الطراز الصناعي في الديكور
تتعدد الأساليب والأنماط وتتنوع الاتجاهات والميول في الديكور، ويبقى الهدف بينها مشتركاً: توفير الرفاهية داخل المنزل وتفعيل وظائف مساحاته العملية. ومن الاتجاهات السائدة اليوم: الطراز الصناعي. بدأ في الخمسينات بهدف تأهيل المحترفات الفنية، بعد الحرب، وما لبث أن استهوى الكثيرين من عشاق البساطة والحداثة في آن واحد. للوهلة الأولى يبدو النمط الصناعي بارداً وقاسياً، وقد يعود هذا الشعور الى طبيعة المواد التي تستخدم في صياغته. وتشكل المعادن فيها نسبة كبيرة، مثل الحديد الصلب والزنك والصفائح المعدنية.
غير أن ذلك لا يعني غياب مواد أخرى مثل الخشب وبعض المواد الصناعية الحديثة. ذلك ان هذا النمط من الديكور يعتمد أساساً على مخلفات صناعية ومواد مستعادة من المصانع القديمة والورش الحرفية. على أن ذلك لا يعني إستعمالها بشكل فج، بل تخضع لعمليات اصلاح وترميم وتجديد وإعداد لكي تلائم الحاجات المطلوبة. والواقع أن هذا النمط، بدأ يكتسب جاذبيته من خلال شيوع ما يسمى «اللوفت»، وهي في الغالب مساحات من مبانٍ صناعية قديمة أو مهجورة، وكانت عمليات تأهيلها للسكن تسعى للمحافظة على بعض ملامحها الأساسية. وهي ملامح تستدعي من مهندس الديكور أخذها في الاعتبار عند العمل على المساحات المختلفة فيها. ومن هنا كان إستدعاء عناصر لها مظهر صناعي ضرورة جمالية ملحة، من دون إهمال جوانبها الوظيفية.
عناصر ونماذج
كثيرة هي النماذج والعناصر، المؤهلة لهذا الغرض. وهي رغم كونها تأتي من أكثر من مصدر، فإن قاسماً مشتركاً يجمع بينها، ومع بعض الجهد، يمكن أن تشكل وحدة متناغمة ومتآلفة صالحة لتوليد نمط جديد من الديكور الداخلي. .... مكتب عاش طويلا في دائرة لتوزيع البريد، او خزانة حديدية حمراء تخرج للتو من ثكنة لرجال الاطفاء، أو رفوف خشبية سميكة كانت تصف فوقها لفائف القماش في مصانع للنسيج، أو كراسٍ انبوبية ومقاعد عالية من الصفيح، وقناديل إضاءة بأذرع ذات مفاصل متحركة، أو طاولة للنشر قُصّ ساقاها لتعديل ارتفاعها مما يتيح استعمالها في الداخل. أشياء كثيرة أصبحت متوافرة أيضاً ليس في أسواق البرغوت والمتاجر المتخصصة بهذا النمط من الأثاث فحسب، بل سنجد اليوم أن قطعاً كثيرة تخدم هذا النمط أصبحت تعرض في متاجر وغاليريات كثيرة. وهذا، بالتأكيد يعكس الاقبال وزيادة الطلب عليها، فقدأصبحت اليوم تغذي الكثير من المشاريع الزخرفية المختلفة. بل سنجد أن الكثير من مهندسي الديكور الذين ينتهجون في أعمالهم أسلوب المزج بين الأنماط، لا يترددون في تطعيم مشاريعهم ببعض القطع والعناصر ذات المظهر الصناعي.
لقد نجح مهندسو الديكور في إعطاء هذا الطراز ما يستحقه من أهمية، بعدما تزايد الطلب عليه، مما دفع التجار الى العمل بجهد على تأمين العديد من القطع التي تعتبر تحفاً نادرة. لقد جردوا الكثير منها من كل وسائل التنميق لاعطائها مظهر المعدن الأصلي الخام وصرامته، فأصبح من السهل إيجاد بعض قطع الأثاث بألوانها الأصلية، او بمظهر يتراكم فوقه الصدأ كشاهد على اصالتها التي صنعتها السنون.
مجهولون
كثير من قطع الأثاث الصناعي ابتكرها مصممون مجهولون أو أصحاب المحترفات وفقاً لحاجتهم العملية، ليتناقلها الناس بعد ذلك كما هي، أو بعد اجراء تعديلات طفيفة عليها لتتكيف مع المساحات الحاضرة المعدّة لها.
ولعل الميزة الأهم في هذا الأثاث انه عصري بامتياز واقل كلفة، كما يتضمن في بساطته جماليات خاصة لا تحتاج الى بهرجة أو زوائد.
ربما كان هذا السبب الذي دفع الكثير من مهندسي الديكور الى اختيار هذا الأثاث لتأهيل مشاريعهم الزخرفية ومساكنهم، فنجد على سبيل المثال المهندس والديزاينر الشهير فيليب ستارك يستعين ببعض عناصر الإضاءة الخاصة بالمصانع والمحترفات الفنية لزخرفة مشروع مطعم صممه في بونس ايريس عاصمة الأرجنتين، وذلك لما تمثله هذه العناصر من حضور أنيق وطابع لا زمني.
قد نحب هذا النمط من الأثاث أو لا نحبه، لكننا لا يمكن تجاهل ما يحمله من رموز كثيرة فمظهره يحكي حكاية أجيال مضت، ابتكرت هذا الأثاث كأداة عمل، شارك في صنعها أحياناً كل أفراد العائلة. كما ان مواده الأصيلة تحمل في ذاكرتها الكثير من الكدمات والجهود، ولقد عمل المصممون على تقديمها بأساليب أقل ضخامة ووزنا وأكثر تكيفا مع جو العصر والمزاج الزخرفي الحاضر. كذلك فإن الكثير من الماركات عملت على اعادة انتاج الأثاث الصناعي بأشكال وأحجام ملائمة، فاتحة له ابواب كل الغرف والصالات والمطابخ، ليمارس جاذبيته في كل ركن مكرسا نفسه نجماً عصرياً جديداً في سماء الموضة. ولمَ لا، فهو الى جانب طابعه الفني الجميل أنيق وعملي ومفيد في كل صيغة من صيغه واسلوبه.
في مثال على ذلك، فان الحلول التي تبنتها مصممة الديزاين هارييت ماكسويل ماكدونالد في تصميم شقتها الواقعة في حي مونمارتر في باريس أسست لصياغات زخرفية مناسبة لهذا النمط من الأثاث، الذي طرحت من خلاله الكثير من المفردات الجمالية اللازمنية التي استمدت حيويتها من خصوصية المكان واجوائه الهندسية التي تعود بتاريخها الى عشرينات القرن الماضي.
وقد ساهم استخدامها لبعض القطع المستعادة والمدورة من المعدن والخشب في تحويل الشقة الى مكان أليف ينبض بذكريات الأمس واجوائه. وقد توزعت فيه قطع صغيرة من الأثاث الصناعي المعدل الأحجام بتمازج انيق مع بعض الطرز الكلاسيكية القديمة في لعبة تميزت بالبساطة والانسجام من أجل أجواء انيقة دافئة ناعمة.
أما محبو الأجواء الصادمة فلهم حرية واسعة في الاختيار، لما يتضمنه هذا الطراز من الوان تؤمن التأثير المطلوب لتأكيد هوية الأثاث، وذلك من خلال اللجوء الى بعض الحيل الزخرفية المكملة للديكور كطلاء الجدران بطبقات من الكلس الأبيض أو البيج بتراتب بعيد عن الدقة والكمال، يركز على ابراز عيوب في الجدران لتشبه جدران المصانع القديمة، أو تزيينها بملصقات والوان صارخة، مع استعمال ارضية من الإسمنت أو الخشب المؤكسد، مستبعدين تماما فكرة «التوتال لوك» واللعب على التأثيرات والألوان الساخنة.
شاركالأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024