تحميل المجلة الاكترونية عدد 1078

بحث

امرأة دمرها كنز وهمي

سلسلة من الألغاز أحاطت بهذا الحادث المثير الذي شهدته إحدى المناطق الشعبية في القاهرة، حيث أودى هوس البحث عن كنز من الذهب  بحياة زوج شاب استجاب لصاحبة منزل متهالك انجرفت وراء أطماعها لتقود الكهربائي الشاب إلى حتفه.
اعترافات المتهمة لدى النيابة تضمنت مفاجآت عدة أولاها عندما أقسمت أنها استجابت لأحلامها المتكررة التي تكشف لها مكان الكنز الذهبي أسفل غرفة نومها، وقررت استخراجه بمساعدة الشاب، ولكن النهاية كانت مؤسفة، فبدلاً من الذهب وجدت السجن في انتظارها.

ربما كانت المرة الأولى التي يقود حلم صاحبه إلى السجن... السيدة إيمان كانت ضحية حلم ملحّ يطاردها، حاولت أن تهرب منه كثيراً ولكن بلا جدوى.

نظرت إيمان حولها لتتأكد من أنها لا تحلم، فالقيود الحديدية تحيط بمعصميها، وبجوارها جندي حراسة ضخم الجثة، وعلى مسافة خطوات منها يقف ابنها الوحيد كريم يغالب دموعه وهو ينظر إلى أمه نظرات مفعمة بالأسى والعتاب، وبكلمات متهدجة قال:

«أنت السبب في ما وصلنا إليه يا أمي، كنا نعيش باستقرار، ليس لدينا مشاكل مع أحد حتى جاء هذا الحلم الذي دمر حياتنا!».

الأم: «يابني، أردت أن أؤمن حياتك، وصدقت الحلم ولم أتوقع أن ينتهي بنا المطاف هذه النهاية البشعة»!

بكى كريم وقال: «الآن نحن في الطريق إلى السجن، لم نحصل على الذهب الذي ظللت تحلمين به. نحن متهمان بالبحث عن كنز والحفر دون تصريح، والتسبّب بموت بريء ودفنه في منزلنا»!

قاطعت الأم ابنها قائلة: «اصمت، لا أريد أن تسترجع هذه الذكريات مرة أخرى، كفانا ما نحن فيه»!

قطع حديثهما صوت جندي الحراسة يدعوهما إلى المثول أمام رئيس النيابة للتحقيق معهما!

شائعات وبلاغات

البداية كانت مؤلمة، شائعات ملأت منطقة مصر القديمة الشعبية عن وجود جثة داخل منزل السيدة إيمان، بعدما اشتمّ  الجيران رائحة كريهة تنبعث من المنزل. إلا أن أحداً لم يجرؤ على سؤالها عن مصدر هذه الرائحة خوفاً من بطش ابنها الشاب كريم الذي سبق اتهامه في قضية إحراز سلاح أبيض، فأصبح جيرانه يخشون سطوته. بدأ رئيس مباحث قسم مصر القديمة يهتم بهذه الشائعات وقرر التعامل معها بجدية وأن يربط الأحداث بعضها ببعض، وتوقف أمام بلاغ اختفاء فني كهرباء شاب، أكدت زوجته أنه ذهب إلى السيدة إيمان منذ شهر لإصلاح بعض الكهرباء في المنزل وظلّ يتردّد عليها بضعة أيام بحجة استكمال أعمال الإصلاح قبل أن يختفي تماماً وتنقطع أخباره.

قرر رئيس المباحث أن يجري بعض التحرّيات حول إيمان وأسرتها قبل أن يداهم شقتها ليتأكد من بلاغ زوجة الكهربائي، وتبيّن له أن صاحبة المنزل مطلقة منذ سنوات وتعيش مع ابنها، وسبق اتهامها في إحدى القضايا.

الشهود من جانبهم أفادوا أنهم كانوا يسمعون أصوات حفر خلال النصف الأخير من الليل وأشارت التحريات إلى غرفة نوم إيمان وأن سيد ربما يكون مدفوناً بالفعل أسفلها، في لحظات تحرك رجال المباحث، وجنود الشرطة للحفر فوراً، ومرت ساعات قبل أن تملأ الرائحة الكريهة المنزل!

الكابوس

صرخ أحد الجنود: وجدنا  جثة! ونجح رجال المباحث في استخراجها وسط ذهول الجميع، وبدت الحسرة على وجه إيمان وابنها كريم الذي لم يتوقف عن البكاء، مدركاً أن الحلم الذي نسجته أمه تحول إلى كابوس!

استدعى رئيس المباحث إيمان التي ظهر القلق والتوتر على وجهها وهى تواجه الضابط الذي بادرها بالسؤال عن سيد. تلعثمت إيمان وهي تنكر معرفتها بأي شخص يحمل هذا الاسم، لكن رئيس المباحث أخبرها بأنه يعرف كل شىء عما حدث في منزلها، وسيقوم بتفتيشه فوراً للكشف عن الجثث التي تخفيها.

توقفت سيارة الشرطة أمام مسكن إيمان، وهناك اعترفت بأن الجثة للكهربائي سيد وأن الطمع هو القاسم المشترك في الأمر. قالت إنها ظلت تحلم عدة أيام بشيخ عجوز، طيب الملامح، يرتدي ثياباً بيضاء، كان يزورها في أحلامها بشكل مستمر، وينصحها، ويتحدث معها في أمور كثيرة. وفي الأحلام الأخيرة بدأ يلفت نظرها إلى وجود كنز ثمين من الذهب الفرعوني، والماس مدفون أسفل غرفة نومها.

تؤكد إيمان أنها تجاهلت الحلم والرجل العجوز لكن المشاهد تكرّرت مراراً مما دفعها إلى التفكير جدياً في تفاصيل الحلم، خاصة أن الشيخ العجوز كان يعرف كل تفاصيل حياتها، ويصف لها منزلها وغرفة نومها بدقة شديدة!

حدد الشيخ لإيمان مكان الكنز بدقّة، وطلب منها أن تحفر إلى عمق 10 أمتار تحت الأرض أسفل غرفة نومها، وأخبرها أنها ستجد خمسة صناديق سوداء بداخلها الكنز الذهبي الثمين!

قصت إيمان تفاصيل الحلم على ابنها الذي تجاوب معها، وعرضت الأمر على سيد الكهربائي الذي كان يتردد على منزلها منذ سنوات، فوافق على مساعدتها في الحفر مقابل الحصول على نصف الكنز، فوافقت ايمان وبدأ سيد عمله فوراً.

تؤكد إيمان أنها فوجئت به يختفي بعد ساعة من نزوله إلى القبو الذي وصل عمقه إلى ستة أمتار، وسارع ابنها بالنزول للبحث عنه ففوجئ بمقتل الكهربائي صعقاً بسلك كهربائي كان يستخدمه في إنارة القبو.

قرّرت إيمان أن تدفنه فوراً بعدما جاءها الشيخ العجوز في الحلم واعتذر لها عن عدم تحقيق مرادها، وأخبرها أن لعنة حارس الكنز أصابت الكهربائي. فسارعت إيمان إلى دفنه أسفل غرفتها وحاولت أن تنسى قصة الكنز!

قررت النيابة حبسها وابنها، ووجهت إليهما تهم الحفر دون ترخيص والتسبّب بموت الكهربائي، وإخفاء الجريمة... وتستمر لعنة الكنز لتصيب إيمان وابنها بعد أن ضاع الحلم ولم يجدا أمامهما سوى السجن!

 

المجلة الالكترونية

العدد 1078  |  تشرين الأول 2024

المجلة الالكترونية العدد 1078