بعد الإشادة بتجربة السعودية في سن تشريع لها
شهدت جلسات مؤتمر مجمع البحوث الإسلامية في الأزهر الشريف جدلاً واسعاً بين علماء الدين حول مختلف جوانب قضية نقل وزراعة الأعضاء، وخاصة عندما أعلن شيخ الأزهر سيد طنطاوي تبرعه بأعضائه بعد مماته لينتفع بها المحتاجون إليها. ونشب خلاف بين طنطاوي والقرضاوي حول مشروعية أخذ أعضاء المحكوم عليهم بالإعدام، وغيرها من الجوانب التي تشهد معركة ساخنة بين رجال الدين والأطباء. فماذا قالوا وما أدلة وأسانيد كل منهم؟...مع بداية جلسات المؤتمر فجر شيخ الأزهر محمد سيد طنطاوي مفاجأة بأن أعلن بمبادرة فريدة أنه كتب وصية للأطباء بالاستفادة من أعضائه بعد وفاته، وذلك استناداً إلى رأي جمهور الفقهاء بأنه يجوز نقل عضو من أعضاء الميت إلى جسم إنسان حيّ إذا كان هذا النقل يؤدي إلى منفعة للإنسان المنقول إليه وأن يحكم بذلك الطبيب المتخصص «الثقة»، لأن الأطباء هم سادة الموقف في هذه الحالات وهم المسؤولون عن تصرفاتهم أمام الله أولاً وأمام من يمتلك محاسبتهم على أعمالهم من رجال الطب أو القانون أو غيرهم. وأضاف شيخ الأزهر: «هذا الرأي هو الذي نرجحه ونؤيده وقلنا بجواز ذلك بناء على القاعدة الفقهية المشهورة «إن الضرر الأشد يُزال بالضرر الأخف»، والضرر الأشد هنا يتمثل في بقاء الإنسان الحي عرضة للمرض الشديد وللهلاك المتوقع، والضرر الأخف هنا يتمثل في أخذ شيء من أجزاء الميت لعلاج الإنسان الحي مع رفض بيع الإنسان لأي جزء من أجزاء جسده لأن هذا البيع باطل ومحرم شرعاً. كما أن تبرع الحي بجزء من أجزاء جسده جائز عند جمهور الفقهاء، ولا فرق في ذلك بين تبرع الأقارب أو غيرهم مادام هذا التبرع يؤكد نفعه الأطباء الثقاة».
المحكوم عليهم بالإعدام
ولم يكتف شيخ الأزهر بذلك بل أعلن جواز انتزاع أعضاء المحكوم عليهم بالإعدام بعد تنفيذ الحكم لنقلها إلى بعض المرضى الذين هم في حاجة إليها وقال: «الشخص الذي يُحكم عليه بالإعدام يجوز أخذ أي عضو منه لأنه بمجرد أن حُكم عليه بالإعدام أصبح فاقداً للولاية على جسده ولا يجوز الاستماع إليه لأنه انتهك الإنسانية وأذل البشرية وبعد إعدامه يجوز شرعاً أخذ أي عضو منه، على أن يكون ذلك النقل لإنقاذ حياة مريض».
لكن الدكتور يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين اعترض على فتوى طنطاوي قائلاً: «لا يجوز أخذ أعضاء من المحكوم عليه بالإعدام إلا اذا كان متبرعاً بإرادته، ولا يجوز شرعاً أن نعاقب المحكوم عليه بالإعدام بعقوبتين».
أما الدكتور حمدي السيد نقيب أطباء مصر فيؤيد فتوى شيخ الأزهر قائلاً: «المحكوم عليه بالإعدام شنقاً يبقى لدقائق معدودة بعد تنفيذ الحكم على قيد الحياة ويمكن بالتنفس الصناعي وضربات القلب الصناعية إعادة النبض إليه ونقل أعضائه الى انسان آخر بعد موافقة علماء الدين، وهذا يساعد على سرعة إصدار قانون لنقل الأعضاء في مصر بعد تجمد الموضوع منذ أكثر من عشر سنوات في حين استطاعت 19 دولة عربية وإسلامية وعلى رأسها السعودية سن تشريعات منظمة للقضية وأباحت نقل الأعضاء وفق ضوابط معينة لمواجهة حالات الأمراض المزمنة التي تؤدي الى الموت، ولهذا فإن موافقة علماء الدين تعد خطوة كبيرة وانتصاراً طبياً كان ينتظره غالبية أطباء مصر لأن موت جذع المخ هو موت كامل والإنسان لا يرجع بعده إلى الحياة، وفي هذه الحالة يمكن نقل الأعضاء من هذا الشخص إلى آخر حي يحتاج إليها لإنقاذ حياته.
وأتفق الأطباء على أن الشخص يعتبر مات موتاً حقيقياً على سبيل اليقين إذا وصل الإنسان إلى موت جذع المخ وبالتالي تترتب جميع الأحكام المقررة شرعاً للوفاة بإحدى علامتين أولاهما توقف قلبه وتنفسه توقفاً تاماً وثانيتهما تعطل جميع وظائف دماغه تعطلاً نهائياً، وحكم الأطباء الثقاة الخبراء بأن هذا التعطل لا رجعة فيه وأن دماغه آخذ في التحلل».ضرورة مُلحة
وحذّر الدكتور إبراهيم بدران وزير الصحة المصري الأسبق من خطورة استمرار الجدل في هذه القضية لمدة تزيد على عشرين عاماً وتأخر إصدار قانون نقل الأعضاء بما يهدد حياة الآلاف ممن يحتاجون إلى زراعة الأعضاء. ولفت الىأن «سرعة تطور العلم تفوق التطور التشريعي، وقد أقر الفقهاء بأنه حيث كانت مصلحة العباد كان شرع الله وأن الحاجة في مصر شديدة لحسم قضية نقل الأعضاء (...). لهذا فإن مرضى مصر كانوا يهربون الى الصين ولكنها أغلقت أبوابها ولهذا فإن مرضى الفشل الكبدي في مصر محكوم عليهم بالإعدام».
ودعا المفكر الإسلامي الدكتور أحمد كمال أبو المجد إلى الاستناد إلى فقه مسايرة الشريعة للتطور حتى لا يضيق الناس بالشريعة ويحدث ما لا تحمد عقباه.منع الاتجار بالأعضاء
أما الدكتور نصر فريد واصل مفتي مصر الأسبق فحدد ضوابط نقل الأعضاء من الإنسان الحي إلى الإنسان الحي ومن الميت إلى الحي بأن تكون لتحقيق المصلحة العامة والوسيلة الوحيدة لإنقاذ المرضى ودون مقابل مادي وتحت مظلة تخضع لسلطة الدولة، ويستفيد بها الفقراء ولدرء الشبهة للاتجار بالأعضاء البشرية.
ويستدل الدكتور عبد السلام العبادي الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي الدولي في جدة على إباحة الإسلام لنقل الأعضاء بضوابط فيقول: «لا بد أن نأخذ بروح الشريعة وقواعدها العامة ومنها «الضرورات تبيح المحظورات والضرورة تقدر بقدرها» و«إذا ضاق الأمر اتسع» و«المشقة تجلب التيسير» و«أخف الضررين»، بالإضافة إلى أن ما كتبه الفقهاء المتقدمون والمتأخرون في إجازتهم تشريح الميت للكشف عن جريمة قتل أو لمعرفة أسباب مرض ما ليتمكن الأطباء من معالجة ذلك المرض في الأحياء، وما إلى ذلك من الصور والأمثلة التي يتحقق فيها الصالح العام أو الخاص للمسلمين. فقد أفتى فقهاء الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة بإجازة تشريح امرأة ميتة لإخراج مولودها الحي من بطنها، فمن باب أولى أن يجاز التشريح هنا لصيانة نفس أو لإنقاذ حياة أو لسلامة عضو أو كشف لجريمة».
أعارض بشدة
وعارض القضية برمتها الدكتور عبد الرحمن العدوي عضو مجمع البحوث الإسلامية في الأزهر قائلاً: «أرى أن عقوبة الطبيب الذي يسرق كلية شخص جزاؤه القصاص بأخذ كليته بالأسلوب نفسه الذي باشر به السرقة، ولا يكفي إغلاق المركز الطبي لأن افتتاح غيره أمر يسير. كما لا تكفي الغرامة والحبس في هذه الجرائم التي قد تصل إلى قتل النفس وهناك أضرار صحية تصيب المنقول منه والمنقول إليه، ولهذا فإن عملية النقل ليست نهاية المطاف في معاناة المرضى ولا يبدأون بعدها حياة طبيعية، وبالتالي فهي عملية محفوفة بالأخطار بالنسبة الى من ينقل العضو منه ولا تفيد كثيرًا المريض المنقول العضو إليه. أما نقل العضو من «موتى المخ» فإنه لا يصلح العضو للنقل إلا وفيه حياة والانتظار إلى الموت، الحقيقي الذي يتوقف فيه القلب عن النبض وتسكت الأنفاس وتظهر علامات الموت فإن ذلك يجعل الأعضاء غير صالحة للانتفاع بها ولذلك فإن الحريصين على إجراء عملية النقل يهجمون على من يسمونهم «موتى جذع المخ» ليأخذوا منهم العضو المطلوب وهم لا يزالون أحياء ويؤدي هذا الهجوم إلى موتهم، فتكون عملية قتل عمد كاملة الأركان. ولهذا يُحرم نقل الأعضاء من الأحياء إلى الأحياء أو من موتى «جذع المخ» إلى الحي».
إلا الأعضاء التناسلية
وحذر الدكتور محمد رأفت عثمان عضو مجمع البحوث الإسلامية من نقل الخصية والمبيض لأنهما يستمران في حمل وإفراز الشيفرة الوراثية للمنقول منه حتى بعد زرعهما في متلقٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍِِ جديد، ولهذا فإن زرعهما محرم مطلقاً نظر الى أنه يؤدي إلى اختلاط الأنساب وتكون ثمرة الإنجاب غير وليدة من الزوجين الشرعيين المرتبطين بعقد الزواج. أما زرع بعض أعضاء الجهاز التناسلي التي لا تنقل الصفات الوراثية فهو جائز لضرورة ووفق الشروط والضوابط والمعايير الشرعية.
التضحية مبدأ إسلامي
ويرى نائب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الداعية السوري الدكتور وهبة الزحيلي أن «أخلاق الإيثار والتضحية من جملة أخلاق الإسلام وأن مصلحة الحي مقدمة على مصلحة الميت. ويتم النقل بالتبرع والإحسان لا بالبيع سدًا لباب المتاجرة بالأعضاء، فإن تم التبرع تُرك الأمر للمستفيد في مقابلة المعروف بمثله ومكافأته على عمله الخيِّر. ولابد من الحرص على عدم إلحاق الضرر أو المفسدة بالمتبرع لأنه أولى بالحفاظ على صحته ومصلحته وأن يكون التبرع بإذن الشخص أو بوصيته أو بإذن وليّه أو بإذن الحاكم عند جهالة الهوية».
التبرع حلال
وعلق القرضاوي مستنكراً أن «تحكمنا الاجتهادات القديمة في عصر الثورات العلمية خاصة أن الفقهاء قرروا أن الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان والعرف». وتساءل: «ما الذي يمنعنا من الأخذ بما أقره العلماء في العالم من تحديد أن الموت الحقيقي هو موت الدماغ أو جذع المخ وخاصة أنه ليس هناك نص شرعي يحكم القضية، وموضع الاختلاف في هذه القضية تحريم البعض لنقل الأعضاء من موتى الدماغ باعتبار أن الإنسان لا يمتلك جسده ولا يجوز له أن يتبرع بجزء منه، وأن الرد على ذلك يكون من خلال القول إن الكون كله لله وأن المال مال الله وقد أعطي الإنسان ولاية التصرف في ماله في قوله تعالى: «وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه»، وأن الله أعطى الإنسان نوعاً من الولاية على جسده بل إن تبرع الإنسان بجزء من جسده أفضل عند الله من التبرع بالمال، فتبرع الحي جائز بما لا يعود عليه بالضرر مع العلم أن التبرع من الأحياء نادر جداً وأن معظم شعوب العالم يعتمد على النقل من الأموات خاصة موتى الحوادث، وهذا لن يفيد لدينا ما دمنا لم نحسم من هو الميت ؟ وهو الأمر الذي يجب أن يتفق عليه الأطباء الذين لديهم من الآليات ما يمكنهم من اكتشاف أن جذع المخ مات موتة لا رجعة فيها حسب ما أقره المجمع الفقهي الدولي».
وعلق الدكتور حمدى زقزوق وزيرالأوقاف المصري على كلمة القرضاوى بقوله: «أرى أنه لا يصح أن نشبه جسم الإنسان بالمال، رغم موافقتي على النتيجة النهائية وهي جواز نقل الأعضاء.
فانتهز شيخ الأزهر الفرصة قائلاً: «علماء الدين اتفقوا على أن نقل الأعضاء جائز شرعاً بشروط أهمها أن يكون على سبيل الهبة ودون أى مقابل وألا يؤدي إلى أي ضرر سواء بالمتبرع أو المنقول إليه العضو، وحان الوقت لأن يضع الأطباء تعريفاً محدداً لموت جذع المخ حتى يحدد علماء الدين موقفهم النهائي. وقال الدكتور أحمد الطيب رئيس جامعة الأزهر: «القضية معقدة ليس لدى المسلمين فحسب بل عند غيرهم أيضاً بدليل حالة أرييل شارون رئيس وزراء إسرائيل الأسبق الذي لا يزال حياً حتى الآن بسبب الأجهزة الطبية التي تساعده على التنفس»، مطالباً بالاتفاق على تعريف محدد لموت جذع المخ.
الأكثر قراءة
إطلالات النجوم
فُتحة فستان ليلى علوي تثير الجدل... والفساتين...
إطلالات النجوم
مَن الأجمل في معرض "مصمّم الأحلام" من Dior:...
أخبار النجوم
يسرا توضح حقيقة خلافاتها مع حسين فهمي
أكسسوارات
تألّقي بحقيبة الملكة رانيا من Chloé... هذا سعرها
إطلالات النجوم
الـ"أوف شولدر" يغلب على فساتين نجمات الـ"غولدن...
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024