التحرش الجنسي يرقد في قلوب فتياتها دون تبليغ
هل نفاجأ لوعرفنا أن الكثيرات من حولنا من الفتيات والصديقات والأخوات والزميلات ربما تعرّضن لتحرّش أو إعتداء أو إغتصاب جنسي ولم يهمسن بكلمة لسنين طويلة. كثيرات وقعن في التحرش، ودفنّ التجربة داخلهن، معتقدات أنها لن تنكشف يوماً، ومصدقات أنهن يتمتعن بحياة طبيعية، وأن هذه التجربة لم تؤثّر عليهن ولن يعلم عنها أحد طالما بقين على عهدهن وحبسن ما حبسن داخل قلوبهن. لا نستطيع أن نجد دراسات كثيرة ودقيقة أو نحدد أرقاماً للتحرّش أو الإعتداء الجنسي على الفتيات في السعودية، لأن الكثير من الوقائع لايبلغ عنها.
تطوى صفحات هذه التجارب وتحرق داخل كل منهن دون أن يقرأها أحد، ولكن تمر الأيام والسنين ويبقى رماد هذه الأوراق وآثار حرقها في الداخل ليظهر فجأة دون أسباب واضحة، وليشير إلى وجود تجربة قاسية مدفونة في أعماق كل منهن قد تعوقها أو تمنعها من مواصلة حياتها بشكل طبيعي، وهي جاهلة السبب الحقيقي الذي يحجب عنها السعادة ويغيّب البسمة عن شفتيها. في هذا التحقيق كشفت فتيات سعوديات لـ «لها» أسراراً قديمة خبأتها السنون ولم يعلم عنها أحد، إلى أن أصبحن جاهزات للحديث ومستعدّات لتذكر التفاصيل.
جوهرة التي لا تتعدى سنوات عمرها التسعة عشر ربيعاً، تعرضت لأنواع مختلفة من التحرّشات منذ أن كانت في الخامسة من عمرها. تبدأ سرد تجربتها وهي مرتجفة ومتردّدة في إعادة تذكر هذه اللحظات. تقول: «تعرضت للتحرّش لأول مرة من إبن صديقة والدتي الذي كان يكبرني بعشر سنوات».
تتذكر الحادثة وكأنها حلم يمر في ذاكرتها، إلا أنه حقيقة لا يمكن أن تتجاهلها. فقد حاول ابن الخامسة عشرة التحرّش بها جنسياً يومها ذهبت إلى البقالة الصغيرة لتجد أنه لحق بها وبعد خروجها من البقالة وعند دخولها المصعد قام بفعلته. «أمسك بي وبدأ بتقبيلي وضمي وأنا أحاول جاهدة الإبتعاد عنه. ولكني لم أتمكن من دفع جسد رجل وفي الوقت ذاته لم أكن أفقه تماماً مايفعله بي. كل ما أعرفه أن هناك خطأ ما دفعني إلى أن أقول لوالدته ببراءة: ولدك يحاول أن يعاملني بقلّة أدب». لم تخبر والدتها بما حدث وتملّكها خوف شديد، ولسبب أو لآخر لم يعاودوا زيارتهم حتى قابلته صدفة بعد سنوات. «إلتقيته مجدداً وأنا في التاسعة من عمري في الشاليهات في مدينة جدة. شعرت بكثير من الخوف والرعب عندما علمت بوجوده».
ما حدث مع جوهرة لم يكن نهاية قصتها ولكنه كان بداية لسلسلة من الإعتداءات والتطاولات الجسدية، فتتذكر قائلة: «تعرضت مرة أخرى على يد أحد رجال العائلة عندما كنت في الثامنة من عمري. تعودت الضحك واللعب مع كل أفراد العائلة ومن بينهم زوج عمتي. كان رجلاً كبير السن لديه عدد من الأحفاد، وكنت كثيراً ما أعتبره قريبا مني لأنه كان يلاعبني مع أحفاده، ولكن جرت الحكاية بغير عادتها هذه المرة. ففي زيارة نهاية الأسبوع وعندما كنت ألعب مع أحفاده اقترب مني بطريقة مؤذية، وحاول التحرّش بوضعي فوق حجره، ولم يكن يبعدني عنه إلا حفيده الصغير عندما كان يأتيه لاعباً معه. حينها اغتنمت الفرصة وهرعت إلى والدتي مرعوبة بعد أن حاول تقبيلي رغماً عني وبطريقة وحشية».
تملك منها الرعب وكبلها الخوف من إخبار والدتها خشية أن تتسبّب بمشكلة أو أن لا تصدقها، وهذا ما جعلها تلتزم الصمت وتخفي سرّها داخلها. ولكن حكاياتها لم تنته. فهي لسبب أو لآخر تجذب المتحرّشين نحوها بطريقة أو بأخرى وببراءة تجعلها لاتفهم مايدور حولها بوضوح.
في الصف الرابع كان لها قصة أخرى عندما كانت تلعب مع إبنة الجيران وأخيها البالغ من العمر ١٧ عاماً. «عندما خرجت أخته من الغرفة حاول التحرّش بي وتقبيلي، إلا أنني كنت أكثر قوة وبالفعل أخذت موقفاً منه بحيث أني أصبحت أحذر من الوجود معه بمفردي حتى لا يعود ويتحرّش بي».
كثيرة هي المواقف التي تعرضت لها جوهرة وهي في سن صغيرة، والغريب أنها دائماً تكون عرضة للمتحرّشين سواء الأقارب أو الأغراب. في المرحلة المتوسطة كانت تتناول طعام العشاء في أحد المطاعم مع والدتها وخالتها. وعندما ذهبت لدورة المياه لحق بها أحد العاملين وحبسها داخل الحمام وبدأ تقبيلها حتى إستطاعت أن تخرج ولم تعاود زيارة المطعم مرة أخرى وكتمت الأمر في نفسها.
عاشت جوهرة حياة مضطربة إذ كانت هناك بعض الخلافات بين والديها إلى أن تم الانفصال. هذه المشكلات جعلتها تتفهم أمور الحياة بشكل أكبر من عمرها وتتخطى المشكلات والتحرشات في حياتها، وأيضا أصبحت قوية بما فيه الكفاية لتدافع عن نفسها وتضع حداً لكل من يتجاوز في الحديث معها، على حسب ما ذكرت.
أخيراً تحدثت جوهرة لشقيقتها عما حدث معها وأطلعتها على الأسرار التي دفنتها داخلها طيلة السنوات الماضية. «لقد كنت منزعجة جداً من شكلي الذي كان يعطي إنطباعا أني أكبر من سني ويدفع بمن أكبر مني سنا إلى أن يتحرش بي. أيضا رغبتي الجنسية تفتحت بشكل مبكر مما دفعني لزيارة طبيبة أمراض نفسية شرحت لي أن ماحدث معي من تحرّشات جنسية قد فتح لدي المفاهيم الجنسية قبل وقتها».
إلا أنها حالياً وبعد مرور كل هذه السنوات أصبحت رغبتها طبيعية وموجهة بطريقة سليمة حين استطاعت وعن طريق والدتها واخوتها وطبيبتها تجاوز مرحلة طفولتها لتترجمها إلى مشاعر مسؤولة تفرغها عند ارتباطها بالشخص المناسب.
أم لأربعة بعد إغتصاب في سن المراهقة
تتذكر لمى، (أم وزوجة لأربعة أطفال)، عندما كانت في بيروت تعيش مع عائلتها وهي لم تتجاوز السبع سنوات حين دخل «المكوجي» بيتها أثناء وجودها في المطبخ ليراها ويبدأ التحرّش بها مباشرة. «بدأ بملامستي وتقبيلي، ولم أستطع إخبار أي من أهلي لأني كنت أخاف أن يترجموا حديثي بشكل مختلف. بعد سنة تحرّش بي صديق أخي وشقيق صديقتي والذي يكبرني بأكثر من ١٠ سنوات. كنت في زيارة لمنزلهم ولكن وبشكل مفاجئ أدخلنا الغرفة أنا وأخته وقال إنه يريد اللعب معنا ليتحرّش بي وبأخته. للمرة الثانية لم أستطع أن أخبر أحد بما حدث خصوصاً أنه كان يكبرني بعشر سنوات وأنا لم أتجاوز التسع، والخوف كان يتملكني».
لم تتوقف تجارب لمى مع الإعتداءات الجنسية عند هذا الحد، بل إستمرّت لتصل إلى مرحلة الإغتصاب الكامل وهي فتاة صغيرة في مرحلة المراهقة ودون أن تنطق بكلمة. «في المرة الثالثة تعرضت للإغتصاب الكامل وأنا في الرابعة عشر من العمر، أي في سن المراهقة، حين تحرّش بي الرجل الذي كان يريد الزواج من والدتي. ولأنه كان يريد الاقتران بها كان كثير التردد على المنزل، وفي يوم من الأيام أتى نزيلا في بيتنا بعد عقد القران وإضطرت والدتي للسفر وترك البيت لأكون معه وحدي وكانت المصيبة. فقد اعتدى عليّ بشكل كامل، أي اغتصبني. وللمرة الثالثة لم أستطع التحدث مع والدتي، ولم أخبرها بشيء مما حدث، بل وزرع في نفسي الخوف منه ومن كل شيء. لم يكن الاعتداء لمرة واحدة بل مرات عدة. كان دائماً يؤكد لي أني السبب في هذا الاعتداء. وبالفعل اقتنعت في داخلي أني أنا التي أردت ذلك، ولم أخبر أحداً بذلك. بعدها ترك والدتي وظلّ السر مكتوماً في داخلي لا يظهر منه شيء سوى تصرفات مراهقة طائشة».
أضافت: «لم أستطع أن أحدث أحداً في الموضوع أبداً حتى تحدثت فيه مع أختي، وكنت لم أتجاوز السادسة عشرة». وكبرت وكبر الخوف معي حتى التقيت زوجي الحالي، واقتنعت بأنه الرجل المناسب ولكن لم أقوَ إخباره إلا منذ عام فقط، حين اضطررت لإخباره بالواقعة. وكانت صدمة بالنسبة إليه لدرجة أنه أصبح شديد الكره لوالدتي. ولكنه تفهم مشاعري بشكل كبير جداً، وهو عوني في تجاوز الماضي الذي مررت فيه».
الطبيب يعتدي على المريضة وينجو بفعلته
سوسن شابة خليجية في نهاية العقد الثاني من عمرها، وربما تكون قد فقدت بكارتها قبل سنوات على يد طبيب كانت تلجأ إليه لمعالجتها من بعض الإلتهابات. لكنه إستغل وضعه كطبيب وقام بعمله بشكل غير أخلاقي مما شكل لسوسن صدمة كبيرة جعلتها عاجزة عن إصدار أي ردود فعل أو إتخاذ أي قرار. وأبقت نفسها حبيسة داخل قفص التجربة، متجاهلة ما حدث لها ومتعايشة مع الوضع حتى فكرت في الإرتباط والزواج وهي لا تعلم حجم الضرر الذي ألحقه بها الطبيب. تتحدث عن تجربتها بألم وإنفعال شديدين حين قررت وبشكل مفاجئ أن تخبر شقيقتها بما حدث معها. «كنت عصبية جداً ومتقلّبة المزاج وكثيرة البكاء وكثيراً ما كان يصعب التعامل معي. لم أكن أفهم السبب بوضوح وبالتالي أهلي لم يعلموا أو يفهموا ما يجري معي. كنت أخفي ألمي وخوفي مما حدث وأحاول التعايش مع مشكلتي والتأقلم معها».
وتتذكر سوسن التجربة التي مرّت بها قبل خمس سنوات تقريباً قائلة: «كنت أشعر ببعض الإلتهابات والحرقة في البول. وبما أني كنت أعالج من طبيب أمراض نساء بسبب بعض المشاكل في الهرمونات، لجأت إلى الطبيب ذاته الذي كان صديقاً للعائلة نتردّد عليه جميعاً. بدأ بالفحص وطلب مني أن يسحب عينة، ولم ألبث أن وجدته ينقض عليّ بأدوات الكشف حتى أصابني ألم شديد. أخذ يمسكني ويقبلني ويزيح عني ملابسي حتى إستطعت أن أبعده عني بقوة وأخرج من عيادته وأنا في حالة رعب شديد وصدمة كبيرة».
لم تعرف سوسن كيف تتصرف ولا إلى من تتحدث، ففعلت كما فعل غيرها، وقررت أن تحتفظ بالموضوع لنفسها حتى لا يلومها أحد ولا ينكشف أمرها. خرجت من العيادة ولم تعد إليها واحتفظت بما حدث لنفسها تاركة الطبيب ينجو بفعلته وربما يمارسها مع غيرها.
لم تقوَ على الإستمرار في السكوت طويلاً. الألم ازداد والهموم تراكمت خاصة مع ظهور شخص يمكن أن يكون زوج المستقبل. حينها قرّرت اللجوء إلى شقيقتها لتطلعها على ماحدث وتطلب منها المساعدة. «بدأت جلسات علاج نفسي بعدما تحدثت إلى أختي وتابعت الحالة مع الطبيبة حتى تمكنت من تخطي المشكلة. إستطعت أخيرا أن أرتبط بإنسان محترم طلبني للزواج فأخبرته بتجربتي وصارحته بكل شيء، فقدر وتفهم موقفي ونحن الآن نستعد لإتمام الزواج».
الشؤون الإجتماعية: تحرش الإناث يأتي من الأخوال والذكور من أبناء العمومة
أكد المدير العام للشؤون الإجتماعية في منطقة مكة المكرمة علي الحناكي أن نتائج الدراسة التي أفادت أن ٢٢ في المئة من الأطفال السعوديين يتعرّضون للتحرّش الجنسي قريبة جداً من الواقع الملموس. ومن خلال ملاحظات الوزارة والحالات التي تردها، أوضح أن الأطفال أكثر عرضة للتحرّش الجنسي لأنهم الحلقة الأضعف في المجتمع وأن الذكور عادة ما يتعرضون للتحرش من جانب أبناء العم والإناث من جانب الأخوال.
وأفاد أن الجهل وعدم الوعي من العوامل التي تساهم في وقوع التحرش على الفتيات خاصةً عندما تنظر الأم إلى ابنتها كطفلة وتجعلها تلبس ملابس شفّافة وقصيرة، وتتركها تلعب مع الأولاد دون مراقبة، إعتقاداً منها أنها طفلة لا تلفت النظر. «المتحرّش أو أي شخص آخر لا ينظر إلى الطفلة كما تنظر إليها والدتها أو والدها، بل ينظر لها بشكل مختلف خاصة المراهقين. فالشخص المراهق لا ينظر إلا إلى رغباته وشهواته ويكون ضميره غائباً، فيحدث المحظور. وعندما يقع التحرّش وتسكت عليه الفتاة تصبح صماء بكماء خرساء كضحية، بينما الجاني يصول ويجول داخل البيت والأسرة، وهذا ما يقلقنا ويزعجنا لأن الفتاة يمكن أن تصاب بالإكتئاب أو بالخوف الشديد فلا تثق بنفسها ولا بالآخرين، فيما الأسرة في سبات عميق لاتعلم شيئاً عن هذا الوضع، والمشكلة عادة ما تبدأ صغيرة مثل كرة الثلج ثم تتدحرج حتى تكبر وتهوي على رؤس الجميع فتحطمهما. هذا ما نلاحظه من خلال الشكاوى التي ترد إلينا والحالات التي نتابعها».
وأشار الحناكي إلى أن التبليغ عادة ما يصل إلى الوزارة عن طريق إحدى الأخوات أو الأم وفي بعض الأحيان الأب، موضحاً وجود إستمارة خاصة معممة على كل المستشفيات الحكومية والخاصة والمراكز الصحية للإبلاغ عن حالات التعرّض للإيذاء بشكل عام. وتعطي هذه الإستمارة الطبيب حق التبليغ عن الحالة دون الرجوع إلى الأهل، إضافة إلى وجود الرقم المجاني (١٩١٩) الذي يمكن أي شخص التبليغ عن حالات الإيذاء فيترك أرقامه وتتابع الوزارة الحالة في أسرع وقت ممكن، وعادة ما ترسل المختصّين في اليوم التالي مباشرة. ويقوم العمل في الشؤون الإجتماعية على القاعدة الذهبية، كما ذكر الحناكي، « آخر الدواء الإيواء»، فالوزارة لا تحرص على الإيواء السريع أو توسيع الفجوة بين أفراد العائلة، وتحاول قدر الإمكان معالجة المشكلة داخل العائلة واحتواءها من خلال العائلة الواحدة. وتهتم الوزارة بأفراد الأسرة جميعهم فتقدم لهم النصح والإرشاد والتوجيه. أما الفتاة التي تعرّضت للتحرّش أو الإغتصاب فيتمّ التعامل معها عن طريق الاختصاصيات النفسيات لتوجيهها ورفع معنوياتها حتى تتجاوز هذه المشكلة النفسية. أما الجاني فيرجع أمره إلى المحكمة التي تبتّ القضية حسب الأوراق المقدّمة والأدلّة.
ويطالب الحناكي بضرورة وجود الوعي بين أفراد الأسرة وأن تعلم كل فتاة أن «هناك جهات ستساعدها وستقدّم لها يد العون لحل مشكلتها. ولا تبقى صامتة وتدفن ما يحدث معها بداخلها، حتى تتمكن الوزارة من مساعدتها ووضع حد للألم الذي تعانيه. فمن لحظة التبليغ تدخل جهات عدّة في القضية للتحقيق في الموضوع، لذا المتحرّش أو المغتصب يبدأ البحث عن السلامة خوفاً من التورّط في القضية، فيما تتولّى الشرطة بحماية الفتاة».
جمعية حماية الأسرة: «العلاج النفسي ضرورة مهما طالت المدة»
وترجع الاختصاصية النفسية سميرة الغامدي، عضو مجلس إدارة جمعية حماية الأسرة، أسباب صمت الفتيات عن تجارب التحرّش الجنسي إلى الخوف من المتحرش خاصة عندما يكون من الأقرباء. «كلما قربت علاقة المتحرّش كبر الخوف، وكلما طالت الفترة كلما ازداد الصمت، إضافة إلى الشعور بالخزي والعار ويعتقدن أنهن المسبّبات لهذا الأمر. عندما تتعرض الفتاة للتحرش تشعر بالخزي والخوف ولا تستطيع الحديث لأن الأمور الجنسية تعتبر «تابو» في مجتمعنا، وإن حملت نفسها على الكلام والتصريح يمكن أن تضرب أو تلام أو توبخ. وأتذكر أن إحدى الزوجات المعنفات، والتي تعرضت إبنتها للتحرّش من والدها، قالت لي: لو لم ترتدِ الملابس الكاشفة أمامه لما فعل ذلك! إذن غالبية الفتيات المتحرّش بهن يوبخن ويعنفن إذا تحدثن، وهذه هي عقلية الأمهات والآباء. فكيف يمكن للفتاة أن تتكلم؟».
ومن العلامات التي تظهر على الفتاة المتحرش بها أفادت الغامدي أن هناك تغييراً واضحاً في السلوك يظهر على الفتاة، إضافة إلى العصبية الشديدة، وأفكاراً لتدمير الذات، ويمكن أن تصل إلى محاولات الإنتحار، أو استعمال المخدرات. وفي بعض الحالات تستثير التجارب التي تعرّضت لها هذه الطفلة رغبات جنسية لديها تجعلها أكثر عرضة من غيرها للتجربة ويصبح استقطابها أسهل.
وشددت الغامدي على ضرورة توعية الأطفال من الناحية الجنسية وتعليم الفتاة كيف تحمي نفسها وأعضاءها الحسّاسة وخصوصيتها. «لا بد أن يشعر الأبناء بالأمان حتى يتحدّثوا، وأن تكون هناك رقابة شديدة ومتابعة من الأهل لمعرفة كل ما يدور مع أطفالهم، وملاحظة تصرّفاتهم وطريقة كلامهم، والمعلومات التي تصدر منهم وتبدو عادية أو بسيطة لكنها قد تشير إلى مشكلة كبيرة. على سبيل المثال، كانت لديّ طفلة يتحرّش بها والدها ويخبرها أنه نوع من الحب، وأن مايفعله معها هو حب الأب لإبنته. عندما ذهبت الطفلة إلى المدرسة وشاهدت زميلاتها مع آبائهن تساءلت «لماذا لا يحبهن آباؤهن كما يحبني والدي؟: «من هنا عرفت أن هناك خللاً ما مع الطفلة. ومع التحقيق تبين أن والدها يتحرّش بها. «إذاً لابد أن ينتبه الأهل لكل الكلام الذي يقوله الطفل أو الطفلة لأن كلمات وتعليقات بسيطة قد تكون مؤشراً لأمر خطير».
وحذرت الغامدي أيضاً من الأقارب والسائقين والخدم، مؤكدة أن أكثر حالات التحرّش تكون من قبلهم لذا لايجوز أن يترك الطفل وحيداً لساعات طويلة مع أي منهم، ولابد من أخذ الحيطة والحذر. وتذكر طفلة صغيرة تمارس العادة السرية بشكل كبير، عرف بعدها أن مربيتها كانت تلامس أجزاءً من جسدها بشكل غير لائق وهي صغيرة، فأثارت لديها أحاسيس وتجارب أكبر منها.
وقالت الغامدي إن مسؤولية الحماية من التحرش مسؤولية مشتركة بين البيت والمدرسة والمجتمع ككل. «لابد من توعية الأطفال من الناحية الجنسية بشكل يتناسب مع أعمارهم وإستيعابهم، إضافة إلى المراقبة الدقيقة لسلوك الطفل ومتعلقاته وتعليقاته حتى نكتشف الأمر في وقت مبكر لنفرغه منهم قبل أن يتراكم داخلهم ويصعب تفريغه. أما الفتيات اللواتي تعرّضن للتحرّش ولم يتحدّثن، فهنّ في حاجة الآن إلى برامج تأهلية جماعية. والجمعية مستعدّة لإستقبال الفتيات وتوفير الدعم لهن عن طريق العلاج الجماعي أو الفردي. فالعلاج النفسي ضرورة للمتعرّضات للتحرّش لمحاولة إخراج المشكلة من داخلهن وتعديل سلوكياتهن والتعامل مع الأمر بشكل صحيح».
دراسات في الصحف
بينت دراسة تناقش قضايا التحرّش الجنسي والعنف ضد الأطفال نشرت في صحيفة «الحياة» وصحيفة «الشرق الأوسط» و«العربية نت» والعديد من الجرائد المحلية ومواقع الإنترنت، وجود حالات التحرّش الجنسي في السعودية ومدى انتشارها. وكشفت الدراسة التي أعدّها الدكتور على الزهراني، اختصاصي الأمراض النفسية في وزارة الصحة والحاصل على الدكتوراه في علم الطب الإكلينيكي من جامعة أدنبره في بريطانيا، أن ٢٢ في المئة من أطفال السعودية قد تعرّضوا للتحرّش الجنسي. وأوضحت أن الأطفال من سن ٦ إلى ١٠ سنوات هم الأكثر عرضة للتحرّش الجنسي إذ تصل النسبة إلى ٢٣ في المئة، وتقلّ إلى ٢٠ في المئة عند الصغار بين عمر ١١ و ١٥ عاماً، حتى تصل إلى ١٣ في المئة بين البالغين الذين تراوح أعمارهم بين ١٦ و ١٨ عاماً. وأوضحت الدراسة أن الأطفال في سن الخامسة وأقلّ هم الأقلّ عرضة للتحرّش إذ تصل النسبة إلى ثلاثة في المئة.
شملت الدراسة عينة من طلبة الجامعات والكليات وبعض السكان عن طريق صناديق البريد في المناطق السعودية المختلفة، وكشفت أن الأقارب والأصدقاء والأخوان ثم المعلمين والمعلمات يشكّلون النسبة الكبرى من المتحرّشين. وأفادت أن ٦٢ في المئة من الأطفال المتحرّش بهم لم يكشفوا عن المسيء إليهم جنسياً و ١٦٫٦ في المئة إتهموا الأقارب، بينما اتهم ١٤٫٤ الأصدقاء، ورجع ٤٫٨ في المئة منهم إلى الأشقاء و ٢٫١ في المئة إلى المعلمين والمعلمات.
وبينت نتائج الدراسة أن ١٣ في المئة من الأطفال يتعرّضون للعنف الجسدي الحاد الذي تظهر آثاره في الكبر على ٣٥ في المئة من النساء و ٦٥ في المئة من الرجال. وأشار الزهراني إلى أن الإساءة الجسدية تظهر أشكالاً مرضية عند الكبر في الذكور والإناث.
شاركالأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024
شؤون الأسرة
اقتراحات تمييزية للتشويش على حق الأمهات اللبنانيات بإعطاء الجنسية لأطفالهن
شؤون الأسرة
عائلة حسام ورولا تنقل تفاصيل دقيقة عن الحياة في هولندا بكل صعوباتها وإيجابياتها
شؤون الأسرة