تحميل المجلة الاكترونية عدد 1079

بحث

قرى الأطفال SOS اللبنانية

من المعلوم أن الأسرة هي الخلية الاجتماعية الصغرى والأساس الذي ينطلق منه الطفل نحو المجتمع. وأي خلل في تركيب هذه الخلية يؤدي إلى خلل في المجتمع الكبير. ففقدان الرعاية الأسرية والحماية الأبوية بما تتضمن من حماية عاطفية وشعور بالأمان في كنف الوالدين، أقسى ما يتعرّض له الطفل من انتهاك لحقوقه التي أكدتها المواثيق الدولية والشرائع الدينية، فهذا الطفل لا ذنب له سوى أنه أصبح إما يتيماً أو تعرض لعنف من أحد والديه اللذين أنجباه. بيد أن وجود مؤسسات خيرية ترعاه وتحميه من قهر الزمن وتوفر له الحماية المفقودة يحوّل القهر إلى فرح، والحاجة إلى عطاء والجهل إلى علم. بل ليحوّل حياته إلى نعمة. وقرى الأطفال SOS اللبنانية هي نموذج مثالي لما يمكن أن تكون عليه مدينة الفارابي الفاضلة. «شعارها عائلتنا»، نمشي معاً. فهنا في هذه القرية اختار الطفل أخاه و أخته واختار أمه، والأم اختارت أبناء لم تنجبهم لتمنحهم كل عاطفة الأمومة دون قيد أو شرط، وكل ما يربطها بهم مشاعر إنسانية نبيلة لا ثمن لها.  «لها» التقت زينة علّوش المديرة الوطنية والمستشارة الإقليمية لحقوق الطفل في قرى الأطفال  SOS فتحدثت عن الجمعية وعن أهدافها.


تأسست جمعية قرى الأطفال SOS اللبنانية عام 1964 وأول قرية افتتحت في منطقة بحرصاف. وهي جمعية لبنانية لا تبغي الربح تنتمي إلى اتحاد جمعية قرى الأطفالSOS الدولي، ومركزه في النمسا. وعالمياً تأسست الجمعية عام1949  بعد الحرب العالمية الثانية ومؤسسها هرمان ميغنايمر الذي كان طفلاً يتيماً رعته خالته، وبعد الحرب وجد أن عدد الأطفال الذين فقدوا ذويهم كبير جداً وهم بحاجة إلى الحب والأمان والبيت الذي يؤويهم. ورأى أنه إذا وُجد الشخص الذي يرعاهم مثلما رعته خالته ستكون حياتهم أفضل. وهكذا بنى أول بيت فيه أم بديلة تهتم بالأطفال كما اهتمت خالته به وربته. كانت هذه اللبنة الأولى لقرى الأطفال في منطقة إمست في النمسا. ومنذ ذلك الوقت أصبح عدد قرى الـ  SOS في العالم 444 قرية موجودة في 143 دولة . الفكرة إذاً وجود أم بديلة ترعى أطفال تعوضهم عن حنان الأم البيولوجية.

- من هم الأطفال الذين تستقبلونهم في القرية؟
هم الأطفال الفاقدون الرعاية الأبوية، إما نتيجة اليتم خصوصاً فقدان الأم ولا توجد لديهم خالة أو عمة أو جدة تهتم بهم، وإما نتيجة تعرضهم لانتهاكات ضمن العائلة أي العنف بجميع أشكاله ويتم فصلهم عن عائلتهم وغالباً تنضم هذه الحالات إلى القرية بأمر محكمة. وللأسف هذه الحالات تزداد نسبتها. وهناك حالات الأطفال مكتومي الهوية. والنسب تأتي على الشكل الآتي: 30% حالات يتم، 60% حالات عنف، و10 % من مكتومي الهوية.

- ما الاختلاف بين جمعية قرى الأطفال SOS وغيرها من الجمعيات الخيرية ودور الأيتام؟
الجمعيات الخيرية ودور الأيتام ترعى الأطفال في شكل جماعي وتوفر لهم كل متطلباتهم المادية ولكنها لا تقدّم للطفل ميزة العيش في بيئة عائلية أي أن يكون له أخوة وأم ترعاه وإخوته. بينما هدف جمعية SOS هو توفير البيئة العائلية الصحية بكل جوانبها. البيت الذي هو نموذج للبيوت العادية التي يعيش فيها كل طفل في كنف عائلته البيولوجية، وتوفير الغذاء والكساء والتعليم الذي هو الأساس الذي ينطلق به الطفل نحو مستقبل مضمون. وتكون المسؤولة عن كل هذا أماً ترعاه وباقي أخوته وتمنحهم الحنان وعاطفة الأمومة كما لو كانت والدته البيولوجية.

- في أي سن تستقبلون الطفل؟
لا نستقبل الطفل الذي تعدت سنه العشر سنوات إلا إذا كان لديه  أخوة دون هذه السن فلا نفصل الأخ عن أخوته.

- متى يترك الأطفال القرية؟
بداية عندما يبلغ الأطفال الخامسة عشرة ينتقلون إلى مرحلة ثانية هي  بيوت الشباب والشابات ويكون المسؤول عن رعايتهم مربياً متخصصاً يقيم مع عائلته ضمن بيت الشباب  للمحافظة على النمط العائلي. وتجدر الإشارة إلى أن الأخوة ينفصلون عن أخوتهم البيولوجيين لأن هذه السن تعد مرحلة نحو الاستقلالية، ويبقون في هذه البيوت حتى سن الثامنة عشرة، وبعد هذه السن سوف يدخلون الجامعة فينتقلون إلى سكن قريب من الجامعة أو المعهد المهني وهذا ما يسمى سكن نصف مستقل. ونحن نبقى الأهل ونتابعهم، وعندما يصبحون في سن الـ 21 من الطبيعي أن يبدأوا بالاستقلال عن القرية مادياً، ولكن معنوياً نبقى عائلتهم.

- هل لديكم مدارس خاصة بكم يذهب إليها أطفال قرى SOS؟
أطفالنا يذهبون إلى مدارس المنطقة الموجودة فيها القرية. ليس لدينا مدارس خاصة بنا، نحن نستثمر في التعليم ونحرص على أن يحوز الأطفال افضل نوعية من التعليم إيماناً منا بأنه السلاح الأمضى الذي يحصنهم. والهدف من إرسالهم إلى مدارس عادية هو دمجهم بالمجتمع خارج محيط قرية SOS، وهذا جزء من عملنا.

- هل توجد في القرية عيادة خاصة؟
لا فعائلات القرية تذهب إلى الخدمات الصحية المتوافرة في المنطقة الموجودة  فيها القرية، ولكن في المناطق النائية هناك عيادات تابعة لنا وهي عيادات أسنان وطب أطفال  وطب نسائي تخدم البيئة المحيطة وأطفالنا. هناك أطباء يتعاونون معنا مجاناً، كما توجد مدارس تساهم في الأقساط. هذا يعني أن المجتمع المدني فيه تكافل اجتماعي متين.

- هل لديكم برامج تنموية أخرى؟
لدينا برنامج دعم الأسرة بهدف الوقاية من التخلي عن الأطفال. وهو يرمي إلى تمكين الأسر المهددة بالفقر وتشريد أبنائها خصوصاً إذا كانت الأم هي المعيل الوحيد لأبنائها بسبب الطلاق أو الترمل أو الهجر. ويصبح الطفل مهدداً بالتخلي عنه  حين  تصل الأم إلى مرحلة تتخلى فيها عن أطفالها لأنها لا تستطيع إعالتهم. ودورنا تغطية الحاجات الأساسية من غذاء ورعاية صحية وتعليم للأبناء، فهدفنا ليس الاعتماد مدى الحياة على قرى الأطفال بل مساعدة الأمهات في الخطوة الأولى نحو الإنتاج المستقل. تخيّلي أنه بمبلغ 400,000 ليرة لبنانية أي ما يعادل 235 دولاراً أميركياً تتغير حياة عائلة! مثلاً تخضع أم لتدريب مهني في مجال التجميل مثل تقليم الأظافر أو قص الشعر. وبعد التدريب نشتري لها العدة وهي تبدأ بالإنتاج. نحن نشتري كل المواد الأولية للأم المنضمة إلى برنامجنا كي تنطلق في عملها، وتستمر المساعدة مدة ثلاثة أشهر وبعد ذلك تنتج بنفسها.

- هل تنقلون تجربتكم إلى غيركم من المؤسسات الخيرية التي ترعى الأطفال؟
لدينا اتفاق شراكة وتعاون بين الاتحاد العلمي لقرى الأطفال SOS اللبنانية ومؤسسة الإمارات في أبو ظبي و دار زايد للرعاية الشاملة، لتقديم الخبرة العملية والمساعدة التقنية اللازمة في مجال الرعاية الأسرية البديلة، لاعتماد نموذج أقرب إلى قريةSOS. وهم يحققون نقلة نوعية في مجال الرعاية الأسرية البديلة خصوصاً في ما يتعلق بالأطفال المكتومي الهوية بغض النظر عن السبب، فالطفل ليس مسؤولاً عنه.

- من أين التمويل؟
نحن نعتمد بنسبة 70% على مساعدات الناس العاديين. ولدينا مشروع «تكفل» الذي يكفل عيره الشخص طفلاً بمبلغ يبدأ من 20,00 ألف ليرة أي ما يعادل 14 دولاراً، وهناك شبكة كبيرة من الناس تساعد بهذا المبلغ الضئيل. وفي الوقت نفسه هناك جهات في القطاع الخاص تموّل وكذلك المغتربون ووزارة الشؤون الاجتماعية. ولكن المشكلة أن الوزارة تغطي الأطفال الذين لديهم أوراق ثبوتية لبنانية، بينما الأطفال الذين ليس لديهم جنسية لبنانية لا تغطيهم، فهناك ثغرات كبيرة في القانون الذي يجب إجراء تعديلات إصلاحية عليه. أما في ما يخص بناء القرى فمعظم الأراضي التي تبنى عليها القرى هي هبة من أشخاص. كما نتلقى مساعدات عينية ومساعدات مالية مباشرة، ولدى حصول عجز في مجال البناء يأتي الدعم من الاتحاد الدولي لقرى الأطفال.
وأفاجأ بعدد الناس الذين يحبون العمل الخيري، فموضوع الطفولة يحرك مشاعر الكثير من الناس  ويقدمون على خطوة المساعدة. هناك شركاء كثر لنا في العمل الاجتماعي وأحياناً تفاجئين بهم. ولولا هؤلاء لما بقينا كل هذه العقود.

- ما هي الدول العربية الموجودة فيها قرى الأطفال SOS؟
سورية والأردن ومصر والمغرب والجزائر والسودان وفلسطين وتونس وفي لبنان هي موجودة  في المحافظات الخمس. أما العمل الاجتماعي فيشمل كل الأراضي اللبنانية.

 

المجلة الالكترونية

العدد 1079  |  تشرين الثاني 2024

المجلة الالكترونية العدد 1079