تحميل المجلة الاكترونية عدد 1077

بحث

عائلات مغربية وجزائرية منعتها الحدود من التواصل

تتفق جل الآراء على أن لإغلاق الحدود بين المغرب والجزائر تأثيراً سلبياً مباشراً على الجانب الإنساني. فثمّة مغاربة وجزائريون عددهم يقدر بالآلاف، إن لم نقل الملايين، تربط بينهم أواصر القرابة والمصاهرة. وتوحدهم اللغة واللهجة والدين والثقافة والعادات والتقاليد. لا يلقون للسياسة بالا، بل  يعيشون في معاناة متواصلة مع استمرار إغلاق الحدود البرية بين البلدين. كسروا كل الحدود واخترقوها من أجل عيادة مريض، أوحضور زفاف، أوتقديم عزاء... وسيلتهم في ذلك اللجوء إلى «الخطافة»، وهم أشخاص متخصّصون في تهريب البشر. لكن رغم توافر وسيلة اللقاء تعبوا من مغامراتهم تلك، وما زالوا يعيشون على أمل أن تبادر الجهات المعنية إلى فتح الحدود. «لها» التقت الذين لسعتهم نار  الحدود ونقلت تصريحاتهم.


سلوك عنيف

سعيد هادف مثقف جزائري مقيم في وجدة المغربية منذ عام 1998. يعمل مع مثقفين مغاربة وجزائريين، على تأسيس جمعية الصداقة المغربية - الجزائرية. يقول: « إقامتي جعلتني أعيش عن كثب ما يعانيه المغربي والجزائري على حدّ سواء بسبب إغلاق الحدود مما يحرم المواطن المغربي والجزائري التواصل الطبيعي. تاريخ المغرب والجزائر له نكهته الخاصة، فإذا نظرنا إلى التاريخ القريب فقط فالمغرب والجزائر أثناء الاحتلال الفرنسي وأثناء حرب التحرير الجزائرية كان هناك تكافل وتضامن وتعاون».
وأضاف أن «إغلاق الحدود كما قلت دائما لا يمكن وصفه إلا بالعقاب والسلوك العنيف والمتطرف المعادي لكل ما هو إنساني، بل انتهاك سافر لحق لا غبار عليه. والطرف الذي يصر على إغلاق الحدود إنما يعاقب شعبين شقيقين بقطع أرحامهما، وليس هناك ماهو أسوأ من قطع الأرحام. ثم كيف تفسرين عبور مسافة بضعة كيلومترات بالطائرة؟ أي منطق هذا؟ وأية عبقرية؟
هل يعرف العرب أن الحدود بين المغرب والجزائر مغلقة؟ أقصد الحدود البرية بينما الجو مفتوح، إنها نكتة أليس كذلك؟ كيف نصف سياسة تغلق الحدود البرية بينما تسمح بالتنقل عبراالطائرة؟ من يستقل الطائرة؟ من لديه المال طبعاً. من لا مال له لن يسافر حتى وإن كانت المسافة لا تتعدى كيلومترات. أليس هذا عقاباً ضد الأغلبية العاجزة؟ وهي التي ضحت بالنفس والنفيس لكي تنعم بحياة العزة والكرامة، فإذا بالاستقلال يسلبها أبسط حقوقها، وهو الحق في التنقل وصلة الرحم».
وتساءل: «لماذا لا يأخذ الحوار المغربي - الجزائري مجراه  السوي؟ متى تخرج قضية كهذه من حيز المسكوت عنه لدى النخبة والوسط الإعلامي والثقافي في البلدين وتدخل دائرة الضوء الإعلامي، وتخضع للنقاش الديموقراطي؟».
وأكد أن آلاف الأسر المغربية والجزائرية «تعاني بصمت ولا تفهم ما يجري حولها ولم تجد جواباً شافياً لهذا الجفاء الذي لامبرّر له».


آهات إنسانية

زهرة بلعوشي مغربية من أصل جزائري تصرخ: «إنهم يحرموننا رؤية أحبابنا. يجب أن يتصالحوا حتى يستطيع المغاربة رؤية أقربائهم في الجزائر ويأتي الجزائريون إلى المغرب لرؤية أقاربهم. الكل محروم، ما قاموا به غير قانوني، الطريق الحدودية في وضع مزر. أغلقوا الحدود في وجهنا، حتى لو مرض أحدنا لا يجد من يداويه إذ نخاف أن يسألونا من أين دخلتم؟ يخاف المهربون أن يقبض عليهم. وهذا الوضع ليس جيداً وأتمنى أن يتصالحوا مع بعضهم البعض وندعو الله أن يهديهم إلى طريق الخير. لو فتحوا طريق الحدود لاستطعنا الدخول، بما أن الطريق مغلقة الآن فأنت تخاف أن تجتازها. ابنتي أغلقت عليها الحدود وهي في الجزائر، حتى أبي وأمي ماتا ولم أحضر جنازتهما».
محمد لعلج يقول: «زوجتي ليست الوحيدة التي تعيش هذه المشكلة بل هناك أربعون أو خمسون ألف شخص يعيشون الأمر نفسه. يكبر الواحد منا ولا يعرف أخواله ولا أعمامه ولا أجداده. ومن تنقصه الإمكانات المادية لم يزر الجزائر منذ إغلاق الحدود... بعد مرور 13 أو 14 سنة على إغلاق الحدود يكبر الطفل ولا يعرف من هو خاله مثلاً».
تقول  الجزائرية فاطمة (47 سنة): «مطلبي الوحيد لا يخرج عن ما هو إنساني. مرت سنوات وما أطولها شكلت بعدا مكانياً قاسياً بيني وبين عائلتي التي تقطن في مدينة بلعباس. أتمنى ألاّ يتكرّر خطا السياسة حين يغيب هذا الجانب الإنساني، والنتيجة أن العهد الجديد بين البلدين الشقيقين آت لاشك في ذلك، إلا أن الواجب على الدوائر الرسمية أن تزيل الغموض الذي يحيط بزمن إعادة فتح الحدود، حتى يمكن وضع حد لتناسل الشائعات التي وصلت إلى درجة القول ان الحدود قد فتحت، وهو الأمر الذي حرك البعض في اتجاهها ليعود خائباً من حيث أتى. وأنا كمواطنة جزائرية ومن المغرب بلدي الثاني ارفع ندائي إلى مسؤولي بلدي كي يرجعوا إلى جادة الصواب ويطلقوا سراح الجوار وأواصر الصداقة بفتح حدود مع المغرب».
وبالقرب من النقطة الحدودية جوج بغال يقع مقهى التقينا أحد العاملين فيه، فقال عبد القادر: «نأمل كثيراً فتح الحدود لكي يكون هناك تواصل. والشعوب العربية المغاربية بأكملها تعد وجدة بوابتها الكبرى ومن خلالها يتمّ التواصل بين السكان والأحباب. والآن انقطعت صلة الرحم بين العائلات التي توجد في المغرب والجزائر لأن الحدود مغلقة وموصدة في وجههم، أما اقتصاديا فسيكون هناك رواج كبير بين كل دول المغرب العربي والاستفادة ستكون متبادلة إذا فتحت الحدود، فنحن أشقاء».


لعبة القط والفأر

محمد شاب جزائري من أم مغربية، وصل من الجزائر منهك القوى. بدأ يحكي لخالته تفاصيل رحلته الشاقة عبر الحدود.
كان قدوم محمد الذي يتابع دراسته بالطب إلى وجدة من أجل عيادة جده لأمه الذي كان مريضاً، ولم يتمكّن من زيارته منذ سنتين بسبب عراقيل الحدود. تساءل بلكنة جزائرية أقرب إلى اللهجة المغربية: «نحن نعرض أنفسنا للخطر من أجل عبور الحدود، ما ذنبنا نحن في المشاكل السياسية بين المغرب والجزائر؟»..
وأضاف: «لقد صرح بوتفليقة الرئيس يوماً لإحدى وسائل الإعلام، أن الحدود ليست مغلقة، والدليل أن أخته في وجدة تمرّ عبرها. لكن ما نستغربه أن رئيسنا هو أعلم من غيره بطبيعة العلاقة التي تجمع بين الشعبين المغربي والجزائري، ومع ذلك لم يضع حلاً لذلك».
كان لسلوى حظ محمد في التعب والمغامرة، فهي طالبة مغربية من أم جزائرية. تتحدى هذه الفتاة الحدود من أجل زيارة والدتها في مدينة سيدي بلعباس، كونها تتابع دراستها في مدينة وجدة، بينما والدتها عادت إلى الجزائر بعد وفاة زوجها.
لا تكفّ هذه الشابة عن الدعاء من أجل أن تفتح الحدود وتنظيم عملية العبور حتى تعبر بأمان وسلام. تقول بحسرة بالغة: «معاناتنا مع هذه الحدود اللعينة لا يمكن تصويرها وينبغي أن تجربيها. حين تنتابني الرغبة لرؤية والدتي لا أبالي بما سيعترضني من أخطار من أجل السفر إليها، لاسيما إذا كانت مريضة. والأمر يتكرّر لحضور زفاف إحدى قريباتي. هذا الواقع أصبح لا يطاق، ونناشد المسؤولين أن يصلوا إلى حل عاجل».
بشرى تسرد قصتها مع العبور عبر هذه الحدود. فهي تعيش في مدينة تلمسان، ومتزوجة من جزائري. وقد اعتادت أن تزور أسرتها في وجدة عبر الحدود التي تؤكد أن لا قيمة لها بين سكان المنطقة، فهؤلاء تجمعهم أواصر قوية ومتينة، غير أنها يوم وفاة والدتها صودف تشديد المراقبة، مما جعلها تلجأ إلى لعبة القط والفأر مع الجنود الجزائريين، فنجحت في العبور برفقة الكثيرين. مازال الحزن يخيم على منزل أسرة بشرى بعد فقدان والدتها. وحزنها على والدتها لم ينسها أطفالها الصغار الذين تركتهم في الجزائر، ولم تستطع استقدامهم معها.
تقول بحزن عميق: «لو كانت الحدود مفتوحة لرافقني زوجي وأبنائي في سيارتنا الخاصة، ولما عانيت كامرأة في المجيء إلى هنا».


إكراهات

وقد بدأت قضية المغاربة المطرودين من الجزائر تتفاعل إعلامياً في المغرب وخارجه، بعد أكثر من ثلاثين سنة من الصمت. وفي هذا الإطار يقول محمد الهرواشي رئيس جمعية المغاربة ضحايا الترحيل التعسفي من الجزائر «انطلاقاً من إسم الجمعية يتبين أن مجال اشتغالنا حدد بدقة للدفاع عن المغاربة لكون وضع الجزائريين لا يستدعي الشفقة أو تبني همومهم، فيكفي أن 12 ألف إمرأة جزائرية يعيش بين أحضان أسر مغربية هربن بعد أيام من تنفيذ قرار الطرد التعسفي من حملة ترهيب وضغط نفسي وفي  ظروف حياة صعبة بعيدة عن الأبناء والزوج. ثم أن انخراط الجزائريين في ماهو جمعوي قليل مقارنة مع ما نلاحظه بالمغرب خاصة حين يتعلق الأمر بقضية حقوقية، فثقافة حقوق الإنسان لا تزال تخيف شرائح مهمة من المجتمع الجزائري إذ أن جل الذين حاولنا الإتصال بهم على الشبكة العنكبوتية من أقارب عائلات الضحايا في الجزائر رفضوا الكشف عن هوياتهم وفضلوا الملف بأسماء مستعارة، مما يحد من الأهداف المرجوة لخلق قنوات التواصل الصريح. أما الإنتقال إلى الجزائر فكما تعلمون يخضع لإكراهات جمة».
ويبقى أن ما يحدث بين الجزائر والمغرب لا يمكن وصفه إلا بالتخلف والانحطاط، والنظامان لا يتحملان وحدهما وزر ما يحدث، بل كل الفاعلين في كلا البلدين، من مثقفين وفنانين وإعلاميين ورجال أعمال... وكذلك المؤسسات والتنظيمات السياسية والمدنية ذات التأثير، من أحزاب وجهات دينية وجمعيات... باختصار شديد كل من يضطلع بدور ما، مدعو للعمل على رأب الصدع، على حد قول المثقف الجزائري سعيد هادف.


شراء الطريق

ترى فتيحة الداودي رئيسة جمعية «رياج كوم» أنه إذا فتحت الحدود لكلفت الرحلة ما بين وجدة ومغنية الجزائرية حوالي 20 كلم أقل من نصف ساعة بحوالي 20 درهماً عوض 50 درهماً مشيا على الأقدام أو 400 درهم عبر سيارة للتهريب. وتقول إن الملف «مرتبط بحقوق الإنسان بشكل أساسي، لأن هذا الإجراء يحرم الإنسان حق التجول وحقوق الجوار». وأضافت أن جمعيتها قامت بإجراءات لايصال صوتها إلى الرأي العام المحلي.
ولفتت إلى أن الحدود لم تغلق أبدا في وجه البضائع والسلع، فيما الضرر الأكبر هو من الجانب الإنساني، بالنسبة إلى الفقراء الذين يتحملون مشاق السفر غير القانوني لزيارة أقاربهم، أما الأغنياء فيسافرون عبر الطائرة.ولا ننسى أن التهريب غير القانوني للبشر يثقل كاهل الناس».

 

المجلة الالكترونية

العدد 1077  |  آب 2024

المجلة الالكترونية العدد 1077