رائدة العمل النسائي في الكويت لولوة القطامي بنت النوخذة...
لولوة القطامي رائدة العمل النسائي في الكويت، أسست الجمعية الثقافية النسائية، وهي أول خليجية تسافر إلى بريطانيا لطلب العلم عام 1952. لعبت دوراً محورياً في مسيرة تعليم المرأة في الكويت والدفاع عن قضاياها في مختلف المراحل، وقد نالت أخيراً جائزة الدولة التقديرية وهي عبارة عن 10 آلاف دينار كويتي. وكانت الجائزة تتويجاً لمسيرتها الطويلة... هي بنت النوخذة مثل للمرأة المناضلة القوية. ولأنها امرأة شديدة التميز إلتقيناها حاورناها... وإليكم التفاصيل.
- مسيرة المرأة الكويتية مسيرة نضال طويلة لنيل الحقوق السياسية. كلمينا عن نضالك.
حقوق المرأة كفلها لنا الدستور. أسسنا الجمعية الثقافية عام 1963. في ذلك الوقت كانت في الكويت مدرسة ثانوية واحدة للبنات وكنت أول مدرسة تدرس الفرنسي والانكليزي لأن تخصصي أدب إنكليزي وأنا قوية في الفرنسي. المهم كنت ومجموعة كويتيات نعمل معاً فأسسنا الجمعية الثقافية الاجتماعية النسائية.وأنا كنت متعودة على العمل التطوعي لأني مارسته في الجامعة في انكلترا. تكلمنا عن تكوين جمعية واقترحت إحدانا تكوين نادٍ. أتينا بقانوني ووضع لنا بنوده. وقابلنا وكيل وزير الشؤون ففتح الورق ولم يقرأه وقال أنتن تردن عمل انقلاب في الدولة. لا نوادي في الكويت. ممنوع. محرم. فعدنا وحولناها جمعية ولم نغير البنود. فقط غيرنا الاسم وعدنا إلى الوكيل مرة أخرى فوعدنا خيراً، وخلال أسبوع أُشهرت الجمعية.
- حدثينا عن عملكن في الجمعية وأهم القضايا التي تبنيتموها.
في بداية عمل الجمعية كان المجتمع الكويتي تسوده الأمية. أول شيء ركزنا عليه هو محو أمية المرأة. نظمنا الكثير من المحاضرات وحضرنا مؤتمرات كثيرة خليجية وعربية. وكنا نقول في الكويت ليس فيها مجلس أمة، الكويت فيها مجلس نصف الأمة لأن النصف الثاني مهمل. وكان هناك مادتان في قانون الجمعية تقولان ممنوع التداول في الأمور السياسية والدينية ولو تكلمنا في السياسة سيغلقون الجمعية. فكنا نتحاشاها لكن في المؤتمرات الخارجية كنت أثير قضايانا السياسية حتى تنبهت الأمم المتحدة إى حقنا المهضوم وأن هناك بلاداً لا تعطي المرأة حقوقها. وبدأت الأمم المتحدة بالاهتمام بقضايا المرأة وكان أول مؤتمر عقد في 0791 وسميت السنة الدولية للمرأة.
صورة شهيرة
- لك صورة شهيرة حين رفض مجلس الأمة إعطاء المرأة حقوقها السياسية واضعة يديك على أذنيك. كلمينا عنها.
فعلاً لأن الكلام في المجلس كان مسخرة فلم أكن أريد أن أسمع أو أرى. عبرت بالصورة أني لا أريد أن أسمع أو أرى أو أتكلم مثل نسانيس الصين (ضحكة طويلة).
- اتهمت ظلماً بأنك دست على الهوية وشتمت الكويت.
لم أكن أنا والكل يعرف ولا أريد التكلم في ذلك.
- غابت المرأة عن مؤتمرات المرأة هذا العام. لماذا؟
الذي بلغني أن المواعيد لم تكن مضبوطة ولم يكن هناك احترام لها. يقولون المحاضرة الساعة 9 وتبدأ في العاشرة والنصف أو بعد ذلك. وأحياناً برنامج الصبح يتغير إلى العصر. هذا ما سمعته لأني لم أحضر، فقد كنت في بداية المؤتمر خارج الكويت وفي نهايته حصلت ظروف فلم أحضر. أتعجب لذلك وأعود بذاكرتي إلى نهاية الثمانينات عندما كنا ننظم المحاضرات وكانت القاعات مكتظة.
- في الانتخابات الأخيرة استفاد الرجل من دخول المرأة ولم تستفد المرأة. ما تعليقك؟
هذا بسبب عدم الوعي.
- يقولون عضوات الجمعية الثقافية النسائية يسكنّ في برج عاجي ومنغلقات على أنفسهن، ويطلقون عليكن سيدات المجتمع المخملي، وأنها جمعية بريستيجية لأن معظمكن سيدات أعمال. ما تعليقك؟
(ضحكة هادئة) ولا سيدات أعمال ولا حاجة كلنا كراكيب متقاعدات. لم تعش الجمعية النسائية أبداً في برج عاجي. كنا نكنس الشوارع في الستينات ضمن حملات للنظافة...
- هل العمل الاجتماعي يأخذ من المرأة أم يضيف إليها؟
العمل الاجتماعي يضيف إلى المرأة. مشاركة المرأة ضرورية للمجتمع. والمرأة إذا نظمت برنامجها اليومي تستطيع أن تكون عضواً نافعاً في المجتمع. وعملها التطوعي يضيف إليها الكثير.
- تزوجت العمل التطوعي ولم تتزوجي نظراً ليومك المشحون بالعمل...
لم أتزوج. وهبت حياتي للعمل التطوعي. الإنسان يرسم حياته حتى لا يتضرر الآخرون منه. من هو الرجل الذي يقبل بسيدة تخرج من السادسة صباحاً وتعود منتصف الليل؟ كنت من السادسة حتى الرابعة في الجامعة وأعود إلى بيتي لتناول وجبة صغيرة، ثم أذهب إلى الجمعية في السادسة وأبقى فيها حتى الثانية عشرة وهذا كان في الستينات. من هو الرجل الذي ينتظر وحيداً زوجته حتى تعود منتصف الليل؟!
- كنت أول مديرة لكلية البنات، ما هو الموقف الذي تصرفت فيه بجرأة وتحملت عواقبه أياً كانت؟
جاءني يوماً أستاذ فلسفة وشرح لي عذابه في الانتقال بين البنين في الخالدية وبين البنات عندنا، فسألته عن عدد طلبته فكانوا 7 فقلت له ليحضروا عندنا مع البنات. وكان قراري سريعاً وفردياً وتحملت المسؤولية وحدي. وسار الوضع هكذا ثلاثة شهور، ثم اتصل بي أ. عبد الفتاح إسماعيل وكان أول مدير جامعة في الكويت، وسألني عن موضوع الشباب الذين يدرسون مع بناتي. وأجبته أنهم عندي منذ ثلاثة شهور. فقال لي ممنوع. قلت له هل أحضرتم الأساتذة لتعذبوهم وليس في ما فعلته غلط، ولم يرتكب الأولاد أي جريمة. وتساءلت هل زنى الأولاد؟ قال أبداً واستغفر الله لكن ممنوع. فأجبته أنا أتحمل المسؤولية كاملة أمام الحكومة. ومر عامان ولم يحدث شيء. أنا نفذت الاختلاط في كلية البنات على مسؤوليتي.
- متى كان التحاقك بالتعليم؟
كان ذلك عام 1938. التحقت بالروضة وكان اسمها حين ذاك البستان وكان عمري أربع سنوات. وداومت شهور عدة ولظروف سياسية خرجنا من الكويت وذهبنا إلى العراق وأكملت تعليمي هناك.
- ما هي تلك الظروف السياسية؟
يسمونها سنة المجلس لأن نخبة من رجالات الكويت أرادوا أن يكون في الكويت نظام ديموقراطي يكون فيه مجلس بالانتخاب مثل مجلس الأمة الآن. ولظروف سياسية ولأن مطالبهم كانت ضد الحكم القائم، وكان والدي أحد هؤلاء الوطنيين، فغادرنا مرغمين إلى البصرة عام 1938. وتعلمت في العراق حيث أنهيت المرحلة الثانوية وتعلمت اللغة الفرنسية على أصولها هناك، وعام 1952 سافرت إلى بريطانيا لإتمام دراستي الجامعية. ولذلك أنا أعتبر أول خليجية وليس كويتية فقط تسافر إلى بريطانيا في ذلك الوقت.
- هل مثل سفرك تحدياً للعادات والتقاليد الكويتية وقتها؟ وهل هناك من عارض سفرك؟
فكرة سفري سببت نوعاً من الثورة داخل العائلة، وكان ذلك بمثابة حرب أهلية. وعارض سفري أعمامي وأخوالي. لكن الوالد كان مثل أبي الهول. قال أنا واثق من تربية ابنتي. وكان لدى الوالد نظرة بعيدة بأن المرأة الكويتية سيأتي الزمن الذي تعمل فيه وتساهم في تنمية الوطن.
- سافرت إلى لندن في وقت لم يكن مسموحاً للمرأة الخروج من البيت.
نعم، كانت المرأة في ذاك الوقت تخرج من البيت مرتين. مرة إلى بيت زوجها ومرة إلى القبر... عندما فاجأني والدي بقرار سفري خفت ولم أنم لثلاث ليالٍ. أنا المسلمة التي تصلي وتصوم تروح وتدرس في مجتمع غريب عليها! لكن الحمد لله كان لديّ درع من الأخلاق والمبادئ. ورغم الحرب العشواء من العائلة صمدت. فلم يكن يظن أحدهم أن الكويت ستتغير وأن يأتي اليوم الذي تدخل فيه المرأة كل وزارات الدولة وتكون مهندسة وطبيبة ووزيرة...
- حدثينا عن رحلة السفر هذه.
كانت رحلة طويلة. السفر الآن سهل فمن الممكن أن يفطر الشخص في الكويت ويتغدى في لندن ويتعشى في نيويورك... سافرت من البصرة إلى بغداد وظللت ليالي عدة حتى وجدت وسيلة سفر إلى لبنان، وفي لبنان انتظرت ثلاث ليالٍ حتى سافرت إلى اليونان ومنها إلى ألمانيا، ومن ألمانيا إلى سويسرا ومنها إلى هولندا. رحلة طويلة جداً أخذت الكثير من الوقت والجهد. في كل بلد نظل أياماً بلياليها ترانزيت، وأخيراً سافرنا من هولندا إلى لندن محطتنا الأخيرة.
راهبات
- درست في مدرسة الراهبات هناك فكيف وجدت الراهبات؟
استفدت منهن كثيراً. تعلمت منهن النظام واحترام القانون والاعتماد على النفس ولكم دينكم ولي ديني رغم كوني الوحيدة العربية والمسلمة. وكان في المدرسة سبعون طالبة أوروبية جئن ليتعلمن اللغة الفرنسية. كانت كل المدرّسات راهبات فرنسيات ما عدا واحدة بريطانية كانت تعلمنا اللغة الانكليزية. كانت الطالبات ينتظرن يوم السبت بفارغ الصبر لأن الدير كان يسمح لهن بالخروج والسهر حتى العاشرة مساد. وكنت الوحيدة التي تبقى في الدير وكانت الراهبات يستغربن عدم خروجي، لكن قوة إلهية كانت تعصمني من الاندماج في هذا المجتمع وقوة داخلية من قيم ومبادئ أرساها أبي في نفسي.
- هل تتذكرين مواقف طريفة مرّت بك هناك.
كنت في مدرسة تبعد عن لندن ثلاث ساعات وكان أخي عبد اللطيف رفيق رحلتي يسكن في شقة صغيرة ومسجلاً في جامعة لندن. وكان له أصدقاء كويتيون يدرسون في لندن أيضاً، فكانوا السبت والأحد يأتون ويأكلون معنا طعاماً كويتياً لأن أخي الله يرحمه كان طباخاً ماهراً. وذات يوم ذهب أحدهم إلى ساحة مليئة بالحمام، وأحضر 6 حمامات طهوناها وأكلناها، وكل منهم ذهب إلى شقته. وفي صباح اليوم التالي جاءنا شرطيان وأخذانا إلى قسم الشرطة. سألنا رئيس الشرطة عن غدائنا في اليوم السابق. وكانت قضية وشرحنا له أننا في الكويت نذبح الحمام ونطهوه، فقال لنا إن ذلك ممنوع وطلب منا دفع غرامة 52 جنيهاً إسترلينيا أو حبس شهرين. سألته كيف عرف أننا سرقنا الحمام فأخرج من درج مكتبه كيساً فيه 12 رجل حمامة كان عامل القمامة وجدها في القمامة فوضعها في كيس وكتب عليه عنوان الشقة. وقد علمني هذا الزبال درساً في الوطنية لن أنساه.
متأسف مس قطامي
- في أحد اللقاءات التلفزيونية تكلمت عن أن هناك محاضراً يهودياً استفزك حين سخر من العرب.
كان هذا المحاضر يهودياً من أصل أميركي واستدعته الجامعة في لندن لإلقاء بعض المحاضرات. وبدأ محاضرته بفرد خريطة كبيرة ووضع دائرة حمراء على إسرائيل وأسهماً من 22 دولة عربية متجهة نحو إسرائيل وأسهماً كبيرة متجهة من ثلاث دول بالذات هي مصر وسورية والعراق. وأشار إلى أن إسرائيل تعاني كثيراً من حصار الدول العربية لها ومقاطعتها. ثم أضاف أن هذه الدول العربية تحاصر إسرائيل بتمويل من دولة صغيرة جداً تقع على الخليج تسمى الكويت وهذه الدولة بدائية جداً وأهلها بدائيون. خرج المحاضر من أول وهلة عن موضوع المحاضرة وكنت أجلس في الصف الأمامي بصفتي عريف الحفلة. وظل أكثر من نصف ساعة يتحدث عن الكويت بصورة مستفزة. قمت بعدما أنهى كلامه وقلت له «عفواً أنا التي تكلمك من الكويت. أنا الآن أمامك هل ترى في مظهري البدائية التي تحدثت عنها ووصفت بها بلدي وأهلي؟». وطالبته بأن يذكر لي مصدر معلوماته والمراجع التي استقى منها هذه التهم. نظر إليّ مندهشاً وسألني هل أنت حقاً كويتية؟ قلت «نعم، أتيت إليكم هنا في الغرب منذ عام 25 بنفس هيأتي وملابسي ولم أتغير». ثم تكلمت عن الكويت بفخر وأننا دولة حديثة تقع على بحيرة نفط وأن بلادي تشهد نهضة تعليمية وصحية وثقافية. وبعدما انتهيت صفّق لي وقال متأسف مس قطامي. آخر ما أتصور أن ألتقي في هذه القاعة فتاة من الكويت جاءت من أجل العلم. وأشكرك لقد صحّحت معلوماتي.
- علاقتك بالفنانة أم كلثوم؟
كانت أول مرة تقبل دعوة شخص وليس حكومة. اتصلت بها ودعوتها وجاءت بالطائرة وصعدت إليها بعد هبوط الطائرة وكانت تشعر بدوار بسبب السفر، فأمسكت يدها ونحن ننزل على السلم فقالت لي «الله. هو أنا جدتك مسكاني كده». المهم أقامت عندنا ضيفة مدة أسبوعين وأذكر أنها كانت في زيارة معي للحاكم ذاك الوقت الشيخ صباح سلام الله يرحمه، فدخل الولد يصب قهوة كويتية. فصب لها قليلاً في الفنجان، لأن القهوة العربي مُرّة وعادتنا أن نصب منها قليلاً في الفنجان. فتطلعت باندهاش وقالت ضاحكة هو أنتم بخلاء يا الكويتيين ليه؟ فردَّ عليها الشيخ صباح لا نحن لسنا بخلاء، أنت تذوقيها لو أعجبتك سنملأ لك الفنجان.
لولوة عبد الوهاب عيسى القطامي
اللغات: العربية، الإنكليزية، الفرنسية.
المؤهلات العلمية: دبلوم تربية من كلية التربية في جامعة ادنبرة في اسكتلندا.
دورة تدريبية في الإدارة المدرسية في جامعة لندن.
التسلسل الوظيفي:
- مدرّسة لغات (إنكليزي-فرنسي) المرحلة الثانوية للبنات. (1959-1962).
- مدرّسة لغة إنكليزية في معهد المعلمات. (1959-1962).
- وكيلة المدرسة الثانوية للبنات. (1962-1963).
- مديرة المدرسة الثانوية للبنات بالوكالة: (1963-1964).
- مسجلة كلية البنات الجامعية/جامعة الكويت. (1966-1975).
- مديرة كلية البنات للشؤون الإدارية/جامعة الكويت. (1975-1994).
الأعمال الرائدة:
- أول من سافر إلى بريطانيا لطلب العلم (1952).
- أول مدرّسة لغات أجنبية في المرحلة الثانوية (1960).
- أول وكيلة مدرسة في المرحلة الثانوية (1963).
- أول من حرر طالبات المدارس ومدرّساتها من العباءة (1963).
- رئيسة أول بعثة طالبات تخرج من الكويت لزيارة الأردن ثم مصر (1963-1994).
- أول مديرة لكلية البنات في جامعة الكويت (1975).
المنظمات والهيئات في المجال التطوعي:
- مؤسسة الجمعية الثقافية الاجتماعية النسائية وعضو مجلس الإدارة (1963).
- رئيسة الجمعية الثقافية الاجتماعية النسائية والرئيسة الفخرية للجمعية (1967-1994).
- الأمينة العامة للجنة تنسيق العمل النسائي في الخليج والجزيرة العربية سابقاً.
- مؤسسة لجنة العمل النسائي في الخليج والجزيرة والأمينة العامة للجنة التنسيق.
- الأمينة المساعدة للشؤون الداخلية في الإتحاد النسائي العربي العام.
شارك
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024