مفردات تحول المنزل إلى قصيدة!
من الصعب تصنيف أعمال جوي دي روهان شابو. فالمساحة التي تقف فوقها تتوسط المسافات بين الرسم والنحت والابتكار والتصميم والحرفية.
غير أن صعوبة تصنيف أعمالها لا تمنع الاتفاق على كونها فنانة من طراز فريد. الألوان والمواد بين يدي شابو ليست مجرد عناصر تشكيل، ولكنها مفردات لغة تروي عبرها حكايات طفولة بعيدة وأحلام هاربة وتعبّر من خلالها عن أحاسيسها وعواطفها المتجددة.
فالمعادن التي تطرقها وتطوعها وتشكلها، تتحول في لحظة غامضة إلى تحفة بديعة تكتنز الكثير من الرقة والحساسية.
فوق هذه المساحة الخاصة تشكلت هوية شابو وأعمالها المميزة. هذه الأعمال التي تتوزع بين قطع الأثاث والأكسسوارات التي تضيف إلى المشهد الداخلي لمسات خاصة، تثري المكان و وتضفي الكثير من الشاعرية على أجوائه وفضاءاته المتعددة.
كراسي وطاولات وحواجز زخرفية، من معادن مطوعة أو ملبسة بأوراق الذهب. بأسلوب بارع ومتفرد يمنح لهذه الأشياء طابعها اللازمني. على أن الأمر الأكثر إدهاشاً في أعمال هذه الفنانة الفرنسية هو التنوع الباذخ في إستخدام المواد.
فمن المعادن مروراً بالأخشاب وصولاً الى الزجاج، حيث توقع شابو مسيرتها الناضجة، بإتقان بالغ للتقنيات المتعددة والمعالجات الإحترافية التي تحتاجها هذه المواد، والتي سعت الفنانة منذ سنوات طويلة لتعلمها من ينابيعها.
فالحواجز (البرافانات) الزخرفية، مثلاً، تعلمت طلاءها بـ«اللاك» خلال إقامتها في الصين لفترة طويلة.
أما مبتكراتها من الزجاج وفنون المائدة، فهي تشكل قطعاً فريدة، مع إمكان تنفيذ العديد منها عند الطلب.
وتشكل الطبيعة المصدر الأساسي الذي تستلهم منه الفنانة مواضيع أعمالها. غير أن الأبعاد التي تضيفها إلى صياغاتها وأشكالها، تجعلها تنتمي الى عوالم سحرية، آفاقها بين الواقع والخيال، لتقترب أحياناً كثيرة من السوريالية.
فهنا سرير بلدقاني مغروس في الحديقة تعشش فوق أغصانه الطيور، وتلك زهرة بنفسج تحولها المخيلة السحرية الى كرسي مدهش الألوان، بينما تعرش على بعض ألواح الزجاج نباتات غريبة، لتكون منه حاجزاً زخرفياً جميلاً تتسلّل من بين أغصانه الوهمية أشعّة الضوء بتأثيرات جميلة غير منتظرة.
وهكذا، لم يكن مستغرباً أن يفتح متحف «أندريه جاكمار» في باريس أبوابه لأعمال شابو، فاستضافت صالاته مجموعة كبيرة من هذه الأعمال المصاغة بالبرونز والحديد المطوع والزجاج المصقول الملون والخشب المنحوت.
أعمال عولجت بأسلوب سوريالي جميل لا يخلو من التعابير الشاعرية، حيث كل قطعة من القطع منحوتة بأشكال لافتة وتفاصيل دقيقة باهرة، تجعل منها تحفاً فنية فريدة، يتزاحم هواة جمع التحف وقطع الأثاث المميزة على اقتنائها.
تعدّدت الأشكال والأعمال في معروضات هذا المتحف الذي كان له الفضل الأول في لفت الأنظار إلى أعمال هذه الفنانة الحرفية بامتياز مما فتح لها مجالات كثيرة لمعارض أخرى.
و من باريس إلى البرازيل وبعض من المدن العالمية الكبرى، تنقّلت أعمال شابو من معرض الى آخر حاملة الى صاحبتها حافزاً جديداً للتطوير والمضي في رحلة الإبداع بعزم شديد وثقة أكبر.
ومع كل معرض جديد، تتنوع السيناريوهات وتتعدد الوجوه السينوغرافية، لتنشر من خلالها حدائق شابو الوهمية، والتي تشكل النباتات والأزهار مواضيعها، عطرها وأريجها في أركان النفس قبل أركان المنزل.
وشابو التي تستلهم الطبيعة في صياغاتها المتنوعة، تقوم بنفسها بتنفيذ المهمات الخاصة بكل موضوع أو تحفة. أنها فنانة شاملة، ولا تبتعد أبداً عن مقصها، مطرقتها، إزميلها، و لا عن ريشتها وصباغ ألوانها.
في سؤال «لها» عن بداياتها الفنية تقول شابو: «عملت باكرا الى جانب الكثير من مهندسي الديكور الفرنسيين ومنهم المهندس الشهير جاك غارسيا.
لكني بدأت خطواتي الأولى في رسم اللوحات المتوسطة الحجم والخادعة للنظر، كما شاركت في معرض خاص في باريس حمل إسم «بيت الأوهام» في حدائق «الباغاتيل» وذلك في التسعينات، هذا المعرض الذي شاهده يومها ما يزيد عن مئة الف زائر.
وفي معرض «إيسباس آرت» في باريس تعرفت الى «دوريس برينر» المسؤولة عن قسم أكسسوارات المنزل في دار «ديور» الراقية فأعجبت بأعمالي وطلبت مني تنفيذ مجموعة خاصة من الصحون والكؤوس المزخرفة بالألوان، لصالح هذه الدار الفاخرة».
وعن تسلّل الطبيعة إلى فنّها وأجوائها تقول شابو: «الطبيعة توحي لي بالكثير من الأفكار، فهي تحرك مشاعري وتدفعني إلى استحضارها بشكل دائم في أعمالي.
وأنا عندما لا أقوم بعمل فني، ألجأ إلى الإهتمام بالحديقة، حيث يتسنى لي التعرف إليها والتعامل معها عن قرب، وهذا ما يسمح للأفكار بأن تأتي إليّ. فالطبيعة بحق هي مصدر الدهشة والألهام وأنا أستمد منها الكثير من الأفكار الثمينة.
لقد كان لي شرف ابتكار العديد من الأعمال الفنية المنحوتة والخاصة بالمنزل، وذلك من وحي هذه الطبيعة، فأنا أقوم بنفسي بأعمال قطع الخشب وصقل الزجاج وقص المعادن وتركيبها وطلائها وكذلك تذهيبها.
ربما رغبة دائمة مني في القول إن أبسط المعادن وأكثرها تواضعاً يمكن ان تأخذ أشكالاً مثيرة وهوية زخرفية مميزة، لا زمنية.
وأنا منذ زمن طويل لم أستعمل سوى الحديد لصنع الطاولات وذلك لقدرتي على معالجته باليد. وبعد ذلك بدأت باستعمال البرونز للحصول على مظاهر أخرى مطلوبة.
أمّا في ما يتعلق بنهايات التفاصيل الزخرفية مثل الأوراق والأزهار وغيرها من الأشكال فإني أستخدم الحديد لقدرتي على تطويعه بنفسي، خصوصاً أني أحب ملامسة المواد والأشياء وشغل تفاصيلها ونهاياتها».
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024