«نوف» ضحية تعذيب الأب وزوجته
في سابقة تعد الأولى من نوعها في تاريخ القضاء الإماراتي عرض تلفزيون أبو ظبي جلسة علنية للحكم في قضية أثارت الرأي العام في الإمارات ولا تزال فصولها مستمرة، وهي قضية تعذيب الطفلة الإماراتية «نوف» وعمرها 9 سنوات. ترقد «نوف» في مستشفى المفرق في أبو ظبي للعلاج بعدما تعرضت للتعذيب الذي يعجز عن تحمّله الكبار، وانتهى بها شبه مشوّهة بفعل الحروق والكسور التي تعرّضت لها على أيدي والدها وزوجته اللذين اعتديا عليها بالضرب المبرح على رأسها بالعصا وأحرقا وجهها وجلدها، وتسببا بعاهات وبعجز قدرته محكمة جنايات أبو ظبي بنسبة 80 في المئة في جسد الطفلة الضعيف. المحكمة نفسها أصدرت حكماً بالسجن لمدة عشر سنوات في حقّ كل من والد الطفلة وزوجته وإلزامهما معاً بدفع 160 ألف درهم كدية شرعية للطفلة. ولكن فصول القضية لم تنته! فقد رأت النيابة العامة في أبو ظبي - وشاركها في ذلك الرأي العام في الإمارات وكل من تابع قضية «نوف»- أن الحكم الابتدائي ليس كافياً، مطالبة «باستئنافها» بتشديد العقوبة على المتهمين بالحبس لمدة 15 سنة. فماذا حدث ل«نوف» ؟ وكيف كانت ردة فعل المجتمع الإماراتي؟
بداية المأساة طلاق الأم ورحيلها
تفاصيل القضية تعود إلى 5 سنوات ماضية عندما قام والد الطفلة بتطليق والدتها «المصرية الجنسية» وتسفيرها إلى بلدها، ليتزوج من أخرى مواطنة، محتفظاً بحضانة طفلته التي عاشت في كنف زوجة أبيها في منزل متواضع بمنطقة بني ياس في إمارة أبو ظبي. ومنذ تلك اللحظة بدأت رحلة معاناة الطفلة مع زوجة أبيها التي اعتادت معاملتها بقسوة وتعذيبها جسديا لإطاعة أوامرها، والغريب أن والدها كان يغض البصر عن أفعال زوجته تجاه ابنته. وبمرور الأسابيع والشهور لم يتحمل جسد الطفلة البريئة كل تلك المعاناة، لتسقط في حالة سيئة أقرب إلى الموت، وهو ما دفع هذا الأب القاسي لحملها إلى مستشفى المفرق لعلاجها من آثار التعذيب الذي تعرّضت له. وهناك اكتشف طبيب الطوارئ وجود آثار حروق على جسد «نوف» ودماء وكي ورضوض وكدمات متفرقة، فأسرع بإبلاغ أجهزة الشرطة التي فتحت تحقيقا لكشف ملابسات الواقعة، وأحالت النيابة العامة المتهمْين إلى المحكمة لما فعلاه بالطفلة البريئة عمداً ومع سبق الإصرار، نتيجة لضربها بالعصا وحرقها بأداة حادة ملتهبة، وأعقاب السجائر المشتعلة، وصدم رأسها بالحائط، وهو ما نتج عنه عاهة مستدامة وتشوّه في شكل ولون جلد جسدها وتشوّه بالرأس وعجز بنسبة 80 في المئة.
أثبت تقرير الطب الشرعي أيضاً أن الطفلة تعاني من حالة صحية سيئة جداً، وعدم القدرة على الكلام، وأنها مضطربة وتخشى التعامل مع الآخرين. وثبت من فحص جسدها أنها تعاني من جروح بالرأس من الجهة الخلفية، وفي حاجة عاجلة إلى عملية جراحية حفاظاً على حياتها. كما تعاني من حروق متفرقة بالجسد، وبعضها قديم.
شهادة نوف والجدة والخادمة
بكلمات شبه مفهومة من فرط التعذيب الذي تعرضت له أبلغت نوف المحققين «أن زوجة أبيها كانت تقوم بالاعتداء عليها بالضرب في أماكن متفرقة من جسدها بصفة مستمرة». وهو ما أكدته أيضاً الخادمة الفلبينية التي تعمل لدى أسرة المتهمين منذ سنة وأربعة أشهر، حين قالت «إنه خلال عملها كانت تشاهد المتهمين يقومان بضرب «نوف» بواسطة عصا على أماكن متفرقة من الجسد». كما شاهدت زوجة أبيها وهي تقوم بضرب رأسها بالجدار قبل دخولها المستشفى بأسبوع. وتكرّر الضرب مرات عديدة. كما شهدت جدة الطفلة (لأبيها) بأنها رأت حفيدتها آخر مرة منذ عامين تقريباً، وعندما زارتهم في المنزل شاهدت آثار حروق بجسدها، وإصابات متعددة، ويومها أخبرتها الضحية «نوف» أن والدها وزوجته يقومان بضربها بصفة مستمرة.
ومثل المتهمان أمام قاضي محكمة جنايات أبو ظبي حيث اعترفا أمام القاضي بأنهما كان يقومان بالاعتداء على الطفلة بالضرب على أجزاء من جسمها دون رأسها، وذلك عندما كانت لا تطيع أوامرهما ولا تقوم بواجباتها المنزلية. واعترفت زوجة الأب بأنها قامت بحرقها مرة واحدة مستخدمة في ذلك «السكين» بعد تسخينه في فرن المنزل، مدعية أنها كانت تقوم بهذا الفعل لتقويمها.
كما أقرّ والد الطفلة بأنه كان يعتدي عليها بالضرب بهدف مصلحتها والمحافظة عليها حتى لا تسلك سلوكاً غير مناسب خارج البيت. وبرر الزوج امتناعه عن الإبلاغ عن تلك الأفعال بـ «قناعته بأهمية التربية الشديدة»، فيما بررت الزوجة سلوكها بأنه «ناتج عن عناد الطفلة وعدم تنفيذها لما يطلب إليها من الأوامر والإرشاد».
وفي حكم يعد الأسرع أيضاً للقضاء الإماراتي أصدرت هيئة المحكمة، في جلسة علنية بثها تلفزيون أبو ظبي حكما بالسجن لمدة عشر سنوات على والد الطفلة وزوجته وإلزامهما بدفع 160 ألف درهم كدية شرعية للطفلة. ولكن لم يتضمن الحكم الصادر الذي جاء بعد أسبوعين تقريباً من وقوع الجريمة، أية إشارة إلى من ستؤول حضانة «نوف» أو أطفال زوجة الأب في ظل قضاء المتهمين عقوبة الحبس، ولم تتوفر معلومات دقيقة حول محل إقامة والدة الطفلة الضحية.
تشديد العقوبات
المحامية عائشة راشد الطنيجي طالبت بتشديد العقوبات على كل ولي أمر يثبت تورطه في إيذاء أطفاله جسدياً أو يقوم على سبيل تأديبهم وتقويمهم باستخدام أساليب شاذة بعيدة كل البعد عن ديننا وتقاليدنا العربية والإسلامية. وتقترح في هذا الصدد إصدار تشريع قانوني يجرّم كل فعل عنيف ضد الأطفال، ومعاقبة مرتكبيه بأشد العقوبات الممكنة ونزع صفة الحضانة عن أطفاله حتى يكون رادعاً لكل شخص تسول له نفس ضرب أطفاله بشكل غير إنساني، معتبرة أن إنصاف القضاء الإماراتي مؤخرا للطفلة «نوف»، التي أثارت قصتها مشاعر جميع أفراد المجتمع، وما قضى به من عقوبة مشددة هو تعبير صادق عن إرادة المجتمع نبذ العنف ضد الأطفال.
ولي عهد أبو ظبي: سلوك شاذ ودخيل على الإمارات
واقعة تعذيب الطفلة «نوف» أثارت ردود فعل شعبية ورسمية غاضبة في الإمارات على مدار الأسابيع الماضية بعد الكشف عنها، إذ دفعت ولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان إلى زيارة الطفلة على سرير علاجها في المستشفى، معتبراً أن «الحادثة سلوك شاذ لا يمتّ بصلة إلى مجتمع الإمارات، ويخرج عن كل الشرائع السماوية، وسلوك دخيل يجب التصدي له». كما دفعت الواقعة وزير الداخلية الشيخ سيف بن زايد آل نهيان للتحذير من تعذيب الأطفال أو معاملتهم بصورة سيئة، مؤكداً أن «الشرطة لن تنظر بعين الرأفة أو تقبل بأي عذر لمن يلحق الأذى بالأطفال مهما كان نوعه أو مستواه».
شارك
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1080 | كانون الأول 2024