عام ٢٠٣٠ سيصل عدد الوفيات إلى ١٠ ملايين شخص
«السعوديون ينفقون ٦٣٣ مليون ريال سنوياً على شراء ١٥ بليون سيجارة نصيب الفرد منها ٧٥ سيجارة سنوياً. إضافة إلى ازدياد عدد المدخنين في السعودية إلى أكثر من 6 ملايين مدخن ينفقون 3 ملايين ونصف مليون ريال يومياً». جاء ذلك في إحصائية صدرت عن الحملة الوطنية لمكافحة التدخين في منطقة مكة المكرمة وأكدت على إحتلال السعودية المرتبة الرابعة في إستيراد الدخان والمرتبة الـ 19 من حيث إرتفاع معدلات نمو سوق السجائر على المستوى العالمي. ومع إرتفاع أعداد المدخنين وإزديادهم، بدأت تظهر جهود فردية شبابية للحد من إنتشار ظاهرة التدخين في المجتمع السعودي، تحمل في طياتها أفكاراً ونصائح خارجة عن المألوف، وبعيدة عن صيغة الترهيب أو التحدّي لبعض المدخنين. «لها» رصدت الجهود الشبابية وخرجت بهذه الحصيلة.
نور التميمي (٢٥ سنة) الموظفة في شركة خاصة إعتادت على تدخين الشيشة منذ ما يقارب ثماني سنوات. تقول: «لا أعد نفسي من مدمنات الشيشة رغم تدخيني إياها منذ سنوات طويلة برفقة صديقاتي أو في المنزل مع والدتي وشقيقاتي. حاولت كثيراً أن أقلع عن هذه العادة لكن محاولاتي لا تستمرّ إلاّ أسبوعاً واحداً لأعود إلى التدخين مرة أخرى».
وأضافت: «أعرف مضارها لكنني أشعر بالتسلية عندما أدخّنها وهي نوع من إضاعة الوقت مع الصديقات والعائلة، فلا يوجد متنفّس آخر للترفيه عن النفس غير تدخين الشيشة، حتى في الأماكن العامة أو الحدائق فإن خرجنا مع أفراد العائلة تكون الشيشة هي الرفيق الأول في هذه الرحلات».
نايف هاشم (٢٥ سنة) بدأ تدخين الشيشة (المعسل) منذ أن كان عمره 16 سنة. تعرّف عليها أثناء زيارته لدولة عربية برفقة أحد أفراد عائلته. وقال: «أحببت في البداية رائحة المعسل وكثافة الدخان الذي يصدر من تدخينها كما أنها ممتعة ومسلية وبسبب زياراتي الكثيرة لبلاد الشام إقتنيت الشيشة في المنزل وأصبحت لا تفارقني في رحلاتي مع أصدقائي أو سهراتنا واجتماعاتنا، لكني كنت أتكاسل أحياناً في تجهيزها خاصة عندما كنت أعود من عملي متأخراً. وبسبب ظروف عملي الصعبة جداً والدوام الطويل بدأت في تدخين السجائر. لا أعتبر نفسي مدمناً للدخان ومعدل استهلاكي 3 علب في يومين أو ثلاثة تقريباً، وذلك يعتمد على الحالة النفسية. فعندما أغضب أستهلك الكثير من الدخان، وكذلك عند الإحتفال والاجتماع مع الأصدقاء».
رأت مايا الأسعد (٢٧ سنة)أن التدخين بكل أنواعه وأشكاله مضرّ بالصحة. «فتجد المدخن يستمتع بهذه السيجارة وكأنها رفيقة دربه التي يعلم مسبقاً بأنها ستقتله أو تصيبه بمرض خطير. إلا أنه لا يتوانى عن تدخينها حتى وإن كانت عواقبها وخيمة مما يؤدي به إلى الإدمان بعد ذلك. «عائلتي من المدخنين إلا أنني لا أحب رائحتها ولا أحب الوجود معهم أثناء تدخينهم لأني أشعر بأني سأختنق من الدخان الكثيف الذي يصدر سواء من الشيشة أو السجائر. كما أنني لا أجد أي نوع من التسلية المزعومة التي يتحجّج بها الكثيرون ممن هم بالفعل مدمنون للتدخين بكل أنواعه. فهم يقتلون أنفسهم بطريقة الموت البطيء التي تحرق أكبادهم وقلوبهم مرة تلو الأخرى».
أما جود أحمد (١٨ سنة) التي جربت التدخين منذ أن كان عمرها 11سنة فتقول: «كنت أدخن الشيشة في البداية لكن صعوبة الحصول عليها في كل وقت وتحضيرها الذي يلزمه الكثير من الوقت جعلني أتجه إلى تدخين السجائر خاصة أن والدي ووالدتي يدخنان أيضاً في المنزل. لذلك لا أعتبر نفسي مدمنة تدخين إلا أنني اعترف بأنني في مرحلة سابقة عندما كنت صغيرة في السن كنت أسرق السجائر من والدي. أما الآن فأصرف الكثير من النقود على السجائر خاصة أن أسعارها القليلة تشجع على شرائها. وأجد أن السبب الذي يدعو الفتيات إلى التدخين هو الفراغ الذي يعيشه جيلنا هذه الأيام وفي تصوري أن الفتاة تلجأ إلى التدخين بسبب التسلية ونوع من الموضة والبرستيج، إضافة إلى رائحة المعسل وكثافة الدخان التي تصدر عن تدخين الشيشة».
«كلمة» نصيحة شبابية خارجة عن الإطار الروتيني المألوف
صورة للشيشة ورسالة نصح بالابتعاد عن تدخينها لمضارها الصحية على جسم الإنسان تحت عبارة «اتركوها فهي منتنة»، هي دعوة بأسلوب متميز وهادف للشباب بعيداً عن النصيحة الروتينية التي لم تعد تجدي، وذلك للابتعاد عن عادة التدخين السيئة التي باتت منتشرة بين الشباب السعودي على نحو كثيف. «كلمة» هي فكرة إستوحاها ثلاثة شباب سعوديين لتكون باكورة أعمالهم وتصاميمهم الهادفة على القمصان الشبابية. هي ماركة سعودية في عالم الملابس الشبابية وتحديداً القمصان استحدثها شدوان الأغا (٢٩ سنة) وأحمد شولق (٣٢ سنة) ووليد العمودي (22 سنة)، وهدفهم إيصال رسالة نصح وإرشاد بطريقة مبتكرة ومتناسبة مع موضة العصر لتستهدف من هم في سن 14 سنة إلى ٣٥ سنة. قدّموا مجموعة قمصان صُممت ورُسمت بأنامل شبابية مرصعة بالألوان والأحجار والتطريز الذي يحمل في طياته هدفاً لتحقيق نتائج إيجابية بين أوساط المجتمع الشبابي لكلا الجنسين.
وليد العمودي ذكر أن هذا النوع من الملابس بدأ يلقى رواجاً كبيراً في أوساط الشباب. وقال: «إستطاعت بعض التصاميم لفت انتباه الكثيرين وتحقيق إقبال واسع بين أوساط الشباب. فمثلاً القميص الذي يحمل نصيحة للشباب بالابتعاد عن التدخين من خلال رسم مصغر لشيشة وتوضيح أضرارها لم يعد لدينا أي عينات منه بل جميع تلك القطع نفدت بالكامل».
وأضاف: «بدأنا الفكرة كهواية ونوع من التسلية أنا وأصدقائي من خلال رسم على القمصان، وما أن لمسنا التشجيع من بعض الأصدقاء المقربين لنا حتى تطور المشروع من التسلية إلى إنشاء مصنع صغير خاص بهذا النوع من الملابس. وهدفنا توجيه رسالة أو توضيح فكرة خاطئة أو عادة سيئة في مجتمعنا بين فئات عمرية مختلفة من كلا الجنسين وتزين القمصان بالقطع الحجرية والتطريز وإضافة الأقمشة إلى القطعة بحسب متطلبات الرسم. وبفضل من الله بدأنا بإرسال طلبات إلى خارج السعودية في دول عربية وأوروبية وذلك بسبب الإقبال الهائل الذي بدأ التزايد منذ بداية عملنا أي ما يقارب الستة أشهر تقريباً».
فكرة «كلمة» ولدت لدى هؤلاء الشباب من خلال الرسوم والكلمات التي توضع على القمصان رغبة منهم في إيجاد وتأكيد الهوية الوطنية السعودية من خلال شعارات رُسمت على هذه القطع وزينت بالألوان والكلمات الإرشادية التي تحمل طابعاً مختلفاً ومميزاً ومقبولاً أيضاً لدى الشباب السعودي إضافة إلى تعزيز روح التراث القديم وإحيائه مجدداً لدى أبناء الجيل الجديد.
وحول آلية العمل بين الشباب الثلاثة أوضح العمودي أن لكل شاب في الفريق مهمته الخاصة في إضفاء لمسته المميزة، ذلك «أننا نتشارك في الفكرة بين بعضنا البعض، وعملنا الجماعي هو أكثر ما يميزنا عن غيرنا خاصة في الملابس الشبابية. وظيفة شدوان الأغا التصميم ويتميز برسمه المتّقن، لينتقل العمل بعد ذلك إلى جهاز الكمبيوتر لدى أحمد شولق الذي يعمل على برنامج الفوتوشوب ويخرج بالتصميم المناسب للفكرة المطروحة، ومن ثم تتمّ طباعة هذه الصورة الإلكترونية لتخرج من مصنعنا قطعة مميزة، ليأتي بعدها دوري في اللمسات النهائية ووضع الإكسسوار المناسب لهذه القطعة لتخرج بأجمل صورة تليق بنا وبمن سيرتديها».
ويضيف العمودي: «من الرسوم التي لاقت رواجاً واستحساناً لدى الشباب ما حمل كلمات عبرت عن انتمائنا الوطني للسعودية كعبارة «أنا أحب السعودية»، إضافة إلى الكتابات العربية المختلفة والأمثال أو الأشعار أو رسوم متعلّقة بالتراث مثل دله القهوة العربية، أو رسم آلة موسيقية كالعود (ضجة ورجة)... وتبدأ أسعار القمصان من ١٩٠ ريالاً سعودياً لتصل إلى 285 ريالاً. وهي صناعة سعودية مئة في المئة إلا أن الخامات المستخدمة مستوردة من أميركا وتركيا».
«مواطنون بلا تدخين»
«مواطنون بلا تدخين» مجموعة أنشأها السعودي أشرف فادن (٣٢ سنة) على شبكة الانترنت، للقيام بحملة هدفها نشر الوعي الصحّي حول خطورة التدخين بشتى طرقه وأنواعه على صحة الفرد والمجتمع. يقول فادن: «هي تجربة فردية ومجهود فردي وددت أن أطلقها على شكل مجموعة إلكترونية في موقع الفايس بوك لدعوة الشباب إلى مجتمع صالح خالٍ من التدخين. وعندما حاولت البحث عن معلومات معينة تخصّ التدخين واجهت صعوبة في الحصول عليها بسبب عدم وجودي في السعودية لظروف الدراسة ولا أملك وسيلة سوى موقع وزارة الصحة السعودية لربطه مع هذه المجموعة التي تستهدف المدخّنين بكل أعمارهم وأجناسهم. فكرة هذه المجموعة هي مساعدة المدخّنين للإقلاع عن التدخين مع محاولاتي المتواضعة في جمع كل ما يتعلّق في هذا الموضوع».
وأضاف فادن: «لم ترتكز هذه المجموعة على أي إحصائيات أو قصص لمدخّنين سابقين ذلك لأن هذه المجموعة بدأت منذ فترة قصيرة وعدد الأعضاء فيها وصل إلى 70 عضواً، وهم من المعارف والأقارب فقط إلى الآن. وأتمنى أن أحصل على إحصائيات من الأعضاء وآمل أن يكون هناك تفاعل في المجموعة للوصول إلى الهدف المنشود الذي نريده وهو حماية الأفراد ومجتمعنا من آفة التدخين التي تعدّ من أخطر الآفات والمظاهر السيئة المنتشرة في المجتمع خاصة بين الشباب والفتيات. الذين يخالون أن الفلتر الموجود في السجائر هو الذي يحميهم من انتشار النيكوتين في أجسادهم أو كما يقول البعض منهم أن الماء الموجود في الشيشة هو بمثابة الفلتر الذي يحميهم من أضرار الشيشة وأخطارها الصحية. وهذه بالتأكيد أفكار مغلوطة اقتنع بها المدخّنون لتبرير إدمانهم».
الجعفراوي: 42 في المئة ممن عولجوا من إدمان التدخين كانوا يعانون أمراضاً خطيرة
من جانبه، ذكر المشرف السابق على عيادات مكافحة التدخين ومركز المرسلات في مديرية الشؤون الصحية في الرياض الدكتور صلاح نمر الجعفراوي أن العلاجات أو الحلول البديلة هي يد المساعدة التي تمتدّ إلى المدخّن للإقلاع عن التدخين. «لكنه لن ينجح في الإقلاع إلا إذا كانت إرادته قوية ليبدأ بمساعدة نفسه والاقتناع بالعلاج ليستجيب فكرياً وجسدياً ونفسياً، قبل أن يتدخل المعالج في علاجه. ومن هذه العلاجات نجد أنهم استحدثوا اللبان أو ما يُعرف بالـ toy gum، وهي عبارة عن علك يحتوي على نسبة بسيطة من النيكوتين. ونجد من العلاجات أيضاً الإبرة الصينية التي تعطي ذبذبات كهربائية لنقاط معينة في الأذن مما يجعل المدخّن يبتعد قليلاً عن السيجارة ويشعر بعدم الرغبة في التدخين. وبالفعل حصلنا من خلال هذه العلاجات على نسبة عالية جداً من تجاوب الأشخاص في الإقلاع تدريجياً عن التدخين. ونستطيع القول إن الحملات التي نجدها في الطرق العامة أو على شاشات التلفاز أو حتى في بعض المستشفيات هي حملات توعوية فقط لمن لا يعرف مضار التدخين الصحية على الأطفال أو أمراض القلب التي يسببّها التدخين وغيرها من مضار التدخين. لكنه وللأسف الشديد لم يعد هناك من لا يعرف بهذه المضار وهذه الأخطار التي يسبّبها التدخين، لذلك لا نستطيع النظر إلى هذه الحملات سوى أنها تعمل عمل المرشد الذي بات الناس يعرف عن ماذا سيتحدث قبل أن يقول كلمة واحدة».
وأضاف الجعفراوي أن ٩٨ في المئة من المترددين على عيادات التدخين كانوا على علم مسبق بمضاره إلا أنهم كانوا يرجعون الأسباب إلى كون التدخين أصبح عادة لدى البعض لا يستطيعون الإقلاع عنها. «يجب ألا ننسى أيضاً الظروف الإجتماعية التي تؤثّر على الأفراد في المجتمع السعودي لتجعلهم ينجذبون إلى التدخين من باب التغيير، إضافة إلى عدم انفتاح المجتمع على المجتمعات المجاورة وعدم وجود الناصحين للترهيب من التدخين وليس الترغيب فيه. ولا بد أن نذكر بأن المدخّن في بداياته يقلّد أقرانه أو من هم من جيله ناهيك بالعوامل والظروف النفسية التي تلعب الدور الأكبر خاصة في صفوف المدخّنات من الفتيات والنساء. فأغلب الحالات تصل إلى عيادات التدخين هي لمطلّقات أو فتيات جميلات وصغيرات في السن أعمارهن كانت تتراوح بين الـ ١٩ و٢٤ سنة ولكنهن يئسن من علاقة عاطفية أو من زواج فاشل أو عاطلات عن العمل أو لم يجدن الوظيفة المناسبة، ولجأن إلى التدخين لتفريغ همومهن من خلال السيجارة».
وعن العواقب الصحية للتدخين قال الجعفراوي: «العواقب الصحية المترتبة على التدخين ذات شقّين، أولهما أن المدخن يصبح مدمناً للنيكوتين بسرعة، والخاصيات الإدمانية للنيكوتين جيدة التوثيق إلا أن متعاطي التبغ لا يقدرها حقّ قدرها في كثير من الأحيان. وتشير دراسات أجريت في الولايات المتحدة بين طلاب السنة النهائية في المدارس الثانوية إلى أن أقل من اثنين من بين خمسة مدخنين يظنون أنهم سيهجرون عادة التدخين في غضون خمس سنوات، يقلعان فعلاً عن تلك العادة، وحوالي سبعة من أصل عشرة مدخنين في البلدان المرتفعة الدخل يأسفون للبدء في تعاطي التبغ ويودون لو يقلعون عن ذلك. وقد تجمع في البلدان المرتفعة الدخل على مدى عقود من الزمن ومع تزايد المعارف عدد ضخم من قدماء المدخنين الذين هجروا عادة التدخين بنجاح، إلا أن المحاولات الفردية للإنقطاع قليلاً ما تتكلّل بالنجاح. فمن بين الذين يحاولون ذلك بدون مساعدة من برامج الانقطاع عن التدخين يعود 98 في المئة منهم الى التدخين في غضون عام واحد. أما هجر عادة التدخين فنادر في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل. والتدخين يسبّب مرضاً قاتلاً كما أن احتمالات حدوث الوفاة من جرائه قبل الأوان بالغة الإرتفاع مقارنة لكل السلوكيات المحفوفة بالخطر. ونصف مجموع المدخنين لمدة طويلة سيقضي عليهم التبغ في نهاية المطاف، ونصف هؤلاء سيموتون في مرحلة الكهولة المنتجة ويخسرون ٢٠ إلى ٢٥ عاماً من أعمارهم. والأمراض المرتبطة بالتدخين جيدة التوثيق وتشمل سرطانات الرئة وسائر أجهزة الجسم ومرض القلب وباقي أمراض الدورة الدموية، والأمراض التنفسية مثل السلّ. وفي المناطق التي ينتشر فيها مرض السلّ، يواجه المدخّنون خطر الموت أكثر أكبر مما يواجهه غير المدخنين بسبب هذا المرض».
وحول الإعلانات التي تعرضها بعض القنوات الفضائية لترغيب الأفراد في التدخين من خلال صورة إمرأة جميلة أو مكان رومانسي، أشار الجعفراوي إلى أن هذه الإعلانات لها الدور الأكبر في الوقت الحالي. ويرجع ذلك إلى اندفاع الناس إليها بشكل كبير جدا خاصة الإعلانات التي تحوي مشاهد درامية وممثلين وفتيات ونساء جميلات ومن ثم يقوم الشاب أو الفتاة بتقليد ما يُرى على الشاشة الفضية بسبب الترويج الإعلاني المقيت على التلفاز لانجراف الناس وراء ملذّات التدخين.
ولفت الجعفراوي إلى أن هناك «الكثير من الظواهر المستجدة في مجتمعنا، والتي تعتبر من إفرازات الحياة المعاصرة وتداعياتها السلبية التي يتوجب الالتفات إليها قبل استفحالها في المجتمع وتحولها إلى مشكلة. ومن هذه الظواهر بيع بعض البقالات والمحلات والأكشاك السجائر للأطفال أو من هم في سن المراهقة، وما يمثله ذلك من خطر على هذه الفئات وبداية لانحرافات سلوكية خطيرة. الأمر الذي يتطلب الوقوف على هذه الظواهر المستجدة ووضع ضوابط للحدّ منها». وأكّد أن بيع «السجائر لأطفال هو مثابة الجريمة التي يرتكبها الفرد في حقّ المجتمع».
وأضاف: «في الدول المتقدمة هناك قوانين صارمة تمنع بيع السجائر للأطفال والمراهقين دون الثامنة عشرة، بل إن البائعين يتأكّدون من أعمار الشباب بواسطة البطاقات المدنية تخوّفاً من العقوبة الشديدة من مثل هذه التصرّفات، وهذا يدل على مدى المسؤولية التي تضطلع بها الجهات المختصة وأصحاب المؤسسات والمحلات في الحد من هذه الظواهر بالنظم والقوانين التي توجه سلوكيات الفرد والمجتمع نحو المصلحة العامة».
أما نسبة من استفادوا من عيادات التدخين في الرياض «فهي ٤٠ إلى ٤٢ في المئة وذلك من خلال التوعية الطبية. والبعض منهم كانوا يعانون أمراضاً بسبب التدخين كالسعال الشديد الذي يؤدي إلى انتفاخ الرئتين مما يرهق الإنسان، أو من يعاني الجلطات، أو من يعاني ارتفاع ضغط الدم، أو مرض السكري. فهم من الأشخاص الذي استفادوا من العلاج في مثل هذه المراكز».
وأشار إلى أن التدخين يؤثّر في صحة غير المدخّنين، «فالأطفال مثلاً الذين يولدون لأمهات مدخّنات يكون وزنهم عند الولادة أدنى من أوزان غيرهم من الأطفال، وهم يواجهون أخطاراً أكبر في ما يتعلق بالإصابة بالأمراض التنفسية، ومن غير المستبعد أن يموتوا نتيجة لمتلازمة موت الرضع المفجائي على خلاف الأطفال الذين يولدون لأمهات غير مدخنات. أما الكبار من غير المدخنين فإنهم معرضون لاحتمالات ضئيلة ولكنها متزايدة للإصابة بأمراض قاتلة ومسببة للعجز نتيجة استنشاق دخان السجائر التي يدخنها مجالسوهم».
وشرح الجعفراوي الفرق بين الإدمان والولع خاصة للمبتدئين من المدخنين بقوله: «المدخّن المدمن هو الذي عندما ينتهي من أول سيجارة نجده بعد أقل من ساعة فقط ينجذب بقوة إلى سيجارة أخرى لتشعره بالهدوء والراحة ذلك لأن النيكوتين استحوذ على جسمه ولا يستطيع أن يتخلّص منه. أما الولع فهو من يقلد أقرانه أو أحد أفراد أسرته بسحب سيجارة والبدء بشربها وهو مسرور بذلك لأنه يعتبر نفسه كما أصدقائه أو أشقائه مثلا ولا يقلّ عنهم بشيء، حتى وإن كان يختنق من رائحة الدخان فهو يقلّد فقط».
كتبي: الضريبة «عقوبة» تُفرض على الناس كلما كانت مرتفعة تراجع انتشار التدخين في المجتمع
من جانبه، تحدث الأستاذ المساعد السابق في قسم الاقتصاد في جامعة الملك عبد العزيز خالد سامي كتبي عن رفع نسبة الضريبة الجمركية لاستيراد التبغ قائلاً: «مقدار الضريبة المطلوبة من وجهة النظر الإقتصادية يوازي ما يعوّض المجتمع عن الأضرار الناتجة عن التدخين. فميزان المدفوعات في السعودية يصل إلى بليون ريال سعودي تقريباً استيراداً للتبغ. ومن الأعباء الناجمة عن التدخين كلفة العلاج من السرطان، ناهيك بالأضرار الجسيمة التي يسبّبها التدخين كالحرائق والتي تُشكل نسبتها 50 في المئة من حرائق الولايات المتحدة الأميركية. ويمكن اعتبار الضريبة على التبلغ كالعقوبة التي تُفرض على الناس. وكلما كانت الضريبة مرتفعة تراجع انتشار التدخين في المجتمع. فبالتأكيد وجود الضريبة يحدّ من إنتشار التدخين. ليس لديّ أي معلومة حول نسبة الضريبة الحالية، لكن الضريبة تفرض على الوزن، ففي عام ٢٠٠٧ فرضت الضريبة على ٤٠ ألف طن من التبغ المستورد. وإذا زيدت الضرائب على السجائر فان المدخنين من الكبار يميلون إلى التقليل من التدخين. ولدى تحقيق هدف حماية الأطفال والمراهقين فان فرض الضرائب سيلقي أيضاً على المدخّنين من الكبار تكاليف مالية، غير أن هذه التكاليف يمكن اعتبارها مقبولة وذلك يتوقف على الأهمية التي تعلقها المجتمعات على كبح جماح تعاطي الأطفال للسجائر. وعلى أية حال فإن خفض تعاطي الكبار للسجائر قد يكون عاملاً لابتعاد الأطفال والمراهقين عن التدخين».
وأضاف كتبي: «الزيادات الضريبية التي ترفع السعر الحقيقي للسجائر بـنسبة ١٠ في المئة في جميع أنحاء العالم من شأنها أن تجعل 40 مليون مدخن على قيد الحياة ينقطعون عن التدخين، وتحول دون حدوث ما لا يقلّ عن ١٠ ملايين حالة وفاة جرّاء أمراض ترتبط بالتبغ. ومن شأن رفع الأسعار أيضاً أن يردع الآخرين عن البدء بالتدخين أصلاً، والافتراضات التي يقوم عليها النموذج معتدلة عمداً وعليه فان هذه الأرقام ينبغي اعتبارها تقديرات دنيا».
وتابع كتبي حديثه موضحاً أن «تحديد المستوى المناسب للضرائب مسألة معقدة كما يعلم الكثير من راسمي السياسات، ذلك أن تحديد حجم الضرائب يتوقف على تجميع وقائع تجريبية قد لا تكون متاحة بعد مثل مدى التكاليف التي يتحمّلها غير المدخّنين ونطاق مستويات الدخل، كما أنه يتوقف على تباين قيم المجتمعات مثل مدى وجوب حماية الأطفال، ويتوقف على ما تأمل المجتمعات في تحقيقه عن طريق فرض الضرائب مثل تحقيق مكاسب محددة من حيث الإيرادات أو التقليل من عبء المرض. ويخلص الذين يسعون إلى الحدّ من التدخين إلى استخدام معيار مستويات الضريبة المعتمدة كجزء من سياسات مكافحة التبغ الشاملة المتبعة في البلدان التي تراجع فيها استهلاك السجائر. ففي تلك البلدان يتراوح عنصر الضريبة في سعر علبة السجائر بين ثلثي وأربعة أخماس سعر التجزئة، ويبلغ متوسط الضرائب المفروضة في الوقت الحاضر في البلدان المرتفعة الدخل حوالي ثلثي سعر التجزئة بالنسبة إلى علبة السجائر أو ما يزيد عن ذلك. أما في البلدان المنخفضة الدخل فإن الضرائب لا تزيد عن نصف سعر علبة السجائر».
شاركالأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024
شؤون الأسرة
اقتراحات تمييزية للتشويش على حق الأمهات اللبنانيات بإعطاء الجنسية لأطفالهن
شؤون الأسرة
عائلة حسام ورولا تنقل تفاصيل دقيقة عن الحياة في هولندا بكل صعوباتها وإيجابياتها
شؤون الأسرة