تحميل المجلة الاكترونية عدد 1079

بحث

سالي الصعيدي أول قاضية جنائية في مصر

سالي الصعيدي أول قاضية جنائية في مصر

إنتقلت من محاكم الأسرة والقضاء المدني إلى عالم الجرائم والجنايات.

عمرها لم يتجاوز 36 عاماً ما يؤكد أنها لم تغادر بستان الشباب حتى الآن، ورغم أنها حسناء، بسيطة، فإنها حازمة، تستطيع في لحظة أن تغير موازين عواطفها، وتنقلب من أم أو زوجة رقيقة إلى قاضية،  بل رئيسة محكمة من الممكن أن تتخذ قرارات صارمة بالحبس، فهي سالي الصعيدي أول قاضية جنائية في مصر.

 

منذ أيام صعدت إلى منصة القضاء الجنائي وتركت محكمة الأسرة وقضايا الخلع والنفقة. لم تتردد القاضية الحسناء حينما أصدرت مجموعة أحكام بالسجن على رجال مذنبين محققة العدلة وروح القانون، وفي أولى جلساتها أصدرت 95 حكماً قضائياً قبل أن تعود إلى منزلها لتخلع عباءة القضاء وترتدي ثوب الأمومة.

ابتسمت القاضية الشابة بسعادة وهي تجلس الى مائدة الغداء مع زوجها المهندس وأطفالها سوزي ومحمد ويوسف، كانت تحكي لهم عن أصعب يوم في حياتها، وهو أول يوم تجلس الى منصة القضاء الجنائي.

رغم أنها منذ عامين انتقلت من عملها في النيابة الإدارية إلى هيئة القضاء ضمن 30 قاضية من النساء، فإن جميعهن تم توزيعهن في قضايا محكمة الأسرة والقضاء المدني بعيداً عن القضاء الجنائي، والقتل والسرقة والاغتصاب والجرائم الخطيرة.

 

- سألت القاضية سالي الصعيدي: كنت أولى المبادرات من زميلاتك بالانتقال لهذا المجال فما هو السبب؟

كما يعلم الجميع فإن تجربة اتجاه المرأة للقضاء ليست مقتصرة على مصر، لكنها موجودة في دول عربية كثيرة، وفي معظم الدول الأوروبية وطالما اتجهت إلى الوسط القضائي لأجلس الى منصة القضاء فلا يوجد فارق بين قضاء مدني وقضاء جنائي، وطالما وافقت الجهات القضائية وعلى رأسها المستشار ممدوح مرعي وزير العدل على قبول المرأة في سلك القضاء فلا يجب أن نحصرها في محاكم الأسرة فقط.

وتكمل سالي الصعيدي: منذ تاريخ التحاقي بالنيابة الإدارية عام 2000 ومسألة العمل في القضاء لا تفارقني، والدليل قيامي بتسجيل ماجستير عن القانون الجنائي وحينما حانت الفرصة لم أتردد وطلبت من المستشار أحمد ماجد رئيس محكمة شمال القاهرة نقلي إلى دائرة جنائية، والحمد لله استجابت الوزارة لهذا الطلب، ووجدت نفسي ضمن مجموعة من القضاة الذين يباشرون القضايا الجنائية.


- ألم تخشي من التعامل مع المجرمين؟

مطلقاً لأنني أعمل في السلك القضائي، وأواجه الجريمة بأنواعها، وحتى في عملي في النيابة الإدارية كنت أتصدى للخروج عن القانون والمخالفات وبعض المخالفين كنا نحيلهم إلى النيابة العامة، وطالما قبلنا أن تعمل المرأة في القضاء فلا يجب أن نجعلها مقتصرة على مجال واحد فقط بزعم أن إمكاناتها تصب في عمل محكمة الأسرة فقط.

 


أول جلسة

 

- كانت القاضية الشابة تتحدث بحماس وثقة تعكسهما تجربتها الأولى، طلبت منها أن تحكي لي تفاصيل أول يوم في محكمة الجنايات؟

ابتسمت قائلة: لم أكن أخشى مواجهة المجرمين، لأنني في النهاية قاضية، وفي أول جلسة أصدرت مع زملائي حكماً بحبس حسين توفيق الذي يبلغ من العمر 17 سنة، بعد اتهامه بالتسبب في قتل سهير مدبولي وابنتها مريم بعد أن صدمهما برعونة بسيارته في منطقة البساتين. المتهم كان يقود سيارته من دون رخصة قيادة، وقررنا حبسه سنة وكفالة 1000 جنيه.

القضية الثانية قررنا حبس فتاة تدعى هبة السيد وعمرها 16 سنة بتهمة الشروع في سرقة حقائب النساء في عربات المترو المخصصة للسيدات، وتم حبسها شهراً مع كفالة 50 جنيهاً، وتكمل سالي: في أول يوم جنايات نظرنا في 95 قضية وأصدرنا أحكاماً في معظم هذه القضايا، وتم تأجيل بعضها لأسباب مختلفة، لكنني في النهاية عدت إلى منزلي وأنا شديدة السعادة بهذه التجربة.

 

- هل عملك يؤثر على طبيعة مكانتك في أسرتك، أو بمعنى أصح يقلل من درجة اهتمامك بالأولاد والزوج؟

مطلقاً، زوجي شخص مثقف ومتفهم جداً لطبيعة عملي، بل إنه يقوم بمساعدتي في توفير المناخ المناسب لي حتى أدرس القضايا، وفي المقابل أسعى إلى عدم الإخلال بواجبي كزوجة وأم، فأسرتي لم تشعر مطلقاً بأي تغيير في حياتها بعد التحاقي بسلك القضاء.

 

- ما الموقف الصعب الذي تعرضت له سالي الصعيدي في بداية عملها في القضاء؟

الحمد لله فأنا لم أواجه مواقف صعبة، أو اختبارات شديدة حتى الآن سوى بعض الدهشة التي شاهدتها في بداية عملي على وجوه المحامين والمتهمين حينما شاهدوا قاضية تجلس الى منصة القضاء، لكنني قابلت هذا الموقف بذكاء، وأدركت أن دهشتهم ستزول مع مرور الوقت وهذا ما حدث بالفعل، وجدت تفهماً من الجميع وخصوصاً زملائي في المهنة، لأنهم ساندوني بقوة وأزالوا الرهبة التي انتابتني في الأيام الأولى من العمل على منصة القضاء، كنت أعلم أن كل شيء صعب في بدايته والمهم هو الاستمرار، ومواصلة النجاح.

 

- ما الفارق بين القضاء الجنائي والعمل في القضاء المدني أو الإداري؟

الفارق كبير، ففي القضاء الإداري كنت أتعامل مع موظفين ولكن في الجنائي هناك مجرمون، وفي أولى جلساتي وجدت نفسي أمام تاجر مخدرات، ومدمن، وقاتل، وسرعان ما تمالكت نفسي وبدأت أتعامل مع الموقف

وتكمل القاضية سالي: أشعر بأن نسبة الخطأ في القضاء الجنائي غير مسموح بها، لأنه من الصعب أن نتسبب في وضع بريء في السجن بسبب غلطة، ومن هذا المنطلق أؤكد أن المتهم أو الشخص العادي يهمه في المقام الأول أن يجد نفسه أمام قاضٍ عادل بغض النظر عن نوعه سواء كان رجلاً أم امرأة، ومطلوب من القاضي أن يكون مستعداً لأي رد فعل تجاه المشكلات التي قد تواجهه في عمله، وأن يكون لديه موقف فوري تجاه أي مفاجأة.

 

- سالي قاضية شابة، فهل سنها مناسبة للجلوس الى منصة القضاء؟

القاضي في مصر يحصل على دورات تدريبية على أعلى مستوى تؤهله لهذا المنصب، ويحاضر فيها كبار أساتذة القانون، ويتعلم القاضي الشاب من زملائه الكبار، ولا توجد مشكلة في استشارتهم في أي قضية، ودائماً يلجأ القاضي الشاب إلى أمهات الكتب، المراجع التي تشرح له كل شيء، وحينما سافرت إلى الخارج وجدت الرجل لا يجلس الى منصة القضاء، حينما يتجاوز الخمسين، ويمارس المحاماة سنوات عدة قبل أن يصبح قاضياً وذلك حتى يكتسب خبرات كثيرة في هذه المهنة، وفي مصر القاضي يجلس الى منصة القضاء وهو في الثلاثين ولكن سرعان ما يكتسب خبرات واسعة بسبب توالي القضايا.

 


دون أخطاء

 

- الخطأ غير مسموح به للقاضيات على وجه الخصوص، ما مدى صحة هذه العبارة؟

نعم فالأنظار مسلطة علينا، ونحتاج إلى قوة خارقة لتحقيق التوازن القانوني، فالخطأ بالفعل غير مسموح به لأننا أقلية، والأنظار تتجه إلينا وقد نواجه انتقادات شديدة في حال ارتكاب أي قاضية لأي خطأ، وذلك رغم أن الإنسان ليس معصوماً عن الخطأ.

 

- ما رأيك في بعض الآراء الفقهية التي اعترضت في البداية على تولي المرأة القضاء؟

تابعتها كلها، والقول إن عمل المرأة ممنوع بإجماع الفقهاء غير صحيح، فالحنفية يؤيدون تولي المرأة القضاء بشروط، وابن حزم والطبري أجازا عمل النساء في مجال قضايا الجنايات والأموال، وطالما هناك اختلاف بين العلماء فإننا لم نخرج من إطار المشروعية، فلا توجد نصوص دينية، أو تشريعات بمنع عمل المرأة بالقضاء، والسنة لا يوجد فيها إلا بعض الحالات التي لا ينبغي أن نقوم بتعميمها.

 

- هل عاطفتك تقودك أثناء النظر في  القضايا؟

مطلقاً فأنا أتعامل مع قانون وأوراق ووقائع، وننظر كل يوم في 100 قضية جنح وجنايات، وهي عملية صعبة لكنها شيقة، وهدف القاضي أن يقضي على الجريمة في المجتمع ويبث فيه الأمن، ويجب أن تتجه العاطفة إلى هذا المفهوم، ويجب أن يكون هدف القاضي إصدار الأحكام بسرعة دون تسرع ودون تعاطف مع المتهم.

وتكمل سالي: بالمناسبة فالعاطفة موجودة عند الرجال والنساء، وهناك محامون يتأثرون في قضايا يتم توكيلهم للمرافعة فيها وتتدخل عواطفهم للتأثير على عملهم، لكن القاضي يجب أن يسيطر على نفسه.

 

- ماذا عن حياتك الخاصة وهواياتك؟

وقتي كله للقضاء وأسرتي، لا أجد سوى بعض الوقت لأقرأ بعض الكتب، لكنني أشعر في النهاية بأن أطفالي الثلاثة لهم حقوق كثيرة، منها ضرورة الترفيه عنهم والذهاب معهم للنزهة تعويضاً عن الوقت الذي يفقدون فيه الجلوس مع أمهم.

تركت القاضية الشابة تكمل دراسة قضايا الغد، والتركيز الشديد لا يفارقها فهو تحدٍ جديد للمرأة، إما أن تنجح فيه، أو أن يحالفها الفشل لا قدر الله.

المجلة الالكترونية

العدد 1079  |  تشرين الثاني 2024

المجلة الالكترونية العدد 1079