تحميل المجلة الاكترونية عدد 1079

بحث

رائدة من رائدات الحركة النسائية في اليمن رضية شمشير..

هي واحدة من رائدات الحركة النسائية في اليمن. شاركت في الكفاح المسلح ضد الاستعمار البريطاني في عدن وتسعى حالياً مع أخريات لتدوين تاريخ الحركة النسائية. إنها رضية شمشير التي أجرينا معها هذا اللقاء على هامش المؤتمر الثاني لاتحاد نساء اليمن.


- متى كانت بداية مشاركتك في الكفاح المسلح؟

قبل الحديث عن مرحلة الكفاح المسلح دعني أعود بذاكراتي الى عام 1956م، حين كانت البداية مع قرار تأميم قناة السويس من قبل الزعيم جمال عبد الناصر. كان لهذا القرار أثّر في نفوسنا، وشاهدت وقتها العمال يجوبون شوارع عدن يهتفون باسم الزعيم ويباركون قراره في التأميم وينددون بالاستعمار البريطاني في عدن، فانطبعت هذه المشاهد في ذاكرتي وبدأت تتشكل عندي ميول للمشاركة  في العمل الوطني والتضحية من أجل البلد.

- كم كان عمرك وقتها؟
حوالي ثماني سنوات، وفي عام 1962 كان اضراب الطالبات في خور مكسر في محاولة لإزاحة المديرة البريطانية وإيجاد منهج تربوي متوازن حدثاً مهماً لي وشكّل حراكاً يومياً، بالإضافة الى ما كان يحدث من اعتصامات ومسيرات سواء للحركة العمالية أو للأحزاب السياسية.

- ماذا كان خيارك السياسي حينها؟
جبهة التحرير.

- لماذا فضلت جبهة التحرير على الجبهة القومية؟
لأن أَخَوَيّ كانا في جبهة التحرير ومنهما الشهيد حيدر شمشير، وهذا كان سبب انخراطي في الخلية النسائية لجبهة التحرير عام 1965.

- ما هو الدور الكفاحي الذي خاضته المرأة؟
شاركت في المسيرات والاعتصامات وتوزيع المنشورات وفي اخفاء السلاح ونقل المواد الغذائية من محافظة الى أخرى. وكانت أدوارنا طبعاً تتمثل في ممارسة العمل السياسي المنظم مثل التظاهرات والاعتصامات والمشاركة في كل مظاهر العمل الاجتماعي ضد المستعمر مع أمهات المعتقلين.

- هل يعني هذا أن بداية الحراك النسائي كان مع قيام ثورة 14 تشرين الأول/اكتوبر؟
الحراك النسائي  كانت بداياته الاولى عام 1945 مع تأسيس نادي سيدات  عدن الذي ضم عدداً من نساء القادة البريطانيين وعدداً من السيدات العدنيات اللواتي ينتمين الى المجتمع الراقي. لكن سيدات عدن في النادي شعرن بأن البريطانيات يحاولين قيادة الحراك النسائي واحتواءه فشكلن ما سمي جمعية المرأة العدنية. وانحصر النشاط النسائي في مدينة عدن فقط بمعزل عن بقية المحافظات اليمنية التي كانت عبارة عن سلطنات ومشيخات  معزولة عن المستعمرة عدن.

- ما الذي قدمته جمعية المرأة العدنية للحركة النسائية؟
اهتمت الجمعية بدمج المرأة ومشاركتها في عملية التنمية. وكان من أهم أهداف الجمعية تعليم البنات وتدريبهن على الخياطة والتطريز. وقد برز عدد من الرموز من خلال الجمعية.

- ما كان دور رضية شمشير في هذه الجمعية؟
كنت منشغلة بالتحصيل العلمي والهم السياسي في جبهة التحرير. حظيت المرأة باهتمام كبير في مرحلة ما بعد الاستقلال، فمثلاً كان القرار الجمهوري الثاني الذي صدر عام 67 ويقضي بتأسيس اتحاد نساء اليمن، وهو بمثابة اعتراف بدور النساء وتأطيرهن في كيان.

- ماهي المهمة التي أسندت إليك لدى تأسيس الاتحاد؟
كنت طالبة في جمهورية العراق وانعقد المؤتمر الاول لنساء اليمن عام 1974 في مدينة سيئون في محافظة حضرموت، وبدأت تشكل لجان مديريات ومراكز محافظات. ووضعت هيكلية تنظيمية للعمل النسوي بشكل دائم وتم افتتاح فروع للإتحاد في كل محافظات جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية سابقاً. وعام 1974 صدر أول قانون للأسرة في عدن، ثم جاء قانون العمل. وتولت المرأة مناصب في أعلى الهيئات في رئاسة مجلس الشعب وفي اللجنة المركزية للحزب وفي كل المنظمات الجماهيرية.

- بعض الذين شاركوا في الكفاح المسلح ضد المستعمر البريطاني اعترفوا بانهم ندموا على حمل السلاح ضد المستعمر. هل توافقينهم على شعورهم بالندم؟
الحقيقة لا نستطيع أن نقول إننا نادمون لأننا طردنا المستعمر من بلادنا.

- المتباكون على الاستعمار يقولون إنه جلب معه الإدارة الحديثة المنظمة التي افتقر اليها اليمنيون من لحظة خروج المستعمر؟
أوافقك على هذا الرأي. فعلاً أيام الاستعمار كانت  توجد ادارة حديثة ومنظمة وكان هناك نظام مالي ونظام إداري ونظام قضائي. وأشير هنا الى أن كثير من الدول التي كا ن فيها الاستعمار البريطاني احتفظت بكل قيم الاستعمار وطورته وهي الآن تعد ضمن الدول الحديثة المتقدمة. وفي مدينة عدن اسس الاستعمار مجتمعاً مدنياً وأرسى ركائز الحياة المدنية في جنوب اليمن، وكان هناك حراك عمالي ومطالبة بالحقوق بالطرق السلمية وكانت هناك عرائض تقدم للمندوب السامي البريطاني. كل هذه الممارسات وغيرها شكلت نواة المجتمع المدني في عدن ومع ذلك لسنا نادمين على خروج الاستعمار، لكن ظهر لدينا سؤال بعد الاستقلال مفاده: لماذا طردنا الاستعمار البريطاني يا ترى؟ وأعتقد أن شعور البعض بالندم حاليا هو نتاج شعورهم بعدم وجود دولة نظام وقانون. وأي دولة يشعر الناس فيها بعدم سيادة القانون والنظام يفقدون فيها آدميتهم وإنسانياتهم.

 

- بعد قيام الثورة شهدت الساحة السياسية صراعاً دموياً بين فصائل الكفاح المسلح. هل انقسمت الحركة النسائية هي الأخرى وانخرطت ضمن الفرقاء المتصارعين؟
لم تتمكن الحركة النسائية من تحديد أي الفريقين هما الافضل جبهة التحرير أم الجبهة القومية.

- ما كان شعورك وانت تشهدين ذلك الصراع؟
شعرت في لحظة بأن الثورة جاءت لتخلصنا من الاستعمار ولكنها تحولت الى صراع دموي وقتل بين الزميل وزميله والجار وجاره والأخ وأخيه وهذا الامر أثّر فينا سلباً. وكان موقفي رافضاً لهذا الصراع ولم أكن أتصور في يوم من الأيام أن الثورة ستتحول الى عنف منظم. وهذه كانت واحدة من المسائل التي على ضوئها أخذت قراري بالرحيل من عدن.

- هل تعرضت رضية شمشير لخطر ما اثناء تجربة العمل السياسي من عهد الاستعمار حتى اليوم؟
كنت أعمل بحذر شديد خصوصاً أيام الاستعمار. ولأني كنت صغيرة السن لم أكن يوماً في مقدم الصفوف بل كانت هناك نساء أخريات أكبر منا سنا يتقدمن العمل النضالي.

- من تذكرين من أسماء ذلك الجيل؟
رضية احسان الله، نعمة سلام ، نجوى مكاوي، فوزية محمد جعفر، فوزية ذو الفقار، عائدة علي سعيد، زهرة رحمة الله، أنيسة الصائغ، ومجموعة من الأخوات. والآن نحن في صدد إعادة قراءة تاريخ الحركة النسوية لنعطي كل صاحبة حق حقها.

- هل تكتبين مذكرات شخصية للتاريخ؟
الحقيقة عندي زميلة هي اسمهان عقلان العلس عملت على تقديم دراساتها الاكاديمية ونالت عليها شهادة الدكتوراه عندما كتبت عن «المرأة اليمنية في عدن ايان الاستعمار البريطاني». تناولت الدراسة مرحلة زمنية قدرها ثلاثين عاماً من تاريخ الحركة النسائية في عدن، وقد اتفقت معها على أن نستكمل معا تدوين تاريخ الحركة النسائية في عدن في حقبة ما بعد الثورة حتى اليوم، وهو تاريخ يبدأ من تأسيس اتحاد نساء اليمن وعندنا الوثائق والأدبيات التي ستمكننا من تدوين تاريخ المرحلة.

- إذا لم يكن الكفاح المسلح حكراً على الرجال؟
الكفاح المسلح لم يكن حكرا على الرجال على الإطلاق. وهناك من الرائدات ليلى الجبلي ونجوى مكاوي في جبهة التحرير، وفي الجبهة القومية زهرة هبة الله وعائدة علي سعيد ورضية حسن الله، بالإضافة الى أخوات ما زلنا معنا مثل الأستاذة نعمة الفلاح وبشرة خورشيد خان وأخريات من الرعيل الاول.

- يصفك البعض بأنك حادة في أطروحاتك؟
أشاطرهم الرأي. وهذه الحدة جعلتني متحصنة.

- ماهي شروط الحوار المثمر؟
شروط الحوار أن يكون جاداً وأن تكون أطراف الحوار مستعدين للوصول الى نتائج لحل القضية التي يتحاورون بخصوصها أياً كانت، سواء على الصعيد الشخصي، أو الوطني أو الحزبي أو في أي مجال.

- ما الذي خسرته رضية شمشير عبر مشوارها النضالي الطويل؟
لم أخسر سوى أني لم أسمح لنفسي بالارتباط برجل طوال حياتي واخترت أن أكون إنسانة مشاركة في البناء والتنمية. والحمد لله استطعت أن أبْني أسرة مكونة من أخوان وأخوات وأبنائهم، وأشعر بأني قدمت لنفسي ولوطني الكثير.

- لماذا عزفت عن الزواج؟
لأني أدرك أن الرجل الشرقي وخصوصاً اليمني لن يقبل أن تكون له زوجة متفرّغة للشأن العام.

- ماهي الآثار التي تركتها حرب 1994 على عمل اتحاد نساء اليمن؟
كانت الفتنة التي قصمت ظهر البعير وجعلتنا نحن نساء عدن نعود الى أدراجنا لنقوّم تجاربنا ونعرف ما الذي حدث، فكانت النتيجة ان الاتحاد عمل بعشوائية وارتجالية خلال الفترة من 94 الى 2003 وتم استبعاد نساء مخضرمات. وخلال تلك الفترة عمل الاتحاد وفق رؤية ضيقة جداً، واستطاع طرف أن يحقق الانتصار على الطرف الآخر الذي فضل الانسحاب.
عام 2003 شُكلت لجنة تحضيرية برئاسة رمزية الارياني وحصلت متغيرات كثيرة وبدأ منحي آخر يتمثل في الاستيلاء على ما تبقى من نشاط سابق لاتحاد نساء اليمن وأصبح الحزب الحاكم هو القائد للإتحاد.
أي أن حرب 94 جرت نفسها على قيادة الاتحاد وقد أعدنا تقويم تلك التجربة عام 2008 وأعدنا الاعتبار الى عدد من الأخوات اللواتي تم استبعادهن من مواقعهن في قيادة المجلس المركزي.

- كيف تقوّمين وعي المرأة نفسها أهمية دورها؟
للإجابة عن هذا السؤال أجدني مضطرة للعودة الى الماضي لمعرفة عوامل نشأة الحركة النسوية في اليمن. وبهذا الخصوص أستطيع أن أقول لك إن تجربتنا في المحافظات الجنوبية كانت تجربة سباقة ورائدة كون المرأة اليمنية في الجنوب بدأت تمارس العمل الانتخابي من بداية الخمسينات من القرن الماضي حيث كانت الانتخابات البلدية ثم انتخابات مجالس الشعب المحلية بدءاً من العاصمة عدن وانتهاءً بمحافظة المهرة. وأذكر أن مشاركة المرأة حينها وصلت الى نسبة 11%. ثم توجت هذه المشاركة النسوية بتعين خمس سيدات في مجلس الشعب يمثلن محافظات حضرموت وعدن ولحج وابين، وتزايد ذلك الرقم حتى اصبح عام 1978 إحدى عشرة سيدة يمثلن كل محافظات الجمهورية.

- لماذا انحسر دور المرأة وتراجع الى هذا الحد؟
بعد إعلان الوحدة اليمنية عام 1990 تمّ دمج المؤسسات التشريعية وكان لدينا 11 امرأة عضوات في مجلس النواب وكلهن قادمات من الجنوب. وفي انتخابات 1993 لم تفز بعضوية مجلس النواب سوى امرأتين من المحافظات الجنوبية ثم تراجع هذا الرقم حتى اصبحت امرأة واحدة موجودة في مجلس النواب مقابل 300 عضو.

- هل توجد أسباب واضحة بالنسبة إليك تبرر هذا التراجع؟
لا يوجد مبرر غير الموقف الذكوري والتركيبة القبلية للمجتمع.

 

المجلة الالكترونية

العدد 1079  |  تشرين الثاني 2024

المجلة الالكترونية العدد 1079