زواج الهاتف
تقليعة جديدة بدأت تنتشر باستحياء في السعودية وتحديداً في مدينة جدة بين الشباب والفتيات، وتتلخص في قيام بعض الشبان والفتيات بعقد قرانهما عبر الهاتف من خلال تبادل العهود والوعود بعيدا عن رقابة الأهل وعلمهم، مما أدى إلى الكثير من المشاكل الاجتماعية والأخلاقية. ورغم عدم رصد حالات واقعية أكدت مصادر في التوجيه الأسري أن هذه النوعية من المشاكل بدأت تأخذ مكانها في أروقة المحاكم بعدما ألقت إفرازاتها على مستقبل العديد من الشباب والفتيات الذين غشّتهم المفاهيم الخاطئة عن الحياة الزوجية. «لها» رصدت بعضاً من آراء الشباب والفتيات في جدة حول هذه الظاهرة التي وصفها الكثيرون بـ«بالغريبة» و«المحرمة»، آخذة في الاعتبار الرأي الديني والاجتماعي والنفسي، إضافة إلى بعض آراء الاختصاصيين في التوجيه الأسري..
أوضح رئيس لجنة الإصلاح في مركز المودة الاجتماعي ونائب رئيس مركز الإصلاح في المحكمة العامة بجدة الشيخ محمد الحارثي أن انتشار أنواع مختلفة من الزواج في السعودية خاصة في الآونة الأخيرة يعود إلى أن الزوجين يريدان التخلص من كثير من الالتزامات والحقوق التي حرص الإسلام على توثيقها، قائلاً: «ظاهرة المسميات التي بدأت تنتشر كالمسيار والمسفار و الوناسة و غيرها، هي تحايل على الزواج الشرعي الصحيح وإن ظهرت أو ظهر بعضها متوافقاً مع الزواج الشرعي الصحيح. فعلى المدى القريب أو البعيد ستكون ممهدة على التجرؤ والتلاعب بعقود الأنكحة الشرعية. ففي الوقت الذي يحرص الإسلام على ضمان حقوق الزوجين والأبناء تحاول هذه المسميات التنصّل منها. ولا نستطيع اعتبار هذه الأنواع من الزواج مناسبة في السعودية لأن الإسلام شريعة المسلمين في كل زمان ومكان وليس خاصاً بالسعودية. و إني أرى من باب سد الذرائع ألا تكون تلك المسميات بديلة أو مناسبة للمسمى الصحيح في الإسلام وهو عقد الزواج الشرعي.
وعن المطالبة بالتنبه لظاهرة زواج الهاتف في السعودية ذكر الحارثي أنه من أكبر الأخطاء لدى الشاب و الفتاة أن يبنيا مستقبلهما الأسري على علاقة محرمة فاسدة من أصلها، كالتعارف عبر الهاتف واللقاءات التي تتمّ بعد ذلك والوعود بالزواج الذي قد يتمّ وقد لا يتمّ. كل ذلك في غفلة عن أهل الفتاة. فما بني على باطل فهو باطل، وسرعان ما يعقبه الندم... وروى قصة الشاب الذي تزوج من فتاة عبر الهاتف و«أثمر الزواج جنيناً.
وانتهى الأمر بذهاب البنت وهي حامل إلى بيت أهلها، تدخلنا للإصلاح وتم الاتصال بالزوجة وأهلها (الأب الكبير في سنه القليل في سلطته، والأم القوية في سيطرتها) وإقناعهم بالحضور إلى المركز. فعملنا على إقناع الأم لمصلحة ابنتها وألحقنا الزوجين بدورة تأهيلية للحياة الزوجية في المركز، وتم إهداؤهما كتيبات و مطويات وأشرطة مسجلة تعينهما على فهم الحياة الزوجية وإدارتها. وبفضل الله تعالى تم لم الشمل وعاد الزوجان ورزقهما الله تعالى طفلاً هو الآن ينعم بينهما».
أما عن التأكيد أن هذه الظاهرة بدأت تمتد باستحياء في جدة فقال الحارثي: «نعلم بالأمر من خلال المشاكل التي ترد إلينا في مركز المودة الاجتماعي عن طريق الاستشارات الهاتفية ومكتب الإصلاح في المركز وكذلك بعض الخلافات الزوجية التي ترد إلى مكتب الإصلاح بالمحكمة العامة في جدة. وكل ذلك مدوّن في استمارات خاصة لكل حالة بالمركز. ومرّة روى لي شاب قصته بقوله: تزوجنا من خلال التعارف عبر الهاتف وكنا في قمة السعادة. ولم يمض شهر ونصف حتى بدأت الحياة تتغير بيننا، فصارت تتأفف من الحياة معي وأصبحت تكثر الاتصال بوالدتها وتطلب الذهاب إليهما بل والمبيت عند أهلها ليلة أو ليلتين في الأسبوع. فحصل الصدام بيني وبينها، ثم انتهى بها المطاف إلى والدتها. فقلت هذا هو المفهوم الخاطئ للحياة الزوجية وهو العنوان الذي عنونت به مقالي والذي قام بتحريفه وتحريف نصوصه المحرر في جريدة ما، ولقد أبلغناه بعدم استعدادنا للتعاون معه لعدم وثوقنا بأمانته الصحافية».
المعبي: زواج الهاتف يعتبر سفاحاً ووجب فيه إقامة حد التعزير
من جهته، أوضح المأذون الشرعي الشيخ أحمد المعبي أن أنواع الزواج الذي بدأ ينتشر في المجتمع خلال الآونة الأخيرة يعتريها البطلان لأن الزواج في الإسلام يُشترط فيه الديمومة وعدم التغرير بالمرأة، بل الحفاظ عليها من خلال هذا الميثاق الغليظ لقوله تعالى (وأخذن منكم ميثاقاً غليظاً). فالإسلام يخشى من الرجال أن يتلاعبوا بالمرأة خاصة أنها عاطفية تتأثّر بسرعة بعذب الكلام فالرسول صلى الله عليه وسلم قال (رفقاً بالقوارير).
وأضاف المعبي: «في الزواج لابد من توافر شروط وجود الولي والشهود والزوج والزوجة، وينوب عن الزوجة ولي أمرها. أما طريقة الزواج بالهاتف فقد يعتريها الشك وأي عقد يعتريه الشك أعتبره غير صحيح. وعقد الزواج عن طريق الهاتف هو عقد باطل بكل المعاني ولا يعتبر زواجاً بل يعتبر سفاحاً وتوجب فيه العقوبة تعزيرياً لأن هذا الزواج لا تتوافر فيه شروط ولم يُكتب عند مأذون شرعي وغاب عنه وجود الولي والشهود العدول. بل إن هذا الزواج يعتبر علاقة فاسدة لأنها علاقة غير مبنية على الأركان والشروط، ومن أقدم على هذا النوع من الزواج وجبت عليه العقوبة تعزيراً». وأردف المعبي قائلاً: «اللغط قد يحدث في زواج الهاتف. وقد لا يتأكد الشاب أن صاحبة الصوت التي تحدثت معه عن طريق الهاتف هي الفتاة التي التقته، لذلك يجب أن ننتبه لهذه الظواهر التي بدأت تنشأ بين شباب المجتمع السعودي لأنها تسمى تلاعباً وليس زواجاً. أي زواج يعتمد على تحديد مدة باطل لأنه قد يصنّف من باب زواج السر، وهو من أنواع الأنكحة الباطلة التي لم تتوافر فيها الأركان والشروط، وهي تختلف عن الأنكحة الفاسدة التي تتوافر فيها الأركان ويفسد شرط من الشروط لحديث موثق يقول: (أيما امرأة زوجت نفسها بنفسها فنكاحها باطل فنكاحها باطل فنكاحها باطل)».
الجمعان: مسؤولية الخطأ الرئيسي على عاتق الأهل
تحدث مستشار برامج السلوك الاجتماعي ومشكلات الإدمان ومدير العيادات الخارجية والخدمة الاجتماعية الطبية في مستشفى حراء في جدة الدكتور عادل عبد العزيز الجمعان قائلاً: «بعد ظهور زواج المسيار وغيره توقعنا أن الأمر لن يتوقف عند هذا الحد بل سيزيد. وأستطيع أيضاً أن أؤكد أنه خلال الفترة المقبلة سيظهر العديد من الأفكار والأنواع المختلفة لظواهر غريبة تقتحم مجتمعاتنا الإسلامية، لأن هذه مؤشرات تؤكد لنا وجود مشكلات متعدّدة ومختلفة في التربية والثقافة الأسرية. وهناك خلل كبير في مجتمعنا يعود إلى غياب الحوار بين الآباء والأبناء، إضافة إلى عدم وجود تواصل بين الآباء والأسر. فالشاب الذي يصل في تفكيره إلى حد الارتباط بفتاة من خلال هاتف وإقامة علاقة معها على أساس أنها زوجته وتُثمر العلاقة وجود طفل، لم يصل إلى هذا الفعل بشكل مفاجئ إنما هناك ترابط في الأفكار وهناك أمور حدثت بالفعل. ونعني هنا أموراً تحضّه على القيام بخطوات ما كالارتباط بالفتاة أو إقامة علاقة أو غير ذلك. ومن الطبيعي أن نجد أن الطرفين لم يفكرا في الآثار السلبية التي قد تقع عليهما من هذا الزواج». وعن الآثار السلبية التي قد تنتج عن انتشار هذه الظواهر في المجتمع يقول الجمعان: «الآثار السلبية لا تقتصر على الشاب أو الفتاة، بل تمتدّ إلى الأسرة خاصة أن زواج الهاتف يتمّ بعيداً عن رقابة الأهل. ونحن الآن في صدد مشكلة تدور حول الأسرة. وأرى أن المشكلة تبدأ من الأسرة وتنتهي من الأسرة أيضاً لغياب المتابعة والثقافة الجيدة والقدوة الجيدة. وبالتالي تكبر المشكلة ولن نصل إلى حل لها. وأتوقع إذا استمر وضع الأسر لدينا بهذا الشكل أن تتفاقم هذه المشكلات والظواهر علماً أن هذا الأمر لا يقع فقط على المجتمع السعودي بل يمتدّ إلى جميع المجتمعات الإسلامية والعالمين العربي والغربي. ونجد أن العامل المشترك الوحيد بين المجتمعات هو فقدان الهوية وغياب التوافق والحوار البناء بين الأب وأبنائه وبين الزوج وزوجته».
الجنيدي : الزواج أصبح أزمة حقيقية
قال المدير العام في إدارة الأعمال في شركة خاصة في مجال البترول بندر الجنيدي (27 سنة) أن عزوف الشباب عن الزواج أصبح أزمة حقيقية في المجتمع السعودي، ولعل أهم أسبابه ارتفاع المهور وتكاليف الزفاف. و«هناك من لا تسمح لهم إمكاناتهم المادية بالزواج فيفضلون الانسحاب على أن يغرقوا أنفسهم في القروض والسلف التي يمضون العمر في تسديدها، بالإضافة إلى الفكرة المغلوطة التي تهيمن على عقول الشباب ألا وهي اعتقادهم أن الزواج قيد يكبّل صاحبه ويصادر عليه حريته. كما أننا بتنا نجد أن العنوسة أصبحت كابوساً يصيب فتيات منذ سن المراهقة، مما أصبح يشكّل أزمة حقيقية للفتيات ويجعل التفكير في الزواج شغلهن الشاغل منذ الصغر».
وأضاف: «بدأنا نلاحظ ظهور حلول بديله في الآونة الأخيرة ابتدعها اليائسون من رحمة الله تعالى، ومن الأمثلة على ذلك الزواج عبر الهاتف الذي يعتبر مجرد حيلة يقوم بها الشباب والفتيات على أنفسهم كما قيل «يكذب الكذبة ويصدّقها»، وهو شبيه تماما بالزواج العرفي لكنه عبارة عن زواج عُرفي «لا سلكي». وهذه كلها طرق بديلة خاطئة لجأ إليها كثير من الشباب والفتيات للتخفيف من الشعور بالأزمة والرغبة في الارتباط بالجنس الآخر. لأن الزواج وكما نصت عليه جميع الأديان السماوية هو ترابط شرعي بين رجل وامرأة على وجه الدوام غايته الإحصان والعفاف وإنشاء أسرة مستقرة برعاية الزوجين. أما غير ذلك فأعتبره حيلة يقوم بها المخطئون من الشباب والبنات، والهدف منها هو عدم التشبه بالحيوانات في إشباع رغباتهم الجنسية وقتما شاؤوا وأينما أرادوا.
المدهون: زواج الهاتف علاقة تبحث في المفهوم الغرائزي
أحمد المدهون (25 سنة) الموظف في شركة خاصة قال: «أنواع الزواج هذه فاشلة ولن تدوم، لأن الدين شرّع الزواج بشروط معيّنة أولها الإشهار، من ثم تأتي موافقة الطرفين وموافقة ولي أمر الفتاة، إضافة إلى توافر البيت والمهر وبالتأكيد وجود الشهود. وإذا غاب شرط من هذه الشروط فالزواج باطل. أما في ما يخص انتشار هذه الأنواع في المجتمع السعودي أراه إخلال بالعادات والتقاليد الاجتماعية التي تربينا عليها، غير أنه يكسر الثقة بين الشاب والفتاة وأسرتيهما خاصة أن فكرة هذا الزواج تتلخص في الاتفاق بين الشاب والفتاة بعيداً عن رقابة الأهل، ناهيك بالمشاكل الأخلاقية التي ستبث سمومها في المجتمع نتيجة هذا الزواج المبنيّ على علاقة تبحث فقط عن إرضاء الغريزة الجنسية. لذلك أستطيع التأكيد أن الزواج التقليدي هو الحل الأمثل بين أي شاب وفتاة لاختيار الحياة الصحيحة والمستمرة».
شميلة: «كلام في الهواء» ينتقل بين الشباب دون رقيب أو حسيب...
أما عبد الرحيم شميلة (26 سنة) نذكر أن هذا النوع من الزواج هو تفسير خاطئ لمفهوم الزواج الذي يتسم بالوضوح والمعرفة أمام الأهل ومباركتهم له، قائلاً: «أعتبر هذه النوعية من الزواج مثل «الكلام في الهواء» الذي ينتقل بدون رقيب أو حسيب. ومن المؤكد أن هذه الاتصالات بين الشاب والفتاة تبقى مخفية وبعيدة عن مقص رقيب الأهل، لذلك نجد أن هذه النوع يسبب الكثير من الانحلال الأخلاقي والعواقب التي تؤثر بشكل واضح في المجتمع السعودي، بدليل أن هذا الزواج لا يُثبت بورقة بين الطرفين لتأكيده».
منصور: زواج ضعيف لأنه خارج عن المألوف ...
أشار مازن منصور (33 سنة ) الذي يعمل في مجال التجارة إلى أن هذه «الظاهرة غير صحية وخارجة عن المألوف، وما بُني ضعيفاً فهو ضعيف. وأنواع الزواج التي ظهرت مؤخراً تعتبر الزواج غير الصحيح اجتماعياً. وبناء على ما عرفته من ملخص بسيط عن فكرة زواج الهاتف فأعتقد أنه وكشاب سعودي زواج غير صحيح وغير منطقي وصورة غير مناسبة للزواج في السعودية بين أي فتاة وأي شاب. فالزواج الوحيد الذي نعرفه وتربينا عليه من خلال عقيدتنا الإسلامية هو الزواج المكتملة شروطه والجميع يعرفها».
الوسية: الفراغ وإضاعة الوقت من أهم انتشار هذه الأنواع من الزواج ...
من جانبها ذكرت داليا الوسية (31 سنة) الموظفة في شركة خاصة أن «الاعتقاد السائد لدى الشباب هو ارتباطهم بالفتاة من أجل الغريزة الجنسية. ولأن هذا السبب رئيسي فمن الممكن أن يكون ضمن الشرع والعادات والتقاليد. «عندما يتقابل الشاب والفتاة سراً أو بعد الحديث على الهاتف وتبادل العهود لماذا لا تصبح الأمور جهراً وعلى نور أمام جميع الناس حتى لا يقع الطرفان في المحظور؟ إلا أنني أستطيع التأكيد أن الأهل لهم الدور الأكبر في إيصال الشباب والفتيات إلى هذه الظواهر التي بتنا نسمع عنها في مجتمعنا كالمسيار والمسفار وغيرهما. ومع أن هناك من حلّل هذه الأنواع فإنها خطر يحدق بأولادنا وبناتنا. ومشكلة الأهل منذ البداية تتلخص في عدم الاهتمام الكافي بأبنائهم، إضافة إلى غياب عنصر التوعية الدينية التي تردع الشباب أو الفتاة عن الوقوع في الأخطاء أو الحرام من مبدأ (إن لم يكن أهلك معك كل الوقت فهناك رب يراقبك في أي وقت). إضافة إلى السماح للأبناء بالتنقّل والسفر والتواصل مع أصدقائهم دون رقيب أو حسيب. وأعتقد أن الفراغ وإضاعة الوقت في غير المفيد هما المحرّك الأول للشباب الذين يلجأون إلى هذا الزواج الذي لا أؤيده أبداً».
عبد العزيز: زواج الهاتف إهانة وذل للشباب والفتيات ..
أما مريم عبد العزيز (28 سنة) الموظفة في شركة خاصة فأشارت إلى أن «الدين الإسلامي شرّع زواجاً واحداً تحت مسمى واحد وتحت شرع واضح، فلماذا نلجأ إلى زواج بعيد عن الحقيقة والناس وربما يعتبر زواجاً سرياً قد يحدث فيه تنصل أحد الطرفين؟ الزواج واضح الأركان وصريح، وكل ما حصل في الآونة الأخيرة يُخل بركن من أركان الزواج من الشهود وولي الأمر والإيجاب والقبول والإشهار. زواج الهاتف ذل ومهانة للطرفين لأنهما قبلا بالزواج بعيداً عن الشرع والدين والحلال الذي شرعه الدين».
شارك
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024
شؤون الأسرة
اقتراحات تمييزية للتشويش على حق الأمهات اللبنانيات بإعطاء الجنسية لأطفالهن
شؤون الأسرة
عائلة حسام ورولا تنقل تفاصيل دقيقة عن الحياة في هولندا بكل صعوباتها وإيجابياتها
شؤون الأسرة