تحميل المجلة الاكترونية عدد 1079

بحث

إجهاض المعاقة المغتصبة واستئصال رحمها!

أثارت مأساة معاقة ذهنياً حملت بعد تعرضها للاغتصاب ومعاناة أسرتها من ذلك والتفكير في إجراء عملية إجهاض واستئصال لرحمها حيرة علماء الدين في الأزهر الشريف الذين انقسموا ما بين معارضين يرون أن هذا التفكير ظاهره الرحمة وباطنه العذاب واعتداء سافر على إنسانية المعاقة، ومؤيدين له باعتباره طوق النجاة للمعاقة ولأسرتها... «لها» ترصد القضية الحساسة وكل الآراء المختلفة حولها. بدأت المأساة حين ذهب الزوج والزوجة إلى الأزهر الشريف بصحبة ابنتهما الجميلة ذات العشرين ربيعاً والتي تعاني من إعاقة ذهنية شديدة تجعلها فاقدة للقدرة على التمييز وسهلة الانقياد مع أي شخص. وسبب هذه الزيارة ان الفتاة كانت فريسة للاغتصاب وتحمل في أحشائها جنيناً.

جلس الوالدان أمام مسؤولي الإفتاء في الأزهر والدموع في أعينهما نتيجة المعاناة التي يواجهانها في تربية ابنتهما التي تقوم منذ صغرها بتصرفات غير منطقية سببت لهما مراراً حرجاً شديداً أمام ضيوف الأسرة وصلت إلى حد محاولة التعري. وتكرر ذلك كثيراً رغم محاولات الأسرة تدريبها على عدم القيام بأمور كهذه.

واصل الوالدان شرح المعاناة وأكدا أن تعرض ابنتهما للاغتصاب عمّق الأزمة النفسية للأسرة، وهذا ما جعلهما يفكران  في عملية الإجهاض واستئصال الرحم كخيار وحيد أمامهما للقضاء على آثار الاغتصاب ومحاصرة الفضيحة ومنع إنجاب طفل معاق جديد، والحيلولة دون تكرار المأساة مستقبلاً حيث لن تظهر أي آثار للاغتصاب إن وقع. ورغم إشفاق أعضاء لجنة الفتوى في الأزهر على الأسرة فإنهم انقسموا حول  مدى مشروعية ما تفكر فيه.

استسهال وتهرب
يعترض رئيس جامعة الأزهر على الفكرة الدكتور أحمد الطيب قائلاً: «إنها جريمة كاملة الأركان لأن فيها نوعاً من الاستسهال حتى يتخلى ولي أمر المعاقة عن القيام بدوره في حمايتها، وهنا نغلق باب الإنجاب لنفتح باب الإهمال في تربية المعاقة ورعايتها. وهذا لن يؤدي الى حل، بل سوف يتحمل الولي الإثم في ما حدث لها لأنه فرط بالأمانة التي أئتمنه الله عليها وسيحاسبه الله حساباً عسيراً على جريمتي استئصال الرحم وإهمال المعاقة، وذلك لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم :«كلكم راع ومسؤول عن رعيته». وأخشى أن يكون الهدف الوحيد لإزالة الرحم هو فتح باب الرذيلة، بمعنى أن الأسر عندما ترحب بإزالة أرحام بناتها المعاقات يبدو كأنها توافق على أن يتعرضن للتحرشات شرط الا يحملن. وبالتالي فإن هذا التفكير ظاهره الرحمة وباطنه العذاب.

تفكير جاهلي
ترى الدكتورة ماجدة هزاع رئيس قسم الفقه في كلية الدراسات الإسلامية أن ما تفكر فيه الأسرة هو نوع من الوأد للأنثى «يذكرنا بما كانت تفعله الأسر في الجاهلية مع بناتها. ورغم تقديرنا للظروف الصعبة إلا أن عليها أن ترضى بقضاء الله وتصبر على الابتلاء بمزيد من الرضا وتكثيف الرعاية للابنة وتدريبها على التحكم نسبياً في تصرفاتها بالاستعانة بالأطباء المتخصصين، أما الجنين فإنه إن كان مر عليه أربعة أشهر فأكثر فلا يجوز شرعاً إجهاضه لأنه أصبح روحاً لايجوز الاعتداء عليها، أما إن كان عمره أقل من ذلك فإنه يجوز إجهاضه. أما استئصال الرحم فهو محرم شرعاً. والأفضل أن تعزز الأسرة رعايتها لابنتها التي من المحتمل أن تشفى ولو بشكل جزئي مستقبلاً في ظل التقدم الطبي في علاج المعاقين. وأنا شخصياً رأيت إعاقة كثيرة تحسنت حالتها وأصبحت شبه طبيعية بفضل الرعاية الأسرية والطبية».

جريمة
ويقول الدكتور مبروك عطية الأستاذ في جامعة الأزهر إن على «جميع أفراد المجتمع وخاصة الأسرة صون كرامة المعاقة وحقوقها وعدم إهدارها مهما كانت درجة تخلفها لأن لها حقوقاً في الشرع باعتبارها إنساناً بغض النظر عن عدم أهليتها. ولهذا فإن استئصال رحمها خوفاً من الاعتداء عليها أمر مرفوض شرعاً خصوصاً أن المشكلة لن تنتهي بإزالة رحم الفتاة لأن ذلك لا يعني ضمناً أن الاعتداء على الفتاة مقبول فيما المرفوض فقط هو الحمل. ولهذا على ولي الأمر ممثلاً في الحاكم والحكومة نشر الوعي بأهمية رعاية أسر المعاقين وحل المشكلات التي تواجهها، وفي الوقت نفسه مراقبة الأهل لأبنائهم من ذوي الاحتياجات الخاصة».

مباح ولكن
من جهتها، ترى العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية الدكتورة آمنة نصير أنه من حق الأسرة أن تجهض ابنتها استناداً إلى فتوى شيخ الأزهر الأخيرة «بجواز إجهاض المغتصبة مهما كان عمر الجنين، حتى لا يسبب هذا الحمل الشقاء لها ولأسرتها مع أنه لا ذنب لها فيه. لكن هذا التيسير لا يمتد إلى ما تفكر فيه الأسرة من استئصال الرحم لتتخلى عن مسؤوليتها في رعاية المعاقة ليصبح المهم هو عدم حدوث الحمل مهما تعرضت الابنة للاغتصاب، وبالتالي فإن هذا التفكير قد يؤدي إلى التفريط بأعراض صاحبات الاعاقة الذهنية».

الاستئصال رحمة
في المقابل يؤيد المفكر الإسلامي جمال البنا القيام بعملية استئصال الرحم «إذا قرر الطبيب إمكان ذلك باعتباره الأقرب الى فهم حالة المعاقة عقلياً ويعلم تماماً المعاناة الدائمة التي يعانيها الأهل مع ابنة معاقة عقلياً. وتزداد المأساة إذا حدث اعتداء جنسي وحمل. ولاشك أن إزالة الرحم  تعد رحمة بالمعوقة وأسرتها لأن المعاقة عقلياً تعد فاقدة الأهلية ويجب القيام بما فيه مصلحتها وحمايتها من التعرض للاغتصاب والحمل السفاح. لكن هذا لايبرر للأسرة أن تهمل المعاقة بحجة أنه لن يحدث حمل إذا تعرضت للاغتصاب، وإلا أصبحت مفرطة بأعراضها».

الاندماج الاجتماعي
عن طريقة تعامل الأسرة التي لديها ابنة معاقة ذهنياً مع المجتمع، يقول استاذ علم الاجتماع في جامعة عين شمس الدكتور علي ليلة أنه من الخطأ «محاولة الانعزال والخجل من وجود طفل معاق ذهنيا وإخفاؤه كأنه جريمة يشعر الزوجان بالذنب تجاهها لأنهما لم يتخذا الإجراءات الوقائية اللازمة، علما انه وقد يلوم كل طرف الآخر ويحمله المسؤولية. والأفضل تقبل الوضع القائم والاعتراف بالحقيقة والتعامل مع الموضوع بلا خجل، والإقبال على البرامج التعليمية والعلاجية والمشاركة فيها. إلا أن هذه المرحلة قد تتأخر للأسف عند بعض الأسر مما يؤخر استفادة الطفل من الخدمات والبرامج التربوية والعلاجية في وقت مبكر من حياته. ويتوقف مدى نجاح الأسرة في اجتياز تلك المشكلة على مدى تسلحها بالإيمان بالله تعالى والرضا بقضائه وتطوير ما لدى الطفلة من استعدادات وإمكانات بشتى الوسائل حتى تكون عضواً فاعلاً في مجتمعها ولا تشعر بحرج».

مخالفة للقانون
عن موقف القانون من استئصال رحم المعاقة ذهنياً، قال أستاذ القانون الدولي في جامعة الأزهر الدكتور جعفر عبد السلام: «هذا العمل يتعارض مع القوانين والمواثيق الدولية، اذ تنص الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل على أن تتخذ الدول جميع التدابير التشريعية والإدارية والاجتماعية والتعليمية لحماية الطفل من كل أشكال العنف أو الضرر أو الإساءة البدنية أو العقلية والإهمال أو المعاملة التي تتضمن إهمالاً أوإساءة معاملة أو الاستغلال، بما في ذلك الإساءة الجنسية. وفي ما يتعلق بحقوق المعوقين تنص المادة الثالثة والعشرين على أن تعترف الدول بوجوب تمتع الطفل المعاق عقلياً أو جسدياً بحياة كاملة وكريمة في ظروف تكفل له كرامته وتعزز اعتماده على النفس وتيسّر مشاركته الفعلية في المجتمع، مع حق المعاق في التمتع برعاية خاصة. ومن هنا نجد أنه من المجرَّم قانوناً على مستوى العالم كله استئصال رحم المعاقة ذهنياً بحجة حمايتها لأنه عذر أقبح من ذنب تبرير تقصير الأسرة في رعاية ابنتها».

الوقاية خير من العلاج
عن أسباب إنجاب أطفال معاقين ذهنياً، يقول وزير الصحة المصري الأسبق الدكتورإبراهيم بدران: إن من أسباب ذلك «نقص تناول الأم الحامل للأغذية المحتوية على حمض الفوليك الموجود في البقوليات مما يزيد نسبة الخلل في الانقسام الكروموزومي، خاصة أن ٢٠ في المئة فقط  مما تتناوله الحامل من الفيتامينات يصل الى الجنين. فمثلاً الحديد تحتاجه لزيادة كرات الدم الحمراء وتفادي الأنيميا وتغطية احتياجات الجنين والمشيمة من الهيموغلوبين، والانخفاض قد يؤدي الى تشوهات في الأجنة بعد أن تقل المناعة لدى الأم والجنين. ومن الأسباب أيضاً إدمان الأم للكحوليات وتناولها أدوية دون إشراف طبي والحمل بعد الأربعين... هذه أسباب تزيد احتمال ولادة طفل معاق ذهنياً. لهذا ينبغي إلزام المقبلين على الزواج اجراء الفحص الطبي الجيني مما يفيد في التدخل المبكر قبل الزواج بإجراء وقائي لتجنب إنجاب طفل معاق».

التأهيل النفسي
عن التعامل النفسي الصحيح مع الطفل المعاق ذهنياً داخل الأسرة بما يحقق له الحماية يقول الدكتور سيد صبحي أستاذ الصحة النفسية في جامعة عين شمس: «لا شك في أن وجود طفل معاق ذهنياً يسبب حالة من الاضطراب داخل أسرته. إلا أنه بمرور الوقت  تبرز بعض النواحي الإيجابية والقدرات المتنوعة التي تتطور ببطء إذا ما وجد الطفل اهتماماً متواصلاً من الأهل. ويجب التعامل مع المعاق وفق نظام يتماشى مع تطوره وتعليمه مع الاستفادة من توجيهات الطبيب. وفي الحالة التي نناقشها لا ينبغي القسوة على المعاقة باستئصال رحمها بل علينا مضاعفة الرعاية لها لأن احتمالات شفائها قائمة وتزداد يوماً بعد يوم في ظل ما يتوصل إليه الطب من جديد في هذا المجال».

المجلة الالكترونية

العدد 1079  |  تشرين الثاني 2024

المجلة الالكترونية العدد 1079