منزل آل طعمه...
أصالة البيت اللبناني العتيق وفرادة تصميمه وروعة إنحناءاته وخطوطه يختصرها كلّها هذا المنزل لآل طعمة في منطقة بيت شباب شمال بيروت.
نحن هنا في مساحة جمالية تشتهيها ريشة أمهر الرسامين. الفصل هنا فصلان والبيت بيتان بما أنّه من طبقتين تجسّد إحداهما الشتاء والثانية الصيف.
من الخارج يرفل المنزل بمظهر شديد الإلتصاق بالتراث اللبناني، سواء من حيث الشرفة الحاضنة ثلاث قناطر أو من حيث النوافذ أو الحجر الصخري الطبيعي، وقد زادت الطبيعة الغنّاء والشجر الأخضر الباسق المشهد جمالاً، وخصوصاً أن المنزل يطل على منظر بانورامي أخاذ على البحر ومدينة بيروت.
الطبقة السفلى توحي الليل والدفء والرومنسية معاً. فقد لبست الجدران الحجر الصخري الأصفر وسكن الضوء في قناديل من الأرابيسك النحاسي، وتوزّعت المقاعد المخملية والسجاد الفاخر في كلّ زاوية.
المدفأة تشكّل النقطة المحورية في غرفة الجلوس، وقد كلّلتها قبة صخرية منقوشة تماشت مع القباب من العقد المنحوت على امتداد الجلسات.
ولا بد في الجوّ الشرقي أن يكون الأثاث والأكسسوار مكمّلين للفكرة نفسها بحيث طغت عليها التصاميم الفرعونية والدمشقية، ومعظمها يعود إلى القرن التاسع عشر. فأحد الصالونات مثلاً عبارة عن مقاعد من الخشب الدمشقي المطعّم بالعاج، زُيّن سقفه بقطع من الخشب المعتق مذكّراً بالبيوت الريفية اللبنانية، وقد علّقت على الجدار خلف المعقد سجادة كيليم حملت أكثر من بورتريه لشخصيات شرقية.
أما الصالون الثاني الأقرب إلى المدفأة فهو أكثر عصريةً، من القماش والجلد باللونين البيج والبوردو. طاولته الوسط عبارة عن طبق مستدير من النحاس إرتفع على ركائز من الحديد. وعلى أحد الجدران علّقت مرآة إطارها من النحاس المشغول.
أما الحائط المقابل فشغلت جزءاً منه رفوفٌ من الخشب إستراحت عليها أوانٍ فخارية وزجاجية قديمة وقطع حطب للمدفأة، وقد جُعلت كلّها في قنطرة.
ومن السقف تدلّت الأنوار على شكل مصباح هنا وثريا هناك وضوءٍ خافت هنالك. كما تدلّت الستائر من الكيليم الفاخر بألوانه النارية، عاكسةً فخامة على فخامة.
إحدى الجلسات إتسمت بالراحة الفائقة، وقد وضع فيها مقعدان وثيران يدعوان الزائر إلى الإسترخاء.
وبعد عبور القناطر تطالعنا غرفة الطعام البسيطة التصميم من الخشب الداكن. وتدلّت فوقها ثلاث ثريات مختلفة التصميم والأحجام ضاربة في القدم.
من عتمة الليل يقودنا إلى ضوء النهار درجٌ من الحديد، لنطلّ على مساحة مشرقة ومليئة بالضوء، حتى يمكننا القول إنّ هذا المنزل بهندسته الفريدة مشعّ ومظلم معاً، واضح ومليء بالأسرار في آنٍ واحد.
ها نحن في الطبقة العلوية حيث الجلسة الفسيحة تضمّ صالوناً واحداً بمقاعد كثيرة من طراز لويس السادس عشر، تشعّ بالنور الخارجي الذي يمكنه الدخول من الواجهة الكبيرة ذات القناطر الثلاث، وقد تزيّنت خلف الزجاج بالحديد الأبيض المشغول.
أما الأرضية فهي من البلاط المربّع الذي بقي على قدمه.
ومن السقف الشاهق الإرتفاع ذي الإطار المنقوش، تدلّت ثريا ضخمة من الكريستال الفاخر.
كما شعّ النور من المصابيح النحاسية والقماشية التي ارتفعت على طاولات الصالون.
وبالخروج من الصالون إلى الشرفة المطلّة على الحديقة، يحلو التأمّل في الطبيعة على وقع النغمات الموسيقية التي تتناهى إلى مسامعنا من البركة الحجر المستديرة الدمشقية الصنع، وسط الباحة الخارجية التي توزّعت في أرجائها الجلسات، ومعظمها من الحديد المزخرف.
وبالوصول إلى غرفة النوم تنبسط أمامنا مساحة جمالية دافئة هي عبارة عن سريرين وزاوية على شكل ديوان من قصص ألف ليلة وليلة. ومن السقف تدلّت ثريا ضخمة عاكسة العاج الذي طعّم خشب السريرين من الأعلى والأسفل.
وبعد الخروج من المنزل نغلق الباب على سنين غابرة عابقة بالقصص والحكايات، تخبر عنها كلّ قطعة جمعها من حول العالم أصحاب المنزل المتخصصون في عالم الهندسة.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1080 | كانون الأول 2024