منزل آل طعمة...
الجوّ العام والبصمة التاريخية يجعلان هذا المنزل متماسكاً وذا هوية واحدة، إذا كان من كلمة تختصر علم الديكور والهندسة، فهي التنسيق، وهذا ما برع المهندس جو طعمه في تجسيد تفاصيله في منزله. كلّ شيء هنا شديد الإرتباط بالتنسيق، سواء بالألوان أو الأشكال أو المساحات.
فالمنزل المنسّق لوحة زيتية مكتملة العناصر، وقصيدة لا ينقصها من روعة الشعر شيء، وسيمفونية يتردد صداها في كل ركن. ويكتسب التنسيق معنىً مضاعفاً لأنّ المساحة التي يعمل عليها المهندس هي خاصته ومملكته.
كطائر الفينيق الذي ينبعث من الرماد، هكذا نهض منزل المهندس طعمه من ركام الحرب ليدخل دائرة الحلم الذي يتمنّى أن يكونه كلّ منزل.
تحت هذا السقف الذي يرتفع أربعة أمتار وخمسة وسبعين سنتيمتراً، تنبسط معالم العراقة الإنكليزية والأناقة الرخامية والإبهار الضوئي. وتبرز جلية ملامح والتفرّد الهندسي في الممرّ الرئيسي للمنزل حيث يعتلي السقف لوح من الصفيح المطرّز برسوم مستشرقة تشعّ تمايزاً وأناقة.
وتفترش الأرض سجادة كيليم من الطراز القديم إطارها من وبر الجمل. ولإبراز الأثاث المستشرق بأبهى حلة، يزدان الجدار بمادة الباتين الزرقاء، بما ينسجم مع لوحة الرسام حسين ماضي.
وتستوقفنا قبل الدخول إلى الصالون وغرفة الطعام مجموعة من الأثاث النمسوي الفاخر كان مصمّما خصيصاً ليشغل أحد القصور الملكية في القرن التاسع عشر، وقد استقدم إلى منزل المهندس طعمة ليزيده جمالاً وإبهاراً ويضفي عليه حلّة ملكية أرستقراطية قلّ نظيرها.
ويبرز في هذا الركن إنتساب المالك إلى تراثه الشرقي الأصيل، إذ إنه علّق طرابيش أيام زمان التي زيّن بها الركن وشكلّت علامة فارقة بلونها الأحمر إلى جانب الخشب الذي طغى بكثافة ولكن بتنسيق على الجدران التي لا يملّ الناظر من تأملها والتدقيق في كلّ تفصيل فيها، بإعتبارها مشغولة ومحفورة ومرسومة بعناية ودقةّ لافتتين.
تخصّص المالك بتجميع القطع الأثرية النادرة والفاخرة من حول العالم، واضح جداً، فالمنزل يبدو كأنّه غاليري يحلو التجوّل فيه، حيث تأخذنا كلّ قطعة وركن بالأحلام والتاريخ إلى بلد وحقبة تاريخية معيّنة تشعّ كلّ منها بحضارة عالم مختلف وفريد.
في المنزل غرفتا طعام، واحدة إحتلت ركناً منفرداً وأخرى مفتوحة على الصالون.
الحضارة الإنكليزية لها حصة الأسد هنا أيضاً، وخصوصاً في غرفة الطعام حيث يغلب خشب الأكاجو والباليساندر، وتحتلّ أحد الجدران لوحة تمثّل منظراً طبيعياً خلاباً لمدينة إسطنبول يعود تاريخها إلى القرن التاسع عشر، وهي مصنوعة من ورق جدران zuber. وفي الجانب الآخر من هذه الصالة كونسول فاخر تعلوه لوحات للفنانين اللبنانيين صباغ وعبود.
وتتدلى من السقف ثريا إيطالية الصنع تضاف إلى مجموعة الثريات الفاخرة، منها ما هو من النحاس ومنها ما هو من الحديد المشغول، وأخرى من الكريستال زيّنت أسقف الجلسات ملقية الضوء أكثر على العراقة والفخامة التاريخية.
وقد غطّت الأرض في هذا الركن سجادة تركية نادرة. وفي الصالون أيضاً ركن إنكليزي الطابع والهوى، علّقت على أحد جدرانه واجهتان من خشب الباليساندر تتوسطهما لوحة مستشرقة إلى جانبها أربع لوحات تروي كلّ منها تاريخ سورية، مجسدة الطبيعة السورية، وتعود إلى القرن التاسع عشر.
وهنا تجدر الإشارة إلى تعدّد القطع الدمشقية الفاخرة التي توزّعت في كلّ الأرجاء، وأبرزها ما هو مطعّم بالصدف.
هذا الجوّ المفعم والعابق برائحة التاريخ يرافقنا إلى غرفة النوم الرئيسية، وقد جسّدت الدرف الخشب المنقوشة برسوم وزخارف قديمة إطلالة على سنين عابقة بالتراث، تماشت مع غطاء السرير المصنوع من الكيليم والسجادة الإيرانية التي إفترشت الأرضية.
وفي ختام الجولة التي لا تزال تنبئ بالمزيد من العراقة والفخامة والإكتشافات إلى ما لا نهاية، نصل إلى الجلسة الخارجية والداخلية معاً بفضل هندستها المبتكرة.
فينخفض الأباجور المرسوم بالألون الزاهية ويرتفع ليشكلّ السقف. وقد إفترشه الأثاث من مادة الريزين باللون الزاهي.
وحرص الفنان المهندس على إستكمال جوّ التواصل والتناغم بين مكوّنات المنزل وعلى إبراز كلّ ما يمت إلى الآثار بصلة، فنسج قناطر خارجية من الحجر اللبناني القديم.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024