تحميل المجلة الاكترونية عدد 1080

بحث

مطلوب مساواة الرجل والمرأة في عقوبة الخيانة!

 

تشهد الساحة الدينية والتشريعية في مصر غلياناً في ظل المطالبة الملحّة بالمساواة بين الرجل والمرأة في العقوبات المتعلقة بالخيانة، خاصة أن العقوبة الحالية المستمدة من القانون الفرنسي أكثر قسوة على الزوجة من الزوج رغم أن الجريمة واحدة، وهذا ما أثار جدلاً واسعاً بين المؤيدين والمعارضين. فهل تنجح الجهود المنصفة للمرأة في إزالة الظلم أم  تنجح قوى العداء للمرأة في تعطيله؟

في البداية توضح المحامية منى ذو الفقار عضو اللجنة التشريعية في المجلس القومي للمرأة بعض جوانب الظلم القانوني اللاحق بالمرأة حالياً والتي يتم السعي لتغييرها، فتقول: «لدينا استراتيجية ممتدة حتى العام المقبل، من محاورها التصدي للتمييز ضد المرأة في القوانين العقابية التي تحدد وبشكل قاطع الأفعال التي يعتبرها المشترع جريمة ويعاقب مرتكبها - أياً يكن نوعها - بالعقوبة المناسبة والرادعة وبصرف النظر عن أسباب التجريم وعما إذا كان مرتكبها رجلاً أم امرأة. والتمييز ضد المرأة قد يكون بسبب النص العقابي أو بسبب تطبيق النص وذلك بالإضافة إلى بعض النصوص التي يغيب عنها الدفاع الحقيقي عن مصالح النساء».

وعن التمييز ضد المرأة في القانون تقول: «عقوبة الخيانة الزوجية تختلف في حالة الرجل عنها في حالة المرأة، ففي حين تعاقب المادة 274 من قانون العقوبات الخائنة بالحبس لمدة لا تزيد على سنتين، تعاقب المادة 277 الخائن بالحبس لمدة لا تزيد على ستة أشهر. كما تختلف أركان الجريمة، ففي حين لا يشترط لوقوع جريمة الزنى بالنسبة إلى المرأة سوى إتيان الجريمة فقط بغض النظر عن مكان وقوعها، فإن القانون يقصر شروط نسبتها إلى الرجل على وقوع جريمة الزنى في منزل الزوجية. بالإضافة إلى ذلك تنص الـمادة 237 على أنه إذا فاجأ الرجل زوجته في حالة زنى وقتلها في الحال يعتبر عمله جنحة تعاقب بالحبس فقط، أي لمدة لا تزيد على ثلاث سنوات. أما إذا فعلت الزوجة الشيء نفسه فضبطت زوجها متلبساً بخيانتها وقتلته فيعتبر عملهاجناية عقوبتها إما السجن المؤبد أو المشدد أي السجن لمدة لا تتجاوز 15 سنة. وأخيراً فقد أجازت المادة 274 للزوج وقف تنفيذ الحكم النهائي الصادر بإدانة الزوجة الزانية، بينما لم يسمح القانون للزوجة بهذا الحق في حالة إدانة زوجها بجريمة الزنى بموجب حكم نهائي».ا

لمرأة وحدها الجاني

 وأضافت ذو الفقار: «يتضمن تطبيق القانون 10 لسنة 1961 في شأن مكافحة الزنى تمييزاً أيضاً ضد المرأة. فقد نصت المادة 9 (ج) على معاقبة كل من اعتاد ممارسة الفجور والدعارة دون تمييز ظاهر ضد المرأة، إلا أن التطبيق جرى على معاقبة المرأة التي ترتكب الجريمة بالحبس لمدة تتراوح بين ثلاثة أشهر وثلاث سنوات والغرامة دون معاقبة شريكها الرجل. أي أن تطبيق القانون في الواقع العملي يعتبر المرأة وحدها الجاني وهى وحدها محل العقاب بل قد يشهد عليها شريكها الرجل ويغادر قاعة المحكمة حراً لا يرى المشترع في سلوكه أي جريمة، رغم أن أركان الجريمة ما كانتا تتم من دونه. وهذا أمر شديد التناقض والتمييز ضد المرأة كما أنه لا يؤدي إلى مكافحة الدعارة ولا يحقق الهدف من القانون».

 مخالفة الدستور والشريعة

وأنهت ذو الفقار كلامها بالتأكيد أن المشترع المصرى سبق أن استجاب لمطالب المرأة المصرية عام 1998 فألغى نصاً في قانون العقوبات كان يعاقب بالسجن المشدد كل من خطف أنثى وبالإعدام إذا اقترن الخطف باغتصابها، ثم تسقط عنه العقوبة تماماً اذا تزوج بمن خطفها زواجاً شرعياً، وكأن في الزواج مداواة لجرح الخطف أو الاغتصاب، بما في ذلك تنازل المجتمع عن حقه بصرف النظر عن حقوق المجني عليها. وبذلك أعاد المشترع للمرأة كرامتها وللنص العقابي أثره الرادع. «هذا ما يدعونا لمطالبة المشترع برفع التمييز ضد المرأة في قانون العقوبات، وهو ما يخالف أحكام الدستور والمواثيق الدولية. والتمييز الواقع ضد المرأة في قانون العقوبات لا يجد له سنداً من مبادئ الشريعة الإسلامية، وإنما يتوافق مع موروثات ثقافية من قيم وتقاليد وأعراف تخالف الدستور ومبادئ الشريعة».

ظلم للمرأة

 القضية تفجرت عندما تقدم عضو مجلس الشعب المصري يحيى وهدان بمشروع قانون لمعالجة جوانب القصور في قانون الإجراءات الجنائية المصري رقم 58 الصادر عام 1937 الذي يتضمن عقوبة للزوجة الزانية أشد ولا يعاقب الرجل والمرأة اللذين يمارسان الخطيئة بالتراضي ويقصر العقوبة على حالات الإكراه فقط، أو أن تكون المرأة أقل من 18 عاماً، وفي الوقت نفسه نجد عقوبة الزوج الخائن مخففة جداً. كما أعطى المشترع عقوبة مخففة لزوجها اذا قتلها في حين تتضاعف العقوبة إذا قامت المرأة بفعل الزوج نفسه

وينص مشروع القانون المقترح الذي وافقت عليه لجنة الاقتراحات والشكاوى في البرلمان وطلبت إحالته على اللجنة التشريعية، على وضع مادة جديدة تجرم الزنى بالتراضي إذا تم ضبط الخائن والخائنة في وضع تلبس وثبتت الجريمة بأدلة واقعية لاشك فيها، أو اعترف أحدهما به. ويحق للنيابة العامة في هذه الحالة تحريك الدعوى الجنائية ودون شرط موافقة الزوج أو الزوجة لأن حكمة عقوبة الزنى في الشريعة تعود إلى أن الإسلام أحل الزواج وضمن له الاحترام والالتزام واعتبر الزنى ممارسةً غير مشروعة وانتهاكاً لرباط الزوجية. ولذلك كانت الشدة في عقوبة الزنى سواء للمحصن (المتزوج) أوغير المحصن لأنه اعتداء على العِرض والشرف.

وانضم إلى مشروع القانون غالبية أعضاء مجلس الشعب الذين حرصوا على مساندة التعديل القانوني المقترح لأن مواد القانون الحالي الخاصة بالزنى في قانون العقوبات تناقض مبادئ الشريعة مناقضة صارخة، وصادرة قبل التعديل الدستوري الذي جعل مبادئ الشريعة المصدر الرئيسي للتشريع. بل إنه  يقوم على  تبني الفكر الغربي العلماني المستمد من القانون الفرنسي الذي يعتبر الزنى عن رضا بين الرجال والنساء البالغين مباحاً في الأصل لأنه يدخل في نطاق الحرية الشخصية حتى ولو كانا متزوجين. ومن المتوقع أن يوافق المجلس على تعديل قانون العقوبات ويغلظ العقوبة على أي رجل وامرأة يمارسان الزنى بالتراضي.

 

ثغرات قانونية بالجملة

ورغم أن المحامي نبيه الوحش ليس عضواً في مجلس الشعب فإنه كشف عن أنه تقدم بطلب للدكتور أحمد فتحي سرور رئيس المجلس بطلب لتغيير القوانين المخالفة للشريعة، قائلاً: «لائحة مجلس الشعب تعطي اي مواطن، حتى ولو لم يكن عضواً في المجلس، حق الاعتراض على القوانين المخالفة للدستور. ومن المؤسف عدم وجود تشريع متكامل منذ عام 1950 يتوافق مع الشريعة الإسلامية. كفانا ترقيعاً للقوانين، نريد ثورة تشريعية لتتوافق القوانين مع المادة الثانية من الدستور خاصة أن قانون العقوبات كله يخالف نص الدستور بل هناك 14 مادة تحرض على الفسق والفجور. فمثلاً المادة 273 من قانون العقوبات تبيح المقاصة في الزنى، ومعناها ان الزوج اذا زنى  في منزل الزوجية وزنت الزوجة في المنزل نفسه فلا يحق للزوج إقامة دعوى ضد زوجته. كما أن شبكة تبادل الأزواج التي تم ضبطها مؤخراً  كان من الممكن عدم معاقبة  أعضائها لولا أن قائد الشبكة تقاضى أجراً. والمشترع عرف الدعارة بأنها الاعتياد على النوم مع الرجال دون تمييز لقاء أجر، فلو ضبطت فتاة تمارس الدعارة وثبت عدم تقاضيها أجراً فلا يعاقبها القانون على ذلك».

دار الإفتاء توافق

 وتدخلت دار الإفتاء المصرية بقيادة الدكتور علي جمعة في القضية  بعد إبلاغه بمشروع القانون مكتوباً، فأكد أن القانون المقترح عملية إجرائية لا مانع منها في سبيل الوصول إلى تطبيق حكم الشرع، مع اشتراط التأكد التام من وقوع جريمة الزنى التي يحرمها الشرع والمطالبة بفرض أقسى عقوبة على مرتكبي هذه الجريمة، لأن التساهل في العقوبة يشجع على ارتكاب الجريمة التي تنشر الفساد في المجتمع وخاصة فيما يتعلق بنص المادة رقم 273 التي تقول «يجب على النيابة العامة تحريك الدعوى الجنائية ضد الزاني أو الزانية إذا وقعت الجريمة وأينما وقعت».

 

رفض غير مبرر

وكانت المفاجأة  أن وزارة العدل أعلنت رفضها للمشروع المقترح. وقال المستشار محمد علي سكيكر مستشار وزير العدل: «إن منح النيابة العامة حق تحريك الدعوى غير مقبول من ناحية التشريع أو من ناحية الشريعة الإسلامية، فمن الناحية الواقعية إذا تمت الموافقة على هذا المشروع فسوف تترتب عليه آثار اجتماعية وخيمة على الأفراد والمجتمع بالإضافة إلى مخالفته قانون الإجراءات الجنائية الذي يتطلب تقديم شكوى من الزوج أو الزوجة عن جريمة الزنى بما يستلزم إلغاء هذا النص من القانون الحالي».

 

جريمة نكراء

 تتساءل الدكتورة فوزية عبد الستار أستاذة القانون في جامعة القاهرة والرئيسة السابقة للجنة التشريعية في مجلس الشعب: «كيف يفرق قانون العقوبات بين الزوج والزوجة في هذه الجريمة! فالخيانة الزوجية سواء للرجل أو المرأة متساوية من حيث جريمة الزنى ومن حيث الشعور والإحساس. أم أن المشترع جعل الزوج لديه شعور وإحساس وكرامة والزوجة ليس عندها هذا الشعور فالمرأة كيان إنساني مثل الرجل تماماً ولابد من المساواة في تطبيق القانون. والجريمة واحدة وهذه التفرقة ليست في صالح الأسرة المصرية لأنها تعطي الرجل حق القيام بأي عمل، وإذا ضبطته زوجته وقتلته فهي تعاقب بأقصى عقوبة، أما الرجل فإذا ضبط زوجته وقتلها، فيكون قد ارتكب جنحة فهل هذا منطقي؟».

وواصلت كلامها قائلة: «وقع الخيانة الزوجية على الرجل هو نفسه على المرأة من الناحية الإنسانية، ورد الفعل واحد لدى النفس البشرية. فإذا تساوى رد الفعل فالعقوبة واحدة ولا خلاف في ذلك في الشريعة ولهذا جمع الله بينهما في القرآن بقوله تعالى: «المحصنين والمحصنات» ولم يقل المحصنين فقط. فلماذا نأتي نحن ونفرق بين الاثنين رغم أن ذلك مخالف للدستور؟ ولهذا فإن الفجوة كبيرة بين الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي الذي فرق في المعاملة بين الزوجة والزوج ولكن للأسف الشديد قانون العقوبات من وضع الرجل فقط ولهذا لابد من المساواة وتعديل نص القانون بما يطابق الشريعة الإسلامية والدستور الذي نص على أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي في التشريع».

الشرع ساوى

وأكدت مفتية النساء الدكتورة سعاد صالح العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية في جامعة الأزهر أن القانون الذي يحكم مصر في هذه القضية «مستورد من فرنسا ولا يصلح إلا لبلاده التي صنع من أجلها. أما مصر فلا تناسبها إلا قوانين الشريعة الإسلامية، ولايعقل أن تكون هناك تفرقة في قوانين معاقبة الزاني والزانية حيث أعطى القانون الزوج وحده حق اقامة دعوى الزنى أو التنازل عنها، بل فرق بين حالات التلبس وغيرها إذا ما وقع الزنى في بيت الزوجية أو خارجه، بينما لم تفرق الشريعة الإسلامية بين أنواع أومكان الزنى وإنما فرقت بين البكر والمتزوجة في العقوبة. ودرجة الإثبات تكون بحضور أربعة شهود يرون الواقعة رأي العين أو اعتراف الزاني بجريمته. ولهذا لابد من تغييرالمخالفات الموجودة في قانون العقوبات خاصة ما يتعلق بالجرائم الماسة بالاعتبار والشرف والتي أحياناً لا يتناسب العقاب مع الجرم مثل الترويج لشائعات الخيانة ضد بريئات».

واستشهدت على مخالفة هذه الإجراءات للشرع الذي ينظر إلى الرجل والمرأة على أنهما متساويان في التكاليف الشرعية وفي الحساب أمام الله القائل: «فاستجاب لهم ربهم  أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض» سورة آل عمران آية «195» وقوله تعالى: «من عمل سيئة فلا يجزى إلا مثلها ومن عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب» سورة غافر آية «40» وقوله أيضاً: «ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيراً» سورة النساء آية «124» وذم الشرع الاستهانة بأمر البنات بأبلغ الذم فقال تعالى: «وإذا بُشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسوّداً وهو كظيم. يتوارى من القوم من سوء ما بُشّر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون» الآيتان «58-59»سورة النحل.

 

المجلة الالكترونية

العدد 1080  |  كانون الأول 2024

المجلة الالكترونية العدد 1080