تحميل المجلة الاكترونية عدد 1080

بحث

رئيس مركز علاج وتأهيل ضحايا التعذيب الدكتور محمود سحويل:

ترتفع الأرقام التي تؤشر لازدياد الصدمة النفسية في المجتمع الفلسطيني بسبب ما يعيشه المواطن الفلسطيني من حالة خاصة. وللإطلاع على سُبل علاج ضحايا التعذيب والصدمة النفسية في فلسطين، التقينا الدكتور محمود سحويل رئيس مركز علاج وتأهيل ضحايا التعذيب في رام الله، فتحدث بإسهاب عن سبب انشاء المركز وكيفية نظرة المجتمع إلى المريض النفسي، والإحصاءات والنسب التي تؤكّد ازدياد العنف في المجتمع الفلسطيني.

لماذا تخصّصتم في موضوع علاج ضحايا التعذيب وتأهيلهم؟
مركز علاج وتاهيل ضحايا التعذيب أُسّس في العام 1997، والهدف منه هو علاج وتأهيل ضحايا التعذيب والعنف المنظم. وتأسّس المركز بناءً على الخبرات السابقة مع ضحايا التعذيب، إذ كنت أقوم بزيارة السجون الإسرائيلية للأسرى الفلسطينين منذ عام 1983 بشكل تطوّعي، وعملت في مستشفى الأمراض العقلية في بيت لحم قبل تأسيس المركز.

كنت تعالج الأسرى الفلسطينيين. حدّثنا عن ذلك.
لاحظت من خلال خبرتي أن 40% من الأسرى الذين يتعرّضون للتعذيب في السجون الإسرائيلية يعانون أعراض الصدمة النفسية، وهذا عدد كبير. وهناك حاجة ماسة إلى وجود خدمات في الضفة الغربية، وأيضاً الخدمات الحكومية والخاصة ومنظّمات حقوق الإنسان لم تكن توفّر هذه الخدمة في السابق لعلاج ضحايا التعذيب. وأيضاً العيادات الخاصة كانت قليلة جداً، وكنت أعالج الأسرى في عيادتي بشكل مجاني، ولكن كانوا في حاجة الى طاقم متعدّد التخصّصات.

هل يقتصر عملكم على العلاج والتأهيل؟
النشاطات هي نشاطات العلاج والتأهيل، ولدينا المرضى والمنتفعون الذين يأتون إلى المركز ونقدّم لهم خدمات علاجية نفسية تأهيلية وطبيّة. ولدينا مراكز في جنين ونابلس ورام الله والخليل، ولدينا خمسة أطباء نفسيين، وأكثر من خمسة وستين موظفاً بين إداريين ومهنيين. ولدينا ملفّات لكل منتفع بطريقة علمية، كما أن مختلف أنواع العلاجات موجودة لدينا. ونقوم أيضاً بتدريب الطواقم، بالإضافة الى زيارات السجون الإسرائيلية والفلسطينية.

ما هي نسب الحالات التي يستقبلها مركزكم؟
99,5% هي حالات تعذيب على أيدي الإسرائيلين، وأهالي الشهداء والجرحى وكل الفئات المتضرّرة من العنف. وللأسف بدأنا نستقبل حالات تعذيب فلسطيني بسبب الوضع الفلسطيني، وهو تعذيب فلسطيني فلسطيني، سواء في قطاع غزة أو الضفة الغربية.


إسرائيل أوجدت ثقافة العنف في المجتمع الفلسطيني

لماذا تركّزون على التدريب في برامجكم؟
لدينا برنامج التدريب الذي يهتمّ بالوقاية، والتدريب لطلبة الجامعات الفلسطينية في الصحة النفسية، وحقوق الانسان، وهذا يتمّ بشكل مستمرّ. ولدينا تدريب للعاملين الصحين سواء في مؤسسات حقوق الإنسان والمؤسسات الحكومية الرسمية. وننظّم لهم دورات متخصّصة في مجال الصحة النفسية وحقوق الإنسان، لكي يتعرّفوا أكثر على أعراض الصدمة النفسية وكيفية التدخّل في الأزمات، ولإعطائهم خبرة في التحويل والتدخّل السريع.

هل شملت تدريباتكم وبرامجكم الأجهزة الأمنية الفلسطينية؟
لدينا تدريب للأجهزة الأمنية، لأنني كنت ألاحظ أن بعض الأسرى الذين كنت أعالجهم وتعرّضوا للتعذيب في السجون الإسرائيلية، كانوا يقومون بتعذيب آخرين في مجتمعهم بالطريقة التي تمّ تعذيبهم بها، الأمر الذي يعني أن الضحية تقلّد الجاني أحياناً وهذا معروف. وتدريب الأجهزة الأمنية هدفه منع انتهاكات حقوق الإنسان. في البداية واجهنا صعوبات في التعامل معهم لأنهم لم يتقبّلوا التدريب، والآن أصبحوا يتقبّلونه، وهم يأتون إلينا.

التوعية المجتمعية والدراسات كانت أحد أهم الأهداف في برامجكم، لماذا؟
لدينا التوعية المجتمعية التي نصل بها الى أكبر عدد من الناس من خلال اللقاءات الجماهيرية، وبرنامج زيارات الميدانية ، مثلاً في العام 2008 قمنا بنحو15500 زيارة للمنتفعين. ولدينا البحث العلمي، والذي يقوم كل سنة بدراسة او دراستين في مجال الصحة النفسية، وحقوق الانسان واعراض الصدمة النفسية وآخر بحث قمنا به هو عن الأسرى الفلسطينين الإسرائيليون يقولون إنه من شهر 9-1999 هناك قرار من المحكمة العليا بعدم ممارسة التعذيب، إلا أن نشاهد حالات تعذيب في السجون الإسرائيلية لكن بطرق نفسية أكثر، وأثرها أكبر بكثير من التعذيب الجسدي. فوجدنا أن أساليب التعذيب تمارس بالوتيرة نفسها لكن على شكل تعذيب نفسي أكثر من جسدي. والآن التعذيب ما زال مستمراً في السجون الإسرائيلية.

الصدمة النفسية منتشرة في فلسطين، ما هي أسبابها؟
نحن نعتقد أن نسبة الصدمة النفسية مرتفعة جداً في المجتمع الفلسطيني، وتشكّل أكثر 27% وعالمياً أقل من واحد في المئة. ونسبة الإكتئاب مرتفعة جداً في فلسطين، والنسب العالمية تقول إنه 5 الى 10% حدّ أقصى، إنما في فلسطين نسبة الإكتئاب تصل الى 25% بالمئة، وذلك حسب دراسة أجريناها قبل ثلاث سنوات، والسبب الرئيسي هو التوتّر المزمن والوضع السياسي الذي تعيشه فلسطين.

هل يتعرض الأطفال للعنف أيضاً؟
اجرينا دراسة على 2331 طفلاً من عمر 14 وحتى 17عاماً في المدارس، ووجدنا أن نسبة العنف بين الأطفال الفلسطينيين عاليا جداً من ناحية، كيف يرون العنف، ومن يمارس عليه العنف قد يمارسه على غيره وعلى بيئته، وهؤلاء مورس عليهم العنف وعاشوا في بيئة عنف، وبالتالي قد يمارسون العنف على بيئتهم. وطبعاً الطفل هش، ومعرّض للصدمات أكثر وليس لديه الخبرة الكافية للتعامل مع الصدمات، ولا يفرغ مثل الكبار، وبالتالي معرّض للصدمات أكثر من الكبار. ونحن نعتبرهم اللاعبين الأساسيين في أي عملية سلمية في المستقبل، والذين عاشوا الإنتفاضة الأولى هم من قادوا الإنتفاضة الثانية، والذين تعرّضوا للعنف الإسرائيلي سيكون لهم دور كبير في المستقبل سواء في العمل السياسي وصنع السلام والحرب، وبالتالي هم سيمارسون العنف الذي مورس عليهم، وهم تعلموا هذا النمط، وشاهدوا العنف يمارس عليهم، وبالتالي أصبحوا يعتبروا أن هذا هو النمط الطبيعي.


الضحية تقلد الجاني أحياناً

من المشاكل التي تعرّضتم لها أن المجتمع ينظر إلى من يعالج نفسياً بأنه مريض أو مجنون؟
كنا نواجه صعوبات عديده عندما كنا نقوم بالزيارات الميدانية، ولم يكن الأهل يتقبلوننا، وأيضاً في موضوع الحضور إلى المركز، لأن الوصمة الإجتماعية عالية. وهناك نظرة دونية إلى الأمراض النفسية، وأن من يذهب إلى طبيب نفسي أو مركز خدمات نفسية ينعت بالجنون، وبالتالي يحجمون عن التوجه الى مراكز خدماتنا. ولكن استطعنا منذ 1996 أن نقوم بتوعية عالية، من خلال التقليل من الوصمة الإجتماعية وبالتالي حقّقنا أموراً كثيرة.

هل تخاطبون جهات خارجية أو عربية لأجل التمويل؟
من يموّلنا حالياً هو جهات أجنبية مثل الحكومتين السويسرية والهولندية والإتحاد الأوروبي، ولكن الجهات العربية للأسف لا يوجد تمويل، مع أن الشعب الفلسطيني بحاجة ماسة إلى هذه الخدمات.

بماذا تعلّق على العنف في قطاع غزة؟
هي جريمة حرب، والضمير العالمي مات، وهذا النمط الذي تستخدمه إسرائيل أصبح مقبولاً في المجتمع الدولي. وللأسف هذا ما مورس على اليهود حين كانوا ملاحقين، والآن غيّروا دورهم وأصبحوا ملاحقين ويمارسون الدور الذي مورس عليهم، وهذا مرض.

بماذا تعلّق على وسائل الإعلام التي تنقل الصور المفجعة التي يراها الأطفال؟
الإسرائيلين خلقوا ثقافة عنف في المجتمع الفلسطيني، وبالتالي أوجدوا أجيالاً متأثّرة بالعنف. وقد أوجد الإسائيليون جيلاً من المعاقين والمتضرّرين نفسياً، كما قتلوا روح الأمل والسلام في الأطفال.

هل الصدمة النفسية في ازدياد بين الأطفال الفلسطينيين؟
في الواقع نسبة الصدمة النفسية مرتفعة جداً، وكانت في غزة بنسبة  69%  قبل الهجمة الأخيرة، والآن ارتفعت لتكون أكثر من 95%  بين الأطفال، وهذه جريمة دولية يجب أن تعاقب عليها إسرائيل دولياً، لكن هناك تقاعس محلي وإقليمي ودولي للأسف.

 

 

المجلة الالكترونية

العدد 1080  |  كانون الأول 2024

المجلة الالكترونية العدد 1080