حسين آل حمزة العائد من الصومال
انتهت الأزمة ولم ينته الحلم الذي راود حسين منذ الطفولة حتى بات شغله الشاغل أن يكون قبطان سفينة.
حاصل على كثير من الشهادات الدولية التي منحته فرصة العمل على ناقلات النفط، بل ويعشق صورته في البحر، ويعشق البحر في هواه. حسين هو السعودي الوحيد الذي كان من ضمن طاقم «سيريوس ستار» التي تعرّضت للخطف على أيدي القراصنة في الصومال، وكان آخر ما بعث به قبل الاختطاف رسالة بتاريخ 12 تشرين الثاني/نوفمبر إلى شقيقته يطمئنها إلى حاله، ويطمئن إلى ذويه، ولم يعرف عنه شيء بعدها. «لها» التقت حسين آل حمزة وذويه لتكون شاهداً على 57 يوماً من الاختطاف والحياة السيئة.
تحدث حسين آل حمزة عن ما يقارب الشهرين من الزمن الحقيقي، إلا أنها كانت أشبه بدهر لا يرتحل ليله، ولا ينقضي نهاره. فقد أمضى سبعة وخمسين يوماً على متن الناقلة «سيريوس ستار» السعودية التي كان مصيرها كمصير عدد من الناقلات التي مرّت بالطريق ذاته.
حسين حتى اللحظة يشعر وكأنه كان في حلم لا ينفك يتذكر تفاصيله المريرة، وحتى اللحظة لا يتخيل كيف استطاع ثمانية أشخاص بقوارب صغيرة الوصول إلى عمق البحر لبلوغ الناقلة. «استأت جداً من الأحاديث العارية من الصحة في ما كتب في بعض الصحف المحلية،حين قالت إن الرحلة التي عشناها تحت رهن الاختطاف كانت رحلة مسلية. وذكرت إحدى الروايات أني كنت أمارس لعب البلاي ستايشن مع المختطفين، وآخر كتب أني كنت أمازحهم، وكل هذا لم يحدث، فما تعرّضنا له خلال شهرين لا يخطر في بال».
كان أكثر ما حرص عليه في محادثاته الثلاث التي تسنى له إجراؤها أن يطلب من والدته الاحتفاظ بكل الصحف ليتابع ما كان ينشر عن القصة.
ويضيف حسين: «انطلقت ناقلة النفط «سيريوس ستار» كما هو مجدوَل لها من المنطقة الشرقية في السعودية ومن ثم خليج العرب إلى بحر العرب، المحيط الهندي، نزولاً إلى جنوب أفريقيا، كيب تاون ومن ثم المحيط الأطلسي وصولاً إلى أميركا الشمالية. وبعد حوالي عشر أو أحد عشر يوماً وتحديداً كنا قد وصلنا إلى ما يقارب المحيط الهندي، وتاركين خلفنا بحر العرب، وكنا نبعد عن اليابسة مسيرة ثلاثة أيام، فاجأنا كابتن السفينة بنداء عاجل يأمر بالتجمع في مؤخرة السفينة. ولوحظ أن هناك قاربين يطاردان الناقلة يحملان ثمانية رجال مقسمين على القاربين ومسلحين بأنواع مختلفة من الأسلحة. وكانت فعلاً مفاجأة لنا لأن المياه كانت عميقة، ومن المستحيل لقوارب صغيرة أن تسير في كل هذا العمق من المياه خصوصاً كما ذكرت سالفاً أننا نبعد عن اليابسة مسافة ثلاثة أيام، فكان من المفاجئ جداً وجود قراصنة في هذه المنطقة».
وأوضح حسين أن ناقلات النفط لا يمكن أن يكون عليها أي نوع من أنواع الأسلحة بموجب القانون الدولي. ويكمل حسين حديثه قائلاً: «وقفت الناقلة بناءً على طلب القراصنة الذين صعدوا إلى متنها. واعتقدنا عملية سطو مسلح ستتم، بحيث يستولون على المقتنيات الثمينة التي يمتلكها الطاقم. وقد حصل ذلك إذ استولى القراصنة على كل الأجهزة المحمولة، والجوالات، وحتى البعض كان يضع خواتم الذهب فاستولوا عليها. ثم طلب القراصنة التوجه بالناقلة إلى الصومال التي لم نكن نبرح حدودها بعد إذ كنا على قرب من العاصمة مقديشو، وبالفعل كان لهم ذلك».
ويشير حسين إلىأن عدد أفراد الطاقم على الناقلة كان 25 فرداً، وكان هو السعودي الوحيد بينهم، فيما اختلفت الجنسيات ما بين فيليبينيين وكروات وبريطانيين، وبولنديين.
اتجهت الناقلة إلى الوجهة المطلوبة من القراصنة ليبقى أفرادها في حوزة المختطفين 57 يوماً عاشوا خلالها أسوأ أوقاتهم وتعرّضوا لأسوأ معاملة وتحديداً حسين كونه سعودياً وعلى ناقلة سعودية، رغم إثباته أنه مسلم ويحمل القرآن الكريم معه. وهنا يضيف: «بعد عدد من الأيام كان من الصعوبة التنقّل على متن الناقلة خصوصاً على سطحها، مما جعلنا حرصين كل الحرص على أن لا نأتي على فعل يمكن أن يثير أي احد منهم، خصوصاً أنهم لا يتقنون اللغة الانكليزية، أو حتى العربية لأن من تعاملنا معهم كانوا يتحدثون العربية بلكنة متكسرة. وما كنت أستطيع فهمه من العربية التي ينطقون بها كنت أخبر به قائد السفينة. بعد توجهنا إلى المياه الصومالية الداخلية أصبحت المسألة تأخذ شكلها الرسمي فاتّصلنا بالشركة وأخبرناها بما تعرضت له الناقلة. ثم بدأت زيادة أعداد المختطفين الذين مارسوا علينا مراقبة مشددة على مدار الأربع وعشرين ساعة، وكان الجميع يظهر عليه تمرسه في الإجرام، والاختطاف. وبدأت المعاملة تسوء يوماً بعد يوم وكانت تفتش الناقلة أكثر من مرة لسرقة كل ما يجدون، إلا أنا والحمد الله لم يستطع أحد العثور على مقتنياتي مما جعلني ارجع بها كاملة».
وأوضح أن المختطفين دائما ما كانوا يسألون إن كان هناك فدية ستقدم لهم مقابل إخلاء سبيل الناقلة. ودائماً ما كانوا يوجّهون إليه الحديث انه في حال دفع الفدية فسيتمّ إطلاق سراحهم، وإلا سيبقون تحت رهن الاعتقال. وذكر حسين أنه أجبر في إحدى المرات على التحدّث مع وزير الخارجية السعودي، منوهاً أن هذه المكالمة كانت في مصلحته لأنه تواصل مع الدولة التي لم تقصر معه في شيء.
مكالمات هاتفية كسرت حاجز الخوف
خلال 57 يوماً تواصل حسين مع ذويه ثلاث مرات فقط عن طريق الاتصال الهاتفي الذي لم يتعدَّ الدقيقتين. وعن هذا أضاف حسين آل حمزة: «كان كابتن السفينة دائم الإلحاح على المختطفين للسماح لطاقم السفينة بالتواصل مع ذويهم. وكان أول اتصال بيني وبين والدي في اليوم الخامس للاختطاف. وكانت المكالمة الثانية بعد عشرة أيام من المحادثة الأولى، أما المكالمة الثالثة فكانت بعد مرور شهر كامل أو أكثر». ويشير حسين إلى أنه خلال كل هذه المدة لم يكن المختطفون يزودون الطاقم بأي نوع من الأكل، بل كان هناك وجبات خفيفة يزود بها الكابتن أفراد طاقمه للحفاظ على حياتهم وهذه الوجبات كانت من المؤونة المزوّدة بها الناقلة. أما الماء لم يجدوا مشكلة معه لأن الناقلة مجهزة بمحطة تحلية لمياه البحر، وبالتالي كان الماء متوافراً. في المقابل كان المختطفون يقومون بذبح الخراف على متن السفينة وتناول ما لذ من الطعام وطاب، وكان هذا نوعاً من الاستفزاز للرهائن.
ثلاثة ملايين دولار مبلغ الفدية
كان المطلوب دفع ما قيمته 25 مليون دولار، إلا أنه وفي النهاية استطاعت المفاوضات أن تخفض المبلغ إلى ثلاثة ملايين دولار فقط. وعن يوم تسليم الفدية قال حسين: «كان أخطر يوم لأن الخاطفين تسلّموا المبلغ ونحن لا نزال بحوزتهم. كان القلق سيد الموقف، وكنا خائفين من أن يجهزوا علينا. وكان من المفترض انتهاء معاناتنا في اليوم السادس والخمسين، إلا أن أنباء وصلتنا أن الطراد الذي يتم نقل المال عليه قد انقلب وغرق مما أسفر عن موت خمسة من أفراد العصابة. وهذا أخّر إطلاق سراحنا. إلا أن الأمور في اليوم التالي كانت جيدة وتمّ الإفراج عنا».
سجل حسين هذه التجربة لأن من هواياته كتابة ما يحدث معه خلال يومه من أول النهار وحتى آخره فهو مؤرخ حياته من قبل الحادثة، وأثناء الحادثة، وبعد الإفراج. ويرى أن هذا التسجيل سيجعله أكثر تصميماً وإصراراً على مواصلة حياته في البحار العاتية لأن الحلم الذي لا يزال يكبر في مخيلته أن يكون قبطان سفينة، لأن البحر عشقه الأزلي، مؤكداً أن ما مر به لم يغير شيئاً من مخططاته وأنه يريد أن يكون قبطان أعالي البحار.
رحلة العودة
في 10 كانون الثاني/يناير تحرّكت الناقلة صباحاً، لنحاول بكل قوة الابتعاد عن المياه الصومالية متجهين إلى جنوب أفريقيا. ولكن جاءت الأوامر بالرجوع إلى السعودية لأن الناقلة أصيبت بأضرار كبيرة وكان من الواجب فحصها والوقوف على تلفياتها، والعمل على صيانتها. وبالفعل كانت العودة إلى الفجيرة وليس كما ذكر أن العودة كانت إلى الدمام لأن ميناء الدمام ميناء بضائع ونحن ناقلة نفط ومن الممنوع بتاتاً أن ترسو ناقلة نفط في ميناء بضائع. من هنا كانت العودة إلى ميناء كلباء في الفجيرة، ومن الفجيرة تمّ نقلنا إلى دبي إلى المستشفى للكشف علينا والتأكد من سلامتنا. والحمد الله كان الجميع بخير. حينها أحضر والداي إلى دبي واجتمعت بهما بعد هذه المحنة».
والدة حسين: أوكلت أمري إلى الله ووثقت أنه سيعود
والدة حسين كانت الأكثر قلقاً من بين أفراد الأسرة. قالت: «كان الموقف في غاية الصعوبة علي كأم، فهذا ولدي الذي أتى بعد أربع بنات... تلقينا اتصالاً من الشركة المسؤولة عن الناقلة وأخبرونا أن ناقلة النفط اختطفت إلا أن الأمر بسيط ولا داعي للقلق. وأبلغونا أن الشركة تجري مفاوضات مع المختطفين ولن يطول الأمر. وبالطبع تمّ إخبارنا أن الناقلة في الصومال».
أضافت: «لم نصدق أن حسين على الطرف الآخر من المكالمة بعد خمسة أيام من الاختطاف، ولمدة لا تزيد عن دقيقتين لتقطع المكالمة. إلا أن هذا الاتصال قد جعلني مطمئنة إلى حدّ ما. لكن القلق لم يبعد كثيرا عنا لأن المكالمة الثانية لم تكن إلا في العيد، ومن ثم شهر كامل أو أكثر للمكالمة الثالثة».
وأكدت الأم أنها لن تمانع عودة ولدها إلى عمله لأنه يحلم بهذه المهنة منذ صغره.
بلقيس أخت حسين: علاقتنا معه علاقة صداقة وكان فقدانه صعباً للغاية
تلقت الخبر من والدتها خلال ساعات دوامها قائلة: «كنت قد تلقيت رسالة بتاريخ 12 تشرين الثاني/نوفمبر من حسين أنهم بصحة جيدة، وكل أموره بخير والحمد الله. في الوقت الذي يطمئن هو أيضاً على والديّ. ولكن بعد ثلاثة أيام من مغادرته تلقيت النبأ من والدتي بعد اتصال الشركة بهم تعلمهم بأن الناقلة خطفت على أيدي القراصنة الصوماليين. حينها صدمت لأني كنت أسمع عن حوادث الاختطاف عبر التلفزيون ولكن لم أتوقع يوما أن يحدث لأخي ما أسمعه عنه في النشرات. ولكن في النهاية لم يكن ما إلا احتساب أمرنا عند الله والدعاء له».
بلقيس أشارت إلى أن علاقتها بأخيها حسين أقرب إلى الصداقة كونه دائم الترحال والسفر في البحر قائلة: «كان التواصل مع الشركة عن طريق الوالد. وهم من قاموا بإخبار والدي عن الواقعة». وأضافت: «عشنا كابوس اختطاف حسين بشكل كبير لأن حسين كان الأخ الأصغر، ولم تكن العلاقة بيننا وبينه إلا علاقة أخوية جداً. وأن يغيب عن والديه وعنا نحن شقيقاته مدة شهرين متواصلين كان فعلاً مرحلة صعبة علينا جميعاً، ولكن الحمد الله أنها انتهت».
حسين آل حمزة في سطور
عشق البحر منذ صغره. يبلغ من العمر 27 عاماً، ترك جامعة الملك سعود والتحق بالكلية التقنية في الدمام، درس فيها مدة عامين. ثم تركها ليكوّن نفسه ماليا فعمل في «الشركة السعودية للخدمات البحرية»، إذ كان يعمل سبعة أيام في البحر ويعود إلى أهله مدة 3 أيام. ومن ثم انتقل للعمل في شركة «فيلا البحرية» إحدى شركات أرامكو السعودية حيث عمله الحالي.
تابع عدداً من الدورات التدريبية في مجال علوم البحار لتطوير قدراته وإمكاناته، منها دورة في الكلية البحرية في القاهرة، وأخرى في برنامج الأمير محمد بن فهد لتنمية الشباب. إضافة إلى 12 دورة داخل السعودية وخارجها في مجالات مختلفة.
التحق حسين آل حمزة خلال عمله في شركة «فيلا» برحلتين بحريتين، الأولى من هولندا إلى جعيمة بعد أن تأخر في ركوب الرحلة البحرية المنطلقة من جعيمة إلى هولندا فغادر جوا إلى امستردام، وعاد على متن السفينة. وفي 17 تشرين الأول/أكتوبر الماضي انطلق في رحلته الأخيرة من ميناء جعيمة إلى أميركا قبل أن تسقط الناقلة في أيدي القراصنة.
شارك
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024
شؤون الأسرة
اقتراحات تمييزية للتشويش على حق الأمهات اللبنانيات بإعطاء الجنسية لأطفالهن
شؤون الأسرة
عائلة حسام ورولا تنقل تفاصيل دقيقة عن الحياة في هولندا بكل صعوباتها وإيجابياتها
شؤون الأسرة