تحميل المجلة الاكترونية عدد 1080

بحث

السجن ١٥ عاماً لوالد كلثوم...والموت لمعنّفتها

أُسدل الستار على قضية الطفلة كلثوم (٧ سنوات) التي لقيت حتفها قبل خمسة أشهر على يد زوجة والدها وبعلم مسبق من والدها، بعدما نالت الكثير من القسوة في منزلها الوالدي.
وجاءت النهاية بحكم أقره ثلاثة قضاة في المحكمة العامة في مكة المكرمة ينص على القتل تعزيراً للزوجة المعنفة والسجن للوالد ١٥ عاماً، لتعد بذلك قضية كلثوم ثالث  قضية يتصدى فيها القضاء السعودي بحزم للعنف ضد الأطفال بعد قضية الطفلتين أريج وغصون.

«لها» تابعت قضية كلثوم والتقت والدتها فاطمة جمال الدين وشقيقها علي جمال الدين اللذين تحدثا عن الحكم، واستنارت أيضاً بالرأي القانوني والشرعي في هذه القضية.


فاطمة:
حكم الحق العام أنصف ابنتي بعد موتها
حاولت فاطمة جمال الدين (٢١ سنة) إخفاء مشاعرها التي تضاربت بين الفرح بعد صدور الحكم والحزن الذي مازال يجتاحها كلما تذكرت وفاة ابنتها كلثوم (٧ سنوات) على أيدٍ تجردت من معاني الإنسانية ومشاعر العطف، وخصوصاً من جانب والدها الذي اصدر حكماً عليها قبل أن تُصدر أدوات زوجته الحادة حكم الموت للطفلة.
تقول فاطمة: «كانت الاتصالات تتوالى على المنزل من المحكمة وهيئة التحقيق والادعاء العام لسؤالي عن حقي الخاص. وبعد فترة وجيزة ذهبت إلى هيئة التحقيق والادعاء العام وقدمت طلباً بتنازلي عن الحق الخاص لأني اعرف أن من مات لن يعود وأن والدها مهما صدرت أحكام بحقه لن يعيد ابنتي إلى الحياة. لكن القاضي أخبرني أن الحق العام في هذه القضية مازال قائماً وأن الحكم النهائي فيها لم يصدر بعد. ومنذ أسبوع فقط عرفت عن الحكم الذي صدر بالقتل للزوجة والسجن لوالد كلثوم. لم أعرف حينها كيف أتمالك نفسي وبدأت البكاء والدعاء لله والسجود له شكراً على إنصاف حق ابنتي التي ماتت مظلومة على يد والدها الشاهد على الأذى الذي تعرضت».

صمتت فاطمة واحتسبت أمرها عند الله لتضيف: «كنت أتمنى أن يكون القصاص لوالدها وليس لزوجته، لأنه كان على علم بكل ما تفعله واعترف بأن زوجته كانت تضرب كلثوم بأدوات حادة وعصا تغرسها في أماكن حساسة من جسدها مراراً وتكراراً دون أن يحرك ساكناً أو يعترض، بل كان يطالب زوجته بزيادة الضرب والتعذيب بهدف تأديب طفلة لم ترتكب سوى شقاوة أطفال، أو ربما لأنها لم تساعد زوجة والدها في ترتيب المنزل. وبهذه الاعترافات يكون قد أصدر الحكم على نفسه قبل القاضي بأنه فعلاً من يستحق القصاص لأن الأب الذي لا يُراعي ابنته ويطالب زوجته بضربها وإيذائها لا يستحق العيش مع البشر. فعندما تسلمت جثة ابنتي لدفنها كانت العلامات السوداء تُغطي جسدها من آثار الضرب الذي تعرضت له على يد الزوجة، وهذا ما أكده تقرير الطب الشرعي بوجود كدمات متعددة على الوجه والأطراف مع وجود علامات سوداء في العين تشير إلى سوء معاملة الطفلة. كما أن أسباب الوفاة التي اعتبرت جنائية بحسب ما ذكر القاضي في شهادة الوفاة، تشمل كدمات جديدة وقديمة على الوجه والأطراف ووجود نزف في الدماغ من شدة الضرب.»

وأكدت فاطمة أن القضاء السعودي أنصفها وأعاد اليها الحق في دفن ابنتها بطمأنينة أكثر... «اليوم استطيع العودة إلى منزلي في مكة والبقاء مع أختي بعدما صدر الحكم وتأكدت أن طليقي والد كلثوم لن يأتي لأيذائي. ولأنني أطلب الراحة والهدوء سأبقى في منزل أختي في مكة لأحاول استعادة حياتي التي بقي منها القليل بعد فقداني أغلى ما أملك طفلتّي كلثوم وعهود. كما أن منزل عائلتي في جدة بات يضج بالكثير من الزائرين والصحافيين للسؤال عني وعن الحكم. وبصراحة تعبت من الشرح المطول والحديث في هذا الأمر. لذلك وبعد صدور الحق العام والحكم أستطيع أن أرتاح قليلاً وأصلي لابنتي وأدعو لها».

علي: أتمنى من حقوق الإنسان الالتفات إلى شقيقتي ومساعدتها على العودة إلى الحياة
من جانبه، قال خال الطفلة كلثوم علي جمال الدين ان الحكم جاء منصفاً وان العائلة لا تعترض عليه لأنه أثبت أن من يُعذب طفلة سيأتيه يوم يعاقب فيه بحكمٍ عادل... يقول: «علمت من الصحف المحلية بالحكم الذي صدر اذ لم يتم استدعاؤنا إلى المحكمة لسماعه. وبعدما قرأت الخبر سعدت كثيراً وأخبرت العائلة. كما أنني أجد بأن والد كلثوم هو من كان يستحق القصاص وليس زوجته، لأني إن كنت أباً صالحاً وأخشى على ابنتي وأريد تأديبها بالفعل بسبب خطأ ما ارتكبته لا أتركها لامرأة خالية من الإنسانية، فأزيد في تعذيبها بصمتي ومن ثم بالتخفي أمام السلطات القضائية وانتحال شخصية الجار الذي ساعد أسرة الطفلة. فهذا التصرف يدل على القسوة التي يكنها الأب لابنته. واعتقد بأن الجميع قرأوا اعترافاته في الصحف وكلامه عن مدى تفنن زوجته بأساليب العذاب في حق هذه الطفلة البريئة».

وأضاف:« في السابق ذكرت إحدى الصحف المحلية أن كلثوم تعرضت لتحرش جنسي قبل وفاتها على يد شقيق زوجة الأب، إلا أن التقارير الطبية التي نملكها تؤكد أن كلثوم لم تهتك براءتها بل أُزهقت روحها بسبب تلقيها معاملة سيئة من زوجة الأب وبعلم مسبق من الأخير. اليوم وبعد الحكم أطالب حقوق الإنسان بالالتفات إلى شقيقتي ومساعدتها في تخطي هذه الأزمة التي انتهت بصدور الحكم ، إلا أنها أم ومازالت تعاني بسبب وفاة طفلتيها وعدم قدرتها على نسيان ما حصل معها. أتمنى من المختصين في حقوق الإنسان الاستماع الى شقيقتي فاطمة والحرص على إعادتها الى الحياة بشكل طبيعي بعد قرارها العودة إلى مكة والبقاء هناك بعيدا عن أعين الناس ولطلب الراحة».

يماني: العقوبة تُقدر بناء على نظرة القاضي
أوضح المحامي نايف يماني أنه لا يوجد قانون يقول ان الوالد يقاضى بولده، لأن الناحية الشرعية هي المختصة بذلك ولا يوجد نص في القانون الجنائي أو في الأنظمة المطبقة. وقال: «سماحة الشرع من هذه الناحية وفي مثل هذه القضايا تظهر، كما أن عدم تقنين العقوبات أمر متفق فيه مع القضاء. لذا نرى على سبيل المثال ان التعزير في قضية ما لشخص اُصدر عليه حكماً يكون بألف جلدة، فيما قاضٍ آخر أصدر حكماً على شخص آخر في قضية مماثلة بـ ٥٠ جلدة. هنا يطالب البعض من أهل القضاء والمحامين بالتقنين وذلك ما يرفضه القاضي لأن التقنين ضد الاجتهاد، والدين ترك لنا باب التعزير مفتوحاُ وهو درجات، فقد يصل إلى ٥٠ ألف جلدة وقد يصل إلى القتل، فهنا يقوم القاضي بالتقويم بناء على الجُرم.»

وأضاف يماني: «في هذه القضية إذا كان الأب مشاركاً وجبت عليه العقوبة، وإن لم يُشارك لكنه صمت ولم يُحرك ساكناً فعليه عقوبة أيضاً. واذا كان جاهلا بمسألة الضرب فعقوبته تخف... هنا تكمن سماحة الدين وتُقدر العقوبة بناء على نظرة القاضي. واعتقد أن الأب في هذه القضية لم يُشارك لكنه كان يعلم بسوء معاملة الزوجة لابنته، وبقي صامتاً. أما ما ذكرته بعض الصحف بأن الأب أيد الزوجة وشجعها على زيادة التعذيب لضرورة التأديب، فهذا أعتبره كلاماً وبعيداً عن الدقة».

النجيمي: الحكم في منتهى العدالةً
من جانبه، قال أستاذ الدراسات المدنية في كلية الملك فهد الأمنية وعضو مجمع الفقه الإسلامي الشيخ الدكتور محمد النجيمي: «لا يقاضى الوالد بولده، وهو قول عن الرسول صلى الله عليه وسلم. لكن الفقهاء قالوا إن ذلك إن كان على سبيل التأديب أي أن يضربه بعصا أو بشيءٍ لين لا يقتله. أما في هذه القضية فالزوجة تعمدت القتل والتعذيب وبإقرار الزوج. لذا نالت القصاص لأنها الشخص الذي مارس العنف. ولو كان الوالد غير مكتفٍ بتأديب ابنه، بل مارس عليه الضرب المبرح والتعذيب أو استخدم سكيناً لقتله، ففي هذه الحالة الصحيح من أقوال العلماء أن الوالد يقاض بولده».

وأضاف: «إن عموم نصوص  الكتاب والسنة تدل على أن لا تفرقة لا بين ذكر وأنثى ولا بين أبٍ وابنه، ولا ابن وأبيه وبالتالي فإن الصحيح والراجح مقاضاة الأب بولده إذ انتفت عنده صفة التأديب. الأب لم يباشر بالضرب لذلك لن يستطيع القاضي إصدار حكم عليه. وقد تكون هناك أسباب كثيرة ومتعددة تمنع عنه الحد، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم (ادرءوا عنهم الحدود بالشبهات)، وبالتالي فإن القاضي من وجهة نظري لم يكن مخطئاً بل كان مصيباً. وهم دائماً ثلاثة قضاة ينظرون في مثل هذه القضايا الجنائية. واعتقد ان الحكم في منتهى العدالة، فالزوجة يُقتص منها والأب يُحكم عليه بـ ١٥ سنة سجناً تعزيراً لأن القضاة لم يقتنعوا بأنه أراد القتل، بل هو ربما كان يريد التأديب مع التأكيد أن هذا الأسلوب أسلوب قذر، لكنه لم يكن يود الوصول عبره إلى الموت. فما صدر من حكمٍ بحقه اعتقد أنه كافٍ».

المجلة الالكترونية

العدد 1080  |  كانون الأول 2024

المجلة الالكترونية العدد 1080