تحميل المجلة الاكترونية عدد 1078

بحث

علاقة الديزاين بالألوان

يعتقد كثر أن التعامل مع الألوان لا يحتاج الى مهارات خاصة بقدر ما يحتاج الى ذوق سليم وحساسية عالية.
وقد
يكون في هذا الاعتقاد بعض الصحة، إذا ما تعلّق الأمر بفرد أو قلّة من الأفراد، وبقي محصوراً في خيارات شخصية محدودة.
غير
أن الموضوع يأخذ بعداً آخر حين يصبح على علاقة بآخرين.
والآخرون
هنا هم الجمهور العريض الذي تستمرّ العلاقة معه من خلال منتجات متنوعة، يتوقف نجاحها واستمراريتها على تقبله لها وإقباله على اقتنائها.

الحديث عن الألوان يطول، والدراسات التي حظيت بها الألوان كثيرة، على أنه من المؤكد أن هذا كله يعكس الأهمية الخاصة للألوان والدور الرئيسي الذي تلعبه في حياتنا وعلى كل المستويات.
إنها مدهشة، مثيرة، بكل ما تحمله من تأثيرات مفرحة، تلامس الروح وتخاطب المزاج وتحاكي العواطف.

وهي اللغة المرئية، بقاموسها الغني وتعابيرها الثمينة ومفرداتها الثرية، وحضورها الطاغي في حياتنا اليومية، ورفدها بالمعاني والدلالات.
وهي هنا في المنزل، تشارك في صياغة البيئة الزخرفية، وتضفي مناخات تفيض بالراحة والرفاهية.

وهي الآن كل هذا، لأنها خرجت من إطار تدرجاتها المحدودة، ومفهومها الحار والبارد، لتنفتح على 16 مليون نغمة جديدة - وربما أكثر بكثير - من الألوان المبتكرة، فتمنح المبدعين قدرات عجيبة على تثمين صياغات الديزاين والمناخات الزخرفية، من خلال ما تقدمه مجموعاتها من إيقاعات خفيفة أو كثيفة مشبعة.

ولعل هذا «الانفجار» اللوني يأتي من خلال علاقة الألوان مع التكنولوجيا التي عززت مواقع الألوان وفتحت لها أبواباً جديدة وآفاقاً غير محدودة، على الأخص في مجال الابتكار والتصميم، من عالم التصميم الزخرفي الى عالم التصميم الإعلاني وما بينهما من حقول فنية وإبداعية يصعب حصرها.

وبما أننا لا نعي دائماً قوة تأثير المرئي على مشاعرنا وعواطفنا، فإننا نقيم علاقة غامضة وربما سرية مع الألوان، تتجسد في اهتمامنا بالألوان في كل ما نتعامل معه في حياتنا اليومية، والبحث عبرها عن تحقيق الانسجام المطلوب لحيازة قسط كبير من الراحة والرفاهية، وأيضاً التوازن.
فالألوان الأساسية بنغماتها الحارة والباردة وكذلك الألوان الحيادية أو المتصادمة، تلعب أدوارها الخفية في شحن عواطفنا، إثارةً أو تهدئة، مبالغة أو تلطيفاً.
لذا فان استخدام الألوان في تصاميم مبتكرات الديزاين من أثاث وأكسسوارات وعناصر زخرفية هو استجابة تلقائية، ليس لأهداف التصميم العملية ووظائفه الجمالية فحسب، بل أيضاً للمؤثرات المتعددة التي تسمح للمنتج بأن يشارك في المشهد اليومي بحيوية غير مسبوقة.

ومن هنا تصبح المعرفة المعمقة بالألوان وتأثيراتها وعلاقتها ببعضها، ضرورة أساسية عند اختيار الألوان. فهي متناغمة أو متصادمة، متباعدة أو متقاربة، هادئة أو صاخبة، حارة أو باردة، مندفعة أو هادئة.
ليس لأنها تتشكل بطبيعة ذاتية، ولكنها هي هكذا لأنها تنقاد الى وعي خارجي، يسعى الى تأكيد فاعليتها، وأهمية ملازمتها للمسار الإبداعي.
هذا الوعي الخارجي هو وعي المصمم نفسه لأهمية خياراته اللونية، والتي غالباً ما تكون العنصر الأساس في نجاح عمله.

وهذه العملية تتطلب ليس فقط معرفة التصنيفات العامة للألوان، بل التبحر في خصائصها وماهية كل لون منها.
فحين نتحدث عن الألوان الحارة والألوان الباردة مثلاً، فنحن هنا لا نعني بالتأكيد مواصفات بصرية بحتة، ولكننا أيضاً نشير الى خصائص مؤثرة، تكونت من خلال حوار دائم بين الحسي والمتخيّل.
فالأحمر إضافة الى أنه سيد الألوان الحارة، فهو أيضاً يمتد بتأثيره الى ضفاف نفسية يصعب تجاوز أهميتها عند تكوين صورة جامعة لتفاصيل المشهد، زخرفياً كان أو إعلانياً.
فهو في كل أطواره يتميز بحيوية مدهشة، مشبعة بالدفء والبهجة والإثارة.
لذا فإن التعامل معه يتطلّب معرفة بطبيعته، وأيضاً بتراتب علاقته مع الألوان الأخرى حارة كان أم باردة.
وما يقال عن الأحمر يمكن أن ينطبق منه الكثير على الأصفر، وكل الدرجات اللونية التي تصنف في خانة «الحار».
وكذلك بالنسبة الى الألوان الباردة، ويأتي في مقدمها الأزرق وما يتبعه في السلم اللوني من أخضر ثم يتدرج ليصل الى البنفسجي وبقية الدرجات التي لم يعد من الممكن عدّها بالأسماء، فكانت الأرقام خير معين في غابة الألوان المليونية.
وبما أن اللون الأحمر - مثلاً - بهذه المواصفات الصارخة، فإن الاعتدال والدقة في استخدامه ضرورة.
وكذلك الأمر مع اللون الأزرق فهو وإن كان هادئاً فإن الاعتدال في استخدامه يمنح المشهد الزخرفي لطافة ونعومة مميزتين.
وتأتي بين المجموعات اللونية نغمات أخرى تتسم بمواصفات محددة ودقيقة مثل البيج، الرمادي، الأشقر، والألوان المائية، ولون الخشب والحجر والرمل، ألوان ترسم بأجوائها البسيطة ملامح جميلة لمناخات المنزل وتطبعها بأجواء لا زمنية.
الأبيض والأسود هما من الألوان الأكثر تصادما وتناغما في مجالات الديكور، فهما يلعبان أدواراً مثيرة في الصياغات الزخرفية ويمنحان في تفرّدهما أو تزاوجهما أو تواجهما أجواء متنوعة من الأناقة والشياكة.
وإذا كان للألوان هذا الدور الرئيسي في المشاريع الزخرفية وتصميم فضاءات وعناصر الديزاين، فإن إتقان استخدامها ليس وحده الكفيل بالحصول على النتيجة المطلوبة والمرضية.
بل أيضاً التمكن من ملاءمتها للعناصر الأخرى، وأيضاً للأحجام والخطوط والمواد المتنوعة التي يتشكل منها المشهد كله.
كما ينبغي ألا يغيب عن الأذهان التعامل مع الألوان من خلال الإضاءة وعناصرها، فهذه أيضاً تتيح إمكانات مذهلة لبناء فضاءات لافتة في تميّزها وغرابتها.

تيارات
أما ما تعدنا به تيارات موضة الديزاين للموسم المقبل، فهو المزيد والمزيد من الألوان، راسمة كلمة النهاية للأجواء الأحادية اللون الكئيبة المملّة.
ويمكن تصوّر العديد من السيناريوهات الملوّنة التي تحملها تيارات الموضة والتي تتلخص بخمسة أنماط رئيسية من ديكور المنزل: نمط مثير بأجوائه الدافئة المصاغة بألوان ساطعة حية، وآخر باروكي الطابع، يحمل نغمة من الفانتازيا بمظاهر مثيرة،

لايمتزج فيها الأسود مع اللون الأبيض فقط، بل انه يطرز بروعة الألوان الصاخبة أيضاً من الزهري الساطع، والأزرق النيلي والأحمر الفاقع، إضافة الى الإيقاعات المعدنية والذهبية والغريبة المبهرجة بتزاوج مع مواد لامعة مثل البلكسي غلاس والكريستال وبتأثير مسرحي مذهل.

أما أجواء الـ Newstalgia الاستردادية فهي تكشف وبشيء من الحنين سحر الرومانسية لسنوات الخمسينات والتي حملت الى داخل المنزل ألواناً من الزهري الأرجواني، التفاح الأخضر، الأزرق التركواز، البرتقالي والقمحي.

إضافة الى الألوان المائية المزخرفة بخطوط ودوائر مشبعة بلطافة التشكيل والخفة.

كما أتاحت المجال مجددا لعودة بعض من قطع أثاث الفورمايكا.
اما الأجواء العرقية التي تعود الى الأضواء، فتحملنا بتصاميمها وإيقاعاتها الى بوابات الشرق، من خلال تصاميم مرصّعة بالأشكال الجميلة والألوان التي يبرز منها الرملي، البيج الزهري، العسلي، والأبيض اللامع، ألوان طبيعية صافية تتناسق مع ألوان أكثر كثافة وحرارة وبعض من النغمات المعدنية من الذهبي، البرونز والفضي المزخرف بايقاعات ونقوش شرقية.

النمط الزخرفي الطبيعي يعود أيضاً ليستقر بنغماته الناعمة داخل المنزل حاملا اليه فيضا من ألوان أزهار الحقول والثمار بصياغات وتوزيعات رشيقة بارعة، يتصدرها البرتقالي، العسلي، الخشب الخام، الأصفر، البنفسجي، مع ظلال من اللون الأخضر الزمردي والخمري، ألوان مشبعة بنكهة البراري، معززة بتكنولوجيا عالية.

المجلة الالكترونية

العدد 1078  |  تشرين الأول 2024

المجلة الالكترونية العدد 1078