ملكة للأخلاق لا الجسد!
بينما تتعرض مسابقات الجمال لانتقادات واتهامات عديدة، ظهرت فكرة إقامة مسابقة لملكة جمال الأخلاق وكانت السعودية رائدة في تلك التجربة. فما هي فكرة ملكة جمال الأخلاق وما هي أهدافها وماذا يقول عنها علماء الدين والاجتماع؟
قالت رئيسة اللجنة المنظمة للمسابقة خضرة المبارك أن المسابقة تهدف الى نشر الفضيلة بأسلوب مختلف، «وذلك من خلال إبراز القيم والأخلاق وحث البنات على التنافس في الجمال الروحي بعيداً عن المسابقات التي لا تأخذ في الاعتبار سوى جسد المرأة، ولهذا تشرف عليها لجنة تحكيم تتكون من مشرفات تربويات على علم ودراية بالعلوم الاجتماعية والنفسية وتركز على سمو الخلق وزرع الفضيلة حيث وضع شعار لهذه المسابقة «لنسعد آباءنا وأمهاتنا» من أجل نشر قيم البر بالوالدين بما يؤصل الأخلاق في نفوس المتسابقات حيث تخصص غالبية الدرجات لحسن علاقتها بأهلها وثقافتها ونشاطها الاجتماعي».
فكرة رائدة
أشادت مفتية النساء الدكتورة سعاد صالح بالفكرة التي تعد تكريماً لفتيات «يحتذي بهن في بر الوالدين، وهو ما يكون له تأثير إيجابي لغيرهن ممن انشغلن بالمظهر الخارجي للفتاة دون أن تشعر بأنها صاحبة رسالة في الحياة، وخاصة تجاه الوالدين اللذين أوصى الله بهما. ولهذا أرى هذه المسابقة نوعاً من طاعة لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم،
وقال الله تعالى: «وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ » آية 8 سورة العنكبوت
وقال تعالى: «وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً. واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل ربي أرحمهما كما ربياني صغيراً» الآيتان 23-24 سورة الإسراء وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم أي العمل أفضل قال إيمان بالله ورسوله ثم بر الوالدين...».
ينبغي دعمها
وطالبت أستاذة الشريعة في جامعة القاهرة الدكتورة ملكة يوسف زرار المسؤولين في العالم الإسلامي من السياسيين والإعلاميين والمثقفين دعم هذه المسابقات مادياً ومعنوياً لأن نتائجها الإيجابية «ستعم المجتمع كله عندما يتنافس الشباب والفتيات على نيل رضا الله من خلال بر الوالدين اللذين أوصى الله بهما في كثير من الآيات القرآنية، حيث يأتي الأمر ببرهما بعد الأمر بالإيمان بالله مباشرة
فقال تعالى: «وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا » آية 36سورة النساء.
وقال أيضاً: «ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهناً على وهن وفصاله في عامين أن أشكر لي ولوالديك إليّ المصير. وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفاً واتبع سبيل من أناب إليّ ثم إليّ مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون» 14- 15 سورة لقمان . وسئل النبي صلى الله عليه وسلم أي العمل أحب إلى الله عز وجل؟ قال: الصلاة على وقتها. قال: ثم أي؟ قال: بر الوالدين قال ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله. وقال صلى الله عليه وسلم: رضا الرب في رضا الوالدين وسخطه في سخطهما ولاشك أن هذه الفكرة تحمي فتياتنا من المسابقات التي ترعاها جهات مشبوهة تعمل على هدم قيمنا وأخلاقنا».
ترتقي بالأخلاق
أكدت عميدة كلية الدراسات الإسلامية الدكتورة رجاء حزين أن فكرة مسابقة ملكة جمال الأخلاق تحت شعار «ملكة للأخلاق لا الجسد» فكرة طيبة للغاية، داعية إلى تعميمها في أنحاء العالم العربي والإسلامي كبديل لدعاوى الانحلال والابتذال التي تطل برأسها هنا وهناك لإفساد المرأة في أي مكان تحت اسم مسابقات الجمال، لأن هذه الخطوة الشجاعة والطيبة ينطبق عليها قول الله تعالى: «وفي ذلك فليتنافس المتنافسون» وهي فكرة جميلة تدور حول الارتقاء بأخلاقيات المرأة المسلمة لا سيما عند تنظيم مسابقة حول هذه المعاني والتي بلا شك سوف تدور حول أسس هذه الأخلاقيات ومظاهرها من النواحي الشخصية والاجتماعية والاقتصادية والنفسية والعلمية.أعضاء ما يسمى «حملة رفض امتهان واستغلال المرأة» قد صعدوا من حملة مناهضة استغلال المرأة عموماً في الدعاية والإعلان وذلك تحت عنوان «كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر» ولاشك أن جعل بر الوالدين أساساً لاختيارالفائزات فكرة عبقرية تستحق التقدير».
قدوة
وعن رأي علماء الاجتماع في الفكرة أكدت أستاذة علم الاجتماع في جامعة عين شمس أن «الغرض نبيل ويساعد الفتيات علي عمل الخير والتنافس في طاعة الوالدين اللذين جعلهما الله سبباً في وجود الإنسان، مما يساعد الأسرة على التفاني في خدمة أفراده حيث يحرص كل من الأب والأم على حسن تربية بناتهما ليكنّ قدوة لغيرها، وفي الوقت نفسه تحرص البنات على حسن معاملة الوالدين انطلاقاً من الأديان السماوية والتقاليد الشرقية التي تجعل هذا السلوك من الفضائل التي يتسابق إليها الأسوياء. ولهذا فإن الآثارالإيجابية لهذه الفكرة كثيرة جداً وواجبنا دعم مثل هذه الأفكار الرائدة ليتم تعميمها بدلاً من التبعية للمسابقات الغربية التي لاتتناسب مبادئها مع ديننا وتقاليدنا التي تعلي من قيمة الأخلاق والفضائل والحشمة».
البديل الأخلاق
وتوافقها في الرأي عميدة كلية الدراسات الإنسانية في جامعة الأزهر الدكتورة سامية الجندي التي تؤكد أن الفكرة «في منتهى الإنسانية وتتوافق مع الفطرة السوية التي تضع المحافظة على العرض والأخلاق والاحتشام فوق أي اعتبار آخر، فما بالنا إذا كان يتم تكريم هذه النماذج الطيبة وإبرازها للمجتمع على أنها القدوة؟ ويقدم الإعلام هذا البديل الأخلاقي والثقافي للأفكار الوافدة من خلال مسابقات ملكات الجمال التي أراها لاتتناسب مع أخلاق الفتاة الشرقية وأطباعها، فالمجال الأخلاقي ساحة طيبة للتنافس الشريف الذي لا يبغي منظموه والمشاركون فيه سوى الخير للمجتمع والأسرة».
يجب تعميمها
ودعت الداعية الإسلامية الدكتورة عبلة الكحلاوي الدول العربية والإسلامية إلى تعميم الفكرة لديها وتطويرها كنوع من «الاعتزاز بالهوية والتقاليد الشرقية التي تدعونا إلى بر الوالدين بل الإحسان إلى البشر جميعاً، ولهذا جعل الإسلام طاعة الوالدين واحترامهما سبباً لدخول الجنة
حيث قال النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «َرَغِمَ أَنْفُ ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُ ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُ قِيلَ مَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ مَنْ أَدْرَكَ أَبَوَاهِ عِنْدَ الْكِبَرِ أَحَدَهُمَا أَوْ كِلَيْهِمَا فَلَمْ يَدْخُلْ الْجَنَّةَ»
ولهذا فإن تكريم البارات بوالديهن يشجع الأخريات على مزيد من البر والتفاني مما ينشر الخير والاستقرار الأسري في المجتمع، ولهذا تكون الفائدة أعم من مجرد أموال تحصل عليها الفائزات بل إن هذا سيساعد على مزيد من الترابط الأسري بعد احترام الوالدين وطاعتهما لأنهما سبب الوجود في هذه الدنيا بعد الله القائل: «وأن أشكر لي ولوالديك إلى المصير» بل إن هذا البر من البنت لوالديها سيكون سبباً لأن يبرها أولادها تنفيذاً لقول الله تعالى: «هل جزاء الإحسان إلا الإحسان».
تزيد تماسك الأسرة
أبدت العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية في جامعة الأزهر الدكتورة آمنة نصير ترحيبها بالفكرة التي «ولدت في أرض الحرمين ويجب أن تنتشر في مختلف دول العالم، لأن البر بالوالدين قيمة إنسانية سامية. ويكفي أن نوضح أنها سبب سعادة الإنسان في الدنيا والآخرة فقال صلى الله عليه وسلم عن جزاء البر بالوالدين وخاصة الأم «دخلت الجنة فسمعت فيها قراءة قلت من هذا؟ فقالوا: حارثة بن النعمان وكان أبر الناس بأمه فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: كذلك البر كذلك البر». ولهذا فإن من أعظم فضائل هذا الدين الحنيف حضه على بر الوالدين بل إنه معدود من أهم الأعمال الصالحة بعد تحقيق التوحيد مباشرة ومن أكبر القربات إلى الله بل من أكبر مكفرات الذنوب
فقد جاء في كتب الحديث «أَنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَصَبْتُ ذَنْبًا عَظِيمًا فَهَلْ لِي تَوْبَةٌ قَالَ هَلْ لَكَ مِنْ أُمٍّ قَالَ لا قَالَ هَلْ لَكَ مِنْ خَالَةٍ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَبِرَّهَا».
وكما أن بر الوالدين من أعظم الصالحات فإن عقوقهما من أعظم الكبائر بل جعله الله عز وجل بعد الشرك بالله مباشرة».
شارك
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024