الماضي في ضيافة الحاضر...
في مبنى باريسي من الحجر المنحوت، يعود بناؤه الى عام 1914.
تقع هذه الشقة الكلاسيكية على مساحة 400 متر مربع. وكان يكفي أن تعبّر صاحبة هذه الشقة عن إعجابها بأثاث ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي، وعلى الأخص الأثاث الذي وقعه أنذاك الشهير «سورني» لكي ينطلق المهندس نيقولا أوبانياك الى عمله، فيعيد هيكلة الشقة وينسّقها بأسلوب بالغ النقاء ليس في خطوطه فقط، وانما في كل التفاصيل التي لعبت دوراً أساسياً في صياغة المشهد كله.
الشقة ترتكز على قطبين: مساحة الضيافة، وفيها صالة الاستقبال الرئيسية والصالون وصالة الطعام. والمساحة الخاصة وفيها غرف النوم والحمامات.. مساحتان تتصلان من جهة ومن أخرى بصالة بالغة الاتساع تشكل مدخلاً مهيباً للشقة.
وهكذا كانت خيارات نيقولا أوبانياك لمواد عالية الجودة بإيقاعات مشرقة وحميمة: الأحجار، موكيت من الصوف، خشب السنديان للجدران والأبواب، مقابض من البرونز، زجاج محفور بموتيفات هندسية، موزاييك من زجاج المورانو... وغيرها الكثير من الخيارات التي التي تتوافق مع الخطوط الفخمة والمواد النبيلة.
مدخل الشقة كان يستدعي اهتماماً خاصاً. مساحته الاستثنائية وموقعه الاستراتيجي بين الغرف جعلا منه مكاناً رئيسياً.
ومن الديكور الأصلي، حافظ أوبانياك فقط على السقف المعقود.
فمن هذه الانحناءات اللطيفة والمتكررة للعقد، جاءت فكرة الصالة الدائرية الغارقة بالنور. غذتها دهانات زينة بألوانها الرملية وبموتيفاتها المفضضة بنعومة.
أبواب ونوافذ عالية بزجاج محفور على الوجهين، تسمح للضوء بالدخول والانتشار في فضاء المكان.
وفي الوسط منحوتة كبيرة من عمل الفنان برينو روميدا حيث الدائرة البرونزية تشكل إمتداداً لخطوط العقد.
هذا المدخل المهيب يفتح وبشكل مسرحي على صالة الاستقبال، مضاعفة بذلك أبعاد المنظور.
ومن وسط هذا المدخل، يمكننا الاستمتاع بتتابع النوافذ العريضة والتي تمنح للصالون ايقاعه وأضواءه.
ومن الصالون سيمكننا تقدير منحوتة روميدا والتي تتناغم مع هندسة الصالة.
وفي صالة الاستقبال، سنستمتع بتلبيسة طويلة من خشب السنديان المرمل والذي يحتضن منحوتات حيوانية من البرونز بتوقيع الفنان باسكال مازي.
عناصر إضاءة تعود الى الثلاثينات من الزجاج المنحوت ومعدن النيكل.
وعلى الجدار علّقت خزانة معالجة باللاك ومزينة بأوراق من الذهب الأبيض، وهي من تصميم نيقولا أوبانياك.
يتصل بصالة الاستقبال، صالون صغير، يمكن أن نطلق عليه صالة التلفزيون حيث يفتح بواسطة باب خشبي جرار كبير، يتوسط تلبيسة الجدار.
صبات وأفاريز من رسم أوبانياك حيث تلعب دور الخلفية لثريا من الكوارتز، بتوقيع «ماتيو للثريات».
كل هذا حول عناصر الاضاءة الشهيرة «ذباب» من عمل «شارو» وهي من المعدن الصلب المضرب والمرمر، تكمل تشكيل المشهد العام للصالون، وتم تثبيتها ثلاثة جدران في الصالون، تماماً كما أراد لها مبتكرها في زمنه.
نيقولا أوبانياك إستعان ببعض الرسوم الوثائقية لتلك الفترة، لكي يقنع صاحبة الشقة بهذه الوضعية لعناصر الاضاءة هذه.
وهكذا فإن الصالات الثلاث يمكن فصلها عن بعضها بأبواب جرارة كبيرة، ويمكن أيضاً دمجها ببعضها في المساءات التي تشهد سهرات خاصة.
صالة الطعام، تفتح أيضاً على صالة الاستقبال بواسط بابين كبيرين.
تناغم رصين، مطبع بالأسود، الأبيض، أو البيج والذي نجده في نهائيات الخشب الأسود في كراسي الأربعينات، وفي المعدن المطرق والمعالج في طاولة الطعام ذات السطح الزجاجي، في تصميم جميل لنيقولا أوبانياك تعلوها ثريا من البرونز الملبس بالفضة، وهي أيضاً من عمل أوبانياك لحساب «ديليل».
وتحاكي موتيفات الستائر المخملية من «ديدار» المرآة الكبيرة المزخرفة بأشكال حلزونية أخاذة وهي من عمل كريستوف غي.
في غرفة النوم الخاصة بصاحبة الشقة، يتمدد السرير الاستثنائي المميز بطاولتيه المنخفضتين وهو من أعمال سورني، من خشب «الباليسندر» الزهري، وهو الذي أملى خيار الحجم النقي والألوان الناعمة الرقيقة والتي أبرزت قيمة الأثاث الحقيقية.
خيارات تنعم بالأمان والسلام والدفء أيضاً. وسنجد هذه الروحية في صالة الحمام أيضاً، حيث صفاء حجر التلبيس الناعم.
وموزاييك بإيقاعاته اللونية التي تنتسب الى النباتات. والموازييك منفذ باسلوب حرفي قديم بمربعات من زجاج المورانو.
وفي مساحة «الدوش» الواسعة، أنجز أوبانياك وبطريقة تقليدية «موزاييك» من زجاج المورانو وورق الذهب الأبيض على موتيفات إستلهم فيها حركة البحر: أمواج تتماوج فوق الجدران تمنحنا الشعور الذي يتولد لدينا على الشاطئ ونحن نرى إنسحاب المياه فوق الرمال.
في غرف الأطفال، كل غرفة لها جوها المتوافق مع شخصية كل واحد. غرفة مراهق موسيقي، وعاشق لسيارات الفيراري الحمراء والسوداء والبيضاء.
أو غرفة أميرة صبية حيث يسيطر على أجوائها اللون الزهري والأبيض والفضي.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024