تحميل المجلة الاكترونية عدد 1078

بحث

السجن عقوبة الزواج العرفي!

١٤ ألف دعوى إثبات نسب تنظر فيها المحاكم المصرية، والدراسات والإحصاءات الاجتماعية تؤكد وجود400 ألف حالة زواج عرفي في مصر سنوياً من بينها ما يقرب من 255 ألف حالة بين طلبة الجامعات. ورغم كل هذه الأرقام فإن مشروع القانون الجديد الذي قدمته النائبة ابتسام حبيب عضو البرلمان المصري لتجريم الزواج العرفي غير الموثق ووضع ضوابط للحد من الظاهرة أثار جدلاً واسعاً، فهل يمكن أن يقضي هذا القانون على ظاهرة الزواج العرفي؟ وماذا عن الآراء المختلفة حوله؟

السجن لمدة عام أو غرامة ١٠ آلاف جنيه لكلا الزوجين، هذه عقوبة الزواج العرفي للشباب في حال عدم التوثيق في مشروع القانون الجديد الذي تقدمت به النائبة ابتسام حبيب التي تؤكد أن سبب اقتراحها للقانون هو الدراسات الاجتماعية الحديثة التي كشفت زيادة نسبة الزواج العرفي بين شباب الجامعات. وقد قالت: «قابلت فتيات كثيرات يطلبن المساعدة في إثبات نسب الأطفال الناتجين عن زواجهن العرفي من زملائهن في الدراسة، ويندمن أشد الندم على التجربة بعد فوات الأوان. لذا الشباب في حاجة إلى قانون يجرم استهتاره ليفكر ألف مرة قبل الاقدام على هذه التجربة».

وتضيف: «لا أجرم الزواج العرفي إذا ما اكتملت أركانه وتم توثيقه لأنه يكون شرعياً، ولكن كل اعتراضي على الزواج غير الشرعي الذي يحدث بين طلبة الجامعات لأنه زواج سري يطلقون عليه مجازاً «زواجاً عرفياً». هؤلاء الشباب في حاجة إلى قانون يكبح جماحهم ليحد من انتشار الظاهرة، ويكفيني شرف المحاولة».

قانون ظالم

يعترض عبدالرحمن (٢٥ عاماً)، وهو أحد المتزوجين عرفياً، على فكرة هذا القانون مؤكداً أنه ظالم للشباب، ومشيراً إلى أن المشرعين ينظرون إلى الشباب من أبراجهم العاجية دون مراعاة لظروفهم.

ويدافع عن الزواج العرفي، قائلاً: «إنه ليس مخالفاً للشرع وتتوافر فيه جميع أركان الزواج من المهر والشاهدين والإشهار. ولو أن الأهل يراعون ارتفاع سن الزواج ولا يغالون في الطلبات لما ارتفعت نسبة الزواج العرفي، فكل المشكلة تكمن في حاجة الجنسين إلى الزواج وتشدد الأهل في الطلبات، هنا يكون الزواج العرفي هو الحل».

ويروي عبدالرحمن حكايته مع الزواج العرفي في الدراسة الجامعية قائلاً: «كنت مغترباً عن أهلي، وأحببت زميلتي حباً جماً لا يوصف، أما أهلها فكانوا متشددين في طلباتهم. ولم نرد إغضاب الله فتزوجنا عرفياً، وأشهرنا زواجنا أمام جميع أصدقائنا في الجامعة، واستمر زواجنا طوال فترة الدراسة التي استمرت أربع سنوات، ولم يكتشف أهلها الأمر، ورفضوني بعد التخرج وفضلوا عليّ شخصاً آخر لديه إمكانات مادية أعلى، فطلقتها حتى لا أسبب لها مشاكل. وبالفعل تزوجت من الشخص المناسب من وجهة نظر أهلها دون أن يكتشف أحد أنها كانت زوجتي خاصة أنها جضعت لعملية غشاء بكارة قبل زواجها»!

جيل كاذب

المهندس أسامة حمدي، (29 عاماً)، يرى أن هذا القانون سيقدم للمجتمع جيلاً من المجرمين، فسجن زوجين شابين لن يعدل سلوكياتهما ولن يصلح ما أفسدته ظروف المجتمع، بل سيقدم جيلاً كاملاً من المجرمين. ويتابع: «ليس سوء الأحوال الاقتصادية فقط هو الذي  يدفع بالشباب إلى الزواج العرفي، بل تعنت الأهل وإصرارهم على فرض سيطرتهم على الأبناء. فقد كنت شاهداً على تجربة زواج صديقي عرفياً من إحدى زميلات الدراسة بعد إصرار الأهل على الرفض، وبدأت المشكلة عندما سمعت الأم مكالمة من الفتاة مع زوجها، ولكن زميلتنا قالت لأمها. إن علاقتها به لم تتخط الحب العذري. ومن هنا جاءت الضغوط على كلا الزوجين من أجل الابتعاد عن الآخر. وبعد شهور مأساوية رضخا للأمر الواقع وتزوجت زميلتنا من العريس الذي فرضه أهلها عليها، دون أن يعلم الجميع بأمر زواجها السابق، لذا فإن هذا القانون لن يحجم الأمر اذا حرص الزوجان على عدم كشف سرهما».

مشاكل النسب

تعترض المحامية هالة عبد القادر رئيس المؤسسة المصرية لتنمية الأسرة على «أسلوب العقاب والتجريم لحل ظاهرة اجتماعية منتشرة، حتى إذا كانت المرأة هي الخاسر الأول والأخير في الزواج العرفي إذ تواجه الأمرين إذا رفض الزوج الاعتراف بنسب الطفل، حيث تمتلىء المحاكم المصرية بـ ١٤ ألف قضية إثبات نسب ناتجة عن زواج عرفي أو علاقات غير مشروعة خارج إطار الزواج». وتتساءل قائلة: «كيف يتجه القانون للعقاب على الزواج دون أن يحاول حل أكبر المشاكل الناتجة عن هذا الزواج ألا وهي إثبات نسب الأطفال؟ وإذا تم سجن الزوجين ماذا سيكون مصير الطفل الناتج عن الزواج»؟! وتؤكد عبدالقادر أن المرأة في حالة اعتراف الزوج في عقد الزواج العرفي بنسب أطفاله لا تكون في حاجة إلى قضايا إثبات النسب ولكنها تفقد حقوقها كاملة كزوجة. وتضيف: «عدم وعي الطرفين للسلبيات المترتبة على هذا الزواج جزء من المشكلة، واستهتارهما بالتقاليد والحياة جزء آخر. إلا أن الزواج العرفي ظاهرة اجتماعية كبيرة متفشية، ولكن أياً كانت أسبابها لا يمكننا تجريمها أو الحكم بالسجن على من يقوم بها، والعلاج الصحيح هو البحث في جذور القضية، فلا يمكننا الضغط أكثر على ضحايا الظروف الاجتماعية والاقتصادية ونفرض عليهم القانون والغرامة المالية الكبيرة. باختصار أنا ضد العقوبات، خاصة أن الشباب نتيجة خوفه من العقاب سيحرص أكثر على التكتم وعلى العلاقات المحرمة، فتزداد قضايا النسب، لأننا دائماً نضغط عليهم ونقول إنهم مجرمون ونجلدهم طوال الوقت».

وترى رئيسة المؤسسة المصرية لتنمية الأسرة، أن المعالجة التدريجية هي الأنجح، فمثلما اعترف القانون بالزواج العرفي في حالة طلب المرأة للطلاق، وتم إنهاء وضع شريحة كبيرة من النساء المعلقات مع صدور قانون (1) لسنة ٢٠٠٠، يجب أن تأتي خطوة قانونية تدريجية أخرى تحمي الشباب دون أن تضغط عليهم.

مخالف للعادات والتقاليد

تتفق معها في الرأي الدكتورة عزة كريم أستاذة علم الاجتماع بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، مشيرة إلى أن الردع لن يكون بالقانون، فإن لم تعالج مشاكل الزواج العرفي بالشكل الصحيح لن يعدو هذا القانون كونه حبراً على ورق.

وتوضح قائلة: «القانون الذي لا يراعي العادات والتقاليد وظروف المجتمع يجب ألا يُحترم، فليس كل زواج عرفي غير شرعي، فقد انتشرت في الآونة الأخيرة زيجات عرفية مُعلنة، تتقي بها المرأة شر الوقوع في الرذيلة. والفقهاء يؤكدون أنه طالما توافر الإعلان صحت الزيجة، وقد اختلفت مذاهب الشرع الأربعة في ضرورة وجود ولي للعروس، حيث سمح أحد المذاهب بعدم وجوده وأنه مكروه ولكنه ليس محرماً».

وتلخص كريم أسباب الزواج العرفي في:

«أولاً: عدم القدرة الاقتصادية للشباب على تلبية متطلبات الزواج الشرعي.

ثانياً: نسبة الاختلاط الشديد أدت إلى زيادة التعارف غير المتكافئ اجتماعياً واقتصادياً، فيضطر الشباب إلى هذا الزواج، تحايلاً على رفض الأهل للزيجة غير المتكافئة.

ثالثاً: ضعف الجانب الديني وضعف التربية لدى الجيل الجديد، فهذا الجيل يفتقد اهتمام الوالدين نظراً لانخراطهما في العمل من أجل توفير حياة كريمة.

رابعاً: تفشي الحرية الزائدة في العلاقة بين الشباب، فيكون زواجهم العرفي زواج استمتاع، ناتجاً عن الرغبة الجنسية المكبوتة التي تلهبها الأفلام الإباحية، فيحاولون إيجاد حل شرعي بالزواج العرفي».

بديلاً لارتفاع المهور

من جانبه، يؤكد الدكتور أمجد خيري أستاذ علم النفس أن الفتاة هي التي «تدفع ثمن الزواج العرفي باهظاً من سمعتها وعدم تقبل المجتمع لها في ما بعد لأنها فقدت عذريتها. وباستثناء قصة هند الحناوي المشهورة التي استطاعت فيها إثبات نسب طفلتها «لينا» للفنان أحمد الفيشاوي، لا تستطيع الفتاة المجاهرة بزواجها في المجتمع وبطفلها الناتج عن هذا الزواج المرفوض، فتكون النتيجة إما أن تلجأ إلى إجهاضه في السر أو بيعه بعد الولادة أو تقتله لتتخلص من الكارثة التي وقعت فيها».ويوضح أستاذ علم النفس أن «الجنس غريزة خلقها الله في الإنسان، وإن لم تتوافر قناة شرعية لتنفيس الرغبة يبحث الشباب عن أي طريقة أخرى لتحقيق التوازن النفسي، فقد قال العالم النفسي فرويد: «إن الصحة النفسية شيئان: الحب والعمل». وهذا ما يبحث عنه الشباب «الحب فالزواج والمذاكرة فالعمل»، ونظراً لسوء الأحوال الاقتصادية فإن فرصة العمل صعبة للغاية وبالتالي الزواج صعب، وفي الوقت نفسه يريد الشاب تحقيق التوازن النفسي أو جزء منه فيلجأ إلى الزواج العرفي، خاصة أن عقود الزواج العرفي أصبحت متوافرة في مكتبات الأدوات الدراسية مثلها مثل الأقلام وورق المحاضرات». و يرى الدكتور خيري أن غياب القدوة داخل الأسرة والدولة من أهم أسباب انتشار تلك الظاهرة، فضلاً عن الازدواجية التي انتشرت في المجتمع حيث يرى الشاب بعض الدعاة في الفضائيات يتحدث عن الفضيلة ويراه بعيداً عن الشاشة يفعل النقيض ويتعامل مع الدين على أنه تجارة تجلب له المال. وبالتالي أصيب الشباب أيضاً بازدواجية وعدم انتماء إلى شيء، وهذا يفسر سبب هروبهم إلى أساليب الحياة الغربية التي يجدون فيها - من وجهة نظرهم- أملاً جديداً في الحياة والحرية.

ورغم تأكيد خيري ارتفاع حالات الزواج العرفي مستقبلاً، فإنه يرفض تحريمه لأن الشباب سيلجأون إلى العلاقات المحرمة وسيتفشى الفساد أكثر. ويرى أن الحل الحقيقي لهذه الظاهرة يتمثل في تفهم الأهالي لخطورة الوضع وعدم المغالاة في الطلبات إنقاذاً لبناتهم من هذا الزواج.

رأي الدين

الدكتورة آمنة نصير: الدين يرحب بأي قانون يقضي على فوضى الزواج العرفي عن رأي الدين في تحديد عقوبة السجن لمن يتزوجون عرفياً، تقول الدكتورة آمنة نصير أستاذة الفلسفة الإسلامية والعقيدة في جامعة الأزهر: مرحباً بكل قانون يضبط الزواج بالشكل الذي يتطابق مع الشرع وحرمة الميثاق الغليظ. فالزواج العرفي اليوم بين الشباب أصفه بعبارة واحدة «زنى مقنع» يفتقد الشروط الشرعية للزواج التي يقرها الإسلام، لأنه زواج سري دون مؤهلات من حيث القدرة واحترام مفهوم الزواج، وغالباً ما يكون خلسة بين صغار السن لا فيه إشهار ولا موافقة الولي. إنه زنى مقنع تحت مصطلح زواج عرفي، وشتان بين عُرف الأجداد والمناطق البدوية التي لا يتم فيها توثيق الزواج وما يحدث الآن بين الشباب في الجامعات من علاقات لا يمكن أن يقبلها الدين تحت أي مسمى عصري». وتتابع نصير: «مشروع التجريم الذي قدمته النائبة ابتسام حبيب كان صائباً وأتمنى تفعيله بشكل حاسم لعله يقضي على هذه الفوضى بين المراهقين وصغار السن. وهو يتفق تماماً مع هدف الشريعة الإسلامية في احترام مفهوم الزواج الذي أقره الدين ووضع ضوابطه وشروطه».

المجلة الالكترونية

العدد 1078  |  تشرين الأول 2024

المجلة الالكترونية العدد 1078