تحميل المجلة الاكترونية عدد 1078

بحث

عالم المخدرات نعيم عابر وجحيم مقيم

الإدمان على المخدرات كابوس مرعب ونفق مظلم، تتعدَّد أسبابه والطرق المؤدّية إليه، لكن النتيجة واحدة وهي دمار الحياة الشخصية والإجتماعية للمدمن، وتوجُّهه ببطء نحو الهلاك.
ولحُسن الحظ، فإنّ الإدمان داء يمكن الشفاء منه عندما تتوافر الإرادة الصادقة لدى المدمن، والرعاية الإجتماعية والصحية له. في هذا التحقيق نروي حكايات واقعية رصدناها في المجتمع، وداخل مراكز علاج المدمنين، أبطالها شباب وبنات ورجال مدمنون حكوا لنا عن الظروف التي قادتهم إلى الوقوع في فخّ المخدرات، وكيف عملوا على التخلُّص من هذا الفخ ومن آثاره القاتلة.

قصدنا مركز الحرية لعلاج الإدمان في مصر، وقابلنا عدداً من الشباب الذين وقعوا في براثن الإدمان فذكروا لنا الأسباب التي قادتهم إلى عالم المخدرات، وكيف نجحوا في الخلاص من هذا العالم.

إياد: رفعت السكين لأقتل والدي ودموعي أيقظتني من وهم النشوة

لم يعرف إياد ( 22 عاماً، وطالب في إحدى الجامعات الخاصة) سبب نقمته على حياته مع أسرته ذات المستوى المادي المعقول، فأبوه يعمل محاسباً ذا وضع مرموق بأحد البنوك، وأمه موظفة في إحدى الوزارات. يحكي إياد قصته مع الإدمان قائلاً: «بدأت رحلتي مع المخدرات بتعاطي الحشيش مع أصحابي في المدرسة وكان عمري وقتها 15 عاماً، ثم تطلعت إلى الجديد بعد دخولي الجامعة فقررت الانتقال إلى مرحلة إدمان الأدوية الكيميائية، وسرعان ما انتقلت إلى الهيروين وكان عمري 18 عاماً فقط» .

ويضيف: «الإدمان حولني إلى كاذب محترف يختلق القصص لإقناع أهله كيف تضيع منه متعلقاته الشخصية كالموبايل والساعة والسيارة، ولص يسرق كل ما يقع أمامه من نقود أو أجهزة منزلية لبيعها وشراء الكيف».

حاول إياد العلاج أكثر من مرة تحت ضغوط أهله ولكنه كان يعود إلى الإدمان في كل مرة. يقول: «حاول معي أهلي أن أقلع عن الإدمان بشتى الطرق. جربوا حبسي في المنزل أكثر من مرة فكنت إما أكسر الباب وأخرج إلى الشارع أو أوهمهم بأنني أقلعت كما يريدون وأستطيع أخذ النقود بسهولة وأعود إلى الإدمان من جديد. أدخلوني المستشفيات ثلاث مرات، ولم أقلع عن الإدمان من باب العناد مع أهلي ليس أكثر.
لم أكن أرغب في العلاج إطلاقاً حتى كدت أقتل أبي. لا أستطيع نسيان مشهد دموعه بين يدي عندما عاد من العمل ووجدني بعت غسالة أطباق وثلاجة وجهاز تكييف، عندما سألني لماذا تفعل هذا؟ احتد النقاش بيننا وتشاجرت معه بقوة إلى درجة أنني أمسكته وجريت إلى المطبخ وأخذت سكيناً ورفعتها ناوياً قتله، ولم يرجعني عن نيتي إلا دموعه التي لم يستطع حبسها في عينيه وانهمرت بين يدي. حينها كنت أشعر بأعراض «انسحاب» المخدر وكل ما يهمني النزول من المنزل سريعاً لأشتري كمية جديدة. وبعد ذلك اليوم قرّرت فعلاً التخلص من تلك العبودية، والحمد لله نجحت».

هاني: الفضول جعلني مدمنأ

يتمنى هاني (29 عاماً) التطوع في علاج الإدمان، إيماناً منه بأنه ضيّع 14 عاماً من عمره هباءً مع الإدمان، وهو من أسرة مكافحة رأس مالها العمل، لكن الإدمان أفقده مهنته واستقراره المادي والاجتماعي.

 يعترف هاني أن فضوله في اكتشاف أصناف المخدرات دفعه إلى طريق الندامة. صحيح أنه بدأ المشوار بشرب السجائر ثم الخمور، إلا أن بدايته الحقيقية مع المخدرات لم تتعدَّ التعاطي الخفيف في حفلة عيد ميلاد أو فرح أو تجمع مع الأصدقاء.

يقول: «طرأ التغيير على شخصيتي عندما أصبحت المخدرات جزءاً أساسياً في حياتي لمواصلة نشاطاتي اليومية. في البداية لم ألحظ ذلك التغيير وكنت أذهب إلى العمل متأخراً وكثيراً ما أتغيب عنه، أتعالى على مديري وأعامله معاملة الندّ للندّ، وكذلك الحال مع أسرتي. وعندما يلاحظ المحيطون بي أتعلل لهم بالارهاق، ولكن الجميع لاحظوا تغيّر شكلي ومظهري الذي لم أعد أهتم به، حتى وصلت إلى الإستدانة من أصدقائي ومديري، وأصبح الراتب لا يكفي لكثرة الديون، فلجأت إلى السرقة من المنزل.

وفي آخر 7 سنوات لم أعد أشعر بنشوة المخدرات وكنت آخذها من أجل مواصلة الحياة فقط، فلا أستطيع الكلام ولا الذهاب إلى أي مكان من دونها، حتى قرّرت الخضوع للعلاج والتخلّص من هذا الكابوس. وبمساعدة المركز نجحت في الخروج من النفق المظلم».

أحمد: سلبت خطيبتي أعزّ ما تملك وتخلّيت عنها من أجل جرعة هيرويين

طلبات أحمد (26 عاماً) أوامر لدى والديه، فهو الابن الوحيد، ولديه متجر كمشروع خاص، ورغم ذلك بدأ إدمان الكحول في مرحلة الثانوية، وكان يذهب إلى المدرسة بسجائر الحشيش ليكون مميزاً. في المرحلة الجامعية تدهورت أحواله...

يقول: «بعدما دخلت الكلية رأيت أن المخدرات أمر عادي بالنسبة إلى غالبية الطلبة، وأخذت أقراصاً كيميائية في البداية مع الحشيش، وكنت سعيداً بالطاقة التي تمدّني بها المخدرات حتى أصبحت أحسد فيما بعد الزبّال لقدرته على العمل دون مخدرات. بالطبع فسدت تجارتي وبعت بضائعي بأبخس الأسعار حتى تتوافر لي مصاريف التعاطي».

ويرى أحمد أن أسوأ ما في الأمر هو فشل خطبته أكثر من مرة بعد فضح أمره، ويقول إن أكثر ما أحزنه خلال فترة إدمانه هو سلب خطيبته أعز ما تملك الفتاة، ثم أخلف وعوده لها وأخذ منها الشبكة مستبدلاً إياها بالهيرويين وخسر أكثر من ثلثي ثمنها.

هشام: العلاج بالخوف

استمرّت رحلة هشام (39 عاماً) مع المخدرات حوالي ربع قرن، ورغم ذلك لم يفتضح أمره في عمله كموظف علاقات عامة وكرب أسرة مسؤول عن زوجة وثلاثة أطفال، مؤكداً أن حياته تحولت في الفترة الأخيرة إلى إدمان نشط من أجل مواصلة الحياة اليومية.

ويوضح قائلاً: «التعاطي كاد يسلبني عملي وأسرتي، فزوجتي لم تعد باقية على العشرة بيننا بعد كثرة مشاكلي مع الشرطة، دائماً يشتبهون بي ويحولونني إلى الحبس الموقت حتى وإن لم يكن معي مخدرات، فقط لأنني مسجل لديهم. ورغم براءتي من قضية التعاطي وقضيتي الاتجار، تعرضت للحبس لمدة 5 أيام بسبب الاشتباه، وعند عودتي إلى المنزل وجدت زوجتي تقدم لي حقيبة ملابسي وتقول لي يمكنك الاستجمام في منزل أمك بعض الوقت... وقتها شعرت بأن الدنيا ضاقت بي».

ويضيف: «قررت الاستقالة والخروج معاش مبكر حتى أستطيع الإنفاق على علاج الإدمان بمكافأة نهاية الخدمة، ولكن مديرتي ساعدتني وعرفتني على «مركز الحرية» وأكدت لي أنهم يقوّمون السلوك ولا يعالجون الإدمان فقط، وهذا ما كنت في حاجة إليه فعلاً فلا مكانتي في العمل ولا مستوى أهلى ولا حرصي على مستقبل أولادي تسمح لي بأن أكون مدمناً ولصاً وتاجر مخدرات».

محمد خطّاب: صديقي مات في سيارتي  فألقيت به في الشارع

بعد 20 سنة من الإدمان قرر محمد خطاب (36 عاماً) التوقف بعدما رأى أصدقاءه يموتون بأبشع الطرق، وهو الآن معافى منذ 4 سنوات وثلاثة شهور. يقول: «بدأت أولاً بالتدخين والهروب من المدرسة, وكانت بدايتي مع الحشيش وأنا ابن 12 عاماً، أتعاطى كل خميس أنا وأصدقائي. نشتريه من أوكار المخدرات، ثم تعرفنا على مجموعة أخرى كانت تتعاطى الأدوية مثل دواء السعال، وأنواع من الأقراص المعالجة للصرع.

ولأنني  كنت أرى نفسي مميزاً دائماً عن الآخرين كنت أوزع المخدرات على أصحابي ليظلوا دائماً حولي. وبعدما قلت النقود في يدي تاجرت بالمخدرات حتى أحتفظ بشعبيتي. في تلك الأوقات كانت المخدرات تسبب لنا سعادة ونشوة، إلى أن رسبت للمرة الاولى في حياتي في الثانوية العامة فانتبه أفراد أسرتي إلى تغير حالي وانخفاض وزني باستمرار. ولم يتغير الحال بعد معرفة أبي فكنت أبحث عن الجديد دائماً حتى وصلت إلى الهيرويين.

أوهمت أهلي أنني أقلعت عن الإدمان بعد القبض عليّ بمخدرات، وجاء أخي ليخرجني من قسم الشرطة ولولا ستر الله لدخلت السجن في تلك القضية. بعدها صمم أبي على علاجي، وبالفعل مكثت في غرفتي في المنزل لمدة 10 أيام، وكانت تلك المرة الأولى التي أعرف فيها معنى أعراض الانسحاب.
بعدها ظنّ أهلي أنني تخلصت من الإدمان وسحبت لمدة 6 أشهر نقوداً كثيرة دون أن يشكّوا فيّ. وأنشأ لي والدي مشروعاً فكثرت النقود معي، فتوسعت في تجارة المخدرات وظللت هكذا حتى مات صديقي في سيارتي بعد تناوله جرعة كبيرة من الهيرويين، فألقيته من السيارة.

بعدها مكثت يومين في المنزل رافضاً المخدرات والنزول إلى الشارع. كنت خائفاً من أن تكون هذه نهايتي. بمفردي ذهبت إلى طبيب وقلت له أريد أن أقلع عن المخدرات، فأرشدني إلى مستشفى مكثت فيه 21 يوماً، إلا أني وجدت أن كل الأحاديث داخله عن المخدرات وكل المرضى يجمعون معلومات من بعضهم عن تجار المخدرات حتى يخرجوا إليها من جديد.

وبعد عودتي إلى الإدمان طردني أهلي من المنزل فاستأجرت غرفة واحدة أعيش فيها بمفردي ومات معي صديق آخر أثناء التعاطي. فقررت العلاج بلا عودة رافضاً تلك الميتة المهينة». ويضيف: «أنا مدمن معافى منذ 4 سنوات ونائب مدير برنامج مركز الحرية للعلاج من الإدمان، وأكون حقاً في قمة سعادتي عندما يمتنّ لي أهل مدمن تعافى على يدي».


هديل: زوجي دفعني إلى الإدمان وتركني وذهب للعلاج

هديل (27 عاماً) دفعها زوجها إلى طريق الإدمان لتشاركه أمتع الأوقات الحميمة تحكي قصتها قائلة: «زوجي متعلم في الجامعة (...)، والمخدرات أمر عادي ومباح في حياته وحياة أصدقائه وزوجاتهم، في البداية كنت أرفض دعواته لي لتعاطي المخدرات إلى أن كثرت خياناته لي وكان يتحجج لي بأنه يريد امرأة تشاركه مشاعره نفسها مثل زوجات أصدقائه. ولأنني أحبه إلى درجة الجنون، بدأت أشرب معه السكائر وتطورت الأوضاع إلى كل أنواع المخدرات وانتهيت بالهيروين، فتحولت حياتنا إلى سرقة كل ما يقع في أيدينا. نستيقظ من النوم لنتعاطى ونفكر من أين سنأتي بالجرعة التالية».

وتضيف: «المشكلة أن الهيروين انعكس على صحة طفلي، فقد كنت أتعاطى جرعاتي  كاملة أثناء الحمل، وتعاطيت الهيروين بعد ثالث يوم ولادة، وظل ابني يعاني أعراض انسحاب المخدر لمدة 20 يوماً بعد الولادة وأنا لا أعرف ما به، وظللت أرضعه طبيعياً لمدة 6 شهور ولم أتوقف عن الإدمان ولكني كنت ألاحظ أنه عصبي وينام كثيراً ولا أعرف السبب».

وتؤكد في النهاية أن من حثها على الإقلاع عن الإدمان هو زوجها الذي دفعها إليه، وذلك بعدما سئم حياته ورأى أن الموت أو الجنون نهاية طريق الإدمان. وبالفعل تركها وتوجه إلى مصح. وتقول: «كرهت حياتي فترة علاج زوجي. كنت أنتظر إجازاته بفارغ الصبر وكنا نختلف، فهو إنسان طبيعي وأنا مدمنة وحاول اقناعي كثيراً بالفكرة حتى وافقت من فرط حبي له».

هيام : بدأت في الثامنة من عمري بشرب بقايا حشيش والدي

حب الاستطلاع دفع هيام وعمرها 8 سنوات إلى تجربة شرب بقايا الحشيش التي كانت تجدها في المنزل بعد تعاطي والدها. والغريب أن هيام تؤكد أنها كانت ذات سلوك إدماني منذ عمر الـ8  سنوات، فكانت تشرب الأدوية لتستمتع بطعمها!

تقول هيام (18 عاماً): تعرفت على أصدقاء أكبر مني كانوا مدمنين ودخلت معهم عالم المخدرات، ولكني كنت أؤمن بأنني مدمنة ولكن لست منحرفة لذا لم أفرط بنفسي لأحد، رغم أن المخدرات مرتبطة بالجنس، وغالبية المدمنات يفقدنّ عذريتهن».

وتضيف: «مع الإدمان تدهور مستوى الدراسي، ولأحصل على الجرعة تاجرت بالمخدرات وكنت أذهب إلى الصحراء بملابس المدرسة ويرفض التجار بيعي بسبب صغر سني».

قررت هيام الإقلاع عن الإدمان للمرة الأولى عندما لم تجد أحداً يعطيها حقنة الهيروين وفاجأتها أعراض الانسحاب أثناء الدرس الخصوصي، وتتابع: «بعدها سألت صديقاً لي أن يعطيني الحقنة فاعتذر لأنه أقلع عن الإدمان منذ ثلاثة أشهر، فقررت أن أفعل مثله».

المجلة الالكترونية

العدد 1078  |  تشرين الأول 2024

المجلة الالكترونية العدد 1078