تحميل المجلة الاكترونية عدد 1077

بحث

الطفلة راضية الأفغانية...

هي لا تتجاوز الرابعة عشرة وذلك بعد أربع سنوات من الاختطاف، مما يعني أنها كانت في العاشرة عند وقوع محنتها. بريئة النظرة، جميلة الطلة، طفلة لم تحمل أي نية سيئة داخلها حين قررت والدتها ذهابها مع سيدة تتحدث اللهجة السعودية، إلا أنها كانت الحيلة التي خدعت بها الأم.
تبيع بعض الأقمشة لتطعم أفواه أطفالها الستة، وتساعدها راضية في العمل، تحصّل المبالغ المالية، وتمرح على أرض الحرم المدني الذي كانت ساحته الكبيرة عالم والديها وعالمها، حتى باتت حبيسة الجدران حين اختطفتها سيدة مصرية لتزوجها لأخيها المتزوج من أخريين قبلها.
نرصد هنا قصة الطفلة راضية الأفغانية التي تابعت قصتها الصحف المحلية، ومجلة «لها» لنعرف ماذا حل بها من ضرب، وتغريب عن والديها، وكيف عادت الى حضن أمها.

قالت الفتاة المختطفة راضية عن تفاصيل القصة: «كنت أمارس بيع الأقمشة عند باب السلام مع والدتي وأختي عابدة. أتت امرأة مصرية تحدثت مع والدتي بلهجة سعودية واشترت بعض الأقمشة وقد نقصت نقودها، وقالت المرأة المصرية لأمي أرسلي ابنتك معي كي أعطيها باقي المبلغ».

لم تكن والدة راضية من النساء اللواتي يبتعدن في تفكيرهن ويحسبن للنيات السيئة أي حساب. وهكذا أرسلت راضية مع السيدة «السعودية». وهنا أضافت راضية: «ذهبت مع المرأة المصرية من أجل أن أتسلم بقية المبلغ، وعند وصولنا الى الشارع العام اتصلت المرأة بأحد الأشخاص، ليأتي مع سيارة أجرة. وركبنا أنا والسيدة المصرية وذهبت معهم إلى منزلهم كي أتسلم باقي المبلغ. بعد دخولي البيت قامت المرأة المصرية مع الرجل بإغلاق باب الشقة ومنعاني من الخروج. واتضح في ما بعد أن ذلك الرجل اسمه محمد جنيدي وهو شقيق المرأة المصرية. وقد حبساني بغرفة منفردة. وتزوجني الرجل المصري وقال انني ملك يمين، وأقنعني بذلك رغم انه متزوج من ميرفت المصرية وزينب النيجيرية».

وفي تفاصيل ما حدث مع راضية بعد اختطافها وزواجها من محمد شقيق جملات قالت: « في بداية اختطافي مرض اثنان من أبناؤه وتوفيا. فوضع جثتيهما في حقيبة ودفنهما».

 واستمرت راضية في حديثها: «كنت أبكي خلال فترة إختطافي فأخبروني انه تم ترحيل عائلتي إلى أفغانستان. إضافة إلى أنه كان  يعاملني بقسوة ويضربني، وكان شديد العصبية والجميع كانوا يخافون منه».

وعن كيفية وقوعهم في أيدي الشرطة استطردت راضية قائلة: «كان من المخطط تهريبي إلى مصر عن طريق الذهاب إلى مركز الشرطة ونخبرهم أننا متخلفون. ولهذا قام محمد بتغيير اسمي من راضية إلى دعاء إبراهيم، وخرجنا من المنزل واتجهنا إلى مركز شرطة العقيق وكانت بصحبتنا زوجتيه زينب النيجيرية، وميرفت المصرية، وبالقرب من الشرطة تم توقيفنا».


والد راضية 

عبر فضل والد الطفلة الأفغانية راضية عن سعادته بعودة ابنته بعد غياب 4 أعوام، ولم يكن يصدق أن طفلته الصغيرة على قيد الحياة بعدما فقد الأمل من العثور عليها. فقد اعتقد جميع أفراد الأسرة أن راضية الصغيرة توفيت... قال «عدد أطفالي  ست بنات وأربعة أولاد وكنت أرعاهم جميعاً. بعد اختطاف راضية قررت أن أكون أكثر حرصاً على الأولاد، فلم أعد أدعهم يخرجون بمفردهم إلى أي مكان».

بدوره، قال عبد الله شقيق الطفلة راضية: «الخاطفون حبسوا راضية في غرفة طوال هذه السنوات وكانوا يعذبونها بكيها بالنار. عدد العصابة مكونة من ثلاثة أشخاص هم رجل وامرأتان. وراضية كانت تشعر بالخوف طوال هذه السنوات. والحمد لله نحن فرحون بعودة أختي لأن والدتي كانت متعبة جداً وفي حالة سيئة قبل عودة راضية. وحالياً الحمد لله الجميع فرحون بعودتها».


بيان الشرطة

في تصريح للناطق الأمني في شرطة المدينة المنورة العقيد محسن الردادي اتضح أنه في تمام الساعة 10 صباحاً من يوم اثنين أثناء مرور أحد ضباط منسوبي مركز شرطة العقيق، شاهد في الشارع المقابل امرأتين وأطفالاً وللاشتباه بهم، ونظراً لوجود خطة مسبقة لمركز شرطة العقيق على خلفية حادث العثور على جثتي طفلين داخل حقيبة. وحيث كان الحس الأمني بأن الجاني في قضية الطفلين سوف يقوم بتسليم نفسه إلى الترحيل والبحث عن كل من اشتبه به، تم إحضار  المرأتين والثلاثة أطفال الى القسم. «لوحظ اختلاف جنسية المرأتين، اذ أن احداهما افريقية والأخرى تتحدث اللغة العربية. وبمشاهدة ملامح الفتاه التي كانت معهما وبالدقة والملاحظة في التحقيق، وجد أن ملامح الفتاة التي تبلغ من العمر 11 سنة والتي كانت ترافقهما تشير إلى ملامح شرق آسيا وليس من ملامح الجنسية العربية. وبالتحقيق معهما اعترفتا بأن تلك الفتاه إسمها راضية من الجنسية الأفغانية، وهي مخطوفة منذ أربع سنوات تقريباً من ساحة الحرم. وتمت إحالتهما إلى شرطة المنطقة المركزية».

 ومن خلال التحقيق تبين أن من خطف الفتاة راضية هي إمرأة  من الجنسية العربية وموقوفة في إدارة الترحيل على أثر قضية. وبالتحقيق مع المرأتين اللتين قُبض عليهما أفادتا أنهما زوجتان لشقيق  المرأة الموقوفة لدى الترحيل، وان الفتاه راضية اختطفتها أخت زوجهما. « وبمناقشتهن من قبل مركز شرطة المنطقة المركزية وضابط التحريات بالبحث الجنائي عن الطفلين الذي عثر على جثتيهما داخل الحقيبة، أفادت احدى زوجات المتهم بأن الطفلين أحدهما يبلغ من العمر ثلاث سنوات والآخر سنة ونصف توفيا قبل ثلاث سنوات بعدما أصيبا بمرض تشوهات بالقفص الصدري وأورام بالمخ. وقد وضعا بعد وفاتهما مباشرة داخل حقيبة على والدهما الذي تركهما على سطح المنزل الذي يسكنون فيه لكونهم مقيمين بطريقة غير نظامية ولرغبة الزوج في سفرهما عن طريق الترحيل ومعهما الفتاة راضية الأفغانية. وخشية اكتشاف الأمر أخذ الوالد الحقيبة  ووضعها قرب المسجد للتخلص من بقايا رفاتهما وقد اتفق مع زوجتيه على أن يتم القبض عليهما في الشارع ليتم ترحيلهما، على أن يلحق بهما، وطبعاً مع راضية».

وبالتحري والبحث تم القبض على زوج المرأتين داخل منزله ومعه ابنه البالغ من العمر 10 سنوات وابنتا أخته الموقوفة. وتم تسليم راضية إلى ذويها بعد استكمال الإجراءات المتعلقة بها.


في جمعية طيبة على ذمة التحقيق

بالحديث مع مدير الشؤون الاجتماعية في منطقة المدينة المنورة عبد الجليل زارع للوقوف على مصير الأطفال قال: «تم تحويل أطفال الأم المصرية وهما ولدان وبنتان تتراوح أعمارهم ما بين 8 و10 سنوات إلى جمعية طيبة الخيرية في المدينة المنورة بناء على توجيه من هيئة الادعاء والتحقيق العام وحتى انتهاء التحقيق، لأن السجون لا تستقبل صغار السن، إضافة إلى أن التحقيق لم ينتهِ بعد ولم نقف على مصير الأب ومصير والدتهم المصرية».

وأوضح أنه في حال ترحيل أفراد القضية سيتم ترحيل الأطفال معهم، أما اذا صدر حكم شرعي في حقهم فسيتم التواصل مع ذوي الأم المصرية في بلدها لترحيل الأطفال وتسليمهم هناك.


المهندس يحيى سيف: تم تأهيل راضية على الأعمال الحرفية

مدير الجمعية الخيرية للخدمات الاجتماعية في منطقة المدينة المنورة المهندس يحي سيف قال: «تابعنا قضية راضية منذ اختطافها قبل أربع سنوات حين كانت لا تتعدى 11 عاماً، ونفذناحملة سميت (حتى تعود راضية). ورصدنا مبلغاً مالياً كمكافأة لمن يدلي بمعلومات أو يجدها قيمتها عشرة آلاف ريال. ولكن للأسف لم نجدها لأنها كانت حبيسة لدى من ادعى أنه زوجها».

وأشار إلى أن راضية عادت إلى كنف والديها وأنها في المرحلة المتوسطة، إلا أنها لم تحبذ العودة إلى الدراسة.

وعن البرنامج التأهيلي الذي الحقت به ذكر يحيى: « عندما حاولت إقناع راضية العودة إلى مقاعد الدراسة واجهني منها صد كبير، حينها قررت دخولها إلى المركز التأهيلي المهني التابع للجمعية الخيرية، وتعليمها بعض الحرف التي يمكن أن تتكسب منها من خلال عملها في بيت والديها. هذه الدورات عادة ما تكون برسوم رمزية ولكن راضية كانت حالة استثنائية أردت دخولها إلى المركز وتعليمها».

ولفت الى ان الحالة المادية لعائلة راضية سيئة جداً مما جعل الجمعية الخيرية تقدم لها المساعدات العينية والمادية بمبالغ جيدة تكفي أفرادها أشهراً عدة.

وأكد أن الفتاة الأفغانية راضية لا تزال تحتفظ بعذريتها اذ ساهمت الزوجتان في منع زوجهما من الدخول عليها بعد زواجه منها واعتبارها ملك يمين. مشيراً إلى أنهما قاومتا دخوله عليها بكل قوة، ولكن لم يستطيعا منعه من ضربها، وكيها بالنار.


شهود من الحي لذي سكن فيه الزوج المصري

قال محمد البريكي احد جيران المتهم محمد جنيدي: « لم أشاهد المتهم خلال الأربع سنوات سوى مرتين وذلك في المسجد القريب من المنزل، وقد فوجئت كما فوجئ غيري من سكان الحي بالواقعة. ولو احد جيرانه علم بالواقعة لقام بإبلاغ الشرطة».

كامل السوداني الذي يعمل في البقالة القريبة من منزل المتهم قال: «المتهم كان يأتي يومياً ويشترى من بقالتي الفطور، كما كان يشتري التميز من الفرن القريب. لم يكن يتحدث كثيراً ولم ألاحظ عليه أي تصرف غريب أو مريب».

المواطن محمد الحجوري أحد جيران المتهم في العمارة نفسها يقول: «محمد رجل انطوائي جداً لا يظهر إلا نادراً فلا نراه إلا كل خمسة أو ستة أشهر في المسجد الذي لا يبعد عن منزله سوى بضعة أمتار. ولا نعلم هل لديه أطفال أم لا. ولم نكن نرى سوى ثلاث نساء يخرجن معه أحياناً متحجبات تماماً لا تستطيع تمييز جنسياتهن. وعلى حد علمنا انه متزوج من ثلاث نساء مصرية ونيجيرية وأفغانية. وكان لا يخرج من بيته إلا متلثماً ولا يخالط أحدًا من الجيران. ولم نلحظ عليه شيئا يثير الشك. ولم نسمع منه أو عنه شيئا يسيء الى سمعته أو عائلته».

 

المجلة الالكترونية

العدد 1077  |  آب 2024

المجلة الالكترونية العدد 1077