تحميل المجلة الاكترونية عدد 1079

بحث

أنكر نسب طفله بعد زواجه من غير سعودية

تركها والدها مع أختها وكانت لا تتجاوز بضع سنين من العمر. جمعتهما دار الأيتام لتكون الملاذ الآمن بعد أن قرر الأب الإلتفات إلى عمله فقط. ولأن الوالدة توفيت ووجد نفسه حائراً بين أطفاله. فلم يجد بداً من إيداع طفلتيه دار الأيتام لتكون مسؤولة عنهما مسؤولية تامة ويبقى هو مشرفاً بين الحين والآخر.
كبرت الفتاة وتزوجت من رجل يكبرها سناً، لم تعرف معه للعاطفة معنى، ولا للحياة الزوجية حياة. لتكون أشبه بطفلة رميت بين أحضان الكهولة، فهي لم تتجاوز خمسة عشر عاماً، وهو الرجل الأربعيني.
روحية عانت الأمرين في حياتها لتنتهي بها الدنيا على أعتاب زواج آخر من رجل أحسّت معه بما حرمت منه سابقاً. إعتقدت أنها ستحظى بحياة كريمة لها ولأطفالها الثلاثة من زواجها  السابق، ولكن لم تكتمل السنة الأولى إلا وزوجها الذي عقد عليها دون تثبيت هذا العقد في المحكمة مختفٍ بعد أن تحقق من حملها بطفل منه ليهرب تاركا خلفه سيدة لا تعرف لماذا كانت الأيام تقسو عليها، ولماذا غدر بها أبو طفلها الذي حلف اليمين أنه ليس والد الطفل ليخرج بذلك من المسؤولية التي لا نعلم لطرفها الآخر أي نقطة اتصال.
«لها» تقف على قصة روحية بعدما لجأت إلى المحاكم السعودية بحكم أن زوجها سعودي وطالبت بتحليل الحمض النووي (D N A ) للتأكد من نسب الطفل، إلا أن القاضي، وبحسب قولها، طلب منها الخروج من المحكمة.

كلمات غصت حروفها في حنجرتها المتأرجحة بين حرف وآخر بسبب بكائها المتواصل، تلاحقها الذكرى منذ ولادتها. تندب حظها العاثر، ولكن لا ينطق لسانها إلا بالحمد الله لعلّها تجد الفرج عند خالقها لأن الناس أصبحت قلوبهم متحجرة.
روحية التي تزوجت وهي لم تكمل عامها الخامس عشر، طفلة تلهو بين ابتسامات الحياة، ولكن أبت الدنيا أن تبقي لها وإن القليل من الذكريات الجميلة لتحمل معها تفاصيل بؤس حياتها إلى مكتبنا لعلّها تجد من ينصف روحها من براثن قسوة الأيام.
روت قصّتها قائلة: «كل شيء ينتهي إلا الشقاء، المسؤولية في زيادة، والأطفال يكبرون وليس لي حيلة، وطلبات الدنيا في تزايد، والمعيشة تحطم أسعارها الخيال ماذا أفعل؟».
قرر ابنها البكر ترك المنزل لأنه يريد أن يعيش مثلما يعيش البشر، يمتلك جهاز الجوال، ويركب سيارة لا تتعدى في وصفها الشكل العادي، ويعيش في مسكن لا ينتظر أن يطرد منه كل يوم أكثر من مرة.
لملمت شتات أنفاسها وأضافت في حكايتها: «تركني والدي صغيرة في دار الأيتام مع أختي بعد وفاة والدتنا لأنه لم يستطع تربيتنا. وبالفعل تعهدتنا الدار، كبرنا فيها، وتعلمنا فيها، ولكن تبقى الدار عالماً صغيراً يحتضننا بعيداً عن العالم الخارجي الحقيقي. ومع ذلك حاولت التأقلم مع الحياة بشقاوتي، شقاوة طفلة صغيرة لم تتفهمها كثير من مشرفات الدار ليكون الحكم علي إيداعي دار الملاحظة في مكة المكرمة مع المجرمات والسجينات، والسبب قضاء العقوبة بعد منعي من الذهاب إلى المدرسة. وصمة عار لازمتني طيلة حياتي أني بنت دار الملاحظة التي لا أعرف سبب دخولي إليها إلا أنها عقوبة سببها شقاوتي الطفولية».
كبرت روحية وكبر حلم الحياة الوردية في داخلها، ولكن مشرفاتها وبحسب حديثها معنا، استكثرن عليها هذه الأحلام، ليكون عقابها الأقسى زوجاً أربعينياً يريد أن يقترن بها، يلملم شتات حالها من وجهة نظر الدار. ولكن للأسف كان العالم الخارجي والزوج أقسى من دار الملاحظة.
تضيف روحية: «تزوجت بعدما بارك الجميع زواجي. لم أفهم ماذا تعني زوجة، ولم أكن أعلم سوى أني وبقدرة قادر أنا اليوم خارج الدار لأني سأقترن برجل كبير في السن، أرادني بشهوته وعاملني معاملة سيئة، وكان كثيراً ما يعيّرني بأني ابنة دار الملاحظة. حتى أهله كثيراً ما عيّروني بتلك الفترة التي أمضيتها في مكة. وأقسم أني لم أرتكب جرماً أعاقب عليه لأكون مع السجينات. تزوجت وأنجبت ثلاثة أطفال، واختفى الزوج السنة تلو الأخرى وما كان مني إلا أن ذهبت إلى والدته أرجوها أن ترحم حالي، فلست بالمطلقة، ولا المتزوجة. وبالفعل رقت على حالي وذهبت معي إلى المحكمة وتمّ طلاقي غيابياً من زوجي، ولم يسأل أحد بعدها عني ولا عن أطفالي، لا من أخوانه، ولا حتى من شقيقاته».
بعد غياب زوجها الأول لجأت إلى شقيقة الزوج لتلد طفلتها الصغيرة بعد أن قرر رب المنزل خروجها مع أطفالها من بيتها. لم تشفق شقيقة زوجها على حالها ولكن الله كان أكثر كرماً من الجميع حين رزقها من أهل الخير بسكن بسيط استطاعت أن تجعله بيتاً لها ولأطفالها.
انتهت قضية الطلاق، وأصبحت روحية حرة بلا زوج، ولكن هيهات بينها وبين الحرية. قررت العمل لتطعم أفواه الجياع قائلة: «حاولت العمل أكثر من مرة، ولكن تعليمي المتوسط، وزواجي المبكر لم يجعلا بين يدي شهادة يمكن أن استند إليها. فأصبحت ألجأ إلى دار الأيتام لأني بنت الدار وهم أهلي وكنت أحصل على المساعدة منهم. وكنت أمضي أيامي بين الموجود من المساعدات، وبين بعض الأموال البسيطة جداً والتي لا تتعدى مئات من الريالات، حتى صادفت حديقة صغيرة كنت أجلس فيها عندما تضيق الحال بي، وأجلس أفكر طويلاً في حالي وحال أطفالي دون فائدة».
تعرّفت على فتيات خلال جلساتها في هذه الحديقة لتتعرّف على أصناف من الحياة المتلاطمة بين متعاطيات من المخدرات، وأخريات كن يزاولن مهن الطرب، وأخريات يلهون كل بحسب ما تريد. ومع ذلك بقيت روحية صامدة ولم تنزلق إلى الحرام لأن لديها أطفالاً تريد أن تربّيهم، وتفكر في حالهم إذا رحلت عنهم، أو تركتهم بسبب جرعة.

زوجها الثاني كان أشد بؤساً من حياتها كلها
التقته في طرف الحديقة التي يعمل فيها، ولكنها لم تعره اهتماماً لأنها لم تفكر في الاقتران برجل آخر. ومع ذلك شاءت الأيام أن تجمعهما حين كان الوقت متأخراً وتريد العودة إلى منزلها. عرض عليّ أن يوصلني إلى المنزل وكان الوقت قد تأخر، ومع ذلك رفضت لأن الخوف كان يتملّك قلبي. كتب لي رقم جواله إذا احتجت إلى شيء. وكان في حديثه مهذباً للغاية. ذات يوم احتجت إلى من يأتيني بأطفالي من تحفيظ القرآن، فوجدت الرقم مكتوباً على الورقة. تحدثت معه وبالفعل كان عند طلبي حين أحضر أطفالي إلى المنزل، بل وبادر بإدخال أطفاله إلى تحفيظ القرآن نفسه حتى يرفع الحرج عني وبات يأخذ ذهاباً وعودة أطفالي وأطفاله. شعرت بما لم أشعر به في زواجي الأول، عاطفته كانت جداً رائعة، وحديثه مهذباً. أحببت فيه هدوءه، وكرم أخلاقه. كنت أعلم أنه متزوج ولكن أعرف أيضاً أني لن أحصل على شاب يعوّض صبري وأنا المطلقة ولي ثلاثة أطفال. أحببته، تحوّلت العلاقة إلى ارتباط شرعي لأني لا أريد الحرام، ولا هو يريده. تحدثت مع خالي وقلت له إن هناك من يريد أن يتقدّم لي، وكان لي ما أريد، ودخل البيت خاطباً مع شاهدين وخالي. وكتب العقد ووقّعته ووقّعه الشاهدان وخالي. وطلب خالي الاحتفاظ بالعقد لتثبيته في المحكمة إلا أنه رفض وطلب هو أن يثبت العقد في المحكمة، حينها لم يساورني أي شك في أنه سيغدر بي في هذا الأمر».

تزوجت روحية، وانتقلت إلى بيت الزوجية وكان زوجاً رائعاً جداً معها ومع أطفالها الثلاثة. ولكن لم تكتمل فرحتها حين علم أنها تحمل في أحشائها طفله الجديد لتنقلب الحكاية رأساً على عقب... «حين علم بحملي لم يكن سعيداً، بقي صامتاً، وحاول إسقاط الجنين بعدة طرق منها حبوب كان يعطيني إياها يومياً. ولكن ولأن الله أراد أن يبقى هذا الجنين كنت أرميها دون أن يشعر. وبعد نحو أربعة أشهر طلبت منه الذهاب إلى طبيبة للكشف على الجنين، وكانت الصدمة، فقد ذهبت إلى مستوصف صغير كان هو قبلها بيوم قد اتفق مع الممرضة ورجل آخر فيه أن يخلصاني من الجنين. ويكون الرجل ويدعى إبراهيم  هو زوجي أمام الممرضة، وبعد الكشف أخذت الممرضة تنادي على إبراهيم لتخبره بأني جاهزة للعملية، وحين سألتها عن هذا الرجل قالت إنه زوجي وقد طلب منها أن تجري عملية إجهاض».
صدمتها كانت كبيرة فأخذت تصرخ بكل ما فيها من قوة على زوجها ليخلّصها من الممرضة والرجل، ولكن لم تدري بحالها إلا وهي مغمى عليها من الصدمة. حينها كان الزوج يحملها خارج المستوصف وفي السيارة أعطاها حبوباً أخرى.

المحكمة أيّدت تخلّيه عن الطفل
كانت روحية تحاول جاهدة أن تتحلى بالصبر، وأن تقنع حالها بغير الحقيقة. «رجعت أدراجي إلى المنزل لأفهم سبب ما حدث، ولكن زوجي تخلى عني وطالبني بالتخلي عن الطفل، وذهب من بيتي بلا عودة. انتظرت عودته حتى موعد الولادة. حينها اتصلت بأختي وذهبت إلى أقرب مستوصف. وبالطبع عند ولادتي قامت بتسجيل طفلي باسم والده، ومنذ ذلك الحين قدم إلى المستشفى ودفع المصاريف ولم يتواصل معي بعدها. ورغم محاولاتي لرجوع الود القديم، إلا أن هذا الطفل أفقدني زوجي، إضافة إلى أن طفلي، وأعتقد بسبب الحبوب التي تناولتها، معاق ليس له حول ولا قوة».
حاولت روحية مراراً وتكراراً أن تستعيد زوجها دون فائدة. أرادت أن تجمع شمل العائلة مرة أخرى ولكن عبثاً. فالأب لا يعترف بطفله. فما كان منها إلا أن أقامت دعوى قضائية لإثبات الزواج والنسب. «أقمت دعوى لأن الطفل يحتاج إلى كثير من العناية، وأيضا كثير من المال لعلاجاته. لكن عدم ثبوت الزواج لم يجعلني صاحبة حق عند القاضي. ليس هذا فقط بل أدّى زوجي القسم بأنه ليس بطفله ولا يعرف عني وعنه شيئاً. حينها كانت الصدمة الكبرى! كيف يقسم على كتاب الله بأنه ليس طفله ويتهمني بهذا الاتهام؟ عدت إلى القاضي بعد أن أصدر الحكم لمصلحة زوجي، وتبرأ من النسب لأطالب بتحليل الحمض النووي (D N A)، ولكن القاضي طلب مني الخروج من المحكمة، وإلا سيتمّ اعتقالي وسجني.
ماذا أفعل؟ ما هو ذنبي لأني غير سعودية وهو استغل عدم علمي بالقوانين حيث أن زواجي تم قبل ثلاثة عشر عاماً؟ وأنا لست بخريجة جامعة ولا حتى مدرسة؟ من أين سأصرف؟ حتى الدار التي كنت أنتمي لها لا يمكن أن تتقبلنا أنا وأطفالي. أريد الحل وأطلب إثبات نسب لطفلي إلى والده. أطالب بالتحليل وهو البرهان الوحيد على أنه طفله». 

المالكي: لا يوجد أي مانع شرعي من الأخذ بتحليل الحمض النووي
تعليقاً على القضية قال المحامي والمستشار القانوني في جدة أحمد جمعان المالكي: «لا يوجد مانع شرعي من الأخذ بالحمض النووي (D N A)، وهناك سوابق قضائية في بعض المحاكم السعودية تمّ الأخذ فيها بهذا الإجراء في مسائل تحديد النسب وخاصة إذا كانت العلاقة قد ثبتت بأي وسيلة من وسائل الإثبات الشرعي ومن أهمها شهادة الشهود. وعلى ما يبدو فإن هذه القضية لم تثبت فيها العلاقة الزوجية بين الطرفين بعد إنكار الزوج وعدم قدرة الزوجة على إحضار الشهود». 
ولفت إلى أن القضية صدر فيها حكم نهائي في قضية إثبات الزواج بعد أن حلف المدعى عليه بعدم صلته بالطفل أو بأم الطفل. وبذلك يكون الحكم اكتسب الصفة النهائية القطعية، وليس أمام الزوجة إلا تقديم التماس إعادة النظر في الحكم لمحكمة التمييز وفق المادة 192 من نظام المرافعات الشرعية ولا ئحته التنفيذية.
وقال المالكي: «صاحبة القضية لديها شاهد تستطيع إحضاره إلى المحكمة بعد إعادة النظر فيها من قبل محكمة التمييز، وننصحها بضرورة الاستعانة بمحام لأهمية هذه القضية وخطورتها في الوقت نفسه.
وبخصوص إثبات نسب الطفل فلا يمكن للمحكمة النظر في هذا الأمر إلا بعد ثبوت العلاقة الزوجية بحكم قضائي أولاً».

 

المجلة الالكترونية

العدد 1079  |  تشرين الثاني 2024

المجلة الالكترونية العدد 1079