تحميل المجلة الاكترونية عدد 1079

بحث

من سجن إعادة التأهيل إلى الحياة الطبيعية

هاتان الشهادتان من سورية حصلنا عليها من مركز إعادة تأهيل مدمني المخدرات وهما الشخصين سُجنا وأعيد تأهيلهما للتخلص من شبح المخدرات تمهيداً لعودتهما إلى حياتهما الطبيعية ومحاولة دمجهما من جديد بالمجتمع. وهما بذلك يساهمان بزيادة توعية جيلنا لتوخّي الحذر من خطر المخدرات والانجراف في المحرمات...

أسعد علي السيد (40 سنة)،تاجر، متزوج ولديه 3 أطفال:خسرت عائلتي وتجارتي وفي لحظة ضعف كنت سأبيع زوجتي بأبخس ثمن...

دخلت عالم المخدرات من بوابة التدخين الذي أدمنته بشدة. كنا نسهر أنا ومجموعة من الأصدقاء بشكل يومي، وفي بعض الأحيان يتعاطون الحبوب والحشيش وحتى الهيرويين.

ومرة بعد مرة أقنعوني بتناول بعض الحبوب التي ستنقلني إلى عالم آخر من السعادة. فجربت بعضاً منها وأصبحت أتناول تلك الحبوب بشكل دائم، وانتهى بي الأمر بتعاطي الحشيش. وبقيت فترة أدخن الحشيشة التي كانت تعطيني شعوراً بالسعادة البالغة، وأصبحت أشتري الحشيش لي ولأصدقائي كوني ميسور الحال والأفضل مادياً بين المجموعة كلها. ثم انتقلت لتعاطي الهيرويين الذي حول حياتي إلى جحيم لا يطاق، فقد أدمنته بشكل لا يوصف، حتى أني عندما لا أستطيع شراءه محلياً كنت أسافر إلى تايلند أو الهند. ساءت أحوالي وخاصة أن أسرتي (زوجتي وأطفالي الثلاثة) أخذوا يستاؤون ومن حالتي الصحية التي أصبحت ضعيفة.
وتركت تجارتي وعملي وصرت أنام نهاراً وأسهر كل الليل أتعاطى المخدرات. توسلت زوجتي كثيراً وطالبتني بأن أنتهي من هذه المحنة وأعود إلى حياتي الطبيعية وخاصة أن أطفالي في حاجة إلى عناية. لكن شر المخدرات أعماني عن كل من حولي، وتدخل أهلي وأقاربي ولم أفسح في المجال لأحد بأن يكلمني أو يحاسبني. ضاقت أحوالي المالية وبدأت أسحب من مدخراتي التي كنت أخبئها للمستقبل وأوقات الضيق، لكنها انتهت بسرعة، فسعر الهيروين باهظ جداً، ومن كان يبيعني كان يستغل حالتي وإدماني وشدة تعلقي بهذه المادة اللعينة وكان يسحب مني الأموال دون رحمة. حتى أني بعت سيارتي وابتعت بثمنها

الهيرويين. أصبحت تنتابني نوبات عصبية شديدة عندما أتأخر ولو لساعة واحد عن المخدر. وأخذت أبيع أغراض المنزل فاحتدم الخلاف بيني وبين زوجتي وأخذت تهددني بأنها ستشتكي عليّ للأمن الجنائي إن لم أبتعد عن المخدرات. لكني لم أستمع إليها بل بدأت أشعر بأني حاقد عليها، حتى أني فكرت بأن أقدمها لمن يبيعني المخدرات خاصة أنه أبدى إعجابه بجمالها أكثر من مرة أمامي وأنا أدخن الهيرويين. لكنها كانت أقوى مني، فتركت المنزل هي والأولاد عندما عرفت بأني أريد مقايضتها ببعض المخدرات! تركتني ولجأت إلى أهلي وأخبرتهم بما كنت أنوي فعله، فقام أخي بتبليغ الأمن الجنائي وتم إلقاء القبض علي متلبساً مع أصدقائي ومن يزودوننا بهذه المادة اللعينة. وهنا بدأت رحلة أخرى من المعاناة وهي السجن والعلاج.

كانت حالتي سيئة للغاية حيث حكموني بثلاث سنوات سجن في غرفة منفردة، وعندما تأتيني نوبة الإدمان كنت أصرخ وأضرب نفسي. حاولت الانتحار أكثر من مرة لكني فشلت. وكان عناصر الأمن الجنائي يأخذونني إلى المستشفى لإعطائي حقناً مهدئة ومنومة.
وكل حقنة كانت كفيلة بأن أنام لثلاثة أيام أو أربعة وهكذا، حتى تخلصت من الإدمان نهائياً وأمضيت فترة السجن كاملة. خرجت من السجن بعد معاناة كبيرة لكني سعيد لأني انتهيت من هذا الكابوس الذي كاد يخنقني ويدمر حياتي العملية وأسرتي. حاولت أن استعيد زوجتي لكنها رفضت خاصة أنها خلال فترة سجني أقامت دعوى طلاق ضدّي وحصلت على الطلاق غيابياً، وأخذت حضانة الأطفال لأني أب مهمل ومدمن مخدرات. وفي هذه المحنة لم أجد سوى أهلي الذين استقبلوني وهم الآن يحاولون مساعدتي بتأمين العمل والعودة إلى حياتي الطبيعية.

أشعر بالندم لما أصابني ولما أوصلت نفسي إليه، خاصة أني خسرت زوجتي التي كنت أحبها وحاولت في لحظة ضعف أن أبيعها بأبخس ثمن، وخسرت أولادي الذين أحاول رؤيتهم الآن لكن بصعوبة. وعندي أمل بالله أن أراهم مجدداً خاصة أني تبت وأقلعت حتى عن التدخين وأصبحت لا أطيق رائحته. أتمنى ألا يتعرض أحد لما تعرضت له، وعلى كل إنسان أن يتسلح بقوة الإرادة والإيمان وألا يستخدم أمواله التي رزقه الله إياها إلا لأعمال الخير ولمستقبله ومستقبل أولاده، لا أن يصرفها بطرق ملتوية مثل المخدرات اللعينة.

جهاد حسن (25 سنة) طالب جامعي: كنت سبباً في مأساة أختي بعد أن سرقت صيغتها واشتريت بها الهيرويين...

أنا طالب في كلية التجارة والاقتصاد في السنة الثالثة وأنا من عائلة محافظة. أحوالنا المادية فوق الوسط أي مستورة، ومثل كل الشباب عندي أصدقاء ندرس ونسهر ونتسلى وحياتنا طبيعية، حتى تعرفت إلى فتاة في الكلية جميلة جداً وأحوالها المادية ممتازة. وهذا واضح من سيارتها الفارهة التي تأتي بها إلى الكلية. كانت تعاملني معاملة خاصة غير كل الشباب، وتتصل بي دائماً وتعتمد علي في كثير من المحاضرات. ثم تطورت علاقتنا وأصبحت أركب معها السيارة وتأخذني إلى أماكن كثيرة. كنت سعيداً معها. علمتني التدخين لأنها كانت تدخن بنهم وفرضت عليّ الدخان لأنها تحب الشاب المدخن. ثم أخذت تدعوني إلى السهر ليلاً لأنها متحررة وعائلتها لا تنحرج بذلك. وفعلاً تركت جميع أصدقائي وأهلي وأصبحت معها طوال الوقت، وأصبحت مشغولاً معها كل الليل وفترة قليلة في النهار، نمضي أوقاتنا في أماكن السهر مع أصدقائها خارج الجامعة.

كنت مسحوراً بها ولم أسأل عن أصدقائها ومن هم ولماذا يسهرون سهرات خاصة في الدور والمزارع التي يملكونها. وفي إحدى المرّات وصلنا أنا وهي ليلاً إلى فيلا أحد أصدقائها وكانت الشلّة كلها موجودة وأصوات ضحك وصخب ورقص. شاركناهم الحفلة، وإذ بإحدى صديقاتها تشم شيئاً أبيض وتعطي أصدقاءها الموجودين ويشمون ويتمايلون ويضحكون. حتى صديقتي أخذت تشمّ وعرضت عليّ ذلك فسألتها ما هذا؟ قالت شم ولا تسأل وستكون مبسوطاً وسعيداً. شممت هذا الشيء وشعرت بدوار ثم أصبحت بوضع مريح وسعيد. أمضينا ليلة سعيدة ورجعت إلى البيت ونمت كل النهار، ورجعت ليلاً إلى السهر مع صديقتي التي بدأت تتطوّر علاقتنا كلما شممت هذا الشيء الذي عرفت أنه هيرويين بعد ثالث مرة أشمّ فيها. وكانت صديقتي كلما شممنا الهيرويين تتودد إليّ أكثر ونعيش حالة انسجام إلى درجة أننا ارتكبنا علاقة فاحشة مرات عديدة.

  ثم بدأت صديقتي تطالبني بالنقود لشراء الهيرويين، وأعطيتها كل ما يوجد معي. ازدادت مصاريفي وطلباتي من أهلي الذين لم يعد يعجبهم حالي خاصة أني رسبت في السنة وتراجعت في دروسي بشكل ملحوظ. واجهتني عائلتي بالشدة والبهدلة وقطعوا المصروف عني خاصة بعدما وصلت أخبار علاقتي بصديقتي ورسوبي وتغير حالي وسوء صحتي، وازدادت عصبيتي وضاقت بي الدنيا.

سرقت من جيب والدي مرات عدة فلاحظ نقص النقود ونبّهني إلى ذلك. وسرقت قطعة ذهب لوالدتي، وقيمتها غالية بحدود 140 ألف ليرة سورية، لم أبعها بل أعطيتها لصديقتي مقابل الهيرويين الذي يؤمّنه لها صديق يسافر إلى لبنان بشكل مستمر. عرفت أمي بقصة السرقة وسألتني لكني أنكرت ذلك، وهددت بأني سأترك المنزل إذا عادت لتتهمني. وراح أهلي يراقبون سوء حالي وصار أخي وأبي يراقبانني بشكل مكثّف، حتى يوم سرقت صيغة أختي المخطوبة. وكنت هممت بتسليمها لصديقتي لآخذ منها الهيرويين أمسكني والدي وأخي، وهنا كانت المأساة.

عرف الجميع بإدماني المخدرات وقام والدي بتسليمنا أنا وصديقتي للشرطة واتصل بأهلها ليخبرهم بالحال وما أوصلتني إليه. كان أهلها مسافرين وهي تعيش مع جدتها العجوز ولا أحد يسألها عن شيء.

ألقي القبض علينا واعترفنا بكل شيء عن الشلة ومن يمدّنا بالهيرويين، وبدأت رحلة العلاج والسجن. والحمد لله كانت أيام عصيبة وصعبة وسيئة حتى نسيت هذا المخدر الفظيع وعدت إلى رشدي وطبعي ونفسي.

عانى أهلي الكثير وبكت أمي طويلاً، وأنا نادم على ذلك. لا أصدق أني سرقت أبي وأمي وأخوتي المخطوبة ووضعتها في موقف محرج أمام خطيبها الذي تركها بسببي. أشعر بالندم وأريد أن أعوّض أهلي خسارتهم المادية والمعنوية، وأريد أن أتابع دراستي بشكل مثالي بعيداً عن كل الأصدقاء والصديقات الذين لا يأتي منهم سوى المشاكل والخسارة.

أشعر بالندم والخجل، في الوقت نفسه أنا سعيد لأني خرجت من هذا الكابوس الذي كاد يدمر حياتي...

المجلة الالكترونية

العدد 1079  |  تشرين الثاني 2024

المجلة الالكترونية العدد 1079