الديزاين الإيطالي المعاصر...
يصعب الحديث عن الديزاين من دون أن يقفز اسم ايطاليا الى الواجهة. فالديزاين الإيطالي لا يقتصر دوره على الحضور في المشهد الزخرفي العالمي، بل يتعدى ذلك الى المشاركة الفعالة والنشطة في صَوغ رؤى وآفاق جديدة لهذا المشهد، وذلك من خلال مساهمات وابتكارات تشكل اضافة جوهرية لعالم الزخرفة والديكور.
على أن الأمر لا ينحصر في عطاءات المبدعين والمصممين الايطاليين الرواد والشباب، بل ينبغي الا نهمل الحيوية المثيرة للإعجاب للمصنعين وناشري الأثاث والاكسسوارات في ايطاليا، مما يجعل من هذا البلد واحداً من أهم المصادر الأساسية في الصناعات الزخرفية وجمالياتها على مستوى العالم.
وهكذا لا تتوقف حركة الابتكار والانتاج في ايطاليا عن رفد عالم الديكور بالاشكال الجميلة والمميزة. مبتكرات ترتقي الى مستويات منافسة في السوق العالمي لا يمكن إنكارها.
فالمتابع لحركة الانتاج الايطالي في مجال الديكور والزخرفة، لا بد أن يتوقف طويلاً أمام أعمال مدهشة، على المستويين الجمالي والوظيفي، وأيضاً على مستويات الجودة والمواصفات العالية وتنوع المواد والألوان، والجدة في الخطوط والأشكال، مما يجعل من هذه الأعمال محط اعجاب كل العاملين في المجال الزخرفي والمهتمين به.
إن نظرة بانورامية على المنتجات الايطالية العديدة والمتنوعة، تؤكد أهمية حركة الديزاين الايطالي المعاصر في رسم خريطة جديدة لجماليات المكان ووظائفه. خريطة ثرية بطروحاتها المبتكرة، وأجوائها الحميمة ومناخاتها المتفردة والتي لا تخلو من مفاجآت رائعة.
وإذا كان لنا أن نتوغل في قراءة خطوط هذه الخريطة، فلا بد لنا من ملاحظة الجسارة التي تحيط الكثير من الأعمال المطروحة.
والجسارة هنا لا تقتصر على المظاهر المبتكرة بأشكالها وألوانها، ولا بتعدد موادها النبيلة أو المستعادة والمستولدة، بل تكمن أيضاً في الفلسفة التي تقف خلف هذه الأعمال لتجعل منها منطلقاً نحو صياغة جديدة لمشهد زخرفي متكامل.
فالنقطة التي ينطلق منها الديزاين الايطالي لتحقيق ذلك، ليست منقطعة عن ماضٍ بالغ الثراء، تشكل بزوغات عصر النهضة أحد ينابيعه الأكثر ثراء.
ولا يمكن في أي حال تجاوز الأسماء الايطالية الكبيرة في عالم التصميم والديزاين والتي شكلت محطات بارزة في مسيرة الديزاين العالمي، بإضافاتها المضيئة، ليس على مستوى الشكل فقط، وإنما على مستوى المضمون من خلال المفردات المبتكرة التي أثرت معجم الجماليات الزخرفية.
وهكذا سيجد الديزاينر الايطالي الشاب نفسه أمام تراث فني هائل، يدعم خطواته المعاصرة، من خلال مزاوجة مدروسة لماض بالغ الغنى وحاضر فائق الحيوية.
وهكذا أيضاً، سنجد أنفسنا أمام مبتكرات وابداعات، بل عناوين جديدة لتعبيرات خلاقة ومفاهيم مبتكرة الجمال والوظيفة، البساطة والأناقة، الرفاهية والراحة والأمان.
ولعل المقدرة الايطالية الفذة في ابتكار المعاني، لا يتوقف عند حد التعريفات، بل يشمل إقامة توازنات حقيقية بين الصناعي والحرفي، وذلك من أجل تقديمات أكثر انسجاماً وتآلفاً مع كل ما تعتمل به الساحة الزخرفية العالمية.
إن الفضيلة الكبرى التي إستطاع الديزاين الايطالي المعاصر أن يقدمها في مجال الديكور، تتحدد معالمها في إضافة تعريف جديد الى مفهوم الديزاين وتفعيل دوره في الحياة العصرية، وتوفير كل الشروط اللازمة من أجل حياة أكثر رفاهية.
ويتطلب أمر كهذا ليس فقط العمل على مبتكرات وتصاميم تبدد الرتابة اليومية، بل أيضاً ترفع عن كاهل الفرد كل الضغوط الناتجة عن حركة يتنامى تسارعها يوماً بعد يوم.
وفي أجواء كهذه سيكون ثمة مجال كبير لأعمال تتميز بالطرافة حيناً وبالغرابة حيناً آخر، من دون اهمال النيوكلاسيك والحديث، من أجل أن تلبي إنتظارات كل الأذواق والميول، وكل الفئات الإجتماعية والعمرية.
ومن هذا المنظور يبدو الديزاين الايطالي لا يركز فقط على قطع الأثاث والاكسسوارات، بل يسعى الى تكريس مناخات زخرفية متكاملة تساهم الإضاءة في تظهيرها وتحديد هويتها، ونمطها. كلاسيكة كانت أو معاصرة، عرقية أو ريفية، حالمة أو متطرفة، متناغمة أو متباينة.
معادلة ناجحة يطرحها الديزاين الايطالي، ومقاربات جديدة للجماليات والرفاهية، لا تنفصل بأي حال عن فكرة مركزية تدور حولها كل العناصر والمبتكرات والتصاميم، تتلخص في ضرورة جعل هذا العالم مكاناً أفضل لحياة فضلى.
وباختصار كبير، يمكن القول إن الديزاين بطابعه الايطالي وشياكته المميزة يشكل في ايقاعه المتسارع، حاجة تتكيف مع الرغبات والأمزجة والميول الجديدة التي صارت ترافق تطلعاتنا ونظرتنا الى المنزل.
فلم يعد كافياً أن يكون المنزل أنيقاً وجميلاً وعملياً، بل ينبغي أيضاً أن يكون رمزا لحياة مضيافة ومنفتحة ومتواصلة، بعيداً عن التكلف والمبالغة.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024