عنف يصل إلى حدّ الحرب على الأطفال في اليمن
أخبار تتداولها الصحف المحلية وأخرى من مصادر أمنية تكاد تقول إن هناك حرباً شرسة غير معلنة ضد الأطفال في اليمن... حرب عنيفة تديرها سلطات أسرية وأخرى تقدم عليها أجهزة أمنية، وانتهاكات يمارسها أفراد في المجتمع. حتى القبيلة ككيان مجتمعي هي الأخرى تمارس الاختطاف والترويع ضد الأطفال لتصفية حساب مع أجهزة الدولة أو مع شخصيات إجتماعية نافذة. نحاول بحذر شديد رسم معالم حملة العنف التي يتعرّض لها أطفالنا في اليمن.
أحدث الأخبار ذكراً وأبلغها حادثة مقتل الطفل خير الله منذ مدة قريبة.
خير الله طفل في العاشرة خرج من البيت الواقع في حي السنينة أمانة العاصمة صنعاء ظهر يوم السبت كعادته حاملاً حقيبته المدرسية ومتجهاً إلى المدرسة الإبتدائية بصحبة أخيه الأكبر... لم يصل خير الله إلى المدرسة كما هو الحال بل قادته أقداره إلى ثلاجة المستشفى الجمهوري في صنعاء، والسبب في ذلك أن خير الله عندما كان في طريقه إلى المدرسة فوجئ بطلقتين ناريتين من كلاشينكوف اخترقتا جبينه ونفذتا من مؤخر الرأس تاركتين فتحتين صغيرتين في جبين الطفل الذي تحول إلى جثّة هامدة ومخلّفتين حالة من الذعر والهلع في أوساط التلامذة. أما والداه وأخواه فقد كان بالنسبة إليهم يوماً كارثياً كونهم لم يتوقعوا أن طلقات رصاص عشوائية ستخطف ولدهم وهو في طريقه إلى المدرسة.
وتحوّلت قضية خير الله إلى قضية رأي عام لأن القتلة فرّوا كالعادة ولم تحضر الشرطة إلا بعد ساعتين من الحادث. بعد الحادثة عقد الأب ما يشبه المؤتمر الصحافي عند مدخل المستشفى وهو يرتعش من الذهول وعدم القدرة على التماسك. وقال أن ابنه خير الله أصيب بأعيرة نارية عشوائية أطلقها أشخاص كانوا يتبادلون إطلاق النار مع آخرين بسبب قطعة أرض يدعي كل منهما ملكيته لها.
من جانبها، منظمة سياج لحماية الطفولة أصدرت بياناً دانت فيه الحادث معتبرة إياه حلقة من مسلسل الإنفلات الأمني الذي يذهب ضحيته كثير من الأطفال في اليمن. فمقتل الطفل خير الله ليس الأول ولا الأخير، بل هو حلقة في مسلسل تشهده صنعاء وغيرها من المحافظات اليمنية لكن حوادثه في صنعاء أكثر. وغالباً ما يقتل أطفال في الأحياء السكنية والشوارع وعلى أبواب المدارس بطلقات عشوائية بسبب نزاعات على أراضٍ.
والمشكلة أن ضحايا القتل في اليمن من الأطفال تصل أعدادهم بالمئات وربما أكثر من الأطفال الذين يقتلون في فلسطين على يد الجيش الإسرائيلي. ولكن الفارق أن أطفال اليمن يقتلون دون حرب بل على أيدي مجهولين.
ووقع حادث مماثل في مطلع أيلول/سبتمبر 2008 في محافظة اب التي تبعد عن العاصمة صنعاء حوالي 170 كيلومتراً. ففي ذلك اليوم كانت الأسرة تحتفل بزفاف ابنتها إيمان البالغة من العمر 19 عاماً وكانت أخوات العروس الثلاث في غاية السعادة يغمرهن الفرح مع أمهن وعدد من صديقاتهن وبنات الحي. وفي الساعة السادسة مساءً في موعد خروج العروس من بيت أبيها، اندفع الأب دون دوافع معلنة فاتحاً النار من بندقيته الآلية فقتل طفلتان هما أختا العروس. حضرت الشرطة إلى المنزل بعد ساعة من الحادث وتمكنت من القبض على الأب الذي يبدو أنه كان يعاني حالة نفسية سيئة. وتفيد مصادر مقرّبة من الأسرة أن الرجل لم يسبق له أن عانى مرضاً نفسياً أو شيئاً من هذا القبيل.
وتتوالى أحداث قتل الأطفال بين الحين والآخر والقصص كثيرة. فهذا طفل في السابعة من العمر ذهب به أبوه إلى صالون للحلاقة في العاصمة، وطلب من الحلاق أن يقصّ شعر إبنه ريثما هو يعود من مشوار صغير. فقام الحلاق، وهو شاب في الثامنة عشرة، بقصّ شعر الولد وتجميله بسرعة ثم فكر في اغتصابه ونفّذ فكرته. وسرعان ما أدرك أنه وقع في مأزق وأن أب الطفل سيعود. فعمل على تكتيف الإبن وربطه ثم اغتصبه بحسب أقواله في محاضر التحقيقات بعدما أغلق صالون الحلاقة في الرابعة بعد الظهر. فلما عاد الأب إلى الصالون وجده مغلقاً فأخذ يدقّ الباب فخرج له الشاب مبدياً انزعاجه وسأله ماذا تريد، فقال له أريد إبني الذي تركته عندك تقصّ شعره. فأجابه الشاب الحلاق إبنك عاد إلى البيت بعدما قصصت له شعره. عاد الأب إلى البيت فيما وضع الحلاق جثة الطفل في كيس قمامة وأغلق المحل ورمى الجثّة في مكان بعيد بجوار برميل قمامة حيث بقيت حتى المساء حين اكتشفها عمال النظافة. بلّغ الأب قسم الشرطة وبعد يومين عرف مصير إبنه فيما هرب الجاني إلى محافظة أخرى. ولكن تمّ القبض على الجاني بعد ثلاثة أشهر وهو الآن في محكمة جنوب شرق العاصمة ولم يصدر الحكم في حقّه.
وفي الحوادث الأخرى، أن صاحب مطعم أقدم على اغتصاب طفل يعمل لديه. وتمّ القبض عليه ولكن أُفرج عنه بعد يومين ولم يتمّ تحويله إلى النيابة بحجة عدم توافر الأدلّة. واتّهم أقارب الطفل، وهم من أسرة فقيرة، الرجل بأنه دفع رشوة لإدارة الأمن.
وفي السجلات الأمنية حالات عديدة تمّ الإبلاغ عنها رسمياً عن حوادث إغتصاب تعرّض لها أطفال. وهناك أيضاً إنتهاكات تحدث من أجهزة رسمية وموظفي دولة، مع أن الجمهورية اليمنية من أول الدول المصادقة على اتفاق حقوق الطفل على المستوى الدولي. ومن الإنتهاكات احتجاز الأطفال في السجون الإحتياطية مع المجرمين والقتلة. فالطفل شايف قايد الشرعبي ذو التسع سنوات يقبع في أحد سجون محافظة اب منذ أربع سنوات دون قضية ولا قرار اتهام، والمسكين ليس له أهل أو أقارب يتبعون قضيته... بل تتولى ذلك القاضية كفاح سعيد عوض رئيسة محكمة الأحداث في محافظة اب التي أدلت بتصريح لأحد المواقع الإلكترونية قالت فيه أنها طالبت بنقل شايف إلى دار التوجيه للأحداث. وهي الآن تطالب الجهات المعنية بإطلاق شايف ونقله إلى دار رعاية الأيتام في صنعاء.
المسلسل مستمر
... قصص الصغار لا تنتهي وكأنها مسلسل مدبلج مكوّن من ألف حلقة. فهذا محمد عبد الولي (16 عاماً) من محافظة الحديدة يقول إنه وجد في شوارع صنعاء مكبلاً بالأغلال في رجليه وقال لمنظمة سياج إن شيخ المنطقة في محافظة الحديدة أودعه سجناً خاصاً قرب بيته، بسبب وشاية أحد أبناء القرية بحجة أن محمد سب الشيخ أمام بعض زملائه. قد يكون الحادث مقبولاً لو أقدم عليه أحد المشايخ بصفته البعيدة عن الدولة والحكومة، لكن الشيخ الذي سجن محمد عضو مجلس النواب ويمثّل الدائرة رقم 184 في محافظة الحديدة.
وليكتمل مسلسل العنف ضدّ الصغار نجد أن القبيلة هي الأخرى تمارس العنف والترويع. فقد أقدم أفراد من قبيلة بني ضبيان على اختطاف الطفل محمد العديني بسبب خلاف للقبيلة مع التاجر توفيق الخامري. وقد حصل هذا العمل ضدّ إبن الثماني السنوات ظنّاً منهم أنه إبن الخامري لأنهم وجدوه قرب بيته، في حين أن الولد ينتمي إلى أسرة فقيرة. وقد أبقي الطفل المخطوف أكثر من ثلاثة أشهر لدى قبيلة بني ضبيان في منطقة خولان (محافظة صنعاء). وناشدت أسرة الطفل المخطوف القبيلة الخاطفة عبر كل الصحف المحلية إطلاق إبنها ولكن دون جدوى، فيما بقيت السلطات الرسمية تلعب دور المتفرّج.
القانون
المحامي رافع عماد هاشم الشبوطي قال: «الجمهورية اليمنية من الدول المصادقة على الإتفاق الدولي لحقوق الطفل، وبالتالي يصبح من الواجب على الحكومة اليمنية أن تركز اهتماماتها في مجالات عدّة تشمل الحماية التشريعية والقانونية للأطفال ومجال الحماية الإجتماعية. ومع ذلك هناك تحدّيات كثيرة في توفير الحماية للأطفال، بل نستطيع القول إن هناك تقصيراً كبيراً في توفير الحماية الملائمة للأطفال على النحو المطلوب، بل هناك إنتهاكات تحدث من جهات أمنية يفترض بها أن توفّر الحماية للأطفال.
وعن تعريف الطفل والحدث في القانون اليمني يفيد الشبوطي أن الإتفاق الدولي لحقوق الطفل عرض الطفل بأنه «كل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشرة ما لم يبلغ سنّ الرشد قبل ذلك بموجب القانون المنطبق عليه». وعرّف قانون حقوق الطفل اليمني الطفل بأنه «كل إنسان لم يتجاوز ثمانية عشر عاماً من عمره ما لم يبلغ سنّ الرشد قبل ذلك». وفي القانون نفسه جاء في المادة الثانية أن الحدث هو «كل طفل بلغ السابعة من العمر ولم يبلغ سنّ الرشد». في حين عرفه قانون رعاية الأحداث رقم (24) لسنة 1992م في مادته الثانية بأنه «كل شخص لم يتجاوز خمسة عشر عاماً كاملاً وقت ارتكابه فعلاً مجرماً قانوناً أو عند وجوده في إحدى حالات التعرّض للإنحراف».
أما عن تعريف الأطفال الضحايا فيضيف رافع: «وفقاً للمبادئ التوجيهية بشأن توفير العدالة للأطفال ضحايا الجريمة والشهود عليها الصادرة في توصيات المجلس الإقتصادي والإجتماعي والتي صاغها المكتب الدولي لحقوق الطفل في الفقرة (أ) المادة التاسعة والتي نصّت على: يعني تعبير الأطفال الضحايا والشهود إلا الأطفال والمراهقين دون سنّ الثامنة عشرة الذين هم ضحايا الجريمة أو شهود عليها بصرف النظر عن دورهم في الجرم المرتكب أو في محاكمة المجرم المزعوم أو جماعات المجرمين المزعومين».
وعن دور وزارة الشؤون الإجتماعية تحدث عادل دبوان مدير عام الدفاع الإجتماعي فتناول عن سياسة الوزارة في حماية الأطفال من العنف محدداً وسائل الحماية بالآتي: «تعمل الوزارة على إنشاء دور الحضانة ودور التربية ودور الرعاية الإجتماعية، الإهتمام ببرامج رعاية الأسرة وتحسين ظروفها الإقتصادية وتشجيع الأسر المنتجة بما يساعد في تنمية المجتمعات المحلية وجهود مكافحة الفقر، التوسّع في مظلّة الضمان الإجتماعي والمساعدات الإجتماعية، وضع تنفيذ برامج التوعية والإرشادات في كل المجالات المتّصلة بأنشطة الوزارة، وضع الخطط والبرامج الخاصة بحماية تأهيل الأحداث...
ختاماً، يجدر القول إن الحكومة اليمنية من أول الدول المصادقة على اتفاق حقوق الطفل الدولية، ولديها قوانين من الأفضل في المنطقة من حيث حماية حقوق الأطفال. وتنفق الحكومة مئات الملايين على برامج حماية الأطفال تتمثّل في وضع خطط وإعداد دراسات. لكن ما يجري على أرض الواقع هو أن الطفولة في اليمن تشهد حملات عنف تصل إلى حد الحرب على الأطفال...
شاركالأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024