشرفه المهان، وبالخزي الذي لحقه وبأني عار على الأسرة. اتفق مع والدي على الطلاق مقابل التنازل عن كل حقوقي. رفض والدي عودتي إلى بيت الأسرة. ولم أجد ملاذا سوى في بيت عمتي.

زواجي المبكر أفقدني الاستقرار النفسي
تقول أماني رياض من الكويت: «تزوجت عندما كان عمري ١٦ عاما ليس بالاجبار، ولكنها كانت رغبتي لاهرب من عذاب زوجة ابي العصبية حد الجنون والتي كانت تشعل البيت عويلاً وصراخاً لأبسط الأسباب، وتكيل السباب والدعاء بالموت على أبي فكنت أكره نفسي حين أتذكر كيف كانت والدتي مطيعة وتخدمه بعينيهاحتى توفاها الله بعد صراع مع السرطان، بينما هو كان يفرض شخصية طرزان عليها. حتى ان جدتي دائماً تردد ان الحزن والكمد ذبحا ابنتي».

تضيف: «الزواج المبكر للفتاة لااؤيده بعد تجربة عشتها، فهو يسبب لها هزة نفسية عميقة  بسبب تغير نمط الحياة المفاجئ دون وعي وخبرة ثقافة تمنع الفشل الا انه كان لي ظرفي الخاص ولست قدوة ولا أريد ان أكون كذلك، خصوصاً انني لم انضج عاطفياً إلا حين بلغت ٢٥ عاماً. ولم أستقر نفسيا وأنا أجد نفسي في هذه السن أماً لخمسة أطفال، بينما لم اعش انا طفولتي بسبب يتمي المبكر ثم زواجي».

ليلى أمير قالت: «في الرابعة عشرة فوجئت بالحمل وأنا مازلت طفلة الا ان والدي أصر على ان يطيع أباه الذي أمره بأن يزوجني من ابن عمي بعدما بلغ ١٨ عاما والتحق بالجيش. وضعت طفلي بعملية قيصرية لأن حوضي لم يكتمل. كنت مهملة بحق بيتي وابني وزوجي ولم اكن نظيفة او مرتبة واعتمد في شغل البيت والاكل وتنظيف ثيابي وغرفتي على خادمة أمي أو أم زوجي. والواقع اني اعتبر الزواج المبكر قبراً يدفن البنت وهي حية... انه الوأد العصري».

ثمن الحرية
سمرة اسماعيل
قالت: «حين تزوجت وانا في الخامسة عشرة كان والدي متشدداً دينيا ويريدنا ان نتزوج صغيرات كما في أيام الاسلام الأولى. في تلك الايام لم يكن هناك تعليم أو مدارس أو جامعات ثم وظائف، فمن الطبيعي ان تتزوج البنت صغيرة  حتى يصرف عليها رجل وتكون في عهدته وذمته. وقد وفر لي الزواج الشعور بالحرية بعيداً عن والدي فكنت كثيرة الخروج والسهر مع صديقاتي، الأمر الذي أزعج زوجي كثيراً. ومن هنا بدأت الخلافات ولكن لم استطع طلب الطلاق الا بعد وفاة والدي حتى لا أعود الى جحيمه مرة ثانية، وكان هذا مصير اختي التي تزوجت قبلي وهي أيضاً مطلقة، لكنها اكملت تعليمها وتوظفت واعتمدت على نفسها. وخرجت كل منا بأطفال من تجربة بائسة بسبب زواجنا ونحن صغيرتان في المرحلة المتوسطة من التعليم المدرسي».

خسر مستقبل ابنته في لعبة قمار
أما أم أحمد فتقول إن زوجها  الذي «يدمن لعب القمار خسر كل امواله في إحدى الليالي ولم يتبق معه شيء، فقال للرابح وهو صديقه: ليس لدي مال أسدد به لك ولا أملك سوى ابنتي تتزوجها دون مهر. فوافق النصاب وهو في سن والدها رغم من استنجادي بأشقائي لايقاف هذه الصفقة ولا أقول الزواج. ورفضت العائلة، لكن زوجي اصر على ان الزواج سينجح  بحجة أني وهو تزوجنا في السن نفسها ولم يدرك ان زماننا مختلف عن زمان هذا الجيل. وللأسف الشديد بعد ستة شهر من زواج ابنتي المجبرة بدأت الخلافات بينها وبين زوجها، وفي أغلب هذه الخلافات تكون هي المخطئة ولأن زوجها على درجة من الخبرة والتجربة، بينما ابنتي طفلة ولا تدرك أنها تصرفت بشكل خاطئ سواء مع زوجها أو أهله. وكثيراً ما نصحتها حتى لايفشل هذا الزواج وتصبح مطلقة وهو لقب لا يرحمه المجتمع، إلا أن القدر شاء انفصالها عن زوجها بعدما أنجبت منه طفلاً  سلمته لأبيه ولا تعلم عنه شيئاً الآن».

المجلة الالكترونية

العدد 1078  |  تشرين الأول 2024

المجلة الالكترونية العدد 1078