منزل الإشراق والفرح...
من التحف ما يتلعثم اللسان أمامها، وتأبى الكلمات أن تقال فيها ليقينها أنها لن تفيها حقّها. إنها حال هذا المنزل الذي صممه المهندس بول أنجم. عندما درس الهندسة لم يكن يعلم أن طموحه الكبير سيقوده إلى تصميم بيوتٍ ملكية وفنادق ضخمة، لتنتشر أعماله في أكثر من دولة وبلد.
ولكي يتوّج جهوده ببصمة خاصة وبدقة فائقة أنشأ مصنعاً لتصميم الأثاث، وهكذا يتابع أعماله حتى النهاية مروراً بأدق التفاصيل. نحن هنا في حضرة الجمال الذي رسم خيوطه المهندس أنجم على مساحة سبعمئة متر مربّع في شقة سكنية شمال بيروت، مصمّمة من الخارج وكأنّها مسكن خاص، إلا أنّها ضمن بناية.
يفتح باب المنزل على جوٍ من الرفاهية والأناقة ومزيج العصرية والكلاسيكية معاً. وأبرز دليل على النفحة العصرية، الألوان التي تطالع الزائر في صالونات تفتح مباشرة على ردهة الإستقبال. الطراز النيو كلاسيكي هو الأحب إلى قلب المهندس لاّنه يعتبره عصرياً ويدوم في آن واحد.
مشتقات الألوان من البنفسجي الداكن والزاهي تجعل المنزل فرحاً ومشعاً. الزخرفة والعمل الحرفي في الخشب حاضران في كلّ ركن، وهما جزء من العمل الذي يقوم به مصنع المهندس.
أحد هذه الأعمال توّج في جفصين سقف ردهة الاستقبال حيث انبعثت الإنارة غير المباشرة من هذه الرسوم، وزادها إشعاعاً اللون الأصفر لورقة الذهب المستخدمة في وسط الجفصين.
تكرّرت هذه الزخرفة في معظم الجلسات وكأنّها توقيع خصّصه المهندس أنجم لهذا المنزل. كما أنّ الزخرفة مستخرجة من قماش أحد الصالونات، وهي عبارة عن ورقة زهور مستوحاة من الطبيعة.
ولعلّ أكثر ما يحدّد هوية أصحاب المنزل، أسماؤهم التي حُفرت أحرُفها بشكل عمودي على لوحة من الحجر الطبيعي شمال الممرّ الذي يمهّد لدخول الصالونات الفسيحة ذات المقاعد الوثيرة، وهي تذكّر بطريقة كتابتها بالأحرف الأبجدية الفنيقية.
وبعد أن يدخل الزائر ويضع معطفه في الخزانة المخصصة لذلك، تجذبه الواجهة الزجاجية التي تسمح برؤية ما في داخلها، ويطالعه حائط امتزج فيه الحجر والخشب والقماش.
القسم الأوّل منه من الحجر اللبناني المنشأ معروف بإسم ميس الجبل، بعده إطار من الخشب العريض بلونه الداكن ضمّ قماشاً باللون البنفسجي علقّت في وسطه لوحة زيتية إطارها من الخشب المزخرف والمذهب، وتربّعت أمامها كونسول قديمة الطراز.
ونصل الى الصالون الأوّل، لنرى حائطا شبيها بما طالعنا في المدخل لكن قماشه بلون الكاكاو مع إطار خشب أخفّ سماكة، واللوحة في الوسط أكبر حجماً تجسّد وليمةً احتفاء بضيوف كثر.
وبعد تأملّ الجدران، لا بدّ من التوقف ملياً أمام كرسيين لم يحجبا الرؤية بفضل الدوائر التي حفرت في وسط الظهر من تصميم المهندس وتنفيذه، ينبئان بجوّ من الإبتكارت غير المألوفة ميّزت عمل المهندس.
الصالون البنفسجي الذي ضمّ هذين الكرسيين من الحرير والقماش معاً. الرسم المنسوج في الخيوط الحرير هو الذي استوحى منها المهندس الـ «لوغو» أو التوقيع الخاص بهذا البيت، وظهرت في الخشب البرونز المحفور لقاعدة الطاولة التي تربّعت في الوسط، جزؤها الأعلى من الزجاج.
وفي زاويتي هذا الصالون ارتفع مصباحان على طاولتين صغيرتين قاعدتاهما مزخرفتان أيضاً برسوم طاولة الوسط نفسها، وقد انبعثت الإنارة منهما عبر قماش حرير بنفسجي، وتدلّت حبات الخرز البنفسجية. أما تصميم الأرائك فيكمل حكاية الإبتكار والجمال، إذ إنها عبارة عن مربعات من الحرير منها المزخرف ومنها الموحّد.
ولكي لا تحجب الرؤية بين الصالونات، وُضع معقدٌ فاصل من دون ظهر بلون بنفسجي زاه، أقرب إلى الصالون الثاني المقابل. وعلى الحائط الفاصل بين الصالونين لوحتان من الحجر المنحوت تذكّران بلوحة الأسماء بعد المدخل، كما بالطاولة في وسط الصالون الثاني التي حفرت على جانب منها لوحة من الحجر اخترقت الخشب الداكن. هذا الصالون متجانس في الألوان، فهو من البنفسجي المائل إلى الرمادي المقلّم والموحد.
أما الصالون الثالث المخصّص للمدفأة فهو ناري، من البوردو الضارب إلى الأحمر، مزيج من جلد الحصان وجلد البقرة. وقمة الإبداع الهندسي تجلّت في تصميم حائط المدفأة الذي تعلوه مربعات من القماش، عندما تفتح إلى اليمين واليسار يظهر خلفها جهاز التلفزيون.
وعلى الجانبين رفوف من الخشب إنارتها مخفية ضمّت مجموعة من الكريستال الفاخر. وفي الوسط طاولة إمتزج فيها الخشب والحجر والزجاج المزخرف، حتى إذا فتحت تعبق منها رائحة الورود التي زيّنتها من الداخل تحت الزجاج. وبالوصول إلى غرفة الطعام التي تزهو بلونيها الأبيض للمقاعد الكثيرة التي ارتفعت حول الطاولة والبني للخشب، نكون قد وصلنا إلى آخر جلسة من قاعات الإستقبال قبل الإنتقال إلى الخارج الذي لا بدّ من التوقف عنده ملياً.
فالمنظر البانورامي الخلاب في انتظارنا لتأمله على المقاعد البامبو التي افترشت "التيراس"، متناغمة مع الشتول الخضر.
هذا المنظر الخلاّب الذي يطلّ عليه المنزل يمكن رؤيته من الداخل، بما أنّ الواجهات الزجاجية كثيرة والستائر الحريرية البيج تفتح بطريقة تصاعدية لإدخال أكبر كمّ من الضوء، إلى جانب الإنارة التي انبعثت من الجفصين في الصالونات والمصابيح التي توزّعت في كلّ الجلسات، كما من الثريا الكريستال الضخمة التي أضاءت غرفة الطعام، وعكست بريقاً فائقاً على الأرض من الرخام الأبيض المعروف بـ "الكريم مارفيل" والذي تغطى جزء قليل منه في الصالونات بالسجاد الحرير الإيراني.
ولغرفة الجلوس الخاصة بالعائلة حصة الأسد من الدفء، مقاعدها من الجلد الأبيض والأرائك البنية، وقد تزيّن حائطها الأبيض بأربع لوحات نارية الالوان. مكتبتها التي احتلت كلّ الحائط لافتة، إذ إنها تجسد لعبة الشطرنج، فهي مربعات من الخشب المضاءة بإنارة داخلية ألقت الضوء على تماثيل إفريقية معظمها يجسّد سيدات.
وبما أنّ المنزل مصمّم بطريقة مريحة توحي الإشراق والفرح، أشعّت الشمس حتى من حمّام الضيوف الذي صمّمت مرآته على شكل شمس، تتدفّق تحتها المياه كشلاّل في حوضٍ من الرخام استلقى على خزائن من الخشب.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024