35 شاهداً و40 صورة وراء حكم الإعدام
كانت الثقة تغلّف صوت المستشار محمدي قنصوة رئيس محكمة جنايات القاهرة وهو يتلو قرار المحكمة باستطلاع رأي مفتي الجمهورية في إعدام هشام طلعت مصطفى ومحسن السكري. لم يكن القرار وليد اللحظة، لكنه حصيلة أكثر من 22 جلسة محاكمة ومشاورات بين قنصوة ومساعديه.
النيابة نجحت في مهمتها بالمطالبة بأقصى العقوبة للمتهميْن وأكد مصدر قضائي بالنيابة العامة لـ «لها» أن مواد الإحالة التي قدمتها النيابة للمحكمة تقضي بمعاقبة هشام طلعت مصطفى بعقوبة الفاعل الأصلي نفسها، وهي الإعدام.
طوال جلسات المحاكمة كان المستشار مصطفى خاطر رئيس النيابة في المكتب الفني يفنْد أدلة الاتهام، ويطالب بأقصى العقوبة للمتهميْن، حيث استند إلى أقوال 35 شاهد إثبات في القضية ما بين ضباط شرطة مصريين وإماراتيين، وأطباء شرعيين مصريين، وإماراتيين. كما تصدي خاطر لمواجهة دفاع فريد الديب محامي هشام طلعت مصطفى، وأنيس المناوي محامي محسن السكري.
ورغم عدم صدور حيثيات الحكم حتى الآن إلا أن فريد الديب محامي هشام طلعت مصطفى أكد لـ «لها» أن هناك سبباً مهماً سيقنع محكمة النقض بإعادة القضية الى محكمة الجنايات مرة أخرى وقال الديب:
سأبدأ بهذا السبب في الطعن الذي سأقدمه، لأنه يتعلق باستمرار القاضي في نظر القضية، وكان من المفترض أن يبادر المستشار محمدي قنصوة بالاعتذار عن الاستمرار في القضية بعد أن ظهرت وقائع محرجة عدة تمنعه من الاستمرار في نظر هذه القضية.
يكمل فريد الديب: «فوجئت بأحد المدعين بالحق المدني يتحدث عن أشياء غريبة، بعضها لا علاقة له بالقضية، حيث تحدث عن دوره في حرب 67 وحرب 73 ولا حظت أن عمره صغير، وبدأت أكتشف أنه مسموح له بالتحدث فترات طويلة في أشياء بعيدة عن جوهر القضية، وأكد أنه سيحصل على التعويض ويقدمه الى مستشفى السرطان».
يواصل الديب: «قررت أن أبحث فيما وراء هذا المحامي، وتوالت المفاجآت حيث اكتشفت أنه قدم أوراقاً مزورة خاصة بعنوان مكتبه في 39 شارع الجمهورية، وجدت أن هذا العنوان فيه جمعية استهلاكية وليس مكتب محامٍ، وحينما قمت بتوسيع دائرة البحث حصلت على بيانات كاملة لهذا المحامي».
يضيف الديب أن هذه بيانات كفيلة بقيام المستشار محمدي قنصوة بالتنحي لأنها تخصّه، «ورغم ذلك فأنني تحرجت من مطالبته بالتنحي، وقمت بتقديم المستندات التي حصلت عليها إليه وكانت عبارة عن شهادة ميلاد تثبت كذب ادعاء هذا المحامي الذي كان عمره 9 سنوات وقت حرب 67 التي زعم مشاركته فيها، والمفاجأة الأخرى أنني اكتشفت أنه هو مالك المنزل الذي يسكنه المستشار قنصوة في بنها.
قام رئيس المحكمة برفع الجلسة، وفوجئت ببيان من رئيس المحكمة يؤكد فيه أن هذا المحامي وأسرته يمتلكان المنزل الذي يسكنه لكنه لم يصادف المحامي في أي قضية، واستمر قنصوة في نظر القضية رغم هذا الحرج، وانسحب المحامي في آخر جلسة وسأقدم هذا السبب في مذكرة النقض. وهناك أسباب أخرى خاصة بخطأ نظر القضية أمام محكمة الجنايات وذلك لأن الأوراق التي قدمتها نيابة دبي لم تكن مستوفاة، وليس لها الشكل القانوني حتى تقرّها السلطات القضائية في دبي».
وأكمل الديب أنه: قدم أكثر من خمسين دليلاً يبرئ هشام طلعت مصطفى، ومحسن السكري من تهمة القتل، وترافع خلال 22 جلسة وشكك المحكمة في أقوال الشهود وتحريات المباحث، وتقارير الطب الشرعي، وأكد أنه حينما يطلع على حيثيات الحكم سيرى ما إذا كانت المحكمة قد استوفت هذه النقاط أم لا، وإذا كانت المحكمة قد تغاضت عن نقطة واحدة، فمن الممكن أن تنقض محكمة النقض حكم الإعدام.
لم يكن حديث الديب بعيداً عن مضمون حديث أنيس وعاطف المناوي محاميي محسن السكري، اللذين أكدا أنهما سيشاركان في تقديم الطعن بالنقض على حكم الإعدام حيث لم تنته بعد جولات القضية.
مصدر قضائي كبير أكد أن القضية كانت واضحة أمام المحكمة دون أي لبس، فالجلسات الأخيرة التي تم حظر نشر وقائعها شهدت مناقشة المحكمة لضباط شرطة دبي والأطباء الشرعيين في مصر ودبي.
وأوضح المصدر أن المحكمة استعرضت أدلة الاتهام الدامغة ضد محسن السكري، وهي عبارة عن أحراز أرسلتها النيابة العامة في مصر بالتنسيق مع نيابة دبي وتتضمّن أكثر من 40 صورة لمحسن السكري تم تفريغها من كاميرات المراقبة، وقد استعرضت المحكمة شرائط التسجيلات نفسها بعدما طلب فريد الديب الاطلاع عليها.
خلال المحاكمة حاول محامي محسن السكري تشكيك المحكمة في كون هذه الصور تخصّ السكري خصوصاً أنها لم تكن واضحة تماماً لكنها تكشف هيئته، لكن النيابة أكدت أن هذه الصور لا تحتمل التأويل. كما حاول الديب تشكيك المحكمة في مدى صلاحية كاميرات المراقبة في الاحتفاظ بأفلام الفيديو التي تم تصويرها لفترة طويلة، لكن الخبراء الفنيين فندوا هذه الادعاءات وأكدوا صلاحية الكاميرات.
شهدت الجلسات الأخيرة شداً وجذباً بين الطبيب الشرعي الإماراتي وبين فريد الديب الذي شكك بشدة في تقرير الطب الشرعي، وأكد أن تحليل البصمة الوراثية الذي تم أخذه في الإمارات ومصر للقاتل لم يكن دقيقاً، وتساءل الديب عن مدى جدوى عينة من ملابس القاتل التي تركها في مسرح الجريمة وذلك بعد مرور ثلاثة أسابيع كاملة على الجريمة، وتصدى الطب الشرعي في مصر ليرد مؤكداً أن العينة كانت صالحة، وانهمك المستشار محمدي قنصوة في تدوين ملاحظاته على المناوشات بين الدفاع والشهود، وكان رئيس المحكمة في رحلة لتكوين رأيه النهائي حول القضية.
قوة النيابة
كشفت المحاكمة عن قوة موقف النيابة العامة المصرية التي قدمت 260 ورقة تحقيقات مستوفاة تحمل إدانة لمحسن السكري بالقتل، رغم أنها من المرات القليلة التي يتم الحكم بالإعدام على متهم بتهمة القتل رغم أنه لم يعترف، فقد أكد علاء وهبة الشاذلي المحامي أن قضايا القتل تذهب من النيابة إلى المحكمة وبها تفاصيل اعتراف المتهم، لكن هذه القضية لعبت فيها الأدلة دوراً كبيراً في إدانة محسن السكري رغم أنه أصرّ على الإنكار.
وقد اعتمد القاضي على تقرير الطب الشرعي والبصمة الوراثية للمتهم كدليل إدانة أولين، وبعد ذلك استشهد بالصور التي تم التقاطها للمتهم بشكل واضح، وجاءت تحريات شرطة الإنتربول المصري في المرتبة الأخيرة من حيث ترتيب أسناد الحكم بالإعدام. وبعد جلسات القضية حاول المدعون بالحق المدني الذين ساندوا هشام طلعت أن يؤكدوا أن القضية لم تنته، وأنهم سيشاركون في جلسات النقض المقبلة، وأبدوا تعاطفهم مع رجل الأعمال الشهير.
وبعيداً عن تفاصيل القضية فقد تم نقل هشام طلعت إلى السجن نفسه الذي كان يقضي فيه فترة العقوبة وهو عنبر طرة الزراعي، وهو السجن الذي اشتهر عنه بأنه سجن المشاهير حيث استقبل من قبل رجل الأعمال المصري حسام أبو الفتوح، والسياسي أيمن نور، والمحامي الشهير مرتضى منصور، والضباط والقضاة والصحافيين الذين تصدر ضدهم أحكام قضائية في قضايا خاصة بعملهم.
أكد المقربون من رجل الأعمال هشام طلعت مصطفى، أنه استرد شجاعته بعد ترحيله للسجن، وبدأ ترتيب أوراقه من جديد، وأظهر تماسكه أثناء لقاءاته مع أقاربه حيث حرصت زوجته الأولى السيدة هويدا والدة ابنيه على زيارته للشد من أزره، وأخبرها هشام طلعت بأنه بخير وطلب منها أن تهتم بأولاده.
وواصلت المذيعة السابقة آخر زوجات هشام السيدة هالة عبد الله زياراتها اليومية لزوجها في السجن، حيث حصلت على إذن من قطاع السجون بإحضار أغذية وملابس لهشام كل يوم. وكانت تحرص على أن تخبره بتطورات القضية وأحوال مجموعة شركاته، في الوقت الذي كان يطلب منها هشام الابتعاد عن وسائل الإعلام خوفاً من استخدامها كسلاح ضده، وذلك رغم رغبة هالة في الرد على بعض ما أثارته الفضائيات والصحف ضد زوجها. وتبقى المفاجآت واردة خلال المرحلة المقبلة بعد انتهاء النيابة ومحامي المتهميْن من دراسة أسباب حكم الإعدام.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024