تحميل المجلة الاكترونية عدد 1078

بحث

الاطفائيات السعوديات

بطانية الحريق، كواشف الدخان، مخارج الطوارئ، خطط الاخلاء، طفايات الحريق، الاسعافات الاولية، خرطوم المياه وسلم الانقاذ هي معدات يستخدمها رجال الدفاع المدني في محاربة الحرائق والحوادث الناجمة عنها. إلا أننا اليوم بتنا نجد أن هذه المهنة التي تتطلب بُنية جسمانية قوية وتصرفاً سريعاً ومُحنكاً لم تعد مقتصرة على المجتمع الذكوري. ففي السعودية وتحديداً في مدينة جدة، خُرّجت الدفعة الاولى من متدربات الدفاع المدني من مؤسسة «الحماية المدنية» التي تعمل على تدريب أكثر من ٥٠٠ متدربة ومتطوعة في مجال الأمن والسلامة، مع الحفاظ على حشمة المرأة في مساعدة نفسها وغيرها من أخطار الحرائق  التي تشّب في  الأماكن النسائية المحظور على الرجال دخولها. «لها» التقت صاحب الفكرة خبير الأمن والسلامة ومدير مؤسسة الحماية المدنية والاستشاري الدكتور والمهندس عدنان زكي العباسي الهاشمي، وبعض المدربات من خريجات الدفعة الثانية واللواتي بلغ عددهن ٣٢ خريجة.

الهاشمي: «المرأة في خدمة المرأة» شعارنا للاطفائيات السعوديات
قال الدكتور عدنان زكي العباسي الهاشمي الذي عمل على مدى ٣٧ عاماً في وزارة الداخلية والدفاع المدني، ان عمله كان السبب الرئيسي وراء فكرة التدريب النسائي في مجال الاطفاء والدفاع المدني. وأضاف:« حاجتنا إلى اشراك المرأة في اعمال الاطفاء ومكافحة الحريق كبيرة خاصة في بيتها وبين أسرتها، فغالباً ما تكون معرضة لهذه الحرائق في المنزل ولذلك هي في حاجة إلى التدريب على مواجهة الحريق والاسعاف الأولي لأبنائها والتدريب على عمليات الانقاذ والاخلاء. وبالتالي فإن التطور الحضاري الذي أوجد المدارس والجامعات والمجمعات التجارية والأسواق وقصور الأفراح وأماكن التجميل ولّد الضرورة لأن تقوم المرأة  بدورها بخدمة المرأة . وهو الشعار الذي تحمله مؤسسة الحماية المدنية.كان لنا تدريب فردي وتم التركيز على البدء بالتدريب بعد حادثة مدرسة البنات  في مكة المكرمة. وهناك الكثير من الحوادث التي علمت بها من خلال مشاركتي في الاطفاء أو من خلال عملي، فعلى سبيل المثال هناك حريق قصر الأفراح في جيزان الذي توفيّت فيه ٣٠ امرأة من بينهن العروس، وحريق مدرسة للبنات وأودى بـ ٣٢ طالبة. وهناك مواقع عديدة يتم فيها اخلاء المدارس، وبحمد من الله لم يحدث مشاكل ولكن هناك استعجال في التصرف والهروب من موقع الحدث».

بدايات التدريب كانت عام ٢٠٠٤ حين وضعت أربع قواعد لهذه الفكرة عمل الهاشمي على تطويرها من خلال مشاركته في اليوم العالمي للدفاع المدني، فأشركت مجموعة من الفتيات في أكثر من معرض للدفاع المدني وفي أرامكو، ويشرح صاحب المشروع: «بدأنا مع الموظفات المتدربات في المؤسسة اللواتي أصبحن مدربات الآن، وهن على درجة عالية من التعليم ومنهن الموظفات والاداريات. حتى انني أشركت بناتي معهن في التدريب ليصلن إلى الهدف المرجو.  وبحمد الله أصبح لدينا كوكبة من المتدربات الى جانب كوكبة كبيرة من المتطوعات. ثم عملنا على تدريب طالبات المدارس والعائلات في شركة ارامكو وتدريب طالبات الجامعات في عفت ودار الحكمة، والآن  يتم التدريب في جامعة CBA وجامعة الأمير نايف الأمنية وعدة مواقع نسائية أخرى».

وعن الشروط الواجب توفرها في المتقدمة للتدريب ذكر العباسي أن «التدريب أنواع،  اولها تدريب نظري دون النظر إلى السن أو الوزن أو القدرة. فهو تدريب أولي بإمكان المرأة من خلاله مواجهة أي مشكلة في المنزل، كحريق أو غاز في المطبخ، أو اصابة أحد ابنائها، أو أي من الحوادث المتوقعة». وأضاف: «أما ما يتعلق بالتدريب التأهيلي فهو يُعطى للموظفات العاملات في المجمعات كحارسات الأمن والمتخصصات في هذا المجال. ويهمنا بالدرجة الأولى معرفة التعامل مع الحريق والطريقة الصحيحة لأطفائه لأن الحريق دائما يبدأ مستصغر الشرر وبالتالي إن كانت السيطرة عليه في الثواني الأولى فإن الأمر سينتهي. وثمة حاجز نفسي بالنسبة الى المرأة ناجم عن خوفها من النار، فيكون رد فعلها الهرب. ونحن نعلم المتدربات التصرف بأناة وهدوء وصبر للسيطرة على الحريق في بدايته، واذا لم يحصل ذلك فبإمكان المرأة اجلاء عائلتها من موقع الحادث لتترك لرجال الدفاع المدني أن يتعاملوا مع هذا الحريق».

وتابع: «الجانب المهم هو تدريب فتيات على أعمال شاقة مثل سحب الخرطوم والتحكم في دفع المياه والنزول من الأعلى إلى الأسفل مع مصاب. وأعمال الاطفائية تحتاج إلى قوة جسمانية، لكنها تحتاج إلى قوة عقلية وحكمة في التصرف ايضاً لئلا يتفاقم الوضع فبإمكاني احضار صاحب البنية الجسدية القوية وبدلا أن يدفع المياه لإطفاء الحريق قد ينشره من مكان الى آخر. واذا اجتمع العقل والحكمة والاتزان في شخص يُمكن السيطرة فورا على  مصدر الحريق.وأعني بذلك أن تدريبنا للمرأة هو لخدمة نفسها وليس لمنافسة رجل الدفاع المدني أو للقيام بأعمال الرجال، لأن لكل شخص قدرة خاصة على هذه المواجهة . لكن وجود المرأة أصبح ضرورة ملحة فلو أن هناك فتاة أُغمي عليها فهي تحتاج الى تنفس اصطناعي أو ما يسمى «قُبلة الحياة» فمن الأفضل أن امرأة تقوم بمساعدتها والنفخ في فمها، علما أن الرجل قادر على ذلك. لكننا ووفق لعاداتنا ومبادئنا وديننا الحنيف وتقاليدنا نشعر بالحرج من القيام بهذا العمل. وقد يتحرج الرجل بنقل أو حمل امرأة من مكان حريق ما وهي مرتدية على سبيل المثال لباس المنزل أو لباس النوم، فوجود امرأة الى جانبه ماهو إلا مُكمل ومساند ومساعد له وليست معينة لأخذ اختصاصاته أو القيام بعمله. »

وأوضح العباسي أن هذا التوجه قد يكون باباً لإستحداث قسم نسائي قائلاً: «من الناحيتين الفنية والعملية من المفترض أن يكون هناك قسم نسائي لمساعدة رجال الدفاع المدني في المجمعات النسائية المغلقة. المرأة لها دور فاعل ويجب تفعيل هذا الدور مع ما يتفق وامكاناتها ضمن عاداتنا وتقاليدنا. فأنا أُدرب الفتاة في وضح النهار تحت  شعار المرأة في خدمة المرأة».

العباسي: دور المرأة يُسهم كثيراً في تفادي الخسائر
انعام عدنان العباسي
(٢١ سنة) مدربة أمن وسلامة، وهي طالبة هندسة كهرباء وحاسبات. بدأت التدريب في نهاية عام ٢٠٠٧ وهي من أولى خريجات  الدفعة الثانية من متدربات الدفاع المدني. تقول: «من المعروف أن هذا المجال مقتصر على الذكور وهو تدريب جديد ومستحدث للمرأة، ودافعي الى التدريب هو أنني فتاة عربية مسلمة في مجتمع محافظ المرأة فيه منفصلة عن الرجل. قد أتعرض لأي أخطار لا سمح الله أو حريق ولا يستطيع أي رجل انقاذي سواء كان في جامعة أو مدرسة أو قصر أفراح، فقد نكون من غير حجابنا وعندها قد يتحرج رجل الدفاع المدني من الدخول إلى مكان الحادث، كما حصل  في مدرسة فتيات في مكة المكرمة، فقد أُغلق باب المدرسة ومُنع رجال الدفاع المدني من الدخول بحجة عدم ارتدائهن للحجاب. فلو كان هناك امرأة مدربة ومساعدة لرجال الاطفاء لكان الأمر اختلف ولما قضت ٢٣ تلميذة».

أضافت: «منذ صغري كان والدي يُعزز مبدأ الأمن والسلامة  وعدم الاقتراب من الخطر، وذلك أيضاً بحكم عمله في وزارة الداخلية والدفاع المدني لأكثر من ٣٠ سنة. وعمل على توعيتنا في هذا المجال. كما ان  دراستي في الهندسة مكنتني من التعامل مع انظمة الانذار من الحريق وأنظمة السلامة والحماية والالية الصحيحة لخطة الاخلاء وطريقة توزيعها في المبنى».

وأوضحت ان التدريب يشمل تلميذات المرحلة الثانوية فمافوق بحيث أن المتدربة تكون على مقدار عال من الوعي نظراً الى المصطلحات والمعلومات التي يتم اعطاؤها اياها في الدورات، و«نبدأ معها في المرحلة النظرية وأساسيات الامن والسلامة وتاريخها واصولها والشروط الحديثة للتعامل مع انظمة الامن والسلامة وانواع الحرائق وطفايات الحريق وكل ما يخص الامن والسلامة، ومن ثم يأتي التطبيق العملي بداية بازالة الخوف لدى المرأة من استخدام طفاية الحريق والمادة التي تخرج منها. كما أن التدريب يجري في مركز خاص للسيدات في مؤسسة الامن والسلامة، كما يتم التدريب للموظفات والطالبات في مواقعهن كالجامعات والمصانع ليستطيعن ذلك ربط المعلومة بالمكان كخطط الاخلاء ومخارج الطوارئ في المنشآت الخاصة بهن».

وحول اقبال الفتيات على هذه الفكرة والتدريب قالت العباسي: « كل عام نشارك في معرض ارامكو- قسم السيدات والتدريب لعائلات العاملين في ارامكو، ومن خلال ذلك لمسنا قلة الوعي حول الالية التي يجب أن تتبعها السيدات منذ لحظة بداية الحريق في المنزل سواء في المطبخ، هناك اقبال كبير من السيدات وتزايداً للوعي».

وذكرت العباسي أن الشهادات المعطاة للمتدربات من المؤسسة هي شهادات معتمدة، وان التدريب شقان نظري وعملي.

«هناك دورات تخصصية وهي لأشخاص مختصين بجوانب معينة من الأمن والسلامة، كموظفات الجامعة أو الممرضات أو موظفات منشآت أخرى، ويتم تدريبهن على الاخلاء والاسعافات الاولية واخماد الحرائق. وتختلف مدة الدورة فاقصر دورة تصل إلى ٥ أيام، وهناك دورات تبدأ من اسبوعين ومن ثم تصل من شهر إلى ٦ أشهر».

وذكرت العباسي ان اول «دفعة ضمت أكثر من ٥٠ خريجة، وهذه السنة كانت الخريجات من طالبات جامعة عفت وعددهن ٣٢ طالبة. ولدينا تعاون بين بعض الجامعات والمدارس. وهدفنا الرئيسي من هذه الدورات تمكين المرأة من خدمة المرأة لأننا لا نستطيع ادخال رجل غريب عليها. فبعض السيدات أثناء حدوث الحريق مثلاً يكن غير محتشمات ولا يستطعن بحكم الحياء الخروج أمام الرجال دون أن يكن متسترات. أما وجود المرأة في الدفاع المدني فيُسهل المهمة ويساعد الرجل في القيام بعمله فيما تتولى  المرأة الاطفائية اخلاء في المنزل».

كارا: أساسيات اطفاء الحريق
ريم كارا
(٢٥ سنة) مدربة أمن وسلامة بدأت بالتدريب مع المؤسسة منذ عام ٢٠٠٦ وتعرفت عليها من خلال التقدم لوظيفة ولم يكن في حسبانها أنها ستصبح مدربة امن وسلامة في اعداد الاطفائيات السعوديات، تقول: «في البداية تقدمت بطلب وظيفة ضمن اختصاصي في مجال الحاسب الألي، لكني وجدت ان من بين الأعمال التي تقوم بها الشركة التدريب على مكافحة الحريق والسلامة، فشعرت بأهمية ذلك للمرأة خاصة المرأة في المنزل، فبدأت متابعة الدورات ومن ثم تدرجت إلى ان وصلت إلى رتبة مدربة.وجدت صعوبة في البداية وخصوصاً الخوف من الصعود إلى اعلى ومساعدة المصابين وحملهم والنزول معهم إلى أسفل. لكن ومن خلال التدريب العملي كُسر لدي هذا الحاجز، ومع الممارسة بدأت استمتع بهذا العمل حتى انني حرصت على تعليم افراد أسرتي خاصة أن أكثر الحوادث المنزلية التي تحدث تنجم عن سوء التصرف أو عدم دراية الشخص باحتياطات السلامة في البيت. وأكثر الحرائق التي تحدث في المطبخ تبدأ باشتعال قدر الطبخ أو ما شابه، فتستخدم السيدة الماء لإطفاء الحريق، لكن هذا الأمر خطر جداً لأن الماء يزيد النيران.
وقد يبدأ الحريق صغير ثم ينتشر لا سمح الله. وأنا بدأت ارشد أسرتي والاقارب لتعليمهم بعض أصول كافحة النار».

وأضافت كارا: «يجب أن تكون المتقدمة للتدريب بصحة جيدة ولا تعاني من أي مشاكل صحية مثل الربو وذلك لاستخدامنا طفايات وبودرة خاصة. كما أن للوزن اهمية كبرى في هذه المهنة سوء في التحرك أو في سرعة الاخلاء لتكون المرأة مرنة في اخلاء المكان في نصف دقيقة خاصة لدى اشتعال الحريق في مكان صغير. وفي مدة اسبوعين تستطيع الفتاة أن تكون قادرة على فهم الاساسيات في مفهوم الامن والسلامة ومكافحة الحريق. وهناك اقبال كبير على هذه المهنة بدأنا مع الطالبات في المرحلة الثانوية والجامعيات وربات المنزل، علماً ان الاقبال هو من طالبات الجامعة وخاصة من يكن في اماكن التجمعات الكبيرة».

الزغبي: تفهم المجتمع ساعدنا
سحر الزغبي
مدربة امن وسلامة وطالبة تدرس ادارة الاعمال. ذكرت أن الدافع الانساني والايماني لحماية الارواح والممتلكات كان سبباً رئيسياً في اختيارها لهذا المجال وهذه المهنة التي كسرت في داخلها حاجز الخوف من الحريق والاصابات والخسائر في الأرواح التي تنتج عن هذه الحوادث، تقول: «بدأت عام ٢٠٠٦ التدرب على هذه المهنة لحرصي على سلامة عائلتي في الدرجة الأولى خاصة أنني ربة منزل والكثير من هذه الحوادث يحدث في المنزل بسبب حريق في المطبخ أو احتكاك كهربائي أو حتى اشتعال عود ثقاب لاسمح الله.وبطبيعة الام الحنون رغبت في ان أطور نفسي وأتعلم الاساسيات الصحيحة في الامن والسلامة واخماد الحرائق. ووفرت لنا مؤسسة الحماية المدنية الكثير من الدورات التأهيلية والبرامج التدريبية للحصول على أعلى مؤهلات حفظ الأمن والسلامة».

وأضافت: «لمسنا الكثير من الاقبال النسائي على تعلم طرق الحماية والحفاظ على سلامة المرأة التي تستطيع خدمة المرأة خاصة في المنشآت النسائية كالجامعات والمدارس وقصور الافراح والمجمعات النسائية المغلقة. وأرى أن هذا الاقبال المتزايد هو نتيجة تفهم ووعي المجتمع السعودي لضرورة تعلم المرأة هذه المهنة وتطبيقها في حياتها اليومية والعملية وقدرتها على مساعدة الاخرين ومساعدة نفسها بالدرجة الاولى في إطار تصرف  واعٍ و حكيم .وقد بلغ عدد المتدربات في المؤسسة اكثر من ٥٠٠ متدربة والمتطوعات ٢٥٠٠. وهي بادرة تُبشر بالخير للمستقبل القريب بإذن الله».

وحول آلية التدريب واستحداث قسم نسائي في الدفاع المدني قالت الزغبي: «هناك آلية تدريب لموظفات التربية والتعليم بإختلاف اقسامهن، وربات البيوت، خاصة من  خلال التنسيق معنا أو استدعائنا أو حتى مشاركتنا في المعارض التعريفية بأعمال السلامة، كالمشاركة في معرض أرامكو السنوي للحرائق. وطُلب منا الاهتمام بمعرض السيدات لديهم وتقديم الدورات التدريبية البسيطة. ونحن نشارك في اليوم العالمي للدفاع المدني وغيره من المناسبات. اما في ما يتعلق بإستحداث قسم نسائي في الدفاع المدني، فأرى أن وجود امرأة متدربة لتدرب الفتيات في مواجهة هذه المواقف مهم جداً ومساند للرجل».

المجلة الالكترونية

العدد 1078  |  تشرين الأول 2024

المجلة الالكترونية العدد 1078