تحميل المجلة الاكترونية عدد 1077

بحث

الحواجز العسكرية الاسرائيلية

في وقت تنشد الأنظار الى التطورات اليومية في ملف المستوطنات وكيفية التعامل مع الموقف الاسرائيلي من مواصلة البناء فيها، تدفن معاناة مئات الفلسطينيين عند الحواجز العسكرية الذين يتحولون كل يوم الى لقمة سهلة للجنود ولموظفي الشركات الخاصة التي تتولى مسؤولية حراسة هذه الحواجز، فيما الخطر الأكبر يهدد النساء الحوامل اللواتي يضطررن في بعض الاحيان الى الانجاب عند الحاجز وفي أحيان أخرى تفقد الام جنينها وتتدهور حالتها الصحية، اذا ما شاء حظها ان تصاب بنوبة آلام المخاض في ساعات المساء عند اغلاق الحاجز.

في هذه الأيام يناقش الموضوع لدى وزير الدفاع الاسرائيلي ايهود باراك بعد تلقيه رسالة عاجلة من النائب العربي في الكنيست الاسرائيلية، عفو اغبارية يحمله فيها مسؤولية  الجرائم التي ترتكب بحق الفلسطينيين عند الحواجز وقتل الفلسطيني بدم بارد قبل ولادته، بسبب الاجراءات التي يتخذها الجيش ويمنع بموجبها النساء الحوامل من التوجه الى المستشفى للانجاب الأمر الذي  يشكل خطراً على حياتهن وحياة الأجنة.

ولعل حاجز برطعة هو الصرخة المدوية في هذه الفترة بعدما تفاقمت معاناة السكان وتجاوزت مسألة الانتظار وما يلحقه من معاناة، إذ بات كل فلسطيني يصل الى هذا الحاجز، رجلاً أو إمرأة ، طفلاً أو مسناً، مضطرا لخلع ملابسه حتى يثبت للجندي أو ممثل الشركة التي تحرس الحاجز انه ليس ارهابياً ولا يحمل أسلحة ولا قنابل ومتفجرات...

الجثث ارهابية حتى تفتيشها!

صحيح أن معاناة الفلسطينيين عندالحواجز ليست بالأمر الجديد، فعلى مدار سنوات طويلة خاصة بعد انتفاضة الأقصى وتشديد الحواجز ونشر المئات منها عند مداخل البلدات الفلسطينية، يعاني الفلسطينيون جراء ممارسات الجنود والأوامر التي تنفذ وتحوّل كل فلسطيني يصل الى الحواجز الى ضحية بل لقمة سهلة للجنود للتنكيل به وتعذيبه جسدياً أو كلامياً أو نفسياً. ولكن ما يثير الموضوع من جديد مضاعفة المعاناة بعد نقل مسؤولية عدد كبير من هذه الحواجز الى شركات خاصة يعمل في معظمها مستوطنون أو من اليمين المتطرف الذين يستغلون وجودهم عند هذه الحواجز للتنكيل بالفلسطينيين. ومع تصاعد القلق الاسرائيلي من خطر احتمال تنفيذ عمليات اختطاف جنود لاستخدامهم رهائن للافراج عن الأسرى الفلسطينيين ضاعفت السلطات العسكرية الاسرائيلية  اجراءات التفتيش عند الحواجز ووصلت الى حد الزام الفلسطينيين التعري كليا. ورغم أعمال الاحتجاج والتظاهرات التي أقيمت بالقرب من حاجز برطعة والتوجه الى الجهات المسؤولة فإن شيئاً لم يتغير وما زال فلسطينيو برطعة يواجهون المعاناة يومياً.

وبرطعة هي قرية فلسطينية مقسومة، شرقية وغربية. الشرقية تابعة للضفة الغربية. وبرطعة الغربية تعتبر جزءاً من اسرائيل ومواطنوها يحملون الجنسية الاسرائيلية.  لكن نكسة 1967 توحدهم وجدار الفصل عاد ليفصلهم. وأصبحت برطعة الشرقية في منطقة «C» التابعة حتى الآن للحكم العسكري للاحتلال عسكرياً ومدنياً. والعائلات مشتتة ما بين طرفي الحاجز العسكري، أبناء العائلة الواحدة في الجهة الفلسطينية لا يستطيعون الوصول الى أبناء عائلاتهم في برطعة الشطر الاسرائيلي. وفي معظم الحالات يضطرون للمغامرة والمخاطرة بحياتهم والتسلل للقاء أبناء عائلاتهم. وبسبب التخوف الاسرائيلي من ان تكون هذه نقطة سهلة لتسلل فلسطينيين باتجاه اسرائيل شدد الجيش اجراءاته حتى تحول كل فلسطيني في نظر حراس الحاجز الى مخرب وارهابي الى حين اثبات عكس ذلك. وهذا يتطلب مراحل عدة الاولى منها تبدأ بالانتظار الطويل ثم الاستجوابات والاسئلة الاستفزازية حتى مرحلة التفتيش المهينة والمذلة.

ويقول النائب عفو اغبارية الذي رفع ملف معاناة برطعة الى أروقة المسؤولين الاسرائيليين، ان لا سبب لتعرية الفلسطيني بوجود الأجهزة الالكترونية المفروض ان تنفذ مهمة التفتيش الدقيق، ولكن بالنسبة الى الاسرائيلي فكل فلسطيني، حتى وان كان إمرأة حاملاً أو جثة داخل نعش، يشكل خطراً على أمن الدولة. ويضيف: «هناك مرضى من سكان برطعة يتوفون أثناء تلقيهم العلاج في نابلس أو جنين  ويعودون الى قريتهم جثثاً، ورغم مشاهدة الجنود وحراس الحاجز النعش والمستندات الطبية لا يسمحون بعبور الجثة قبل تفتيشها  وفي هذه الاجراءات ليس فقط انتظاراً مقيتاً لذوي الفقيد إنما إهانة للميت.

وان كانت اهانة الميت والتفتيش في كفنه وتابوته يسببان آلاماً لذويه، فإن هذه الآلام تتضاعف عندما يقف الفلسطيني عاجزاً أمام وضع يرى فيه كل دقيقة تأخيراً عند الحاجز تشكل خطراً أكبر على حياة المرأة الحامل وجنينها. وبموجب الاجراءات الجديدة للحاجز فانه يغلق عند التاسعة مساء ويصبح كل دخول أو خروج من برطعة منوطا بقرار الادارة المدنية. وهنا تقع النساء الحوامل ضحية فكل من تضطر للتوجه الى المستشفى للانجاب بعد الساعة التاسعة تكون حياتها في خطر، فلا مجال لعبور الحاجز قبل الحصول على تصريح وموافقة  الادارة المدنية وهذه الاجراءات بحد ذاتها تتطلب ساعتين أو ثلاثاً على الأقل، مما يعني ان نسبة كبيرة من النساء تضطر للانجاب في البيت أو عند الحاجز حيث تنتظر التصريح، وفي هذا الوضع فإنها وجنينها معرضان لخطر الموت.

 65 في المئة من العائلات الفلسطينية ضحايا

في كل حديث عن حواجز عسكرية يشكل جدار الفصل عنصراً أساسياً في سياسة التنكيل بالفلسطينيين وما يشكله من خطر على حياتهم بمنعهم من الحصول على خدمات صحية. وبموجب الجهاز المركزي للاحصاء الفلسطيني فان 65 في المئة من العائلات الفلسطينية الواقعة داخل الجدار فصلت كليا عن الخدمات الصحية، فيما تشير دراسات إلى أن الجدار سيتسبب بتدمير الجهاز الصحي الفلسطيني بشكل كامل في حال الانتهاء منه، نظراً الى تركز الخدمات الطبية في المدن والتجمعات السكنية الكبيرة.

وفي دراسة  لمعهد الإعلام والسياسات الصحية الفلسطينية تبين أن 20 في المئة من وفيات الأطفال الفلسطينيين ناجمة عن جدار الفصل والحواجز المنتشرة في أنحاء الضفة الغربية، كما بلغ انتشار فقر الدم بين النساء في سن الإنجاب 33 في المئة وولادة أطفال تقل أوزانهم عن 2.5 كيلوغرام حوالي 10 في المئة، فيما الإغلاق ومنع التجول شكّلا نسبة 44 في المئة للأمهات اللواتي واجهن صعوبة في الحصول على الخدمات الطبية لأطفالهن. أما نسبة الأمهات اللواتي واجهن صعوبة في الحصول على التطعيم لأطفالهن بسبب الحواجز العسكرية فبلغت 12 في المئة. وتحدثت دراسة لمركز المرأة للإرشاد القانوني أن أربعا من كل عشر أسر تعيش في حالة مزمنة من غياب الأمن الغذائي، وأن هناك تراجعاً في كمية الغذاء ونوعيته لدى 73 في المئة من الأسر في الضفة الغربية.

المجلة الالكترونية

العدد 1077  |  آب 2024

المجلة الالكترونية العدد 1077