تحميل المجلة الاكترونية عدد 1078

بحث

حكاية الأم التي فقدت ٣ أبناء في أستراليا

هي أم مع وقف التنفيذ. لها ثلاثة أبناء لا تعرف أين هم ولا ما اذا كانت ستراهم أم لا؟ أين هم ولماذا اختفوا؟! وما حكاية حكم القضاء الذي تحمله الأم المصرية معها في كل مكان ولا تستطيع تنفيذه؟!
قصة إيمان وأطفالها صارت قضية دولية بعد بلاغها للوزير أحمد أبو الغيط وزير الخارجية المصري وبدء إجراءات مخاطبة السلطات القضائية في أوستراليا تمهيداً لتنفيذ الحكم القضائي. ويبقى السؤال: كيف ستتوصل الأم الى مكان وجود أطفالها في أوستراليا؟

القضية تحولت من محاكم الأسرة في مصر إلى المحافل الدولية. تعاطف الجميع مع دموع أم كل همها أن ترى أطفالها الثلاثة الذين اختفوا فجأة عندما قرر والدهم. حرمانها منهم. وكالعادة تحول الأطفال إلى الضحية الأولى للمعركة التي اندلعت بين الوالدين بعد انفصالهما!

قبل ثلاث سنوات اتجهت الأم إيمان إلى محاكم أوستراليا، ورفعت قضايا ضد زوجها فكري. وبعد جلسات عدة قضت المحكمة بالتفريق بينهما لاستحالة العشرة، وقررت تقسيم الممتلكات والمنزل بين الزوجين. وأقرت المحكمة أيضاً حق إيمان في حضانة أطفالها الثلاثة طارق وخالد وأمير. لكن المشاكل استمرت بين إيمان وفكري ولم يتفقا لصالح الأطفال رغم أن أحدهم كان مصاباً بالسرطان ويحتاج إلى رعاية خاصة، وأحوج ما يكون إلى حنان والديه.

فجأة قرر الزوج أن يهدم الهيكل على رأس زوجته، فحزم حقائبه مع أبنائه وغادر شقته واتجه إلى جهة مجهولة، حاولت إيمان أن تبحث عن فلذات أكبادها في أوستراليا دون جدوى، كأنها تبحث عن إبرة في كومة من القش، ولم يكن أمامها سوى العودة إلى مصر لترتيب أوراقها من جديد.

مفاجأة قاسية
عادت الأم إلى الإسكندرية مسقط رأسها لتجد في انتظارها مفاجأة قاسية: أسرة مطلقها استولت على شقة الزوجية التي هي من حقها بحكم القانون. وبعد محاضر في أقسام الشرطة ومنازعات قانونية تنفست إيمان الصعداء حين صدر قرار بإعادتها الى شقتها.

الأم كانت تموت في اليوم مئة مرة وهي تتذكر أبناءها، تسهر وأمامها صورهم، تتحدث إليهم، تتأكد من تناول طارق العشاء، وخالد الدواء، وتداعب أمير، وسرعان ما تنهمر دموعها كأنها بحر عميق بلا قرار، تدعو الله أن تراهم مرة أخرى!

اتجهت إلى محكمة الأسرة في الإسكندرية وأقامت دعوى إثبات طلاق، وقدمت مستندات المحكمة الأوسترالية ترجمتها. لكنها تشك في جدوى هذه الإجراءات، خاصة أن الأحكام التي ستحصل عليها ستكون حبراً على ورق، فكيف ستصل إلى أطفالها الذين حصلوا على الجنسية الأوسترالية ويعيشون مع والدهم في بلاد بعيدة؟

عشق المجهول
أوراق القضية وبلاغ وزارة الخارجية تروي حكاية الأم المصرية التي حرصت على أن تسرد قصتها التي بدأت أحداثها منذ ١٢ سنة. وقتها لم تتجاوز الثامنة عشرة من عمرها، كانت على أعتاب الثانوية العامة واكتفت بفكري الشاب الذي يكبرها بـ ١٦ سنة. كان يعمل في أوستراليا وأثناء زيارته لمصر شاهدها، أبدى إعجابه الشديد بها رغم فارق السن بينهما.

اندهشت أسرة إيمان عندما تقدم لخطبتها، وأبدى استعداده لاصطحابها إلى أوستراليا. ترددت كثيراً، فهي ما زالت صغيرة ولم تتعود أن تترك أسرتها مطلقاً، لكن حب المغامرة وعشق المجهول دفعاها إلى الموافقة على العرض، ولم تنكر إعجابها بشخصية فكري الذي تجاوز طموحه كل الحدود، وشعرت في النهاية بأنها ستجد السعادة مع زوج يحبها ومستعد لأي شيء من أجلها.

تعهد الزوج أن يساعد زوجته على استكمال تعليمها، ونفذ وعده. وعاشت معه إيمان أجمل أيام حياتها، وبدأت تعمل في فترات إجازتها حتى تساعده على مواجهة أعباء الحياة. التحقت بوظيفة في أحد المصانع، وبعدها حصلت على وظيفة في مطعم، لم يكن يهمها سوى الحصول على المال لمساعدة زوجها.

٥٠٠ دولار إعانة
أنجبت إيمان أول أطفالها، وبدأت تحصل من الحكومة الأوسترالية على إعانة مقدارها ٥٠٠ دولار كل أسبوعين، وقد منحت زوجها كل هذه الأموال. كانت تردد دائماً أن العبء كبير على الزوج ويجب أن تساعده.

لكن الرياح تأتي بما لا تشتهي السفن، فانتهت سنوات الوفاق، وهربت السعادة من منزل الزوجية الهادئ. وعندما أنجبت طفلها الثاني خالد تحول فكري إلى شخص آخر، ولم يعد الإنسان الهادئ الحنون الذي أحبته وفعلت كل شيء من أجله.

تؤكد إيمان في أوراق قضيتها أن زوجها أصبح شخصاً آخر، أهمل منزله، ولم يصبح له هم سوى جمع المال وشراء العقارات. واحتدمت الخلافات حتى وصلت إلى مراكز الشرطة التي تدخلت مراراً في مصلحة الزوجة التي ظل يراودها الأمل في عودة المياه الى مجاريها.

طريق الطلاق
بدأت إيمان تشكو لأسرتها عبر الهاتف، وأكدت لهم أن زوجها يحبسها داخل الخزانة ويمنعها من الاعتراض على تصرفاته. لكن الأسرة لم تتعاطف معها بل نصحتها بتحمل زوجها، ولم يكن أحد منهم يعلم حجم ما تعانيه من مشاكل على بعد آلاف الأميال من بلدها.

أصبحت كل الطرق تؤدي إلى الطلاق. اتفق الزوجان وحصلت إيمان على حريتها وعادت ومعها أطفالها، لكنها أصيبت بصدمة حين علمت أن ابنها خالد مصاب بسرطان في الغدد اللمفاوية، فحسمت أمرها وقررت أن تتنازل عن كرامتها من أجل ابنها.

اتصلت بزوجها وأكدت له أنها على استعداد لابتلاع أحزانها والتنازل عن مطالبها في مقابل علاج ابنها، وعادت إيمان الى فكري رغم اقتناعها بأنه لم يتغير. عاشت ثلاث سنوات عذاباً وقهراً كما تقول الأوراق في القضية. وفي النهاية حسمت أمرها وقررت أن ترفع دعوى أمام القضاء الأوسترالي، استمرت القضية عامين، وأصدرت المحكمة حكمها باستحالة العشرة وقضت بانفصالهما وتقسيم الممتلكات والأموال وفقاً للقانون هناك، وقضت المحكمة للزوجة أيضاً بحضانة أطفالها الثلاثة، لكن هذا الحكم تحوّل إلى حبر على ورق وتزوج فكري من أخرى وانتقل إلى شقة في مكان مجهول ليعيش مع أسرته الجديدة وفشلت إيمان في الوصول إلى مكانه!

لم تجد أمامها سوى العودة الى مصر بعدما نفدت أموالها ولم تتمكن من الحصول على وظيفة. قررت أن تواصل معركتها من الإسكندرية بيد أنها أدركت أن فرصة عودة أطفالها تتضاءل، لكنها في النهاية لم تفقد الأمل، واتجهت إلى الطرق الدبلوماسية بإبلاغ الخارجية.

يقول محاميها أمجد مراد إن الأطفال الثلاثة يحملون الجنسية الأوسترالية وحسب القانون الإسترالي واتفاقية جنيف فمن حق الأم حضانتهم، وإذا صدر حكم الحضانة من محكمة أجنبية فمن الممكن تنفيذه بالطرق الدبلوماسية عن طريق وزارة الخارجية ومكتب النائب العام المصري. لكن يبقى السؤال. هل ترى إيمان أبناءها أم يظل حكم الحضانة حبراً على ورق؟

المجلة الالكترونية

العدد 1078  |  تشرين الأول 2024

المجلة الالكترونية العدد 1078