قاموس الجمال...
قصر لعائلة سياسية عريقة يغسل قدميه في موج البحر شمال بيروت. في هذه المساحة المترامية لا مغالاة في القول إن الإبداع ينحني أمام ريشة المصمّم جان كلود ملحمه ليكلل رأسه بتوقيعه ويمهره بختمه. فماذا في التفاصيل؟
توزّعت التصاميم الهندسية اللافتة في أرجاء ثلاث طبقات من ألف متر مربع، كأنها من قصص ألف ليلة وليلة. في مرتبة وسطى بين الكلاسيكية والعصرية يصنّف هذا المنزل، فيأخذ من الكلاسيكية هيبتها ومن العصرية أناقتها وراحتها.
البناء الخارجي من الحجر المنحوت زيّنته قنطرة شاهقة تستدعي الناظر من بعيد. ويفتح الباب العملاق على آخر من الخشب المزخرف بطريقة فنية. ويزيد المدخل جمالاً الشتول الخضر التي انسدلت فوقه. وها قد شُرّع الباب ليكشف مساحة مترامية ملأتها كلّ عناصر الخيال المتّقد. رخام البهو الداخلي دائرة كبيرة إختلطت فيها ثلاثة أنواع من الرخام الفاخر لترسم لوحة أخاذة. الشكل المستدير في الأرض قابله درج دائري يقود إما إلى الطبقة العلوية حيث غرف النوم وإما إلى الطبقة السفلى المخصصة للسباحة والإسترخاء. وكلّ طبقة مساحتها 300 متر مربع. وبالعودة إلى قاعة الإستقبال، فقد وضع إلى يمين الردهة مقعدان من القماش الحرير الزهر، وإلى اليسار خزانة من الخشب. وبعد قاعة الاستقبال حاجب ضخم من الخشب تخلّلت إطاره بعض الزخرفات، يحدّد الممرّ نحو الصالونات الأربعة وغرفة الطعام وقاعة الجلوس.
في الصالونات تتجسد قصة تناغم الحجر والخشب. الصالون الأوّل الذي يطالع الزائر تصميمه عصري طغى عليه لون القماش الداكن وتطعّم باللون البنفسجي في الأرائك وفي مقعدين من القماش المقلّم باللون بالنفسجي، إلى جانب الألوان الداكنة.
أما الثاني فلا يقلّ روعة بمقاعده الثلاثة الوثيرة الزهرية والبنية، وفي الوسط طاولة خشب متناسقة مع لون الأثاث. ولمزيد من التفنن، تدلّت من السقف أربعة مصابيح تضفي على المكان الحميمية المطلوبة.
وليس بعيداً من هنا، صالون ثالث تستدعي مقاعده الضيف من بعيد لكثرة ما توحي الراحة والإسترخاء. كنبتان كبيرتان نقش قماشهما بالمسامير، ومقعدان مفردان يحلو الجلوس عليهما، وتتوسط الصالون طاولة من زجاج لبست أطرافها اللون الذهبي.
ويقابل هذه الجلسة ما يوازيها روعةً وتفنناً: أربعة مقاعد من الجلد تتوسطها طاولة، وتزين المكان مدفأة وواجهة ضخمة من الزجاج، تضيء الصالونات وتظهر فخامتها أكثر بفضل الستائر الحرير المنسدلة من السقف كأنها شلال من البلور، على غرار الجلسات الأخرى.
لا يُعطى لأيّ كان أن يأتي بالتحف، ولا للمخيلة، مهما أبدعت، أن تتجاوز حدود المعقول، إلا في قاموس المهندس ملحمه، الذي لم تُطبع منه إلا نسخة واحدة. وفي هذه النسخة نقلّب صفحات تكاد لا تنتهي، الواحدة أكثر إشراقة من الأخرى، ومنها مثلاً غرفة الطعام التي تبدو بكراسيها الاثني عشر وطاولتها الأنيقة صورة للتأمل أكثر منها غرفة طعام للإستعمال. ولعلّ ما يزيدها تميّزاً هو أن كرسيي الطرفين فيها ضخمان وأكبر حجماً من سائر الكراسي، وقد ازدانا بقماش مختلف عن المقاعد الأخرى.
ويقابل الطاولة إطارٌ ضخمٌ من الخشب تتوسطه لوحتان مرسومتان تحضنان وروداً حمراء، وفي أسفله دروسوار. وقد ارتدى أحد الجدران الفاصلة بين هذه الغرفة والمطبخ، الحجر الناعم الملمس، وعلقت عليه لوحتان زيتيتان. وتتدلى من السقف ثريا من الكريستال، لكأنها تمطر نجوماً.
ولأنّ لغرفة الجلوس في المنزل حيزاً مميزاً، فقد أفرد لها المهندس ملحمي ركناً هادئاً، أثاثه كنبةٌ رماديةٌ ضخمةٌ ووثيرةٌ ومقعدٌ أحمر من الجلد، مع طاولة سوداء للوسط. ولا تحلو الجلسة إلا مع المدفأة وجهاز التلفزيون.
اللون البنفسجي رافقنا إلى الطبقة الثانية المخصّصة لغرف النوم. فغرفة نوم المالكين أتت مزيجاً من اللونين البني للخشب والبنفسجي للقماش، إلى جانب اللون الفضي في إطار السرير. كما أن مزيج الألوان الثلاثة للرخام إنتقل أيضاً إلى هذه الغرفة، ولكن بتصميم مختلف عن الصالونات. وإلى جانب هذه الغرفة غرفةٌ طغى عليها الخشب، مخصّصةٌ للملابس نظراً إلى كثرة الخزائن. أما الحمام فضمّ جاكوزي بشكله المستدير وتزيّن بثلاثة ألوان من الرخام.
لكلّ غرفة لونها ونكهتها الخاصة. واحدةٌ حمراء وثانيةٌ زرقاء مخصصةٌ للصبيان، وإلى جانبها حمامٌ توشّى بالأزرق، وثالثةٌ ورابعةٌ طغى عليهما اللون الزهر، إلى حانبهما حمامٌ اكتسى الزهر أيضاً.
وإذا كانت الفخامة هي العنوان العريض لكلّ ركن من أركان هذا المنزل، فإنّ للاسترخاء طبقةً كاملةً هي الطبقة السفلية حيث حوض السباحة والجلسات الصيفية. التصميم هنا كالعطر، لا يوصف، بل يعاش.
وكالماء ينساب إلى عمق أعماق كلّ متعطّش للجمال، تماماً كما ينساب الماء شلالاً من أحد الجدران المقابلة لحوض السباحة الداخلي، لينسكب فيه منعشاً ومدهشاً في آن واحد.
الحوض دائريٌ ويضيق عند وسطه، وقد طغى عليه، إلى جانب الأزرق، البنّي من خلال الرخام المستخدم في تصميم القاعة. ويقابل الحوض جلساتٌ عدة منها ما هو في الداخل ومنها ما هو على الشرفة من خشب البامبو والقماش الأبيض، كلها مطلّة على بحر منطقة الشمال اللبناني.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1078 | تشرين الأول 2024