منزل آل هلال الزحليّ...
استغرق تشييد هذا المنزل سبع سنوات. فآل هلال أرادوا أن يكون منزلهم تحفة معماريّة ليكتسب طابعاً خاصاً، ولا سيما أنّه مشّيد في بلدتهم الأم، مسقط رأسهم زحلة، وهي من أجمل المناطق اللبنانية شرق العاصمة بيروت في قلب البقاع اللبنانيّ.
من بين الأشجار الغضّة يشدّنا بناءٌ ضخم يرفل بقرميده الأحمر وحجره الأبيض. تنطبق على هذا المنزل مواصفات القصر بما أنّه مؤلّف من خمس طبقات تحيط بها حديقة فسيحة ومسيّجة، وقد احتوت على أشجار مثمرة يحلو للناظر أن يتأمّلها وخصوصاً كروم العنب وأشجار الفاكهة والصنوبر.
الجوّ هنا هادئ ومنعزل تماماً عن زحام المدينة. من المدخل يشعر الزائر بأناقة المكان، إذ يعبر بوابة أنيقة تقوده إلى الباب الرئيسي الذي تسبقه خمس درجات بشكل نصف دائريّ من الرّخام العريق.
وما أن تطأ قدمنا العتبة حتى يفتح باب من الخشب الابيض المقنطر يطالعنا بعده جناح الإستقبال المؤّلف من ثلاثة صالونات، تكتسي مفروشاتها حلّة حريريّة من تصميم المالكة السيدة كلود التي استوحتها من أيّام طفولتها. واللافت أنّ النفحة الكلاسيكية غالبة، سواء في الكنبات أو الستائر أو الثريّات المتشابهة في كلّ الجلسات.
هنا حائط إلى يمين المدخل الكبير علّقت عليه مجموعة من صحون الليموج الفاخرة، وهناك، إلى يمين الباب ويساره لوحتان زيتيّتان وضعتا داخل إطار من الخشب المذهّب والمزخرف من رسم نيفين رزق إبنة الماليكن، وقد خصّت المنزل الوالدي بأروع ما رسمت يداها مكمّلة العمل الهندسي الذي قامت به والدتها، بما أنّها هي من اعتنى بالخيوط العريضة والصغيرة لإتمام هندسة المنزل.
وقد استوحت نيفين هذه اللوحات من الرسم التجريدي. وإلى يمين باب المدخل، يستوقفنا كرسي «برجير» من الطراز الروماني مغطّى بقماش من العمل اليدويّ الفاخر والمعروف بالـ «أوبوسون».
أحد الصالونات إتّشح بالكلاسيكية البحتة ولبس الحرير الأبيض من طراز لويس السادس عشر، إطاره من الخشب المذهب، عبارة عن مقعد مستطيل إلى جانبيه، وفي الجهة المقابلة مقعدان منفصلان تتوسّطهما طاولة من الخشب المنحوت الأبيض والمذهّب، وجهها الأعلى من حجر الرخام.
هذه الجلسة تماشت بالشكل واللون والطراز مع غرفة الطعام المجاورة ذات القيمة التاريخيّة من الطراز الفرنسي، تداخلت فيها عناصر عدة من فنّ النحت والرسم. فالخشب الأبيض مزخرف ومطعّم بورق الذهب من طراز «بيار كاردان»، منقوش برسوم على شكل ورود ناعمة للطاولة والدروسوار والفيترين.
وتزيّنت الطاولة بالقماش الحرير من الطراز الفرنسي «برودري».
ولتكتمل عناصر الرفاهيّة، انسدلت الستائر الحرير من السقف خلف الكورنيش الجفصين المعتّق والمرسوم، متناغماً مع إطار اللوحات التي زيّنت معظم الجدران. الأرض من الرخام الأبيض المعرّق بالرمادي «كاريرا»، وقد ازدانت بالسجّاد العجميّ بأحجامه وألوانه المختلفة.
وسطع النور من ثريّات من البرونز «ريجنسي» تكرّرت هي نفسها في كلّ الجلسات، وحتى في الصالونين الآخرين الأكثر عصرية حيث غاب الخشب المحفور.
وبالوصول إلى جلسة المدفأة، فهي فرنسية الطراز، الحائط الذي وضعت عليه مكسوّ باللون الأزرق الداكن استراحت عليه لوحات زيتية، وفي وسطه مدفأة من الحجر المنحوت الأبيض.
أما المقعد المستطيل المخصّص لجلسة المدفأة فجاء قمّة في الإبتكار بلونه الناريّ.
وللفنّ ركنه الهادئ وسط الاجواء الجبلية النقية، حيث شغل البيانو من الخشب الأسود ركناً خاصاً في آخر الجلسات.
والثريّات وجدت طريقها الى المطبخ أيضاً، وقد تدلّت إثنتان جنباً إلى جنب فوق الطاولة الكبيرة من الخشب البني، مكمّلتين الأجواء الفرنسية. ويلفت هنا اللون الأزرق الفيروزي للخزائن من خشب السنديان المصنوع في منطقة زحلة.
الدرج من الحديد المشغول الأسود يقود إلى الطبقة العلويّة حيث غرف النوم الخمس التي إنطبعت بالنفحة الإيطالية، لتأتلف بذلك عناصر الإنسجام بين الحضارات، مكمّلة سمفونية الجمال التي طبعت هذا المنزل من الداخل والخارج.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1078 | تشرين الأول 2024