الديزاين يقترح علاقات جديدة!
عاماً بعد عام تتضاءل المسافات وتبهت الحدود بين الديزاين والفن. بالطبع المسألة ليست بهذه البساطة. فالمساحة الفاصلة بين الموقت والدائم، بين الزمني واللازمني ستبقى على الدوام ليس هاجساً فلسفياً أو نظرياً فقط، وإنما أيضاً هاجساً عملياً وتطبيقياً. وفي فضاء هذه المساحة تبرز المواهب وتنطلق الإبداعات.
الجيل الجديد من المصممين، يحلو له - وبجسارة فائقة - أن يسكن في هذه المساحة الغامضة، بل ويحلو له أحياناً كثيرة أن يعمل على زرعها بأفكار وإبداعات تساهم في تحويلها الى منطقة توافق بين الديزاين والفن، أكثر منها مساحة فصل. وإذا كان صحيحاً أن التصاميم والمبتكرات التي تنتجها مخيلات هؤلاء المصممين لا تزال تحتفظ بشروطها الوظيفية الصارمة - تلك التي يتطلبها الديزاين - من جهة.
من جهة ثانية، تسعى لحيازة شروط إستمرارها من خلال القيم الجمالية التي تكتنزها، وتدفع بأبعادها الشكلية واللونية الى آفاق يصعب تحديدها.
وفي هذه المبتكرات المتنوعة يلتقي الجد بالهزل، الرصانة بالدعابة، الجسارة بالتحفظ.. مبتكرات تكشف عن وجه آخر لمخيّلات خصبة، ولكنها تعكس قلقاً خفياً على الإنسان المعاصر.
هو قلق عليه، من الضعوط التي تفرزها الحياة اليومية، متطلباتها، شروطها، إيقاعها، ومستلزماتها. وهكذا تبدو هذه المبتكرات وكأنها إسهام جوهري في منحنا لحظات ماتعة يمكن لها أن تعيننا على التحمّل، وتفتح أمامنا نافذة الى عالم مضيء آخر. عالم لا تزال الابتسامة عنصراً من تركبته، ولا تزال البهجة ملمحاً من قسماته ولا يزال المرح نشاطاً من فعالياته.
مبتكرات وإبداعات لا تكتفي بحضورها الوظيفي والجمالي في الأمكنة، بل توفر حضوراً خفياً، ولكنه نشط وتفاعلي، يصل الى حدّ التحريض، ليس من خلال الأسئلة التي يثيرها، بل من خلال الإجابات التي يقدّمها لكل أسئلتنا التي تغيب في زحمة الحياة ومشاغلها.
ومن هذا المنظور، سيتجاوز تعاملنا مع هذه المبتكرات والإبداعات، كونها قطع أثاث أو اكسسوارات، يستدعي وجودها ضرورات الزخرفة والديكور .
فنحن هنا أمام ضرورات شخصية، تتعلق بالأمزجة والرغبات والميول، وقد تصل الى حد العلاج للانعتاق من تراكمات التفاصيل البالغة الجدية، والمرهقة في حياتنا اليومية.
أعمال تضفي على داخل منازلنا روحاً جديدة، تذكّرنا بالحاجة الملحة الى تبديد القتامة وتنقية أجوائنا بدعابات غير مجانية.
وهي من خلال وجودها بيننا، تؤكد ضرورتها ليس فقط لاستخداماتها، وإنما أيضاً من أجل إقامة حوار مستمر بينها وبين كل ما يحيط بها.. فهي ليست رهينة للمكان، ولكنها شريكة في حيويته، وفي عبقريته أيضاً.
والرسائل التي تحملها إليه، ليست مجرد رموز وإشارات، بل هي معالم واضحة لتجليات تتخطّى الألوان والأشكال، وتتجاوز الصورة، لتصل إلى حدّ السعادة.
وإذا كانت هذه الأعمال لا تنطلق من قواعد مألوفة، فهي لا تهمل المألوف، وموادها المتنوعة تتراوح من أكثر المواد نبلاً الى أكثرها بساطة وابتذالا.
فهي من الأخشاب أو المعادن أو الزجاج أو الكريستال أو الجلود أو الأقمشة وصولاً الى المواد المصنّعة والأكثر حداثة. وربما أيضاً مواد لم تكن تخطر في البال. كذلك مروحة الألوان البالغة الاتساع والأشكال المبتكرة التي لا حصر لها.
كل هذه عناصر تضمن انسجامها مع كل الأساليب، وتؤمن التلاؤم مع كل الطرز، وتلبّي انتظارات كل الأمزجة والأذواق. ولعل أقصى ما تبلغه هو إمكان تشكّلها مع بعضها - على اختلاف مشارب مصمميها - لتؤسس طرازها الخاص وأسلوبها الحصري.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024