تحميل المجلة الاكترونية عدد 1079

بحث

غدر الرجال

فعلت كل شيء من أجل زوجها، باعت نفسها حتى ترضيه، تحدت العالم من أجله. وحينما دخل السجن تحولت إلى أم وأب لابنه، لكن الزوج رد لشريكة حياته الجميل على طريقته! غدر بها وتخلّى عنها، تركها تواجه مصيرها وحدها وطلقها بعدما دخلت السجن بسبب الطريق الذي علمها إياه.  هذه السطور تحكي قصة بسمة السجينة الشابة التي تنفّذ فترة عقوبتها في سجن القناطر.

بسمة لم تعش في حياتها سعادة حقيقية، حتى يوم زفافها، غابت عنها البسمة لأن أسرتها لم تكن راضية عن زواجها من إبراهيم الذي اختارته من بين أكثر من شاب تقدموا لخطبتها.

أصرت على رأيها وصمّت أذنيها عن نصائح والديها. الأم بالتحديد كانت معترضة بشدة على إتمام هذا الزواج، فقد رفضت العريس قلباً وقالباً، شيء ما في قلب الأم كان يدفعها للاعتراض على إبراهيم، ربما كان سلوكه أو وضعه المادي الذي لا يرضي طموحات ابنتها.

لكن بسمة رأت فيه فارس الأحلام وقررت أن تتزوج من إبراهيم بأي وسيلة. هددت أسرتها بالتخلص من حياتها في حالة الاعتراض عليه، ولم تمتلك الأسرة سوى الاستجابة خوفاً على حياتها. لكن الأم لم تخف قلقها الشديد على مستقبل بسمة ولم تكن تشعر بالارتياح مطلقاً لهذا العريس.

زيارة الفجر
عاشت بسمة بضعة أشهر جميلة، ابتسمت لها الدنيا لأول مرة، وكانت تحاول أن تنقل شعورها الى امها حتى تطمئن إليها. لكن القلق لم يفارق الأم، قلبها كان أشبه بالرادار الذي يكتشف الكارثة قبل وقوعها. مع ذلك لم تشأ الأم أن توغر صدر ابنتها تجاه زوجها، ولم تمتلك سوى الدعوة لابنتها أن يسعدها الله.

بعد عام من الزواج أحست بسمة بوجود جنين يتحرك في أحشائها، فرحت بشدة، وطلبت من زوجها أن يواصل عمله ليلاً ونهاراً من أجل توفير السعادة للوافد الجديد. لكن الأمور لم تسر كما أرادت الزوجة الشابة.

تعرف إبراهيم الى بعض الأشقياء الخطرين من جيرانه الذين جذبوه إلى جلساتهم الليلية وتعاطي المخدرات والشرب لأول مرة. وبدأت من هنا صفحة سوداء في حياة إبراهيم انعكست على أسرته. وحينما جاء ابنه محمود إلى الدنيا كان والده قد ترك عمله الذي يدرّ عليه دخلاً كبيراً ولم يشأ أن يبحث عن عمل آخر، بل طالت فترة جلوسه في المنزل وبدأت بسمة تضيق من تصرفاته وتطالبه بالبحث عن عمل.

وأمام ضغوط الزوجة بدأ إبراهيم رحلة البحث عن أي عمل، فالمهم أن يأتي بأموال وفيرة تكفيه للإنفاق على سهراته. وبدأ يسأل أصدقاءه عن فرصة عمل فعرض هؤلاء على إبراهيم مشروعهم.

بدأ أحدهم يشرح لإبراهيم تفاصيل حياتهم، فهم يتاجرون بالمخدرات التي توفر لهم. المال للإنفاق على حياتهم والمخدرات التي أدمنوها، وراقت الفكرة لإبراهيم ووضع نفسه تحت تصرفهم.

دربوه على العمل في تجارة المخدرات، علمّوه توزيع المخدرات على عملائه، وكيف يهرب من مطاردة الشرطة... وخلال أشهر قليلة أتقن إبراهيم المهنة، وأصبح تاجر مخدرات متمرساً وكأنه يعرف أسرار هذه المهنة منذ سنوات. وبالطبع أخفى الأمر عن زوجته، لكنها اكتشفت الحقيقة حين عثرت على لفافات بانجو في ملابس زوجها، فثارت وبدأت تسأله عن سبب وجود المخدرات.

بهدوء شديد صارحها إبراهيم بالحقيقة وطلب منها أن تساعده على إخفاء السر. ونجح الشيطان   في السيطرة على عقل الزوجة التي شعرت بأن الأموال الحرام بدأت تتدفق على منزلها ونسيت مبادئها.

كانت بسمة تخشى اللحظة التي تلقي فيها الشرطة القبض على زوجها... وجاءت هذه اللحظة بأسرع مما تتوقع، فقد استيقظت من نومها فجراً على صوت طرقات قوية على الباب. انتفض زوجها من فراشه وطلب منها ألا تفتح الباب، لكن الطرقات استمرت بشكل كاد يحطم الباب.

سارعت الزوجة الى فتح الباب وفوجئت برجال مكافحة المخدرات يدخلون شقتها ويلقون القبض على زوجها المذعور. وعثرت الشرطة على كميات من المخدرات كان الزوج قد وضعها في خزانته ونسى أن يخفيها.

بكى إبراهيم وهو يطالب زوجته بأن تزوره في السجن وأن توكل محامياً، وبكت بسمة وهي تحتضن طفلها وتعاهد زوجها على الوقوف بجانبه حتى آخر لحظة في حياتها. وبالفعل منذ هذه اللحظة تحولت بسمة إلى إنسانة أخرى وبدأت تبحث عن عمل لتنفق على نفسها وابنها وزوجها السجين.

وحينما زارت إبراهيم في السجن توسل إليها أن تظل بجانبه ولا تطلب الطلاق، وأكدت له بسمة أنها تحبه ولن تتركه أبداً لكنها اشتكت له من ضيق ذات اليد. ونصحها الزوج بأن تستأنف مسيرته في تجارة المخدرات.

ترددت ولكن تفكيرها لم يطل، واكتشفت أن هذا هو الطريق الوحيد أمامها. رسم لها زوجها خطة سريعة تساعدها في أن تحل محله أمام تجار الجملة في عالم المخدرات واستمعت إليه الزوجة جيداً، وحينما غادرت السجن بدأت فوراً تنفيذ تعليماته.

المفاجأة
نجحت بسمة في أن تحوز ثقة كبار تجار المخدرات الذين منحوها بضاعة دون أن يطالبوها بالدفع الفوري، وتمكنت الزوجة الحسناء من بيعها، وربحت الكثير وبدأت الأموال تتدفق عليها مرة أخرى.

ولم ينسَ إبراهيم في كل زيارة عائلية أن يحتضن زوجته وابنه ويبكي ويشكرها على إنسانيتها، ووقفتها النبيلة إلى جواره. وكانت الزوجة تؤكد له أن ما تفعله هو واجب كل زوجة تحب زوجها.

قبل أيام من موعد خروج إبراهيم من سجنه، كانت سعادة الزوجة تجاوزت الحدود، لأن الشمل سيجتمع مرة أخرى. لكن الرياح أتت بما لا تشتهي السفن، فأثناء تسلم الزوجة لإحدى صفقات البانجو فوجئت بالشرطة تحاصر المكان وحاولت الهرب لكنها فشلت وسقطت في قبضة رجال المباحث.

المفاجأة كانت أقوى من تفكيرها ولم تدر ماذا تفعل، فهي الآن قد تركت ابنها الذي لم يتجاوز السادسة من عمره، وأمها العجوز، لكنها عادت لتواسي نفسها فزوجها سيخرج من السجن بعد أيام ليستأنف المسيرة.

ولكن مفاجأة مدوية أكبر إثارة كانت في انتظار بسمة، وربما كانت هي العقوبة الأكبر على قيامها بنشر السموم وسط الشباب... فقد اختفى الزوج بعد ساعات من خروجه من السجن وكأنه لم يكن.

ومن داخل سجن النساء تكمل بسمة حكايتها قائلة: «ما زلت مذهولة مما حدث. زوجي الذي أحببته وتحديت العالم من أجله، ودخلت السجن حتى أنفق عليه وأرضيه ارتدى ثوب النذالة. تخلى عني وطلقني بعد دخولي السجن، تركني بلا أي عائد أو مورد رزق، نسي حبي وتضحياتي ونسي ابني. الآن أدركت أنني كنت متزوجة من ممثل بارع نجح في خداعي كل هذه الفترة».

وتواصل بسمة التي لم تجف دموعها بسبب غدر زوجها: «اعتقدت أنه سيرد لي الجميل بعد دخولي السجن، تذكرت دموعه وتوسلاته ألا أتركه وتذكرت دموع أمي وهي ترجوني ألا أتزوجه، وتذكرت إصراري على الارتباط به حتى لو كان هذا آخر يوم في حياتي. تذكرت ابننا محمود الذي يواجه مصيراً مجهولاً مع جدته العجوز.  صدقوني أنني أموت في السجن كل يوم، فهذه الذكريات لا تفارقني،  فهى عقوبة أكثر قسوة بكثير من السنوات الست التي قضت بها المحكمة ضدي».

وتضيف الزوجة السجينة: «حاولت توسيط بعض الاصدقاء للبحث عنه ولكن دون جدوى. وحينما نجح أحد أقاربي في الوصول إليه سأله عن سبب ابتعاده عني فأجابه بكلمات مقتضبة: أنا طلقتها وطويت هذه الصفحة من حياتي».

المجلة الالكترونية

العدد 1079  |  تشرين الثاني 2024

المجلة الالكترونية العدد 1079