تحميل المجلة الاكترونية عدد 1079

بحث

ماذا يقول الإختصاصّيون عن إدمان المخدرات ؟

معرفة أكثر.. خطر أقل

مهى حسامي - منسقة برامج الوقاية والتوعية في «سكون»

ما هي الخطوات التي بادرتم إلى إنجازها للتحذير من إستهلاك المخدرات؟

نعتمد من خلال نشاطاتنا على وسائل تثقيفية وتعليمية للتوعية من أخطار الإدمان عبر بطاقات Postcards تزوّد المراهق بالمعطيات الضرورية عن المخدرات ذات المواد المؤثرة في النفسPsychoactive Substance والدماغ والمواد المنشطة ومفاعيل الإفراط في تناول الأدوية والمنومات Sleeping Drugs وأخطارها بحسب تركيبتها الكيميائية والجرعات المأخوذة وإلقاء الضوء على مخدرات العصر التي يُفْرج عنها في الإحتفالات باعتبارها «وصفة سحرية» يتمّ تركيبها في مختبرات غير مشروعة والمهلوسات التي تؤدّي إلى الهذيان وزوال مفعولها سبب هبوط مزعج ترافقه حالة من الضياع والقلق وهبّات هذيانية وحالات إكتئاب قد تؤدي إلى الإنتحار. كما أصدرنا كتيباً يستند إلى أحدث التقارير العلمية الموثوقة إضافة إلى خبرة عدد كبير من الإختصاصيين.

يضم الكتيب معلومات عن المواد المخدرة وآثارها، أخطارها وطرق الحماية منها وهو معزّز بأرقام ومعطيات وأماكن العلاج وطرقه (إصغاء وتوجيه وتأهيل). ونتوخى إقامة حوار بنّاء بين الشباب ومحيطهم لا سيما الأهل ليعوا مقدار الأخطار المحتملة التي قد تهدّد تماسك العائلة. الكتيب عنوانه «معرفة أكثر خطر أقل» لتدارك أي مشكلة محتملة قد تطال شبابنا وتنوير عقولهم من عواقب المخدرات الكارثية. كما أننا ننجز مشروعاً ممولاً من الإتحاد الأوروبي تحت عنوان «حقوق المدمنين نحو إنفتاح أكبر»،  بإدارة وزير الدولة لشؤون التنمية الإدارية اللبنانية وتنفيذ «سكون».

ويشمل المشروع دورات تدريبية للدرك ورؤساء المخافر ولشعبة مكافحة المخدرات ورتباء التحقيق والقضاة من خلال إعداد طاولات مستديرة لمناقشة مشكلة الإدمان وكيفية التعامل معها. كما إننا ماضون في مشروع آخر بتمويل ورعاية كندية Oxford Quebec، وهو برنامج مدرسي تحت عنوان «المهارات الحياتية للمراهق»، يمكّن الشباب من التعامل مع مشاكله دون اللجوء إلى المخدر أو أي وسيلة مؤذية ليعيش مراهقته بشكل صحي. كما أننا خصصنا قسماً في المركز (Out Reach) يُعنى بالنزول إلى الشارع للإحتكاك بالمدمن عن قرب وإنتشاله من المأزق وتحذيره من الأمراض التي قد تصيبه مثل إلتهاب الكبد الفيروسي أو الإيدز الذي نجري فحوصاً مجانية وسريعة للتحقق من إلتقاط المدمن هذا المرض من عدمه. أخيراً فلسفة «سكون» هي عدم الترهيب بل التوعية وعدم التعتيم بل التعميم والإخبار.الإقتناع بمشكلة الإدمان جوهري في العلاج

كارين بخعازي - معالجة نفسية في جمعية «إدراك» (منظمة  متخصّصة في أبحاث الصحة النفسية)

ما هي الحالات التي عايشتها عن قرب وإلى أي مدى يصعب التعامل مع إنسان فقد السيطرة على حاجاته الجسدية وسلوكه النفسي؟
يمكن حصر حالات الإدمان التي تزورني في العيادة ضمن خانتين. ثمّة مريض يطلب العلاج بناءً على رغبته الشخصية في التخلّص من الإدمان، وبذلك نعمل على هدف هو المساعدة على الفطام عبر الوقاية من النكسات وإعادة التأهيل النفسي لأن المدمن تصبح علاقته بالمخدرات شخصية للغاية. يجب أن يعتاد العيش دونها، فبعد أن كان شعور السعادة ملازماً للمواد المخدرة يفترض أن يكتفي بإختبار شعور الفرح الواقعي.

أما بالنسبة إلى الشخص الذي دفعه المحيط لزيارتي، فنعمد إلى إقناعه بمدى خطورة ما يعانيه لأن عامل الإقتناع يلعب دوراً جوهرياً في العلاج، وتخفيف أكبر مقدار ممكن من الأذى الناتج عن الحقن (Damaged Control) أي متابعة دقيقة للمريض عبر تردده لأكثر من مرة أسبوعياً إلى العيادة ودمجه ضمن علاج جماعي مع أشخاص تخلصوا من آفة المخدرات ومع محيطهم وأهلهم الذين قد تكون سرعة توقعهم للشفاء محبطة لهم ولإبنهم، كما نجري له فحوصاً للتحذير والوقاية لا المراقبة والملاحقة حرصاً على عدم إلتقاطه أي أمراض مزمنة جراء التعاطي. يمرّ المدمن بمراحل علاج متعددة (إزالة السموم- مرحلة العلاج النفسي والإجتماعي)، وتبقى المرحلة الأدق هي الوقاية من النكسة النفسية بعد أن اصبح الإدمان والمواد المخدرة المحور في حياة الشاب على حساب الآخر الذي يؤمن الإستقرار الحياتي. المدمن إنسان صعب المزاج، كاذب ويرتكب أحياناً الجنح، فقد يسرق لتأمين المخدرات. يحتاج إلى الصبر، يتخلف عن الإنتظام في المجيء لمتابعة العلاج ولا يلغي الموعد.

يجب تقبّل شخصيته لأنه إنسان تحت تأثير ضاغط يدفعه إلى الإخلال بالقيم الإجتماعية. التخلص من الإدمان غير مرتبط بالإرادة الشخصية فقط بعد أن أصبحت هذه المواد المخدرة عنواناً لنمط حياة خطير بات معه الإنسان غير قادر على التفاعل مع الحياة الواقعية وتحمّل أدنى حس بالمسؤولية، فيلجأ إلى المخدرات كمنفذ نهائي. وهذا نوع من الإنتحار المستتر أو الكامن Passive Suicide، أي رفض للحياة الواقعية.

أثر المخدرات «نعيم زائف» وتلاشي مفعولها جحيما

الدكتورة كارولي الحاج شاهين -متخصّصة في علم الصيدلة Pharmacologie

ما هو تعريف المخدرات وتأثيرها على الجسم جسدياً ونفسياً؟ وما هي المواد التي باتت تخترق حياة المراهق أخيراً؟

هي مستحضرات وعقاقير طبيعية أو صناعية لديها قدرة التأثير في الدماغ بما ينعكس على وعي المتعاطي وقدراته الجسدية والفكرية ويؤدي به إلى التعلق والإفراط في الإستعمال تدريجياً. تقسم المخدرات ثلاثة أقسام: أولاً المنبّهات التي يعتبر التبغ مدخلاً إليها. تخفف الشعور بالتعب وتزيد شعور الثقة بالنفس لكن عند إنتهاء مفعولها يمر المتعاطي بفترة إحباط وإرهاق شديدين يؤدّيان إلى معاودة تناول العقاقير لإعادة الشعور بالنشاط.

وهي مسؤولة عن الحوادث والوفاة بسبب الأثر الذي يفوق القدرة الواقعية للشخص على التحمل وطاقته الشعورية. ثانياً المهلوسات وهي تفقد المتعاطي الإحساس بالعالم الواقعي الذي يرفضه المدمن بعد تناوله لهذه المواد ويصبح غير قادر على التأقلم مع حياته الطبيعية. ثالثاً المهدئات التي تَعِد المتعاطي بالإنتقال إلى عالم الحلم الجميل مما يدفع المدمن إلى إبتلاع كمية أكبر مع الوقت تعرّض للإصابة بسكتة قلبية وتحول دون السيطرة على الذات وفقدان الوعي.

وكل هذه الانواع تقلق المدمن لأنها ترفع كمية الـ Dopamine في الجسم المسؤولة عن اللذة سواء الجسدية (الإفراط في الأكل) أو الجنسية (تخطي المحرمات)، كما تنعكس سلباً على هرمونات اللذة لدى المتعاطي وتؤدي إلى إحداث خلل دماغي. رحلة المتعاطي تبدأ غالباً في الحفلات وأجواء المرح واللهو حيث يتناول الشاب كأساً من الكحول أو كوكتيلاً يحوي خليطاً من الحبوب أو المواد المخدرة للشعور باللذة والإنشراح لكي لا يكون دخيلاً على الجموع.

بعض الأسر تخشى علاج البنات خوفاً من الفضيحة

دكتور إيهاب الخراط -أستاذ طب نفسي الإدمان

هل من المعقول أن يدمن طفل في سن 8 سنوات أو حتى يحاول الإدمان كما هو حال هيام؟

 يجيب عن هذا السؤال دكتور إيهاب الخراط، قائلاً: «لقد أصبح الأمر ممكناً، فهناك انخفاض مستمر في متوسط سنّ التعاطي يصل إلى 10 سنوات، على عكس ما كان قبل 20 عاماً حين كان متوسط سنّ الإدمان 16 عاماً. ورغم أن هناك اعتقاداً بأن التفكك الأسري يؤدي إلى إدمان الأبناء فإنه أدلّة قاطعة على ذلك. ولم تظهر الدراسات العلمية وجود مشكلة عائلية تؤدي إلى الإدمان سوى العنف الأسري أو استخدام المخدرات أو الخمور بين أفراد الأسرة أنفسهم، كالأب أو الأم أو الأشقاء. أو إساءة استخدام العقاقير أو الافراط في استخدامها».

ويؤكد الخراط أن ثقافة المجتمع الذكوري الموجودة في العالم العربي تنعكس على الثقافة العلاجية بين الولد والفتاة، ويوضح ذلك بقوله: «عندما تدمن فتاة يكون هناك إحجام عن الإفصاح. وعادة «الأهل لا يسعون إلى علاج ابنتهم المدمنة بينما يسعون إلى علاج ابنهم المدمن، والسبب في ذلك إدمان  الفتاة فضيحة أكثر من إدمان الولد»...

لكن لماذا يعود المدمن إلى الطريق نفسه بعد العلاج؟ يقول الخراط إن الإدمان «مرض مزمن قابل للإنتكاسة في أي وقت، لكن إذا ما تم العلاج في  مجموعات الدعم المنتظمة مثل برنامج «12 خطوة» لا ينتكس المدمن ويبدأ شفاؤه بعد عامين».

المجلة الالكترونية

العدد 1079  |  تشرين الثاني 2024

المجلة الالكترونية العدد 1079